السلام
كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المنجيات |
عباد الله: إن السمع نعمةٌ عظيمة من نعم الله، فبالسمع تُعرف الخيرات، ويُهتدى إلى طرق البر والأبواب الصالحات. وبالسمع يُسمع كلام الله -عز وجل- القرآن، ويُسمع كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وبالسمع تُتلقى العلوم وتكون المخاطبات والتفاهمات؛ فما أعظم النعم التي تصل إلى الإنسان من سمعه، بل إن السمع بوابةٌ رئيسة، ومدخلٌ عظيم للقلب؛ فمن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، ما ترك خيراً إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شراً إلا حذَّرها منه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى- واشكروه -جل وعلا- على نعمه العظيمة، ومِنَنه الجسيمة التي لا تُعَدُّ ولا تحصى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)[النحل: 53].
عباد الله: وإن من نعَم الله العظيمة علينا: نعمة السمع، ألا ما أجلَّها من نعمة! وما أعظمها من عطية ومنَّة! ولنتفكر -عباد الله- بهذا السمع الذي منَّ الله علينا به كيف حالنا لو كنَّا فاقدين له؟
إنها -والله- نعمة عظيمة، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النحل: 78]، وقال الله -تعالى-: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)[الإنسان: 2]، وقال الله -تعالى-: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ)[الملك: 23] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
عباد الله: إن السمع نعمةٌ عظيمة من نعم الله عليك، فبالسمع -عباد الله- تُعرف الخيرات، ويُهتدى إلى طرق البر والأبواب الصالحات.
وبالسمع -عباد الله- يُسمع كلام الله -عز وجل- القرآن، ويُسمع كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وبالسمع تُتلقى العلوم وتكون المخاطبات والتفاهمات؛ فما أعظم النعم التي تصل إلى الإنسان من سمعه، بل إن السمع -عباد الله- بوابةٌ رئيسة، ومدخلٌ عظيم للقلب؛ فمن وُفِّق لحفظ سمعه فإن في حفظه له خيراً عظيماً في سلامة قلبه، وسلامة نفسه، وسلامة سلوكه.
بخلاف -عباد الله- من أرخى لسمعه العِنان، وأخذ يسمع كل شيء بدون ضابطٍ وبدون قيد وبدون خوفٍ ولا مراقبةٍ لله -تبارك وتعالى-.
والسمع -أيها المؤمنون- نعمةٌ يسأل الله عنها الناسَ يوم القيامة، قال الله -تعالى-: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)[التكاثر: 8].
قال ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "النَّعِيمُ: صِحَّةُ الْأَبْدَانِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ، ليَسْأَلُ اللهُ الْعِبَادَ فِيمَا اسْتَعْمَلُوهَا وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[الإسراء: 36].
نعم -أيها المؤمن- إن الله -عز وجل- سائلك يوم القيامة عن سمعك ماذا كنت تسمع به؟ فحقيق على عبدٍ منَّ الله عليه بهذه النعمة وأكرمه بهذه العطية أن لا يستعملها إلا في طاعة الله، فإنَّ من شكرك لله -عز وجل- على هذه النعمة أن لا تستعملها إلا في طاعة الله وفيما يرضيه سبحانه وتعالى.
والمسموعات -عباد الله- التي تُسمع بالآذان تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مسموعٌ يحبه الله -تبارك وتعالى- ويرضاه؛ كسماع الذكر والعلم، وكلام الله -عز وجل-، وأعظم شيءٍ تشْرُف الأسماع باستماعه وتزدان الآذان بالإصغاء إليه: كلام الله -تبارك وتعالى-، أشرف الكلام وأجلُّه على الإطلاق.
والنوع الثاني -عباد الله-: سماعٌ محرم ومسموعاتٌ محرمات؛ وذلك بأن يستمع الإنسان إلى اللهو والباطل وأنواع ما حرَّم الله عليه استماعه.
والنوع الثالث: سماعٌ مباح، أباح الله -عز وجل- للعبد أن يستمع إليه.
والواجب على العبد أن يحرص على استعمال سمعه فيما أباحه الله له وفيما أوجبه الله -تبارك وتعالى- عليه، وليحذر من خلاف ذلك.
ولله -عز وجل- في كل عضوٍ من الأعضاء أمرٌ وله فيه نهيٌ وله فيه نعمة؛ فمن استعمل العضو فيما أمَرَه الله به وجنَّبه ما نهاه الله عنه فإنه قد قام بشكر ذلك العضو.
عباد الله: وللسمع شرٌّ يُستعاذ بالله -تبارك وتعالى- منه، وفي جامع الترمذي عَنْ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي تَعَوُّذًا أَتَعَوَّذُ بِهِ؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِكَتِفِي، فَقَالَ: "قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي" فعلَّمه عليه الصلاة والسلام هذه الدعوة العظيمة التي يجدر بنا -عباد الله- أن نُعنى بها ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه أنواع الفتن وكثرت فيه -عباد الله- تلك الآلات الكثيرة التي بأيدي الناس وفي سياراتهم وفي بيوتاتهم، وقد تورَّط كثير من الناس من خلال تلك الأجهزة والآلات بأنواع من السماعات المحرمات مما كان سبباً في مرض القلوب وضعف الإيمان ورقَّة الدين.
وقد أكرم الله -عز وجل- بعض عباده فأحسنوا استعمال تلك الآلات فيما يرضي الله -جل وعلا- وجنَّبوا أنفسهم بتوفيق من الله -عز وجل- استعمالها فيما يضر وفيما يسخط الله -جل وعلا-.
أيها المؤمنون -عباد الله-: وإن من لم يستعمل سمعه فيما يرضي الله واستعمله فيما يسخطه سبحانه فإنه يعرِّض نفسه ويعرِّض سمعه للعقوبة الأليمة يوم القيامة، إضافةً إلى ما يكون لبعض الناس أو لكثير منهم من عقوبات معجَّلات، وفي الحديث - حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواه البخاري)، والآنك: الرصاص المذاب.
وهذا مثال -عباد الله- من أمثلة كثيرة لعقوبة من لا يستعمل سمعه فيما يرضي الله، بل أخذ يستعمله في الحرام وفيما يُغضب الله -تبارك وتعالى- ويُسخطه.
نسأل الله الكريم، السميع البصير، العليم الحكيم، أن يعافينا أجمعين في أسماعنا وفي أبصارنا، وأن يبارك لنا أجمعين في أسماعنا وأبصارنا وأفئدتنا، وأن يوفقنا لاستعمالها فيما يرضيه إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: اتقوا الله -تعالى-؛ واشكروه -جل وعلا- على نعمه، فإن شكر النعمة سببٌ للمزيد، كما أنَّ كفران النعم سببٌ لزوالها.
عباد الله: ولنتفكر -والحديث عن نعمة السمع- في رجلين: أحدهما: أخذ يستمع إلى القرآن أو يستمع إلى موعظةٍ مؤثرة أو إلى خطبةٍ نافعة أو كلماتٍ مسدَّدة؛ كم لذلك من أثر على قلبه من زيادةٍ في الإيمان وقوةٍ في اليقين، وحرصٍ على الطاعات، وإقبالٍ على العبادات.
وآخر -عباد الله- أخذ يستمع بأذنه إلى اللهو والحرام والفسق والمجون، كم لهذا السماع من أثر عليه بانصراف نفسه عن الخيرات وبُعْدها عن العبادات وإقبالها على المنكرات!
لا يمكن -عباد الله- أن تحرك أغنية أو لهو أو فسق أو مجون في قلب إنسان حباً للخيرات ورغبة في الطاعات؛ فإن هذا السماع إنما يحرِّك في القلب رغبةً في الفسق والباطل والحرام، بخلاف السماع النافع -عباد الله- فإن نفعه وعوائده وآثاره المباركات على العبد عظيمة جداً؛ ولهذا فإنك -أيها المؤمن- في ميدان ابتلاء وامتحان مع هذه النعمة -نعمة السمع- ماذا تستمع؟ وإلى ماذا تصغي بسمعك؟ فحاسب نفسك وزِنْ سمعك واجتهد في إصلاح حالك وإصلاح مسموعاتك يكون ذلك سبباً لسعادتك في دنياك وأخراك.
بخلاف حال -عباد الله- من انفلت منه سمعه وأخذ يستمع ما لا يباح كيف أنَّ ذلك السماع يجرُّه إلى مضرَّات وويلات، ولنعتبر في هذا الباب بقول نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "وَالْأُذُنُ زِنَاهَا الِاسْتِمَاعُ".
نسأل الله الكريم أن يحفظنا وذرياتنا وأهلينا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يهدينا إليه جميعاً صراطاً مستقيما.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-. اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومعينا وحافظاً ومؤيِّدا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك وأعِنه على طاعتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفِّق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمةً ورأفةً على عبادك المؤمنين.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.
اللهم عافنا في أسماعنا، اللهم عافنا في أسماعنا، اللهم عافنا في أسماعنا وفي أبصارنا وفي قواتنا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.
اللهم اهدنا وسدِّدنا، اللهم وأصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا حي يا قيوم يا سميع الدعاء يا مجيب النداء يا ذا الجلال والإكرام أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثا، هنيئاً مريئا، سحاً طبقا، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدمٍ ولا عذابٍ ولا غرق، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].