الفتاح
كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...
العربية
المؤلف | راشد البداح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
إيْ واللهِ -يا ربَّنا- كما وصفْتَنا: كنا مُبْلِسِينَ آيسِينَ، ثم انقلبْنَا بالوَدْقِ مُسْتَبْشِرينَ؛ فنسألُكَ اللهم كما رزقْتَنا استبشارًا بهذا الغيثِ المتتابعِ، أن تزيدَنا استبشارًا برضوانِكَ، وبردِّ كيدِ الأعداءِ، وتمامِ انقطاعِ هذا الوباءِ. ونسألكَ اللهم حينَ بدَّلتَ أرضَنا من جفافٍ إلى رِيٍّ، أن تبدِّلَ قلوبَنا من قساوةٍ إلى لُيُونةٍ.
الخطبة الأولى:
الْحمدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ؛ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللهَ ورسولَه فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعدُ: فإنها آيةٌ جليلةٌ جميلةٌ، آيةٌ كلَما رأيناها فرِحْنا، والعجيبُ أننا نُحبُّها لكننَا نَهربُ منها. أتدرونَ ما هيَ؟ إنها لَلَّتي قالَ رازِقُها عنها: (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ)[الروم: 48-49].
إيْ واللهِ -يا ربَّنا- كما وصفْتَنا: كنا مُبْلِسِينَ آيسِينَ، ثم انقلبْنَا بالوَدْقِ مُسْتَبْشِرينَ؛ فنسألُكَ اللهم كما رزقْتَنا استبشارًا بهذا الغيثِ المتتابعِ، أن تزيدَنا استبشارًا برضوانِكَ، وبردِّ كيدِ الأعداءِ، وتمامِ انقطاعِ هذا الوباءِ. ونسألكَ اللهم حينَ بدَّلتَ أرضَنا من جفافٍ إلى رِيٍّ، أن تبدِّلَ قلوبَنا من قساوةٍ إلى لُيُونةٍ.
أيُّها المؤمنونَ: ينبغي أن نَقرِنَ الشكرَ لمَولانا بالتفكرِ فيما آتانا. أما الشكرُ فلنُكثِرْ من حمدِ اللهِ ودعائِه، ولنَحذَرْ من سخَطِه وبلائهِ.
فهل مِن شُكرِ اللِه –تعالى- أن نرميَ بقايا الأطعمةِ في المُتنزهاتِ؟ فلا أَطعَمْناها إنسانًا، ولا أعطَيْناها حيوانًا.
وهل مِن شُكرِ اللهِ –سبحانَه- تصميمُ أو إرسالُ مقاطعِ السيولِ التي تشتملُ على غناءٍ، أو على تلكَ التي يُسمونها شَيلاتٍ، وهي في الواقعِ موسيقَى؟
وهل مِن شُكرِه –تعالى- حرْثُ الأرضِ بالتطعيسِ، الذي يُلقِي بالتهلُكةِ، ويَقطعُ الباذرَ عنِ الإنباتِ، ويُزعجُ المتنزِّهينَ بل يروِّعُهم؟
أيُّها المؤمنونَ: وإذا شَكرْنا، فهل تَفكرْنا؟ فلنتفكرْ في كلِ آيةٍ أَنزلهَا اللهُ عن الغيثِ، والسحابِ والرياحِ، والبَرَدِ والبرقِ، والرعدِ والصواعقِ والثلجِ والنباتِ.
واعتبِروا بإعجازٍ وردَ في القرآنِ، ففيهِ عشرةُ أسماءٍ للسُحُبِ، وهيَ على النحوِ التالي:
السحابُ الثِقالُ: (حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ)[الأعراف: 57].
المُزْنُ: (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ)[الواقعة: 69].
الكِسَفُ، وهيَ السُحُبُ المتقطعةُ: (وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ)[الروم:48].
الرُكامُ: (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ)[النور:43].
الجِبالُ: ولا يَنزلُ البَرَدُ إلا منها: (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ)[النور:43].
الصَّيِّبُ: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ)[البقرة:19].
الغَمامُ: (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ)[البقرة:57].
المُعْصِراتُ: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا)[النبأ:14].
السماءُ: (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)[الأنعام:99].
العارِضُ: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)[الأحقاف:24].
ولنَعتبِرْ بعِبرةٍ أخرَى، وهيَ إن كثرةَ المطرِ ليستْ لوحدِها سببًا لإنباتِ الخيراتِ؛ فقد تَكثرُ الأمطارُ، ولا يُبارِكُ اللهُ فيما أنزلَ؛ لقولِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَتِ السَّنَةُ بِأَنْ لاَ تُمْطَرُوا، وَلَكِنَّ السَّنَةَ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا وَلاَ تُنْبِتُ الأَرْضُ شَيْئًا"(صحيح مسلم: 7475).
قالَ ابنُ عباسٍ وابنُ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهم-: "ليسَ عامٌ بأكثرَ مطرًا من عامٍ، ولكنَّ اللهَ يُصرّفه كيفَ يشاءُ. ثم قرأَ هذهِ الآيةَ: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا)[الفرقان:50]؛ أي لِيذّكَّروا بإحياءِ اللهِ الأرضَ الميتةَ وإحياءِ الأمواتِ، ولِيَذّكرَ من مُنعَ المطرَ أن ذلكَ بذنبٍ أصابَه، فيُقلِعَ(تفسير ابن كثير: 3/390).
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ مغيثِنا، ومعيذِنا، والصلاةُ والسلامُ على داعِينا وهادِينا، أما بعدُ:
فهذا ما يتعلقُ بالأمطارِ من الحِكَمِ، وأما الأحكامُ، فمنها:
الجمعُ بين المغربِ والعشاءِ، للمطرِ الذي يَشقُ معهُ الخروجُ إلى المسجدِ:
ضابطُهُ: "إذا كانَ على بعضِ المأمومينَ حرجٌ، وعلى بعضِهم يُسْرٌ، فليقتدِ الإمامُ بأضعفِهم.."(اللقاء الشهري: 5/3).
"ومَن شكَّ هلْ هذا المطرُ يُبيحُ الجمعَ أم لا؟ فيُقالُ: لا تَجْمَعْ حتى تتيقنَ، أو يَغلبَ على ظنِكَ.. إذا نزلَ مطرٌ بعد أن صلى الناسُ المغربَ، وشَقَّ عليهمُ الحضورُ إلى العِشاءِ، فليُصلِ كلُ واحدٍ في بيتهِ ولا حرجَ"(اللقاء الشهري: 32/ 1).
مَن يَبحثُ عن مسجدٍ لأجلِ الجمعِ بين الصلاتينِ: فهذا –كما قالَ ابنُ عثيمينَ-: إن لم تكنْ صلاتُهُ باطلةً فهيَ إلى البُطلانِ أقربُ.. (لقاءات الباب المفتوح: 116/ 13).
من السُننِ النبويةِ المهجورةِ عند رؤيتِك الغيثَ أن تقولَ كلمةً واحدةً، ألا وهيَ قولُ: "رَحْمَةٌ". أَيْ: هَذَا رَحْمَةٌ (صحيح مسلم:899).
من السُننِ النبويةِ: أن يكشِفَ طَرَفَ ذراعهِ أو ساقهِ حتى يُصيبَه المطرُ، وليسَ ذلكَ خاصًّا بالرأسِ(مجموع فتاوى ابن باز:13/ 64) ولما سَألوا النبيَ -صلى الله عليه وسلم-: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: "لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ -تَعَالَى-"( صحيح مسلم:898). يعني: قريبُ عهدٍ باللهِ؛ لأنه خُلقَ الآنَ(فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام لابن عثيمين:2/ 458).
ومن السننِ لمَن: سمِعَ الرعدَ أن يقولَ: "سبحانَ مَن سبَّحَ (الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ)[الرعد:13].. جاءَ هذا عنِ ابنِ الزبيرِ"(مجموع فتاوى ابن باز:13/ 86).
اللهم لك الحمدُ يا مَن هو للحمدِ أهلٌ، أنت أهلُ الثناءِ والمجدِ، أحقُّ ما قال العبدُ وكلُنا لك عبدٌ. اللهمَ لكَ الحمدُ على ما أنزلتَ من خيراتِ السحابِ، وأجريتَ من وديانٍ وشِعابٍ،
اللهم ارزقنا بركةَ ما أنزلتَ، وتابِعْ علينا يا خيرَ الرازقينَ، واجعلنا لكَ شاكرينَ ذاكرينَ، وفي آلائك متفكرينَ.
اللهم احفظ علينا دينَنا وأعراضَنا ومقدساتِنا وحدودَنا وحماتَنا. اللهم احفظْ ولاةَ أمرِنا وارزقهم بطانةَ الصلاحِ، واكفِنا وإياهم وبلادَنا شرَّ الأشرارِ وكيدَ الفجار، والحاسدينَ والمتربصينَ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.