المنان
المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
وَالزَّانِي يُنْفِقُ عَلَى الزَّانِيَةِ، وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهَا بِالْهَدَايَا وَالْعَطَايَا لِيُرْضِيَهَا وَتُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا، وَهُوَ آثِمٌ عَلَى مَا يُقَدِّمُهُ لَهَا، وَمَسْئُولٌ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُؤَدِّي إِلَى افْتِقَارِهِ؛ لِأَنَّ اقْتِرَانَهَا بِهِ -فِي الْغَالِبِ- لِأَجْلِ الْمَالِ فَتَسْلُبُهُ إِيَّاهُ...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ، الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)[الزُّمَرِ: 6]. نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَبَاحَ لِعِبَادِهِ الطَّيِّبَاتِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ؛ ابْتِلَاءً لَهُمْ وَامْتِحَانًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَيَّنَ لِأُمَّتِهِ الْفِتْنَةَ بِالنِّسَاءِ فَقَالَ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ"، وَصَدَقَ فِيمَا قَالَ؛ إِذْ عَظُمَتِ الْفِتْنَةُ بِهِنَّ، وَكَانَتِ الشُّغْلَ الشَّاغِلَ لِلرِّجَالِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَالْزَمُوا دِينَهُ وَلَا تُفَارِقُوهُ، وَاعْمَلُوا بِكِتَابِهِ وَلَا تَهْجُرُوهُ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِهِ وَلَا تُفْلِتُوهُ، فَلَا نَجَاةَ لِلْعِبَادِ إِلَّا بِذَلِكَ، وَسَيُسْأَلُ الْعَبْدُ عَنْ دِينِهِ فِي قَبْرِهِ وَيَوْمَ نَشْرِهِ (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ * وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ)[الْأَعْرَافِ: 6 - 9].
أَيُّهَا النَّاسُ: الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً بِالنِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً؛ وَذَلِكَ بِالصَّدَاقَةِ أَوِ الشَّرَاكَةِ أَوِ الْحُبِّ وَالْغَرَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِي النُّظُمِ الْوَضْعِيَّةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَلَاقَتَيْنِ إِلَّا فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ. وَأَمَّا فِي الْإِسْلَامِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَلَاقَتَيْنِ أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. وَهَذِهِ مُقَارَنَةٌ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ يَتَضِحُ بِهَا أَنَّ النِّكَاحَ الشَّرْعِيَّ فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الرُّقِيِّ وَالْفَلَاحِ، وَأَنَّ السِّفَاحَ فِي أَحَطِّ دَرَكَاتِ الْخَسَارَةِ وَالِانْحِطَاطِ؛ لِئَلَّا يَتَنَصَّلَ الشَّبَابُ وَالْفَتَيَاتُ مِنْ مَسْئُولِيَّاتِ الزَّوَاجِ، فَيَكُونُوا عُرْضَةً لِلْوُقُوعِ فِي السِّفَاحِ.
وَبِدَايَةُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّوَاجَ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا، فَهُوَ شَرِيعَةُ اللَّهِ -تَعَالَى- لِلْجِنْسَيْنِ، وَرُتِّبَ عَلَيْهِ أُجُورٌ عَظِيمَةٌ، مَعَ مَا يَجِدُهُ الْمُتَزَوِّجُ وَالْمُتَزَوِّجَةُ مِنْ هَنَاءٍ وَسَعَادَةٍ بِاقْتِرَانِهِمَا وَعِشْرَتِهِمَا، وَأُنْسِهِمَا بِبَعْضِهِمَا، وَفَرَحِهِمَا بِأَوْلَادِهِمَا:
فَمِنْ مَنَافِعِ الزَّوَاجِ: تَحْصِينُ النَّفْسِ وَعِفَّتُهَا عَنِ الْحَرَامِ؛ فَالشَّهْوَةُ مِنَ الْجِنْسَيْنِ غَالِبَةٌ، وَالزَّوَاجُ أَهَمُّ سَبَبٍ لِلْعِفَّةِ؛ وَلِذَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْتِدَاءً، ثُمَّ أَمَرَ بِالصَّوْمِ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ مَئُونَةِ الزَّوَاجِ. وَالْعِفَّةُ أَجْرُهَا عَظِيمٌ، وَثَوَابُهَا جَزِيلٌ، وَهِيَ سَبَبٌ لِتَفْرِيجِ الْكُرَبِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَفِي الدُّنْيَا خَبَرُ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ الصَّخْرَةُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَأَغْلَقَتِ الْغَارَ؛ فَتَوَسَّلَ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِعِفَّتِهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ إِلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ، فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا، فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتِ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ الْمِائَةَ دِينَارٍ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).
وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُفَرَّجُ كُرَبُهَا بِعِفَّتِهَا، وَزَوَاجُهَا سَبِيلُ عِفَّتِهَا، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قِصَّةُ سَارَّةَ زَوْجِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-، لَمَّا أَرَادَهَا الْمَلِكُ الظَّالِمُ حِينَ رَأَى جَمَالَهَا، فَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ وَتَوَسَّلَتْ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِعِفَّتِهَا وَقَالَتْ: "اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ" فَحَمَاهَا اللَّهُ -تَعَالَى- مِنْهُ. وَأَمَّا تَفْرِيجُ الْكُرَبِ فِي الْآخِرَةِ فَفِيهِ حَدِيثُ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ -تَعَالَى- يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمِنْهُمْ رَجُلٌ: "دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا قَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَفِي الْعِفَّةِ ضَمَانُ الْجَنَّةِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). وَهَذَا يَشْمَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَفِي خُصُوصِ النِّسَاءِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا، دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ"(صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ).
وَفِي مُقَابِلِ ذَلِكَ فَإِنَّ الزِّنَا مُحَرَّمٌ شَرْعًا، وَرُتِّبَ عَلَيْهِ أَوْزَارٌ عَظِيمَةٌ، وَآثَامٌ كَبِيرَةٌ؛ إِذِ الزِّنَا مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَقَدْ قَرَنَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- بِالشِّرْكِ وَالْقَتْلِ (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا)[الْفُرْقَانِ: 68-70]. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "لَا أَعْلَمُ بَعْدَ الْقَتْلِ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنَ الزِّنَا". وَفِي الزِّنَا جِنَايَةٌ عَلَى الْمُجْتَمَعِ؛ بِفُشُوِّ الْأَمْرَاضِ فِيهِ، رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: "لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ). وَهُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ الْعُقُوبَاتِ، قَالَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-"(رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ).
وَلَهْوُ الرَّجُلِ مَعَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ مِنَ اللَّهْوِ الْمُبَاحِ، وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ إِذَا قَصَدَ بِهِ إِدْخَالَ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ. وَلَهْوُ الزَّانِي مَعَ الزَّانِيَةِ مُحَرَّمٌ، وَفِي الْغَالِبِ يُصَاحِبُهُ مُحَرَّمَاتٌ أُخْرَى مُتَعَدِّدَةٌ، عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَالزَّوْجُ يَبْذُلُ الْمَهْرَ وَالْهَدَايَا لِلزَّوْجَةِ وَهِيَ حَلَالٌ لَهَا، وَيُغْنِيهِ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِمَا بَذَلَ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ مَا أَنْفَقَ يُرِيدُ الْعَفَافَ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النُّورِ: 32]، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "الْتَمِسُوا الْغِنَى فِي النِّكَاحِ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ". وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: وَذَكَرَ مِنْهُمْ: وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ).
وَالزَّوْجُ يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ فَتُحْسَبُ لَهُ صَدَقَةً، بَلْ أَفْضَلُ الصَّدَقَاتِ؛ فَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: "إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ). وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَالزَّانِي يُنْفِقُ عَلَى الزَّانِيَةِ، وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهَا بِالْهَدَايَا وَالْعَطَايَا لِيُرْضِيَهَا وَتُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا، وَهُوَ آثِمٌ عَلَى مَا يُقَدِّمُهُ لَهَا، وَمَسْئُولٌ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُؤَدِّي إِلَى افْتِقَارِهِ؛ لِأَنَّ اقْتِرَانَهَا بِهِ -فِي الْغَالِبِ- لِأَجْلِ الْمَالِ فَتَسْلُبُهُ إِيَّاهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "إِيَّاكَ وَالزِّنَا؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْفَقْرَ". وَهُوَ مَالٌ حَرَامٌ اكْتَسَبَتْهُ الزَّانِيَةُ بِعِرْضِهَا وَدِينِهَا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). نَعُوذُ بِاللَّهِ -تَعَالَى- مِنْ ذَلِكَ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثِ بِالطَّيِّبِ؛ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ أَلِيمَةٌ شَدِيدَةٌ (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الْمَائِدَةِ: 100].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الزَّوْجُ يَسْتَمْتِعُ بِزَوْجَتِهِ فَيَنَالُ أَجْرًا عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ تَنَالُ أَجْرًا عَلَى تَمْكِينِ زَوْجِهَا مِنْهَا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَالزَّانِي يَسْتَمْتِعُ بِالزَّانِيَةِ، فَيَقَعَانِ فِي الْكَبِيرَةِ، وَيُرْفَعُ عَنْهُمَا الْإِيمَانُ وَقْتَ الْوِقَاعِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ، كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).
وَإِذَا حَبِلَتِ الزَّوْجَةُ فَرِحَتْ بِجَنِينِهَا، وَفَرِحَ بِهِ زَوْجُهَا وَذَوُوهَا، وَتَحَلَّقُوا حَوْلَهَا يُهَنِّئُونَهَا، فَإِذَا وَضَعَتْهُ احْتُفِلَ بِهِ، وَذُبِحَتْ لَهُ الْعَقِيقَةُ، وَهُوَ مِنَ الْخَلَفِ الطَّيِّبِ الَّذِي يُرْجَى نَفْعُهُ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَإِذَا حَبِلَتِ الزَّانِيَةُ تَنَصَّلَ الزَّانِي مِنْهَا، وَاتَّهَمَهَا بِغَيْرِهِ، فَزَادَ شَقَاؤُهَا بِهِ، فَإِمَّا أَجْهَضَاهُ فَقَتَلَا نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَجَمَعَا بَيْنَ كَبِيرَتَيِ الزِّنَا وَالْقَتْلِ، وَإِمَّا وَضَعَتْهُ وَأَخْفَتْهُ خَشْيَةَ الْفَضِيحَةِ، وَأَلْقَتْهُ حَيْثُ يَرَاهُ مَنْ يَلْتَقِطُهُ، فَعَاشَ لَقِيطًا بِسَبَبِ جِنَايَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ عَلَيْهِ، فَهَلْ يُحِبُّهُمَا وَيَبَرُّهُمَا وَيَدْعُو لَهُمَا وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْهُمَا؟ أَمْ يَكْرَهُهُمَا وَيَدْعُو عَلَيْهِمَا؟!
فَشَتَّانَ بَيْنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.. وَمَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ؛ فَالنِّكَاحُ بِشَرِيعَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ، وَالزِّنَا مِنْ تَزْيِينِ الشَّيْطَانِ وَإِغْوَائِهِ، وَسَبَبٌ لِغَضَبِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَعَذَابِهِ، وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا" وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ: "وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...