البحث

عبارات مقترحة:

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

حاجة الأمة للرجوع لكتاب الله وسُنَّة رسوله

العربية

المؤلف د عبدالحميد بن سعد السعودي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. في ظل الفتن والمحن يجب اللجوء إلى كتاب الله وسنة رسوله .
  2. تنبيهات ووقفات لا بد للمسلم منها .

اقتباس

ومن الأمور التي ينبغي للمسلم ألا يغفل عنها؛ الرجوع إلى الله -عز وجل-، وذلك بالتوبة الصادقة النصوح، والتوبة وإن كانت مطلوبة في كل وقت فهي في هذه الأوقات أشد طلبًا، فيجب على المسلم أن يتوب من جميع الذنوب والمعاصي...

من اختيارات الشيخ رحمه الله

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

عبادَ اللهِ: ما أحوجَ الأمةَ الإسلاميةَ اليوم، وهي تمر بما تمر به من فتن ومحن وحروب، ما أحوَجَها إلى أن ترجع إلى كتاب ربها وسُنَّة نبيِّها -صلى الله عليه وسلم-، وما أحوجَها إلى الإقبال على سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في الغزوات والسرايا والمعارك، قراءةً وتدبرًا وعملًا وتطبيقًا.

 

أيها الإخوة في الله: ولما كانت الحاجة ماسَّة إلى بيان موقف المسلم من هذه الأحداث في هذه الفترة، ناسَب أن أذكر ههنا بعض الأمور التي ينبغي للمسلم ألَّا يغفُلَ عنها:

فمنها أن المسلم لا يتم إيمانه بالله إيمانًا يدخل به الجنة وينجو به من النار، إلا إذا آمَن بقضاء الله وقدره؛ وذلك بأن يعلم أنه لا يكون في هذا الكون إلا ما قدَّر الله -عزَّ وجلَّ-، وأن الله لا يُقدِّر شيئًا إلا رحمةً بعباده، فهو الذي رحمته سبقت غضبَه، ولا يقضي لعباده المؤمنين إلا ما هو خير لهم.

 

يؤمن بأنه ما من شيء في السماوات وفي الأرض إلا وهو مِلْك لله -عز وجل-: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[المائدة: 120].

 

يؤمن بأن ما يحدث من رخاء وشدة، وخوف وأمن، وصحة ومرض، وقلة وكثرة، هو بمشيئة الله وإرادته، ففي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علَّمَه كلماتٍ؛ منها: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتَبَه اللهُ لكَ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروكَ إلا بشيء قد كتَبَه اللهُ عليكَ"(رواه الترمذي، وقال: حديث حسَن صحيح).

 

عباد الله: وإن من الأمور التي ينبغي للمسلم ألَّا يغفُل عنها التوكل على الله؛ وذلك بأن يعلم العبدُ أن الأمر كله لله، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ الله لم يكن، وأنه هو النافع والضار، المعطي المانع، وأنه لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.

 

وبعد هذا العلم يعتمد بقلبه على ربه في جَلْب مصالح دينه ودنياه، وفي دفع المضارِّ، ويثق غاية الوثوق بربه في حصول مطلوبه.

 

وهو مع هذا باذل جهده في فعل الأسباب النافعة، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- -وهو سيد المتوكِّلِينَ- يأخذ بالأسباب، وقصة هجرته من مكة إلى المدينة معروفة، فقد فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عدة أسباب:

1.   فقد ترك عليًّا -رضي الله عنه- ينام في مكانه.

2.   أعد الراحلة واستأجر دليلًا يدله على الطريق.

3.   اتَّجَهَ جنوبًا بدلَ أن يتجه شمالًا جهة المدينة؛ تمويهًا على الأعداء.

4.   اختبأ في غار ثور، والوصول إليه شاقٌّ.

5.   كلَّف ابنَ أبي بكر -رضي الله عنهما- بجلب الأخبار من مكة.

6.   كلَّف أسماءَ بنت أبي بكر -رضي الله عنها- بجلب الطعام لهما وهما في الغار.

 

ومع بذل هذه الأسباب فإن الأعداء وصلوا إلى فُتحةِ الغارِ، ولولا إرادة الله لَاقتحموه، الأمرُ الذي جعَل الصِّدِّيقَ -رضي الله عنه- يقول: "يا رسول الله، لو أن أحدَهم نظَر تحت قدميه لَأبصَرَنا"، فقال: "ما ظنُّكَ يا أبا بكر باثنينِ اللهُ ثالِثُهُما"، وهذا يدل على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يعتمد على الأسباب فحسبُ، بل كان معتمِدًا على الله -عز وجل-.

 

أيها الإخوة: ومما ينبغي التنبيه عليه أن الأسباب مهما عَظُمَتْ وقويت فإنها مرتبطة بقضاء الله وقدره، لا خروج عنه؛ فالله -سبحانه وتعالى- يتصرف فيها كيف يشاء، إن شاء أبقى سببيتَها على مقتضى حكمته؛ ليقوم بها العباد، ويعرفوا بذلك تمام حكمته، حيث ربَط المسبَّبات بأسبابها، وإن شاء غيَّرها؛ حتى لا يعتمد العبادُ عليها، وليعلموا كمالَ قدرته، وأن التصرف المطلَق والإرادة المطلَقة لله وحدَه.

 

أيها الإخوة: ومن الأمور التي ينبغي للمسلم ألا يغفل عنها؛ الرجوع إلى الله -عز وجل-، وذلك بالتوبة الصادقة النصوح، والتوبة وإن كانت مطلوبة في كل وقت فهي في هذه الأوقات أشد طلبًا، فيجب على المسلم أن يتوب من جميع الذنوب والمعاصي؛ وذلك بأن يُقلِع عن جميع الذنوب، ويندم على ما فات، ويعزم عزمًا أكيدًا على ألَّا يعود إليها، وأن يردَّ الحقوق إلى أصحابها، فقد يحصل للإنسان عارضٌ من العوارض التي لا يتمكَّن معها من التوبة.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، مَنِ اعتَصَم بحبله وفَّقَه وهداه، ومن اعتمد عليه حَفِظَه ووقاه، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى أصحابه والتابعينَ ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

وكذلك ينبغي للمسلم -أيها الإخوة في الله- أن يفعل الأسباب المعنوية التي تقيه -بإذن الله- من كل سوء، ومن ذلك:

المحافَظة على صلاة الفجر، ففي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صلَّى الصبح فهو في ذمة الله، فانظر يا بن آدم لا يطلبنَّكَ اللهُ من ذمته بشيء"(رواه مسلم)؛ ذمة الله: أي في حفظه.

 

قراءة آية الكرسي عند النوم، جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، في قصته مع الشيطان: "إذا آويتَ إلى فراشِكَ فاقرَأْ آيةَ الكرسي"، وقال لي: "فإنَّه لا يزال عليكَ من الله حافظٌ، ولن يقربُكَ شيطانٌ حتى تُصبِحَ"(رواه البخاري).

 

قول: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- حين ألقي في النار، وقالها محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قال لهم الناس (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)[آل عمران: 173-174]".

 

وأيضًا فينبغي للمسلم أن يُقبِل على فعل الطاعات؛ فيحافظ على الصلوات في أوقاتها، ويُكثِرَ من النوافل والقربات والصدقات، وقراءة القرآن، والإكثار من ذِكْر الله -عز وجل-، والمحافَظة على أذكار الصباح والمساء وغيرها؛ مما له سبب.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[آل عمران: 160].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، نفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفِروه إنه الغفور الرحيم.