الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | إسماعيل القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المنجيات |
فالصحة والعافية هي أغلى نعمةٍ بعد نعمة الهداية إلى الإسلام، وهي التي تجعل العبد قادرًا على أداء الفرائض في المساجد، والصيامِ مع جموع المسلمين، وأداءِ الحج، وغيرِها. لذا فليحمد الله كلُّ من أسبغ الله عليه من نعمة ظاهرة وباطنه، وليستعملها فيما يرضي ربه....
الخطبة الأولى:
نِعَم الله على عباده كثيرة، وعديدة، قال -سبحانه-: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)[لقمَان: 20]، ومن أهم النعم بعد نعمة الإسلام نعمة الصحة والفراغ، لذا بوّب الإمام البخاري -رحمه الله- بابًا سماه: باب ما جاء في الصحة والفراغ، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة، وأورد فيه حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ".
والمغبون الوارد في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما -أي الخاسر- كثير من الناس". هو: من صح بدنه وتفرغ من الأشغال العائقة له ولمن يعول، ولم يَسْعَ لصلاح آخرته، فهو كالمغبون في البيع أي خاسر، والمرء لا يكون فارغًا حتى يكون مكفيًا مُؤْنةَ العيشِ في الدنيا، فمن أنعم الله عليه بهما فليحذر أن يخسرهما.
قال الإمام ابن بَطّال -رحمه الله-: "ومما يستعان به على دَفْع الغبن، أن يعلم العبد أن الله -تعالى- خلق الخلق من غير ضرورة إليهم، وبدأهم بالنعم الجليلة من غير استحقاق منهم لها، فَمَنَّ عليهم بصحة الأجسام، وسلامة العقول، وتضمن أرزاقهم، وضاعف لهم الحسنات، ولم يضاعف عليهم السيئات، وأمرهم أن يعبدوه ويعتبروا بما ابتدأهم به من النعم الظاهرة والباطنة، يشكروه عليها بأحرف يسيرة، وجعل مدة طاعتهم في الدنيا منقضية بانقضاء أعمارهم.
وجعل جزاءهم على ذلك خلودًا دائمًا في جنة لا انقضاء لها، مع ما ادخر لمن أطاعه مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فمن أمعن النظر في هذا، كان حَريًا ألا يذهب عنه وقتٌ من صحته وفراغه إلا وينفقه في طاعة ربه"، ولذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفِيْمَ أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه"(رواه الترمذي).
والصحة في الأبدان، يُسأَل المرء عنها يوم القيامة بما أدى بأعضائه من خير أو شر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة - يعني العبد من النعيم - أن يقال له: ألم نُصِحَّ لك جسمك، ونُرْويك من الماء البارد"(رواه الترمذي).
وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل غداة: "اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت"(رواه أبو داود).
ومن دعائه أيضًا -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميعِ سخطك"(رواه مسلم)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمه العباس: "سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة"(رواه الترمذي).
وليعلم المسلم أن نعم الله على عباده نعمٌ متتابعة؛ نعمةُ الصحة، والفراغِ، والعقلِ، والإدراكِ، والمالِ، والأمنِ، والأمانِ، والغذاءِ، وقبلها الإيمان، وجِمَاع ذلك ما ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها"(رواه ابن ماجه).
وإن الموفَّق من يُسَخِّر هذه النعم المتتابعة في مرضاة الله، فيتقرب إلى مولاه بأنواع من الطاعات، فيلزم أوراده اليومية في صباحه ومسائه، يتلو فيها كلام الله، وينهل من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويلزم حلقاتِ العلماءِ الربانيين، ويتصدق بما يَسَّر الله له من ماله.
نسأل الله -عز وجل- أن يستعملنا في طاعته.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الدنيا دار عمل وابتلاء، ولا يَسْلم العبد فيها من سقم يكدر صفو حياته، ومرضٍ يوهن قوته ويُضعف حاله.
والبلاء والشدة تقرب العبد من ربه وتوقظه من سباته ؛ ليرى نعم الله عليه صباح مساء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين خيرًا من المعافاة"(رواه البخاري) في الأدب المفرد، وقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: "إن الناس لم يعطوا في هذه الدنيا شيئًا أفضلَ من العافية".
والعفو: هو المحو من الذنوب، والعافيةُ هي السلامةُ من الأسقام والبلايا والأمراض.
فالصحة والعافية هي أغلى نعمةٍ بعد نعمة الهداية إلى الإسلام، وهي التي تجعل العبد قادرًا على أداء الفرائض في المساجد، والصيامِ مع جموع المسلمين، وأداءِ الحج، وغيرِها.
لذا فليحمد الله كلُّ من أسبغ الله عليه من نعمة ظاهرة وباطنه، وليستعملها فيما يرضي ربه، ومن ابتلاه الله -عز وجل- بمرض، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من يرد الله به خيرًا يصب منه"(رواه البخاري).
ومعنى "يُصب منه" أي: يبتله بالمصائب ليطهره من الذنوب في الدنيا، فيلقى الله -تعالى- نقيًا، ويستعينُ على كشف ما ألمَّ بِه، بالصبر والدعاء، وبالبذل والعطاء.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية، ونعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه؛ فصلوا عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.