المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
العربية
المؤلف | الشيخ السيد مراد سلامة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - |
الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عوض، ولا تقدر بقيمة، المبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل، قبل أن يندم المفرط على ما فعل، وقبل أن يسأل الرجعة فلا يجاب إلى ما سأل، قبل...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي دعا عباده المؤمنين إلى حج بيته الحرام؛ ليشهدوا منافع لهم، وليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله، ومن دعا بدعوته، وعمل بسنته، ونصح لأمته، وسلم تسليمًا كثيرًا.
ألا يا باغي الخيرات أقْبِل | إلى ذي الحجَّة الشهر الحرام |
به العشر الأوائل حين هلت | أحب الله خيرا للأنام |
بها النفحات من فيض ونور | وعرفات فَشَمِّرْ للصيام |
بها النحر الذي قد قال فيه | إله العرش ذكرا للأنام |
بها الميلاد يبدأ من جديد | إذا ما القلب طُهر من سقام |
وبالحسنات فرج كل ذنب | إذا شئت الوصول إلى المرام |
ألا يا باغيَ الخيرات أقبل | فإن الشهر شهرٌ للكرام |
إذا استهواك شيطانٌ فأدبر | ولا تركنْ إلى الفعل الحرام |
كان سلفنا الصالح يُعظِّمون هذه الأيام ويقدرونها حَقّ قدرها، قال أبو عثمان النهدي كما في لطائف المعارف: "كان السلف يعظّمون ثلاثَ عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم".
وقد روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: "كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم"، يعني في الفضل، وروي عن الأوزاعي قال: "بلغني أن العمل في يوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله، يُصام نهارها ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بالشهادة".
يا له من موسم يفتح للمتنافسين! ويا له من غبن يحق بالقاعدين والمعرضين؛ فاستبقوا الخيرات يا عباد الله، وسارعوا إلى مغفرة من الله وجنة عرضها السماوات والأرض وإياكم والتواني وحذار من الدعة والكسل. وإليكم أيها الأحباب عشرة أعمال ينبغي للمسلم أن يسارع إليها، وأن يكون من أهلها؛ فأعرني سمعك وقلبك:
1- التوبة والاستغفار:
فأول الواجبات عليك أن تجدّد العهد مع الله -تعالى- بالتوبة والأوبة إليه حتى تدخل هذه الأيام عليك وأنت قد بدأت صفحة جديدة مع الله، قال الربيع بن خيثم لأصحابه: "الداء هو الذنوب، والدواء هو الاستغفار، والشفاء أن تتوب فلا تعود". قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم:8].
فما هي التوبة النصوح أيتها الغالية؟! قال عمر -رضي الله عنه-: "التوبة النصوح: أن يذنب العبد ثم يتوب فلا يعود".
2- الإمساك عن الشعر والأظفار:
أخي المسلم الحبيب: إن كنت ممن وسَّع الله -تعالى- عليه وأردت أن توسع على عباده بالأضحية فعليك أن تمسك عن أظفارك و شعرك حتى يوم النحر... فمما يتجنبه من عزم على الأضحية: من دخلت عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي، فلا يأخذ من شعره، وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ"(صحيح مسلم 1977)، والحكمة في النهي: أن يبقي كامل الأجزاء ليعتق من النار، وقيل: التشبه بالمحرم. (شرح النووي 13120).
3-الصوم:
ومن الأعمال التي شرعها سيد الرجال -صلى الله عليه وسلم- أن تصوم تسع ذي الحجة عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ امْرَأَتِهِ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ"(صحيح أبي داود 2129).
فصم هذه التسعة كلها إياك أن تضيع منها يومًا واحدًا .. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ مِنْ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفًا"(رواه أحمد والنسائي). ومع فضيلة هذه الأيام، على كل حال .. أنت الرابح!!
حال السلف في عشر ذي الحجة: عن الحسن البصري أنه قال: "صيام يوم من العشر يعدل شهرين". وعن الأوزاعي قال: "بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله، يصام نهارها ، ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بشهادة"(مصنف ابن أبي شيبة 2 /300).
وقال عبد الله بن عون: كان محمد بن سيرين يصوم العشر -عشر ذي الحجة كلها- فإذا مضى العشر ومضت أيام التشريق أفطر تسعة أيام مثل ما صام. وقال ليث بن أبي سليم: كان مجاهد يصوم العشر ، قال: وكان عطاء يتكلفها. وكان عيسى بن علي بن عبدالله بن عباس يصوم هذه العشر (مصنف ابن أبي شيبة 2 /300).
4- الصدقة:
فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي الناس أحب إلى الله أي الأعمال أحب إلى الله فقال: عنْ عبدِ الله بنِ عمر -رضي الله عنهما-: أنَّ رجلاً جاءَ إلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسولَ الله! أيُّ الناسِ أحبُّ إلى الله؟ وأيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ فقال:"أحبُّ الناسِ إلى الله أنْفَعُهم لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعْمالِ إلى الله -عز وجل- سرورٌ تُدْخِلُه على مسلمٍ، تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عنه دَيْناً، أوْ تَطْرُدُ عنه جُوعاً، ولأَنْ أَمْشي مَعَ أخٍ في حاجَة؛ أحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ أعْتَكِفَ في هذا المسجِدِ -يعني مسجدَ المدينَةِ- شَهْراً، ومَنْ كَظَم غيْظَهُ- ولو شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أمْضاهُ-؛ ملأَ الله قلْبَهُ يومَ القيامَةِ رِضاً، ومَنْ مَشى مَع أخيه في حاجَةٍ حتى يَقْضِيَها له؛ ثَبَّتَ الله قدَميْه يومَ تزولُ الأقْدامُ"(رواه الطبراني وصححه الألباني).
5- التسبيح والتكبير:
ومن الأعمال الروحية التي حثنا عليها خير البرية -صلى الله عليه وسلم- في الأيام العشر الإكثار من ذكر العزيز الغفار؛ فعَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ"(صحيح مسلم 580).
كان السلف -رحمهم الله-يكثرون ذكر الله في هذه العشر؛ فقد قال مجاهد: "كان أبو هريرة، وابن عمر -رضي الله عنهما- يخرجان أيام العشر إلى السوق فيكبّران؛ فيكبر الناس معهما، لا يأتيان السوق إلا لذلك".
وعن ثابت البناني قال: كان الناس يكبرون أيام العشر حتى نهاهم الحجاج، والأمر بمكة على ذلك إلى اليوم يكبر الناس في الأسواق في العشر. وعن مجاهد أنه كره القراءة في الطواف أيام العشر، وكان يستحب فيه التسبيح، والتهليل، والتكبير، ولم يكن يرى بها بأساً قبل العشر ولا بعدها. (أخبار مكة للفاكهي 3/10).
وقال مسكين أبي هريرة: سمعت مجاهداً، وكَبّر رجل أيام العشر فقال مجاهد: أفلا رفع صوته؛ فلقد أدركتهم وإن الرجل ليكبر في المسجد فيرتج بها أهل المسجد، ثم يخرج الصوت إلى أهل الوادي حتى يبلغ الأبطح فيرتج بها أهل الأبطح، وإنما أصلها من رجل واحد. (مصنف ابن أبي شيبة 3 / 250).
ويستحب للمسلم أن يجهر بالتكبير في هذه الأيام ويرفع صوته به، وعليه أن يحذر من التكبير الجماعي حيث لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من السلف، والسنة أن يكبر كل واحد بمفرده.
6- الإكثار من الدعاء: ومن الأعمال التي أرشدنا إليها سيد الرجال -صلى الله عليه وسلم- الإكثار من التضرع والدعاء إلى الكبير المتعال -جل جلاله- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"(رواه مالك 1/422).
قال ابن عبد البر: "وفيه من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي الحديث أيضًا دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب (التمهيد 6/41).
وتأملوا إلى أحوال السلف وقف مطرف بن عبد الله وبكر المزني بعرفة، فقال أحدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي. وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لإله لولا أني فيهم! ومنهم من كان يغلب عليه الرجاء: قال عبد الله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تذرفان فالتفت إلي، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.
7- الأضحية: إخوة الإيمان ومن السنن الخليلية الواردة عن خليلي الرحمن إبراهيم ومحمد -عليهما أفضل وأزكى الصلاة والسلام- سنة الأضحية والحكمة منها التقرب إلى الله -تعالى- بها، إذ قال -سبحانه-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الكوثر:2].
وقال -عز وجل-: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام:162]، والنسك هنا هو الذبح تقرباً إلى الله -سبحانه وتعالى-. ومن حكمها إحياء سنة إمام الموحدين إبراهيم الخليل -عليه السلام-؛ إذ أوحى الله إليه أن يذبح ولده إسماعيل، ثم فداه بكبش فذبحه بدلاً عنه، قال -تعالى-: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)[الصافات:107].
3- التوسعة على العيال يوم العيد. ومن حكهما أيضًا إشاعة الفرحة بين الفقراء والمساكين لما يتصدق عليهم منهم. ومن حكمها شكر الله -تعالى- على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام، قال -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج:36-37].
عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ أَضْحًى إِلَى البَقِيعِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، وَقَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا، أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ" فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ؟ قَالَ: "اذْبَحْهَا، وَلاَ تَفِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ"(صحيح البخاري: 951).
وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَلْيُعِدْ"، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ، وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- صَدَّقَهُ، قَالَ: وَعِنْدِي جَذَعَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَلاَ أَدْرِي أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لاَ (صحيح البخاري 985).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، التائب حبيب الرحمن والتائب
من الذنب كمن لا ذنب له.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على سيدنا محمدٍ النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وآل بيته كما صليت ربنا على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
أيها الأحبة: ومن الأعمال التي دلَّنا عليها سيّد الرجال -صلى الله عليه وسلم-: 8-الحج والعمرة:
اعلموا علمني الله: وإياكم أن من نفيس ما تتقربون به إلى ربكم -جل وعلا- في تلك العشر المباركة الحج والعمرة لمن استطاع إليهما سبيلاً، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، والعمرتان أو العمرة إلى العمرة يكفر ما بينهما " (صحيح مسلم 1349).
وعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ، سَمِعت رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُول: "من حج فَلم يرْفث وَلم يفسق، رَجَعَ كَيَوْم وَلدته أمه"(صحيح مسلم 1350).
وعن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ مُتَابَعَةً بَيْنَهُمَا تَنْفِى الْفَقْرَ وَالْذَُنوبَ كَمَا يَنْفِى الكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدَ"(مسند أحمد 3669)، وإن كنا عباد الله قد أحصرنا عن البيت الحرام بسبب ذلك البلاء فينبغي لنا أن نزداد شوقًا بدعوة إبراهيم عليه السلام – والله -تعالى- هو الغني الكريم يعطي المؤمن على قدر نيته.
9- الإكثار من الأعمال الصالحات
اعلموا بارك الله فيكم: أن محبةَ اللهِ -تعالى- للعمل الصالح فيها تفوقُ محبتهُ -سبحانه- للعمل الصالح في غيرها، عن جابر بن عبد الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة"، قالوا: يا رسول الله، ولا مثلها في سبيل الله؟ قال: "إلا من عفر وجهه في التراب"(صحيح الجامع: 1133)؛ أي: جاهد في سبيل الله ولم يرجع.
فأكثروا من الصالحات والمسابقة إلى الخيرات، واحذروا عباد الله من الوقوع في السيئات، ففي حديثِ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ"(أخرجه الترمذي: 1/ 354).
10- صلاة عيد الأضحى، ومن أعمال عشر ذي الحجة صلاة عيد الأضحى المبارك. إخوة الإيمان: ومن أعمال العشر صلاة العيد ولكل أمة من الأمم عيد يعود عليها في يوم معلوم، يتضمن عقيدتها وأخلاقها، فمن الأعياد ما هو منبثق ونابع من الأفكار البشرية المبتدَعة والبعيدة عن وحي الله -تعالى-، وهي أعياد غير إسلامية، وأما عيد الأضحى وعيد الفطر، فقد شرعهما الله -تعالى- لأمة الإسلام.
ومما جاء في تفسير قول الله -تعالى-: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا)[الحج: 67]؛ ما أورده ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس قال: "منسكًا؛ أي: عيدًا".
ومن أهم مقاصد العيد عباد الله: إعلاء شان العقيدة والجهر بها في الطرقات والساحات؛ ليعلم العالم كله أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فالله -تعالى- عباد الله هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له في ملكه، والله -تعالى- ليس له شبيه ولا نظير؛ قال الله -تعالى-: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الإخلاص: 1 - 4].
الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عوض، ولا تقدر بقيمة، المبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل، قبل أن يندم المفرط على ما فعل، وقبل أن يسأل الرجعة فلا يجاب إلى ما سأل، قبل أن يحول الموت بين المؤمل وبلوغ الأمل، قبل أن يصير المرء محبوساً في حفرته بما قدم من عمل.
يا من ظلمة قلبه كالليل إذا يسري أما آن لقلبك أن يستنير أو يستلين؟ تعرض لنفحات مولاك في هذه العشر؛ فإن لله فيه نفحات يصيب بها من يشاء، فمن أصابته سعد بها يوم الدين.
الدعاء |