البحث

عبارات مقترحة:

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

وسائل الثبات

العربية

المؤلف إسماعيل القاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. الدنيا دار ابتلاء .
  2. كثرة الفتن وتنوعها .
  3. تقلب القلوب وعدم ثباتها .
  4. من أهم عوامل الثبات على الدين في أزمان الفتن. .

اقتباس

وسائل الثبات كثيرة وعديدة؛ فمن ثبّته الله في أموره عُصِمَ من الوقوع في الموبقات، ولم يصدر منه أمرٌ على خلاف ما يرضاه الله، فيلزم المسلم الدوام على الدين والاستقامة والثبات عند الاحتضار أو السؤال في القبر. أول هذه الوسائل: معرفة الله بأسمائه وصفاته، فهي مُعِينَة على الثبات على لزوم الصراط المستقيم.....

الخطبة الأولى:

الدنيا دار ابتلاء، يبتلي الله به عباده بأنواع من الفتن، فيبتلي من شاء بالشر، ومن شاء بالخير قال -سبحانه-: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الأنبياء:35]. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أي نبتليكم بالشدة والرخاء, والصحة والسقم, والغنى والفقر, والحلال والحرام, والطاعة والمعصية, والهدى والضلال ليرى الله فيها من يشكر ومن يكفر ومن يصبر ومن يقنط".

والفتن متعددة ومتنوعة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تُعرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ عَرْضَ الحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ سَوداءُ، وأيُّ قلبٍ أنْكَرَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ بيضاءُ، حتى يصِيرَ القلبُ أبيضَ مثلَ الصَّفا، لا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ، والآخَرُ أسودَ مُربَدًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعرِفُ مَعروفًا، ولا يُنكِرُ مُنكَرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هَواه"(رواه مسلم).

فيبتلى الله العباد بما شاء، فقد يكون الابتلاء بسبب تقلبات في الكون. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أصْبَحَ مِن عِبادِي مُؤْمِنٌ بي وكافِرٌ، فأمّا مَن قالَ: مُطِرْنا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ، فَذلكَ مُؤْمِنٌ بي وكافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأَمّا مَن قالَ: بنَوْءِ كَذا وكَذا، فَذلكَ كافِرٌ بي ومُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ"(متفق عليه).

وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا مقلب القلوب! ثَبِّت قلبي على دينك". فقيل له في ذلك، فقال: "إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ"(أخرجه الترمذي والنسائي).

وسائل الثبات كثيرة وعديدة؛ فمن ثبّته الله في أموره عُصِمَ من الوقوع في الموبقات، ولم يصدر منه أمرٌ على خلاف ما يرضاه الله، فيلزم المسلم الدوام على الدين والاستقامة والثبات عند الاحتضار أو السؤال في القبر.

أول هذه الوسائل: معرفة الله بأسمائه وصفاته، فهي مُعِينَة على الثبات على لزوم الصراط المستقيم، ولا يكون ذلك إلا بالعلم من منهل الكتاب والسنة وسلف هذه الأمة، قال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وكلما ازداد الإنسان معرفة بأسماء الله وصفاته وآياته، كان إيمانه به أكمل".

 ومن أهم عوامل الثبات: أداء الصلاة؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[البقرة:153]. قال ابن كثير -رحمه الله-: "فإن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر. ولذا قال الله -عز وجل- فيها: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت:45]".

ثانيًا: تلاوة كلام الله -تعالى- وتدبُّره مُثَبِّت لقلب المسلم من الزيغ؛ قال -سبحانه-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)[الفرقان:32]، وقال -تعالى- مخاطبًا نبيه -عليه السلام-: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النحل:102]. فيُثَبِّت الله الذين آمنوا على إيمانهم ويزدادون يقينًا بما فيه من الحجج والآيات.

ثالثًا: التمسك بشرع الله المستقيم وهدي نبيه -صلى الله عليه وسلم- القويم، قال -تعالى- (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)[إبراهيم: 27]. وهذا ما أمرنا باتباعه وعلى ما سار عليه الصحابة -رضي الله عنهم- ولذا قال -تعالى-: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)[الأنعام:90].

رابعًا: التأمل في قصص الأنبياء وما جرى لهم من أحداث؛ قال -تعالى-: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)[هود:120]؛ ليزيدك يقينًا وطمأنينةً، وثباتًا بما تسمع من أخبارهم، وما جرى لهم مع قومهم، وما لقوا من الأذى منهم، فتتسلى بهم، وتثبت على أداء الرسالة، واحتمال أذى الكفار، وأن العاقبة دومًا للمتقين.

قال البغوي -رحمه الله-: "وكل الذي تحتاج إليه من أنباء الرسل، أي: من أخبارهم وأخبار أممهم نَقُصّها عليك لنُثَبِّت به فؤادك، لنزيدك يقينًا ونُقوِّي قلبك".

خامسًا: لزوم الدعاء بالثبات، فهو سلاح المؤمن، يدعو ربه ويسأله الثبات، كقوله -تعالى-: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آل عمران:  108]. وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر وأسألك عزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك لسانًا صادقًا وقلبًا سليمًا، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأسألك من خير ما تعلم، وأستغفرك مما تعلم إنك أنت علام الغيوب"(رواه النسائي).

 ومن وسائل الثبات: لزوم ذِكْر الله فمن أحب شيئًا أكثَر من ذِكْره، وكانت له طمأنينة في القلب وراحة في النفس، والذكر من الوسائل المعينة على الثبات الحسيّ والمعنويّ حتى عند تلاحم الصفوف قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الأنفال: 45].

ومن وسائل الثبات: صحبة الأخيار؛ فهي سبب للثبات، فقد وصى العالم الرجل أن ينطلق إلى أرض قوم يعبدون الله بها بدل أرض السوء قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كانَ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عن أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ فَدُلَّ على راهِبٍ، فأتاهُ فقالَ: إنَّه قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهلْ له مِن تَوْبَةٍ؟ فقالَ: لا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ به مِئَةً، ثُمَّ سَأَلَ عن أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ فَدُلَّ على رَجُلٍ عالِمٍ، فقالَ: إنَّه قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ، فَهلْ له مِن تَوْبَةٍ؟ فقالَ: نَعَمْ، ومَن يَحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إلى أرْضِ كَذا وكَذا، فإنَّ بها أُناسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فاعْبُدِ اللَّهَ معهُمْ، ولا تَرْجِعْ إلى أرْضِكَ، فإنَّها أرْضُ سَوْءٍ، فانْطَلَقَ حتّى إذا نَصَفَ الطَّرِيقَ أتاهُ المَوْتُ، فاخْتَصَمَتْ فيه مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذابِ، فقالَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جاءَ تائِبًا مُقْبِلًا بقَلْبِهِ إلى اللهِ، وقالَتْ مَلائِكَةُ العَذابِ: إنَّه لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فأتاهُمْ مَلَكٌ في صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بيْنَهُمْ، فقالَ: قِيسُوا ما بيْنَ الأرْضَيْنِ، فَإِلى أيَّتِهِما كانَ أدْنى فَهو له، فَقاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أدْنى إلى الأرْضِ الَّتي أرادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ. قالَ قَتادَةُ: فقالَ الحَسَنُ ذُكِرَ لَنا، أنَّه لَمّا أتاهُ المَوْتُ نَأى بصَدْرِهِ"(رواه مسلم).

ومن الوسائل: الأسرة الصالحة وحُسن اختيار الزوجة؛ فقد وصَّى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"؛ فهي تُعين الزوج على أمور دينه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء"(رواه أبو داود).

 ومن الوسائل المثبتة لقلب المسلم: جهاد النفس في الصبر على الحق، ولزوم الحق بطاعة الله وترك معاصيه.

ومن الوسائل المعينة على الثبات: التفكر في نعيم الآخرة الباقي الكامل بزهرة الدنيا القليلة الناقصة؛ فالآخرة خير وأبقى وأكمل وأدوم.

الخطبة الثانية:

ثبت النبي -عليه الصلاة والسلام- في أداء الرسالة وتبليغ الدين ثلاثًا وعشرين عامًا تعرَّض فيها للأذى والأخطار والتُّهَم وسماع الألقاب السيئة. وكذلك أنبياء الله -عليهم السلام- ثبتوا على تبليغ الرسالة إلى أقوامهم.

 وثبت أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أيما ثباتٍ، حتى ضربه المشركون بالنِّعال حتى ما يُعرَف وجهه من أنفه، وخاطَر بنفسه في مكة والغار وفي طريق الهجرة وبعدها حتى توفاه الله.

وثبت ياسر بن عامر بن مالك وزوجته سمية بنت خياط وولده عمار بن ياسر، فما أثناهم العذاب عن ثنيهم في الرجوع عن الإسلام. وثبت من قبله من مؤمني الأمم السابقة بعد إيمانهم كسحرة فرعون حين قالوا: (آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى)[طه:70]. فهدَّدهم فرعون بقطع الأيدي والأرجل والصلب على جذوع النخل فكان ردهم ثابتًا (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[طه:72-73].

وثبت أصحاب الأخدود الذين لم تُرهبهم النار ذات الوقود، والأمثلة في الباب كثيرة.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "طوبى لمن أقبل على الله بكُلّيته وعكف عليه بإرادته ومحبته؛ فإن الله يُقبل عليه بتولّيه ومحبّته وعطفه ورحمته، وإن الله -سبحانه- إذا أقبل على عبد استنارت جهاته، وأشرقت ساحاته، وتنوّرت ظلماته، وظهرت عليه آثار إقباله من بهجة الجلال وآثار الجمال وتوجّه إليه أهل الملأ الأعلى بالمحبة والموالاة؛ لأنهم تبع لمولاهم، فإذا أحب عبدًا أحبّوه وإذا والى واليًّا والوه".

ثبّتنا الله وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.