العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
العربية
المؤلف | علي عبد الرحمن الحذيفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
والربُّ -سبحانه وتعالى- كثيرًا ما يقرِن التذكُّر بالأمر والنهي، فتذكُّر ما في أوامر الله تعالى من الحِكَم والمنافع والخيرات العامة وصلاح القلوب، وتذكُّر ما في المنهيَّات من المضارّ والمفاسِد والخبائث والعار والدمار ومرض القلوب وموتها، تذكُّر ذلك كله كافٍ لفعل الطاعات وبُغض المُحرَّمات والوقاية من المُهلِكات، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)..
الحمد لله، الحمد لله الذي أحيا قلوب المؤمنين بالإيمان واليقين، وجعل القرآن والسنة شفاءً وهدًى وبشرى للمسلمين، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الأمين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله، اتقوا الله بالتقرُّب إليه فيما أمَر، والبُعد عما نهى عنه وزَجَر، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
عباد الله: اعلموا أن التذكُّر لما ينفع العبد في دنياه وأخراه، والعملَ بما يُوجِبُه التذكُّر النافع هو فلاحُ الإنسان وسعادته وفوزه في الدارين، قال الله تعالى: (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى) [الأعلى: 10]، ونسيان ما ينفع والإعراضُ عن التذكُّر هو الخسران والخيبة والشقاوة، قال الله تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف: 28]، وقال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) [السجدة: 22]، وقال تعالى: (وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ) [الصافات: 13].
والتذكُّر من صفات أهل العقول الراجحة والفِطر المستقيمة، قال الله تعالى: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [البقرة: 269]، وأولو الألباب هم المهتدون المتقون الذين يفعلون الحسن ويهجرون القبائح، قال الله تعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 17، 18].
والتذكُّر من صفات المُنيبين التائبين الذين أحيا الله قلوبهم بالإيمان، وأصلح أعمالهم بالإخلاص واتباع السنة، قال الله تعالى: (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) [غافر: 13]، وقال تعالى: (تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) [ق: 8].
والمُتذكِّرون قد سلَكوا سبيل النجاة والسعادة في الدنيا، واتَّصفوا بأحسن الصفات، وتطهَّروا من أعمال وأخلاق السيئات، فوعَدَهم الله بأرفع الدرجات في الجنات، قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 19 - 24]، هذه الصفات الكريمة لمن تذكَّر وتقدَّم في الخيرات ولم يتأخَّر.
أيها المسلم: ألا تحبُّ أن تعلم التذكُّر وتعرف حقائقه وتفصيله؟! نعم، التذكُّر: هو استحضار كل علمٍ نافعٍ نزل به الوحي، أو استفاده العقل الصحيح بالتجارب الحقَّة أو الاعتبار المُصيب، ولعمل بمُوجِب ذلك كله، وترك ما يُضادّه؛ فمن اكتسب العلمَ النافع، وقام بالعمل الصالح فقد فاز بأعلى الدرجات في الأخرى، وتمتَّع بأحسن حالٍ في حياته الدنيا، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97]، وقال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124].
والتذكُّر مأمورٌ به العباد لتحقيق التوحيد لرب العالمين، ومعرفة دلائله، قال الله تعالى في دعوة الخليل إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- إلى التوحيد: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 79- 82]؛ لأن التوحيد أساس الدين، وأصل الأعمال الصالحة؛ فإن صلُح وصحَّ صلُحَت الحياة، وإن فسَدَت العقيدة فسدَت الحياة.
وتذكُّر تدبير الله للعالم العلوي والسفلي ونفوذ مشيئة الله بالكون وتصريف المخلوقات ينفع المُتذكِّر في صلاح قلبه، واستقامة أحواله، وزكاة أعماله؛ فالربُّ -تبارك وتعالى- يُذكِّرُنا بانفراده واختصاصه بالتدبير للخلق، قال الله تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54]، وقال تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [السجدة: 5]، وقال تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [يونس: 3]، وقال تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد: 2]، وقال تعالى: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود: 56]، وقال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير: 29]، وقال تعالى: (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [يونس: 61]، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا) [فاطر: 44]، وقال تعالى: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) [هود: 107].
فإذا تذكَّر الإنسان أن تدبير الكون كله وتصريفه بيد الله وحده لا شريك له، وأن المقادير نافذةٌ بمشيئة الرب وحده، كما قال -تبارك وتعالى-: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر: 49]، وتذكَّر أن الدنيا والآخرة لله وحده، كما قال تعالى: (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى) [النجم: 25]، إذا تذكَّر الإنسان هذا كلَّه تعلَّق قلبُه بالله وحده، واعتمد على ربه في كل أموره، وطلبَ مرضاته، وابتعَد عن معاصيه؛ فالسعادة لا تُنال بالمُغالبة والقوة، إنما تُنال بطاعة الله -تبارك وتعالى-.
والربُّ -سبحانه وتعالى- كثيرًا ما يقرِن التذكُّر بالأمر والنهي، فتذكُّر ما في أوامر الله تعالى من الحِكَم والمنافع والخيرات العامة وصلاح القلوب، وتذكُّر ما في المنهيَّات من المضارّ والمفاسِد والخبائث والعار والدمار ومرض القلوب وموتها، تذكُّر ذلك كله كافٍ لفعل الطاعات وبُغض المُحرَّمات والوقاية من المُهلِكات، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، وقال تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام: 152]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ويُرشِد ربُّنا الإنسانَ إلى تذكُّر بدايته ونهايته وما بين ذلك من تقلُّب أحواله وتدبير الله له كما يريد ربُّه وأنه لا يملِك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا إلا ما أعطاه الله ليخضَع هذا الإنسان لعبودية الله وشرعه مختارًا؛ إذ لا سعادة للإنسان إلا بذلِّ العبودية والمحبة لله -عز وجل-، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ) [الواقعة: 62].
وقال تعالى: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) [فاطر: 37]، وقال تعالى لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) [الأعراف: 188].
فإذا كان هذا لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فكيف بمن دونه؟!
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتَبَه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك لم يضرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله عليك". رواه الترمذي من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
ويُرشِدُّ الربُّ تعالى إلى تذكُّر تقلُّب الليل والنهار، وتذكُّر الحِكَم والمنافع والغايات التي خُلِق لها كلُّ مخلوقٍ، قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان: 62]، وقال تعالى: (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) [النحل: 13].
فالكونُ المُشاهَد آياتٌ منظورة فيها التذكُّر والعبرة لكل عبدٍ مُنيب، وقد أرشدنا الله تعالى إلى التذكُّر والاعتبار بما وقع للأمم الخالية من العقوبات المُدمِّرة المُهلِكة لتحذَر الأمة أعمالهم، قال الله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق: 36، 37].
قال المُفسِّرون: "قد أهلك الله قرونًا كثيرة هم أشد قوة من كفَّار قريش، ففتَّشوا وبحثُوا عن مكانٍ يمنعهم من الموت، فلم يجِدوا محيصًا -وهو الملاذ-، فعاقبهم الله بذنوبهم وأهلَكَهم".
ففيما جرى للأمم الخالية تذكُّرٌ وعِظَة لمن كان له لُبٌّ وعقلٌ صحيحٌ راجحٌ، أو ألقَى سمعَه لكلام الله وهو حاضرُ القلب، وقال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [إبراهيم: 5].
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أيام الله: نِعَمُه"، وقال مُقاتل: "أيام الله: نِقمَتُه من أهل الكفر والمعاصي"، وكلٌّ مرادٌ للآية، فالتذكير بنِعَم الله يُورِثُ الحياءَ من المُنعِم، ويحُثُّه على مُقابلَة النِّعَم بالطاعة والشكر، والتذكيرُ بعقوبات الله لمن حاربَ دينَه يزجُرُ عن الوقوع في الذنوب والمعاصي، ويمنعُ من اتباع سبيل الهالكين، قال الله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر: 19].
وقد أمرنا الله -عز وجل- أن نتذكَّر نعَمه علينا وعلى الناس، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر: 3]، وقال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ) [البقرة: 231]، وقال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ) [المائدة: 7].
وأعظم النِّعَم: نعمة القرآن الكريم الذي جمع الخيرَ كلَّه وأمرَ به، وبيَّن الشرَّ كلَّه ونهَى عنه، فهو أعظم واعِظ ومُذكِّر، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [الزمر: 27]، وقال تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا) [الإسراء: 41]، وقال تعالى: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) [ق: 45].
وعن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ستكون فتن"، قلتُ: ما المخرجُ منها يا رسول الله؟! قال: "كتابُ الله؛ فيه نبأُ ما قبلكم، وخبرُ ما بعدَكم، وحكم ما بينكم، هو الفصلُ ليس بالهَزل، من حكمَ به عدَل، ومن عمِلَ به أُجِر، ومن ترَكه من جبَّارٍ قصَمَه الله، ومن ابتَغَى الهدى من غيره أضلَّه الله، لا يخْلَقُ عن كثرة الرد، ولا تزيغُ به الأهواء، ولا تشبعُ منه العلماء". رواه الترمذي.
ومن أعظم النِّعَم: نعمة الأمن وتيسُّر الأرزاق، وقد أمرنا ربُّنا أن نتذكَّر نعمةَ الأمن؛ فقال تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال: 26]، وامتنَّ الله -تبارك وتعالى- بالأمن في الحَرَم فقال: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا) [القصص: 57]، وقال تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش: 3، 4].
فالأمنُ من كيان الإسلام، ولا تظهر شعائرُ الدين إلا في ظل الأمن، قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النور: 55].
وبالأمن تأمنُ الطرق، وتزدهِرُ الحياة، ويطيبُ العيش، وتُحقَن الدماء، وتُحفَظُ الأموال، وتتسِع الأعراض، وتفشو التجارات، وتُتبادلُ المنافع، ويندفعُ شر المُفسِدين والمُعتدين، ويأمنُ الناس على الحُرمات والحقوق، ويُؤخَذ على يد الظالمين والمُخرِّبين، وضدُّ ذلك تنزل بالمجتمع الكوارِث، مع ضعف الأمن أو انعدامه إذا نزل الخوف.
ولِعِظَم نعمة الأمن قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبحَ مُعافًى في بدنه، آمِنًا في سِرْبه، عنده قُوتُ يومه، فكأنما حِيزَت له الدنيا بحذافيرها". وقد منَّ الله على هذه البلاد بنعمة الأمن والشريعة الإسلامية السَّمْحة المُهيمِنة على هذه المملكة حَرَسَها الله، فأصبحَت مضرِبَ المثَل في الأمن والاستقرار، ولا غَرْوَ في ذلك؛ فولاة أمرها -حفظهم الله- جعلوا دستورها كتابَ الله وسنةَ رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ترجعُ إليهما المحاكمُ الشرعية في أمور الناس التي يختلفون ويتنازعون فيها، والله -عز وجل- قال: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50].
ولكن بعض الناس ممن لم يُقدِّر النِّعَم حقَّ قدرها، وممن تأثَّر بما يرى ويسمع من المُؤثِّرات الضارَّة، وممن أغمضَ عينيه عن الحقائق، وصمَّ أُذنَيْه، ولم يتفكَّر في عواقب الأمور؛ هؤلاء وهم قلَّةٌ قليلة في عدد المجتمع انفردوا بآراء ضارَّة، ويريدون أن تتغيَّر البلاد ومن عليها، ويسعَون لفتح أبوابٍ من الفتن تُغرقُ الحرثَ والنَّسْلَ، وتجلِبُ الكوارِثَ على البلاد والعباد، وتحرِقُ الأخضَرَ واليابس، فحرَّضَ دعاةُ فتنةٍ صمَّاء بكماء عمياء إلى ثورةٍ على راية: (لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله)، وعلى الخروج على دولة الحرمين، ودعا أهل هذه الفتنة الضالَّة المُفسِدة المُهلِكة إلى عزل ولاة الأمر، وكفَى بهذا جُرمًا وشناعةً وقُبْحًا ومخالفةً لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فهم يريدون أن يُفرِّقوا بين المسلمين، ودعَوا إلى أن تكون المملكة دستوريةً يُعزَل في النظام الخائب الذي أعلَنوه الملكُ -حفظه الله-، يُعزَلُ من صلاحياته التي خوَّلَه إياها الدينُ الإسلامي، وبايَعَه عليها أهلُ الحلِّ والعقد، ولم يحدُث في تاريخ المسلمين هذا المطلب الخاسِر الخائب.
ولكن الله أراد أن يُظهِر مخازيَ هذه الفتن التي أعلنوها، ويُظهِر مخازيَ من أعلَنها ووقَّع عليها لئلا يغترَّ بهم الشباب والمُواطِنون، فإن دعاة هذه الفتن المُضِلَّة يُحقِّقون ما يتمنَّاه المُتربِّصون.
والتظاهرات الغوغائية لا محل لها في بلادنا بلاد التوحيد؛ لأن الشريعة الإسلامية هي المُهيمِنة على البلاد، وهناك فرقٌ بين من يدعو إلى التوحيد وبين غيره، وبين من يُشفِقُ على شعبه ويُحبُّ لهم الخيرَ ويُقدِّم لهم ما ينفعهم، وبين من يقتُل شعبَه.
وما وقع في البلاد التي غيَّرَت حكمَها ونُظُم الحكم فيها أمرٌ يخصُّهم في تلك البلاد، وهم أعلمُ بما يُصلِحُهم، والأسبابُ في تلك البلاد لا تخفَى على الناس، وتلك الأسباب مُنعدِمةٌ في بلادنا -ولله الحمدُ-.
ومن أعظم الأسباب لتلك الثورات: انعِدامُ التعامُل بتعاليم الإسلام في العلاقة بين الحاكم والمحكومين، والقوانين الجاهلية تُفسِد ولا تُصلِح، وشريعةُ الله هي التي تُصلِحُ كلَّ شيء، وهل يُغني أكلُ الطين عن الخبز والغذاء؟!
ولما لم يتعامل الناسُ في علاقاتهم بتعاليم الإسلام عامَلَهم الله بالقدر، فالاختلافُ مُقدَّرٌ من الله إذا تعدَّدَت الأهواء، قال الله تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) [الأنعام: 65].
فلا تقيسوا بلادكم بغيرها، والواجبُ الذي لا بُدَّ منه أن نكون عند الزَّعازِع والفتن يدًا واحدةً وصفًّا واحدًا، حُكَّامُنا ولاة أمرنا وعلماؤنا، وجميعُ المواطنين، لنُحافِظ على ديننا ووحدة وطننا ومصالحنا؛ فإن المُتربِّصين يتمنَّون اليوم الذي تختلفُ فيه الكلمةُ ليركبوا الموجَة، ويُنكِّلوا بالدين، ويُقطِّعوا أوصال البلاد، فإنهم ينظرون إلا اختلاف الكلمة كما تنظُر النُّسُور إلى اللحم، ولكم عِبَرٌ كثيرة في تاريخ المسلمين.
فيا شباب الإسلام، ويا حُماة الحق: اكرهوا الفتن وأهلها وقاطِعوهم، فهم يريدون أن يفتَحوا عليكم أبواب جهنم، فالتظاهرات والغوغائية لا محل لها في بلادنا؛ فدستورنا كتابُ الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وأما الإصلاحُ الذي يتشدَّقُ به هؤلاء المفتونون، فالإصلاحُ بجميع أنواعه هو نهجُ ديننا الحنيف، ولكن الإصلاح في كل شيء منوطٌ بوليِّ الأمر ونوَّابه فيما يخُصُّ الأمور العامة، ويستشيرون في هذا علماءَ الشريعة؛ فعلماء الشريعة مع ولاة الأمر أعرفُ بما يدلُّ عليه الكتابُ والسنة، وبما فيه الخيرُ للعامة والخاصة، والتناصُح بين الراعي والرعيَّة رغَّب فيه الإسلام، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الدينُ النصيحة". ثلاثًا. وليس من النصيحة التحريضُ على الفتن.
فاحذروا -شباب الإسلام- التوقيع على البيانات المُغرِضة التي تكثُر في المعروضات من المعلومات، والتي تُعرَضُ في الإنترنت، فاحذروا هذا التوقيع على هذه البيانات، أو تكثير سواد أهل الفتن، ولا تنساقوا وراءهم؛ فإن مصيرهم كمصير غيرهم ممن يُريدون الفُرقة بين المسلمين.
قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله مُعِزِّ من أطاعه واتقاه، ومُذِلِّ من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا إله سواه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، اصطفاه ربه واجتباه، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فاتقوا الله حق تقواه، واخشوا يومًا تُرجعون فيه إلى الله، قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25]، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ) [الأعراف: 201، 202].
وفي الحديث: "طُوبَى لمن كان مِفتاحًا للخير مِغلاقًا للشر، وويلٌ لمن كان مِغلاقًا للخير مِفتاحًا للشر".
أيها المسلم: إياك أن تكون داعيًا إلى ضلالة؛ ففي الحديث: "من دعا إلى هُدًى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبِعَه من غير أن ينقُص من أجورهم شيءٌ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوِزْر مثلُ أوزارِ من تبِعَه لا ينقُص من أوزارهم شيء".
ودعوةُ أهل الفتنة للفوضى والتمرُّد على ولاة أمر هذه البلاد سيئاتٌ كبيرة، ومخالفةٌ لتعاليم الإسلام، وتفريقٌ بين المسلمين، وفتحُ أبوابٍ من الفتن، وتعريضٌ للبلاد لتكون في مهبِّ الرِّيح، ردَّ الله كيدَهم في نُحورهم، ووقانا والمسلمين شرورهم، ووقانا وحفِظَنا من شرِّ كل ذي شرٍّ.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.