الغفار
كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...
العربية
المؤلف | يحيى بن موسى الزهراني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
وإن الثالوث الخطير الذي يمثل أخطر معاول الهدم والتدمير في المجتمع الإسلامي كله يركِّز على المرأة، تبرجاً وسفوراً واختلاطاً، وذلك كله لم يأت مصادفةً ولا اعتباطاً، وإنما نتيجة تخطيطٍ دقيقٍ، ومؤامرةٍ شرِسةٍ ضد دينِ الأمة ومُثُلِها وقيَمِها، حتى خُدِع كثيرٌ من المسلمين والمسلمات بشعارات برَّاقة، ودعايات مضلِّلة، تَعُدُّ الالتزام بنهج الله وشرعه جموداً ورجعيةً، والانفلات والإباحية حريةً، والانسياق وراء الشهوات رقياً وتحضراً ومدنيةً، والتبرج والسفور والاختلاط ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: معاشر المسلمين: خلق الله الثقلين، وبيَّن لهم النجدين، فقال رب العالمين: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].
وكم هي السبل التي تبعها أقوام حتى هلكوا، ولا نجاة إلا باتِّباع سبيل الله، فهو الهادي إلى سواء السبيل، فطوبى للمتمسكين! (وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف:170]، وويلٌ للمستكبرين! (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الأعراف:36].
وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: " إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ -اليهود والنصارى- افْتَرَقُوا فِي دِينِهِمْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً -يَعْنِى الأَهْوَاءَ- كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً وَهِىَ الْجَمَاعَةُ، وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى -تدخل وتسري- بِهِمْ تِلْكَ الأَهْوَاءُ، كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ، لاَ يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلاَ مَفْصِلٌ إِلاَّ دَخَلَهُ" رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح؛ وهانحن نرى بوادر هذا الحديث قد تحققت!.
عباد الله: قبيلتان منهزمتان أخزاهما الله، حادتا عن طريق الصواب، ضربتا في عمق التأريخ، ولا زالت في تفقيسٍ وتفريخ، نزلت بشأنهما الآيات البينات، سورة باسمهم، وأخرى تفضحهم، وآيات تمقتهم، وتبين خطرهم، سميت باسمهم سورتا المنافقون والفاضحة، في آيات بينة واضحة، إنهما قبيلتا بني علمان، وبني ليبرال، يدسون الدسائس للمسلمين، ويحملون الغيظ للمؤمنين، ويعلنون الكراهية للعلماء والمتمسكين، ويتشدقون بالغيورين، ويتلاعبون بالآخرين، يُظهرون الولاء، ويضمرون العداء، (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) [التوبة:56].
كم ملؤوا صحفهم بنتن القول، وجيف الكلام! حتى فاحت روائحهم، فأزكمت الأنوف، وخنقت الألوف، فَلِمَ تُشترى صحفهم، ولِمَ تُقرأ مقالاتهم؟ وقد قال الله فيهم: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المنافقون:4]؟ وهذا قليل في حقهم، حتى يعودوا إلى صراط الله المستقيم، وإلى سنة نبيه الكريم، ونجتمع وإياهم إلى كلمة سواء، بلا خداع ولا افتراء ولا أهواء.
أيها الإخوة في الله: ولا يزل الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر، والفضيلة والرذيلة مستمراً، وقد بلغ أوج خطورته في عصر الانفتاح والانفلات، والانسياق وراء الشهوات، والاسترسال خلف الملذات، والتلاعب بالألفاظ والمصطلحات؛ ولقد كان التساهل بقضايا المرأة من الأسباب الرئيسة في حصول واقع منحرف، وحال منجرف، وجيل عن تحصيل الخير منصرف.
وإن الثالوث الخطير الذي يمثل أخطر معاول الهدم والتدمير في المجتمع الإسلامي كله، يركز على المرأة، تبرجاً وسفوراً واختلاطاً، وذلك كله لم يأت مصادفةً ولا اعتباطاً، وإنما نتيجة تخطيط دقيق، ومؤامرة شرسة ضد دين الأمة ومثلها وقيمها، حتى خدع كثير من المسلمين والمسلمات بشعارات براقة، ودعايات مضللة، تَعُدُّ الالتزام بنهج الله وشرعه جموداً ورجعيةً، والانفلات والإباحية حريةً، والانسياق وراء الشهوات رقياً وتحضراً ومدنيةً، والتبرج والسفور والاختلاط موضة وتقدمية، ويعدون الخلاعة والفجور والانحلال فناً، ويحبون العلاقات المحرمة حباً جماً، مما يتطلب يقظة الأجيال، والمسئولين عنهم من النساء والرجال؛ أداءً لحق القوامة والرعاية، وامتثالاً لقول الحق تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) [التحريم:6].
عباد الله: إذا كانت أروقة المحاكم، ومراكز الشرط والهيئات، مليئة -والعياذ بالله- بما يُسمى زنا المحارم، نتيجة لاختلاط طبيعي فطري بين أبناء الأسرة الواحدة؛ فكيف باختلاط رجال ونساء أجانب؟ فذلكم -والله!- هو أعظم الخلل والفساد، الذي سيقع فيه العباد، لو أطاعوا فساق البلاد؛ فأَعْمِلُوا العقول، وأمْعِنُوا النظر، واتَّبِعوا أحسن ما أُنزل إليكم من ربكم، قبل أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله!.
ألا فاتقوا الله -عباد الله- والتزموا شرعته، واتبعوا أمره وحكمته، وتمسكوا بسنة المصطفى وفطرته، ففي ذلكم سلامة دينكم ودنياكم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [النور:21]، ويقول ربنا وخالقنا: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء:83].
فاستمعوا لأمر الله، واتبعوا العلماء، فهم ورثة الأنبياء، وقد أجمع العلماء على تحريم الاختلاط فحرموه، واتفقوا على تجريمه فجرَّموه، إنه جريمة من أبشع الجرائم، وعظيمة من أكبر العظائم، لأنه يدعو إلى الفواحش ما ظهر منها وما بطن، يقوم على نشر الرذيلة، وقتل الفضيلة؛ يدعو إلى الجريمة، والصداقات المحرمة الحميمة، يأمر بمعصية الله، ومعصية رسوله -صلى الله عليه وسلم-، يسوق إلى مخالفة الفطرة السليمة، فاحذروا خطوات شيطان الإنس، فلهم طرق ومآرب، وسبل ومشارب، من اتقاها فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع فيها فقد هلك مع الهالكين.
ألا فاستمعوا إلى توجيه خاتم النبيين، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "تَكُونُ فِتَنٌ عَلَى أَبْوَابِهَا دُعَاةٌ إِلَى النَّارِ، فَأَنْ تَمُوتَ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلِ شَجَرَةٍ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتْبَعَ أَحَداً مِنْهُمْ" رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
إخوة الإيمان: لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، فما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين، وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون، وتدرَّعوا بقوله -جل وعلا-: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) [الأنعام:116]، واحفظوا وصية نبيكم -صلى الله عليه وسلم- لكم، فعن الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدْ إِلَيْنَا؟ قَالَ: "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ! فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ" رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني؛ ألا وإن دعاة الاختلاط، دعاة إلى البدعة والضلالة، دعاة إلى جهنم، من أجابهم إلى باطلهم وضلالهم قذفوه في النار ولا يبالون.
أيها المسلمون: ثقتنا في ولاة أمرنا لا حدود لها، فهم حماة الدين والعقيدة، ولقد قام حكمهم لهذه البلاد على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولن يرضوا أبداً أن يُمـَــس الدين وأهله بأيِّ مساس، ولأجل تمسكهم بالإسلام وأحكامه، وتشريعاته وقيمه، دام حكمهم، ومتى زاغوا عنه قيد أنملة زال ملكهم، قال ملِك الملوك -سبحانه-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55].
فإذا كانت حكومتنا الرشيدة أيَّدَها الله بتأييده، وسدَّدَها بتسديده، قد حاربت الأعداء، سفَّاكي الدماء، من خوارج مفتونين، وشيعة حوثيين، فهي قادرة -بعون الله وتوفيقه- على أن تجتث جرثومة قتَلة الأعراض، دعاة الأمراض، من العلمانيين والليبراليين، وأن تستأصل شأفتهم، وتقتلع شوكتهم، وتجعلهم عبرةً للمعتبرين، ومثلاً للممتثلين؛ فلابد من تكاتف الآراء، وتلاحم الشعب وولاة الأمور، لحماية الثغور، ورفض كل عادات دخيلة، وأفكار عليلة، وذمم رخيصة؛ لتعود الأمور إلى نصابها، والأمة إلى بارئها وخالقها، لتنعم بالخير والأمن والاستقرار.
اللهم وفِّقْنا للعمل بكتابك، واتِّباع سنة نبيك، لأوامرهما مؤتمرين، ولنواهيهما منتهين؛ أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب ومعصية، وإثم وخطيئة، فاستغفروا الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يلد ولم يولد، وأشهد أن عبده ورسوله محمد، عليه الصلاة والسلام السرمد إلى أبد، وعلى آله وأصحابه وكل تابع متعبد.
أما بعد: فيا أيها الأخوة في الله: إن الدعوة إلى الاختلاط لها طرقها ووسائلها، ففي المسلسلات والبرامج والأفلام دعوة إلى الاختلاط، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، لكنها دعوة إلى الحرام، والتجرؤ على الإسلام، والتطاول على شريعة الملك العلام، ونبذ سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
إن في الأخبار والصحف، ما هو دعوة صارخة إلى الاختلاط، وهل فني الرجال حتى تقدم الأخبارَ النساءُ؟ لقد أوقعوا المرأة المسلمة الأبية، راعية البيت والمسؤولية، في أوحال الفضيحة الأبدية، لقد أوهموها أنها قائدة، وفنانة، ونجمة رائدة، وفي الحقيقة يريدونها فاسدة بائدة، حتى تركت بيتها وزوجها وولدها، فأصبحت رئيسة لشركة، ومديرة لمؤسسة، جل عُمالها رجال، بل وانطلت عليها الأكذوبة حتى أصبحت وزيرة أو نائبة، أو عضواً في مجلس أو دائرة!.
ولو تأملنا بعين البصيرة والحقيقة، نصيحة الحبيب الشفيق، والنبي الرفيق، لخرجنا من المآزق، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أَبِى بَكْرَةَ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً"، فخاب دعاة الاختلاط وخسروا!.
وهاهي الدول التي سلمت زمام أمرها للعلمانيين والليبراليين، تتخبط في ظلمات ظلماء، وسياسات دهماء، ضياع اجتماعي، وفساد قومي، وتفكك أسري، فخذوا حذركم يارعاكم الله! وتمسكوا بدينكم، وعضوا عليه بالنواجذ، فما هي إلا أوقات قلائل، وإذا بكم رهن القبور والأعمال، فطوبى لمن طال عمره وحسن عمله، وويل لمن طال عمره وساء عمله!.
يا أهل الغيرة والدين: يقول الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) [الأحزاب:53]، ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والدخولَ على النساء!" فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحموَ؟ قال: "الحمو الموت" متفق عليه.
وقال ابن القيم -رحمه الله-: ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- وغيره من العلماء المخصلين، في خطابهم الموجه لولاة الأمور: ويحرم توظيف المرأة في المجالات التي تخالط فيها الرجال، وتدعو إلى بروزها، والإخلال بكرامتها، والإسفار عن بعض محاسنها، مثل كونها مضيفة في الطائرة، وعاملة في الخدمة الاجتماعية، ومذيعة في الإذاعة، أو مغنية، أو عاملة في المصنع مع الرجال، أو كاتبة في مكاتب الرجال، ونحو ذلك؛ أما عملها فيما يختص بالنساء، كالتعليم والتمريض ونحو ذلك، فلا مانع منه.
وقال الملك عبد العزيز رحمه الله: وأقبح من ذلك في الأخلاق ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء، بدعوى تهذيبهن، وترقيتهن، وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها، وادعاء أن ذلك من عمل التقدم والتمدن، فلا والله ليس هذا التمدن في شرعنا وعرفنا وعادتنا! ولا يرضى أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان أو إسلام أو مروءة، أن يرى زوجته، أو أحدًا من عائلته، أو المنتسبين للخير، في هذا الموقف المخزي، إلا رجل خارجٌ من دينه، خارجٌ من عقله، خارج من عربيته.
فهذا قول الله -سبحانه-، وقول رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأقوال العلماء والملوك الناصحين، فما أنتم قائلون، وأي سبيل ستسلكون؟ ومع أي الفريقين ستكونون، أتسلكون سبيل الكتاب والسنة، وأقوال علماء الأمة، دعاة الخير والصلاح والسداد، والنجاة والهداية والرشاد، الذين حرَّموا الاختلاط، لما فيه من مساوئ وفساد؟ أم ستتبعون أبواق المجرمين، من المنافقين والعلمانيين والليبراليين، دعاة الزيغ والضلال والفساد، قال تعالى: (فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ) [الأعراف:30]، ويقول سبحانه: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) [هود:24]، ويقول سبحانه وتعالى: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى:7]؛ اللهم وفِّقْنَا لطريق الجنة، ونجنا من السعير، برحمتك يا علي يا قدير.
يا أهل الطهر والعفاف: إن مما يدعو إليه دعاة جهنم، الدعوة السافرة الخطرة إلى الاختلاط في مراحل التعليم الابتدائي الثلاث الأول، إنه مخطط كبير، ذو تأثير خطير، بل هو أخطر مراحل تدمير النشء، إذ فيه يتعلم الطفل المسلم البريء، كل خلق بذيء، وكيف يعصي رب البرية، وكيف يخرج عن فطرته السوية، وخلقته النقية، وهل ضرنا عبر سنوات طويلة، تعليم البنين في مدارسهم، والبنات في مدارسهن، منفصلين غير متصلين؟.
ألا وإن اختلاط الذكور بالإناث أصل كل فساد وبلاء، لما يسببه الاختلاط بين الجنسين من فتن وفظائع، ودمار يحول الديار بلاقع، فينشأ الناشئة، ويتخرج الأجيال في هذا الجو المحموم، وهذا الوضع المسموم، الذي تغلي مراجله بصور الإغراء والإثارة، التي تغتال تربيتهم، وتطفئ فيهم القوى الإيمانية والفكرية، وتقضي على صفاتهم الرجولية والأخلاقية والسلوكية.
ولا يكادون يبلغون الحلم حتى تغتالهم الشهوات الشيطانية، لأن البضاعة معروضة، والمظاهر مغرية، والنفس أمَّارة غرَّارة، والشيطان عدو يتربص، والشهوة هائجة مائجة، فيتحول المجتمع إلى لهو وعبث ومجون، يعج بالفوضى الجنسية، والعشوائية الغريزية، والفسق والإباحية، فتنذره بالويل والثبور، وتجره إلى الهلاك والعطب وعظائم الأمور، فاحذروا المترفين العلمانيين، وتأملوا قول رب العالمين: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) [الإسراء:16].
أيها الغيورون: إن من نعم الله على هذه البقاع المباركة، أن تميزت بمنهجها الإسلامي، فلا يسمح الاختلاط في مدارسها وجامعاتها ومؤسساتها، فقد جاء الأمر السامي برقمه وتاريخه: بأن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال ونحوها في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها، أمرٌ غير ممكن، سواءً كانت سعوديةً أو غير سعودية، لأن ذلك محرمٌ شرعًا.
فيا أيها الأخوة في الله: إن هذه لنعمةٌ عظمى، ومِنَّة من الله كبرى، نسأل الله أن يوزعنا شكرها، وأن يثبتنا عليها، وأن يزيد هذه البلاد وجميع بلاد المسلمين تمسكاً بالدين، وتوفيقاً في الدارين.
ألا وصلوا وسلموا على خاتم النبيين، وسيد المرسلين، كما أمركم بذلك رب العالمين، فقال في الكتاب المبين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين؛ اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمر الملاحدة وسائر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا؛ اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهم وفقه ونائبيه، وكافة الأمراء والوزراء لما تحب وترضى، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، اللهم هيئ لهم من أمرهم رأياً سديداً، وعملاً رشيداً يا حي يا قيوم، اللهم اجمع بهم كلمة المسلمين على الحق والهدى يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفقهم لما فيه خير البلاد والعباد، اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للحكم بشريعتك، واتباع سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، ووفق علماءهم للدعوة إلى الله، وبيان الحق يا أرحم الراحمين!.
اللهم وفق جميع المسلمين لما تحبه وترضاه، اللهم اهدهم سبل السلام، وجنبهم الفواحش والفتن، ما ظهر منها وما بطن؛ اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، ياذا العطاء والمن.
اللهم وفِّق نساء المسلمين للالتزام بالحجاب والعفاف والحشمة، وقهنَّ شر التبرج والسفور والاختلاط يا ذا الجلال والإكرام! اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين على اليهود الغاصبين، وانصرهم في العراق على الشيعة الظالمين، وانصرهم في أفغانستان على القوم الكافرين؛ اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان يا ذا الجلال والإكرام، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.