البحث

عبارات مقترحة:

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

فضل الصدقة

العربية

المؤلف مشعل العتيبي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الصيام
عناصر الخطبة
  1. اغتنام شهر رمضان في الطاعات .
  2. فضل الصدقة ودورها في رفع البلاء .

اقتباس

أين الذين اعتادت أقدامهم الوقوف على عتبات البنوك من أجل أسهم الدنيا الزائلة؟ أين هم عن سهم الخير في شهر الخير؟ سهم يناديكم! بل يفتح أبوابه لكم! إنها الصدقات، الصدقات يا عبد الله، الصدقات التي تطفئ غضب الرب، فانظر في حالك ،كم أغضبت الله! كم فرطت وأهملت! أليست هذه الصدقة هي التي سترضيه عنك؟ واللهِ هي التي سترضيه ..

هنيئا لكم وأنتم تقبلون على ربكم، هنيئا لكم وأنتم تصومون رمضان، وتصلُّون القيام، وتسارعون في الخيرات، وتتنافسون على الطاعات، في شهر النفحات، نفحات الرحمة والإيمان، والبركة والإحسان. 

ويا خسارة من سيخرج من رمضان وحاله هي حاله بين تضييعٍ للأوقات، وتفريط في الطاعات؛ فلا إله إلا الله! ما الذي يأخذه العبد من هذه الدنيا؟ ما الذي يأخذه العبد من هذه الدنيا غير قربة يتقرب بها إلى الله؟ أو كلمة تدله على رضا الله، وطاعة الله، ومحبة الله؟ فإن كنا قد صُمنا وصلينا وأقبلنا على كلام ربنا فعلينا أن لا نغفل عن ذلك الربح العظيم، والتجارة التي لن تبور، علينا -عباد الله- أن لا ننسى المشاركة والمتاجرة مع رب العالمين، ذلك الربح المضمون، والزاد المأمون، البعيد عن كل شائبة ربا، فهو الحلال الذي يتضاعف، والبركة التي تبقى في حياتك؛ بل هو الرصيد الذي يشفع لك عند مماتك، فلا ينسينا الشيطان تلك الغنيمة التي سنلقاها يوم نلقى الله.

فأين المتسابقون؟ وأين المتنافسون؟ أين الذين اعتادت أقدامهم الوقوف على عتبات البنوك من أجل أسهم الدنيا الزائلة؟ أين هم عن سهم الخير في شهر الخير؟ سهم يناديكم! بل يفتح أبوابه لكم! إنها الصدقات، الصدقات يا عبد الله، الصدقات التي تطفئ غضب الرب، فانظر في حالك ،كم أغضبت الله! كم فرطت وأهملت! أليست هذه الصدقة هي التي سترضيه عنك؟ واللهِ هي التي سترضيه!.

أليست هذه الصدقات هي التي تطهرنا؟ ألم تسمع قول الله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة:103]، مَن الذي يقول لنا: "داووا مرضاكم بالصدقة" حسَّنه الألباني. مَن؟ أليس هو نبينا وناصحنا ومعلمنا؟ هل جربت أن تداوى مرضاك بالصدقة؟ هل جربت البركة في مالك بالصدقة؟ نعم يا أخي، إنها الصدقة، فهي الدواء لكل مريض، هي الدواء بنية الشفاء، فربما تكون تصدقتَ كثيراً، ولكن هل فعلتَ ذلك بنية صادقة بنية أن يعافيك الله من مرضك؟ فجرب الآن! جَرِّبْ، وَلْتَكُنْ واثقاً مِن أنَّ الله سيَشْفِيك، أَشْبِع فقيراُ، اُكفل يتيما، تبرَّعْ لوقف خيري أو صدقة جارية.

يقول الشيخ بن عثيمين -رحمه الله- تعالى وهو يفسر قول الله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا): إن الصدقة وقاية، وقاية من المرض، ودواء لكل مرض؛ إن الصدقة لترفع الأمراض والأعراض من مصائب و بلايا (انتهى كلامه).

وقد جرب ذلك الموفقون فوجدوا العلاج الروحي أنفع من العلاج الحسي، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعالج بالأدعية الروحية و الإلهية، وكان السلف الصالح يتصدقون على قدر مرضهم و بليتهم، ويُخرجون من أعز ما يملكون. جاء رجل يسأل عبد الله بن المبارك -رحمه الله- عن مرض أصابه في ركبتيه منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع؛ فقال له ابن المبارك: اذهب واحفر بئراً، فإن الناس بحاجة للماء، ففعل الرجل ذلك؛ فبرأ مما كان يعانيه.

وذلك رجل نعرفه أصيب بالسرطان، فطاف الدنيا من مستشفى إلى مستشفى، بل حتى في خارج البلاد؛ بحثاً عن العلاج، فلم يجد إلا أن نفض الأطباء أيديهم من حالته وهم يقولون له: حالتك ميئوس منها! فأغلقت أمامه كل الأبواب، ولم يجد إلا باب الله، فاشتكى إلى الله وهو يردد: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء:80]، لجأ إلى الله حتى جاءه من ينصحه بالصدقة، فتصدق بمبلغ ثلاثين ألف على أمٍّ لأيتام؛ فشفاه الله! ولا يزال يكفل تلك العائلة، ويتعبد الله برعايتهم والقيام عليهم.

واستمع إلى تلك القصة التي يرويها صاحبها فيقول: لي بنت صغيرة أصابها مرض في حلقها فذهبت بها للمستشفيات وعرضتها على كثير من الأطباء، لم أجد منهم إلا الأكياس من الأدوية والمضادات التي تنتهي والمرض لم ينته، فأصبحت في حالة لا تطاق، وأمها لا تملك إلا البكاء والأنين، ولا نشتكى إلا إلى الله، حتى وصل بنا الحال أن أصبحنا نعطيها إِبَراً للتخفيف فقط من آلامها، حتى يئسنا من كل شيء الا من رحمة الله، إلى أن جاء الأمل و فتح باب الفرج، فقد اتصل بي أحد الصالحين و ذكر لي حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "داووا مرضاكم بالصدقة"، فقلت له: قد تصدقت كثيراً! فقال: تصدَّقْ هذه المرة بنية شفاء ابنتك.

يقول: واللهِ! فعلاً تصدقت بصدقة متواضعة لأحد الفقراء ولم يتغير شيء، فأخبرت صاحبي فقال: أنت ممن لديهم نعمة ومال كثير، فلتكن صدقتك بحجم مالك .فذهبت للمرة الثانية وملأت سيارتي من الأرز و الدجاج والخيرات بمبلغ كبير، ووزعتها على كثير من المحتاجين، واللهِ! وأقسم بالله! -يقول- لم أكن أتوقع أبداً أنَّ آخر إبرة أخذتها ابنتي هي التي كانت قبل صدقتي! فشفيت تماماً بحمد الله !والآن ابنتي بفضل من الله لها ثلاث سنوات ليس بها أي مرض على الإطلاق، حتى علمت علم اليقين أن الصدقة من أكبر أسباب الشفاء، ومن تلك اللحظة أصبحت أُكثر من الصدقة، خصوصاً على الأوقاف الخيرية !وكل يوم أشعر بالنعمة و البركة والعافية في مالي وعائلتي، بل -والله!- أنصح كل مريض بأن يتصدق بأعز ما يملك، فسيشفيه الله، والله لا يضيع أجر المحسنين!.

فيا أيها الرجال! أقلكم من يملك مقدارا من المال، ومن يدَّخر شيئا منه لمقبلات الأيام، فلماذا لا نسرع بالإنفاق؟ وندرك أن رزق اليوم يأتي به الله -عز وجل-، ورزق غد يأتي معه، وكل يوم له رزقه الخاص، وألَّا نحمل همَّ غد:

سَهِرَتْ أعْيُنٌ ونامَتْ عُيُونُ لِأمورٍ تكونُ أو لا تكونُ
إنَّ ربَّاً كفاكَ ما كان بالأمـْ سِ سَيكْفيكَ ما غداً سيكونُ

لقد جربنا حظنا مع بعض الرجال؛ فوجدنا أن منهم القابض يده بالصدقة، ووجدنا أن الواحد منهم كلما زاد ماله زادت همومه وشؤونه، وكثرت مشاريعه، وقال: اليوم أريد أن أبني العمارة، وغداً المزرعة، وبعد غدٍ المضاربة، وبعد ذلك عليه ديون، وأخيراً ما عنده سيولة، ثم هو يلتمس المعاذير، ويخرج منا يميناً وشمالاً.

جربنا حظنا مع بعض الرجال؛ فاليوم نريد أن نجرب حظنا مع البعض الأخر الذين هم يخافون يوما تتخلف فيه القلوب والأبصار، فالصدقة -والله!- من أعظم أسباب الوقاية من عذاب النار، بل من أهم أسباب النجاة من السعير، ومن أهم أسباب دخول الجنة، والمرء في ظل صدقته يوم القيامة، ذكَراً كان أو أنثى؛ ألم تسمعوا قول الله: (وَأَنْفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون:10]، يقول: رب لولا أخرتني إلى أجل قريب! لماذا؟ لأصدق وأكن من الصالحين! بل -والله!- أقولها وأعيدها: قد يخرج الله هذا المتصدق من البلايا والكربات؛ بل قد يرفع عنه مصيبة استمرت معه سنوات.

تقول إحدى الداعيات إنها كانت تلقي محاضره في إحدى الجمعيات النسائية، وكانت المحاضرة عن فضل الصدقة، وبعد انتهاء المحاضرة قام الجميع بالتبرع بما هو موجود معهن من نقود أو حلي وخلافه، وتقول الداعية: أقبلتُ علي إحدى الحاضرات، وأعطتني عقدا من الذهب كانت تلبسه، وتقول بأنه كان ثمين ومليء بالماس، ورفضت هذه الداعية أن تأخذه في البداية نظرا لكون العقيد ثمين، لكن هذه المرأة أصرت عليها أن تأخذه، وقالت للداعية بأن هذا العقد غالٍ عليها ولكن لن تبخل به في سبيل الله.

وفى المساء ذهبت هذه الداعية بما جمعت من حلي وذهب، ذهبت إلى أحد محلات الذهب لبيعه والتصدق بثمنه، فقال لها البائع: يجب أن نزيل الفصوص ثم نزن الذهب لبيعه، وعندما انتهى من نـزع الفصوص وعادت إليه أراها شيئا غريبا! فقد كان شعر وأظافر تحت الفصوص، أخذتهــا الــداعية وهى تقول: كنت في شغف لمعرفة قصة هذه المرأة، فحرصت أن أقيم محاضره ثانية في نفس الدار، وهناك كانت صاحبة العقد من ضمن الحاضرات.

تقول: وبعد انتهاء المحاضرة جاءت هذه المرأة للداعية وقالت إنها شعرت بارتياح كبير بعد الصدقة، فنظرت إليها الداعية وهى تضع أمامها الشعر والأظافر، فأخبرتها كيف وجدتها، فاستغربت المرأة وبكت بين يديها، بكت وهى تردد: والله يا أختي إن لي عشر سنوات أعيش مع زوجي وأولادي كالأغراب! والله كالأغراب! لا علاقة بيني وبينهم، لا أتحملهم ولا أطيقهم.