البحث

عبارات مقترحة:

الخالق

كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

رمضان واغتنام الأوقات الفاضلة

العربية

المؤلف علي عبد الرحمن الحذيفي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. أوقات فاضلة تضاعف فيها الحسنات .
  2. رمضان سيد الشهور .
  3. من فضائل شهر رمضان .
  4. الأثر الطيب للعبادة على الإنسان .

اقتباس

ونعيمُ الجنات مُجانِسٌ وموافقٌ للأعمال، فكل عملٍ صالحٍ له نعيمٌ يُناسِبُه ويُوافِقه، والله ذو الفضلِ العظيم، ولو تعلمُ الأمةُ ما يُفيضُ عليها الربُّ من الرحمةِ والخير في رمضان لتمنَّت أن تكون السنةُ كلُّها رمضان، والدنيا دارُ عمل، والآخرةُ دارُ جزاء، والدنيا فانية، والآخرةُ باقية ..

الحمد لله ذي الجلالِ والإكرام والفضل والإنعام، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ القدوس السلام، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله المبعوثُ بأفضل الأحكام، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الكِرام.

أما بعد: فاتقوا الله حقَّ التقوى؛ فتقوى الله خيرُ زادٍ ليوم المعاد.

أيها المسلمون: اذكروا نِعَم الله عليكم؛ إذ علَّمكم الأوقاتَ الفاضلة التي تتضاعَفُ فيها الحسنات، وشرعَ لكم فيها الطاعات، وفصَّلَ لكم المُحرَّمات التي تُخزِي الإنسان في الحياة وبعد الممات، قال الله تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 151، 152]، وقال تعالى: (فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 239]، وقال تعالى: (وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ) [الأنعام: 91]، وقال تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) [الأنعام: 119].

فما أعظمَ كرمَ الرب -جل وعلا-، وما أوسعَ عطاءَه، وما أجلَّ نِعَمه وجُودَه، يُعلِّمُنا الأزمنَةَ الفاضلَة التي يتضاعَفُ فيها الثواب، ويُعلِّمُنا أنواعَ القُرُبات التي يرضى بها عنَّا، ويُعينُ على العبادات، ويحفظُ من المُحرَّمات، إن هذا أعظم النِّعَم، وغايةُ الجُود والكرم.

وشهر رمضان سيدُ الشهور، جعل الله صيامَه مغفرةً للذنوب؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صامَ رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه". رواه البخاري.

كما جعل الله قيامَه كفَّارةً لما سلَفَ من السيئات، ورفعةً في الدرجات؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قامَ رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه". رواه البخاري ومسلم.

وفيه ليلةُ القدر؛ من قامَها إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصلواتُ الخمس، والجمعةُ إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفِّراتٌ لما بينهنَّ، إذا اجتُنِبَت الكبائرُ". رواه مسلم والترمذي.

فيا أيها المسلمون: هذه مواسمُ الخيرات قد أقبَلَت، وهذه أوقاتُ الفضل قد دخلَت، وأبوابُ الجنة في رمضان فُتِّحَت، وأبوابُ النار أُغلِقَت، والشرورُ قد طُفِئَت؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخلَ رمضان فُتِّحَت أبوابُ الجنة، وأُغلِقَت أبوابُ جهنم، وسُلسِلَت الشياطين". رواه البخاري ومسلم.

وثوابُ الصيام أفضلُ الثواب؛ عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "في الجنةِ بابٌ يُدعَى الريَّان، يدخل منه الصائمون، فمن كان من الصائمين دخلَه، ومن دخلَه لم يظمَأ أبدًا". رواه البخاري ومسلم.

وما ذاكَ إلا لأن الصوم سرٌّ وإخلاصٌ بين العبد وربِّه، يتخلَّى العبدُ بالصوم عن حُظوظِ نفسِه، وما تدعُوه إليه طبيعتُه الأمَّارةُ بالسوء، ويُقدِّم مرضاةَ ربِّه، فيتولَّى الله جزاءَه بلا حساب؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يُضاعَف، الحسنةُ عشرُ أمثالِها إلى سبعمائة ضِعفٍ، قال الله تعالى: إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزِي به، يدَعُ شهوتَه وطعامَه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحةٌ عند فطوره، وفرحةٌ عند لقاء ربه، ولخَلُوف فم الصائم أطيبُ عند الله من ريحِ المِسك". رواه البخاري ومسلم.

ونعيمُ الجنات مُجانِسٌ وموافقٌ للأعمال، فكل عملٍ صالحٍ له نعيمٌ يُناسِبُه ويُوافِقه، والله ذو الفضلِ العظيم، ولو تعلمُ الأمةُ ما يُفيضُ عليها الربُّ من الرحمةِ والخير في رمضان لتمنَّت أن تكون السنةُ كلُّها رمضان، والدنيا دارُ عمل، والآخرةُ دارُ جزاء، والدنيا فانية، والآخرةُ باقية.

وقد كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يُبشِّر أصحابَه بقدوم رمضان؛ ليستعِدُّوا له بما يليقُ به من التوبة والأعمال الصالحات؛ عن سلمان -رضي الله عنه- قال: خطَبَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر يومٍ من شعبان قال: "يا أيها الناس: قد أظلَّكم شهرٌ عظيمٌ مبارك، شهرٌ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، شهرٌ جعلَ الله صيامَه فريضة، وقيامَ ليله تطوُّعًا، ومن تقرَّب فيه بخَصلةٍ كان كمن أدَّى فريضةً فيما سواه، ومن أدَّى فريضةً فيه كان كمن أدَّى سبعين فريضةً فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابُه الجنة، وشهر المُواساة". رواه ابن خزيمة.

والصيامُ من العبادات التي تُعِدُّ المسلمَ لأن يكونَ من المُتقين؛ ليكون أهلاً لجِوارِ رب العالمين في جنات النعيم؛ فإنه لا يدخل الجنةَ إلا طيبٌ طاهر؛ طاهرٌ من الشرك والآثام، قال الله تعالى: (كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: 31، 32].

فإذا عُدِم أثرُ العبادة على الإنسان فعدمُ الأثر الطيب لخلَلٍ من الإنسان نفسه، وليس لخلَلٍ في العبادة.

أيها المسلمون: قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله فرضَ فرائضَ فلا تُضيِّعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتَدوها، وحرَّم أشياءَ فلا تنتهِكوها، وسكتَ عن أشياء رحمةً بكم فلا تسألوا عنها".

وأوجبُ الواجبات: توحيدُ الله تعالى؛ فمن حقَّق التوحيدَ دخل الجنةَ بغير حسابٍ ولا عذاب.

وأقِيموا الصلاة؛ فمن الناس من يصوم ويُقصِّر في الصلاة، وهذا من الخُسران، وأدُّوا زكاةَ أموالِكم ولا سيما في هذا الشهر المبارك، وحُجُّوا بيتَ ربكم، واحفَظوا صيامَكم من اللغوِ والمعاصي والذنوب؛ فـ"من لم يدَع قولَ الزورِ والعملَ به فليس لله حاجة في أن يدَعَ طعامَه وشرابَه".

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ...) [البقرة: 183، 184].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الرحمن الرحيم، العزيز الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ العظيم، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله المبعوثُ رحمةً للعالمين (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ) [يس: 70]، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.

عباد الله: إن هذا الشهر الكريم شهرُ الإحسان، والمؤمنُ يُحسِنُ إلى نفسه، ويُحسِن إلى عباد الله، وأحبُّ العباد إلى الله: من أحسنَ إلى نفسه؛ بأن اتقَى الله تعالى، ووحَّد ربَّه -تبارك وتعالى-، فعبَدَ الله لا يُشرِكُ به شيئًا، وأحسنَ إلى عباد الله؛ فإن الله -تبارك وتعالى- يُحبُّ المُحسنين، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، فلرسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حينَ يلقاهُ جبريل أجودُ بالخير من الريحِ المُرسَلة، كما روَت ذلك عائشةُ -رضي الله تعالى عنها-.

والقدوةُ برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فما من خيرٍ إلا وقد فعلَه وحثَّ عليه، وما من شرٍّ إلا وحذَّر منه واجتنبَه، فهو القدوةُ للمؤمنين، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21].

وهذا الشهر المبارك شهرُ القرآن، قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة: 185]، وهذا الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن هو غذاءُ الروح، وهو الدالُّ على الخيرات، والذي ينهَى عن المُحرَّمات؛ فإن للقرآن في هذا الشهر على القلوب سلطانًا عظيمًا، فإن سلطانَ النفس يضعُفُ بالصوم، وإن سلطانَ القرآن يقوَى.

فيا أيها الناس: أدِيموا تلاوةَ كتابِ الله، وتدبَّروا القرآنَ العظيم؛ فإنه الذي يقودُ إلى رضوان الله وإلى جنات النعيم، وأكثِروا من التلاوةِ فيه آناء الليل وآناء النهار، وأكثِروا من ذكر الله -تبارك وتعالى-.

وإن الصدقةَ في هذا الشهر إنها من الإحسان الذي رغَّبَ الله فيه، ورغَّب فيه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستقبِلوا شهرَكم بخيرِ ما تقدِرون عليه من الأعمال وبتوبةٍ نَصوح؛ فإن الله -تبارك وتعالى- أمرَ بذلك، فقال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) [التحريم: 8]، والله -تبارك وتعالى-: (لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 40].

توبوا إلى الله ليرتحِل هذا الشهر بذنوبٍ مغفورة، وأعمالٍ مشكورة.

عباد الله: إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال -تبارك وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا".

فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين، اللهم صلِّ على محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمد وعلى آل محمد، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

اللهو ارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنا معهم بمنِّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.