الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | عبدالرحمن بن فهد الودعان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
تجديد الحياة وتغييرها وتطهيرها حتى تصلح لاستقبال هذا الضيف العظيم الاستقبال اللائق به، وإنما تجدد الحياة بفتح صفحة جديدة نقية، صفحة طاهرة نظيفة، ولا يكون ذلك يا عباد الله إلا بالتوبةِ، التوبةِ النصوح، التوبةِ إلى الله تعالى، بالرجوع إليه وإلى شرعه المطهر، بإصلاح حياتنا وبرامجنا لتتوافق مع شريعة الله -جل وعلا- في كل مَنحى من مناحي حياتِنا، بمجانبة كل ما يباعدنا عن الله ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
عباد الله: يحدثنا الصحابي الجليلُ، أحدُ العشرة الكرام المبشرين بالجنة، طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- بهذا الخبر فيقول: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلانِ مِنْ بَلِيٍّ(قبيلة بلي)، فَكَانَ إِسْلامُهُمَا جَمِيعًا وَاحِدًا، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ فَاسْتُشْهِدَ، وَعَاشَ الآخَرُ سَنَةً حَتَّى صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ، فَرَأَى طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ خَارِجًا خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ آخِرَهُمَا ثُمَّ خَرَجَ، فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى طَلْحَةَ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْنِ لَكَ.
فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ وَعَجِبُوا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا، وَاسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدَخَلَ هَذَا الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ بِسَنَةٍ؟". قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا فِي الْمَسْجِدِ فِي السَنَةِ؟". قَالُوا: بَلَى. قَالَ: "فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ!" رواه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان.
عباد الله: إن هذا الضيف القادم علينا ضيف عظيم مبارك، فينبغي علينا أن نستقبله أعظم الاستقبال، واستقباله اللائق به يكون بأمرين مهمين:
أولا: تجديد الحياة وتغييرها وتطهيرها حتى تصلح لاستقبال هذا الضيف العظيم الاستقبال اللائق به، وإنما تجدد الحياة بفتح صفحة جديدة نقية، صفحة طاهرة نظيفة، ولا يكون ذلك يا عباد الله إلا بالتوبةِ، التوبةِ النصوح، التوبةِ إلى الله تعالى، بالرجوع إليه وإلى شرعه المطهر، بإصلاح حياتنا وبرامجنا لتتوافق مع شريعة الله -جل وعلا- في كل مَنحى من مناحي حياتِنا، بمجانبة كل ما يباعدنا عن الله، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]
عباد الله: لقد قسَّمَ الله تعالى الناس إلى قسمين لا ثالث لهما، فقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأولئكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات:11]، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: قسَّم العبادَ إلى تائب وظالم، وما ثَمَّ قِسم ثالثٌ اَلْبَتَّةَ، وأوقَعَ اسمَ الظالِمِ عَلَى مَن لَّمْ يَتُبْ، ولا أظلمَ منهُ لِجهلِهِ بربِّهِ وبِحَقِّهِ وبِعَيبِ نفسِهِ وآفاتِ أعمالِهِ.
إن علينا -باختصار- أن نجعل حياتنا في رمضان إيمانية بحق، نصلح حياتَنا كلها ونجددها ونصفيها من كل الشوائب، رمضانُ -يا عباد الله- مَصفاةٌ تربويةٌ، لن تجد نفسك أحسن ولا أفضل ولا أقرب إلى الله تعالى منها في رمضان، كل أسباب التقوى مجتمعةٌ فيه، ونفسك مقبلة على الله، فلا تتردَّدْ أبدا في تصفية نفسك، وتنقيتها، وغسلها من كل الشوائب التي علِقْتَ بها في جميع الشهور السابقة.
وهذا ما عبَّر عنه جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- بقوله: إذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُك وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ والْمَحَارِمِ، وَدَعْ أذى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْك وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يومَ صِيَامِكَ، وَلاَ تَجْعَلْ يومَ فِطْرِك وَصَوْمِكَ سَوَاءً.
ويحدثنا أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله: كلُّ عملِ ابنِ آدم له إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، وإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفُثْ ولا يصخبْ، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمدٍ بيده! لخُلوف فمِ الصائمِ أطيب عند الله من ريح المسك! للصائم فرحتان يفرحُهما: إذا أفطر فرِح، وإذا لقي ربه فرِح بصومه" رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل عملِ ابنِ آدمَ يضاعفُ، الحسنة عشرُ أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامَه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحةٌ عند لقاء ربه، ولخُلوف فِيهِ أطيب عند الله من ريح المسك".
وروى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، ومراد الحديث أن الله تعالى إنما شرع الصيام لأجل تهذيب النفس، وليس لمجرد ترك الأكل والشرب.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "رُبَّ قائم حظُّه من قيامه السهَر! ورُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع!".
يا لَخَسَارَةِ مَن كان رمضان عنده الجوع والعطش! الجوع والعطش فقط! يا لَخَسَارَةِ مَن لا يبالي في رمضان ماذا فعل! يا لَخَسارةِ صاحب الدش الذي لا يزال ينظر فيه المنكرات، ويقلب القنوات! يا لَخَسَارَةِ العاق لوالديه ولا يزال كذلك! يالها من خسارة كبيرة أن يستمر الشاب يرتاد المقاهي في رمضان وكأنه ما صام ولا عرف الصيام الحقيقي!.
وهكذا في نواقص كثيرة نحتاج إلى أن نقف فيها مع أنفسنا في هذا الشهر الكريم وقفة صدق وجد، ونتخلص منها جميعها، لتعود صفحاتنا بيضاء نقية، يجب أن يكون رمضان كما أراده الله جل وعلا، محطة تنقية وتنظيف وتطهير ورجوع كامل إلى الله تعالى، وهذا ما عَّبر عنه القرآن في كلمة جامع عظيمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].
عباد الله: إن ما نحتاجه في تصحيح أحوالنا لنحقق ما أراه الله منا بمشروعية الصيام أمران :
أولهما: العزيمة الصادقة، (وَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [آل عمران:159].
ثانيهما: عدم المبالاة بعاداتك السابقة وبرامجك المثبّطة، وأشدها قطاع الطريق، أتدري من هم قطاع الطريق؟ إنهم أصحاب السوء الذين لا يسرهم قربك من الله، ويسعدون بقربك من إبليس.
عباد الله: أما الأمر الثاني الذي نستعد به لهذا الشهر الكريم: فهو الاستكثار من النوايا الصالحة، والعزم على فعل الخيرات.
ليس استعدادنا لرمضان فقط بشراء الأطعمة الخاصة به، وهذه لا عيب فيها ولا نقص، ولا تثريب، بل ينبغي احتساب النفقة فيها، فهي طعام تتقوى به على العبادة، تتسحر عليه وتفطر عليه، يحدثنا سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرْتَ عليها، حتى ما تضع في في امرأتك" رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة" رواه البخاري ومسلم. يقول عبدالله بن المبارك: خَصلتان حُرمهما الناس: الحِسبة في الكسب، والحِسبة في النفقة.
ولكن مع هذا نستعد استعدادا إيمانيا حتى لا يكون رمضان مجرد عادةٍ من العادات، أو عبادةٍ جوفاء يعملها الإنسان من غير استشعار لعظمتها وأهميتها.
الاستعداد بالنية الصالحة، نية الصيام احتسابا لله تعالى؛ لا مجرد عادة وتقليدٍ، نية المحافظة على الفرائض في أوقاتها مع الجماعة، بل المحافظة ما أمكنك على تكبيرة الإحرام، نية المحافظة على قيام رمضان مع المسلمين، والعزم على عدم التفريط فيه ولا ليلة واحدة، نية الحرص على الصدقة في رمضان؛ فهو شهر الصدقات، ويا حبذا أن يعزم الإنسان على الإكثار من الصدقة في رمضان، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل.
يحدثنا ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يروي عن ربه عز وجل قال: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن ذلك: فمَن هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها وعملها كتبها الله له عنده عشرَ حسنات إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة" رواه البخاري ومسلم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًّا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: أيها المؤمنون: مما ينبغي الاستعداد به لشهر الصيام المحافظة على الصيام مِن أن ينقص أجرُه، فهذا أبو عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه- يحدثنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والصوم جُنَّةٌ ما لم يخرقها" رواه أحمد والنسائي وغيرهما. وخَرْقُ الصيام يكون بارتكاب المعاصي، قالت حفصة بنت سيرين رحمها الله: الصيام جُنة ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة.
ورَوى طَلِيقُ بن قَيْسٍ أن أبا ذر -رضي الله عنه- قال: إذا صمت فَتَحَفَّظْ ما اسْتَطَعْت، فكان طَلِيقُ بن قَيْسٍ -رحمه الله- إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلا لصلاة. وعن أبي المتوكل أن أبا هريرة وأصحابه كانوا إذا صاموا جلسوا في المسجد. ورُوي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: ليس الصيام من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو والحلف.
ورُوي عن علي -رضي الله عنه-: إن الصيام ليس من الطعام والشراب، ولكن من الكذب والباطل واللغو. وقال ميمون بن مهران رحمه الله: أهون الصوم ترك الطعام والشراب. وقال مجاهد رحمه الله: خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة والكذب.
ورُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: الغيبة تخرق الصوم والاستغفار يرقعه، فمن استطاع منكم أن يجيء غدا بصومه مرقَّعًا فليفعل.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].