العلي
كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...
العربية
المؤلف | عبدالباري بن عواض الثبيتي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
لقد أعلن رسول الله تلك المبادئ التي لم تكن شعارات يرفعها أو يتاجر بها، بل كانت هي مبادئه منذ فجر الدعوة يوم كان وحيدًا مضطهدًا، وهي مبادئه يوم كان قليلاً مستضعفًا لم تتغير في القلة والكثرة والحرب والسلم وإعراض الدنيا وإقبالها، وهي مبادئه التي يرسخها في نفوس أصحابه لينقلوها إلى العالم فيسعد بها، ولقوتها وصدقها لم تذبل مع الأيام ولم تمت مع تعاقب الأجيال، وإنما هي راسخة تتجدد ..
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلاً، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر كلما أحرم الحجاج من الميقات، وكلما لبى الملبون وزيد في الحسنات، الله أكبر كلما دخلوا فجاج مكة آمنين، وكلما طافوا بالبيت الحرام وسعوا بين الصفا والمروة ذاكرين الله مكبرين.
الحمد لله على ما منَّ به علينا من مواسم الخيرات وما تفضل به من جزيل العطايا والهبات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مسبغ النعم ودافع النقم وفارج الكربات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، أكمل الخلق وأفضل البريات صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان ما دامت الأرض والسماوات.
إخوة الإسلام: كلما جاء شهر ذي الحجة وهلّت مواقيت الحج تألقت صفحة من تاريخ الإسلام، ووقفة من وقفات الرسول، ومن أهم معالم رحلة الحج إلى جانب أداء المناسك العبادية، تلك المعاني الجامعة والمبادئ البليغة التي خاطب بها رسول الله المسلمين في حجة الوداع.
لقد أعلن رسول الله تلك المبادئ التي لم تكن شعارات يرفعها أو يتاجر بها، بل كانت هي مبادئه منذ فجر الدعوة يوم كان وحيدًا مضطهدًا، وهي مبادئه يوم كان قليلاً مستضعفًا لم تتغير في القلة والكثرة والحرب والسلم وإعراض الدنيا وإقبالها، وهي مبادئه التي يرسخها في نفوس أصحابه لينقلوها إلى العالم فيسعد بها، ولقوتها وصدقها لم تذبل مع الأيام ولم تمت مع تعاقب الأجيال، وإنما هي راسخة تتجدد في الأقوال والأعمال.
مبادئ سكبت مع عبارتها دموع الوداع، ومن أجل ذلك سميت خطبة الوداع، وفيها حذّر من الشرك ذلك الداء الوبيل الذي يفتك بالإنسانية ويحطم روابطها ويقطع صلتها بمصدر الخير، ويذهب بها في أودية سحيقة تتوزعها الأهواء وتأسرها الشهوة، ومن ثم فالمعنى الأصيل الذي تدور عليه أحكام الحج بل تقوم عليه أحكام الدين وحدانية الله -تبارك وتعالى-.
وفي خطبة الوداع يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا".
إن الإنسان لا يهنأ له عيش ولا يهدأ له روع، ولا تطمئن له نفس إلا إذا كان آمنًا على روحه وبدنه، لا يخشى الاعتداء عليهما.
وفي ظل شريعة الإسلام يتحقق الأمن وتشيع الطمأنينة، ينظر الرسول –صلى الله عليه وسلم- إلى الكعبة ويقول: "ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك". بينما أناس مسلمون أو يزعمون الإسلام يقتلون الإنسان المسلم، ولسنا بحاجة إلى التذكير بتلك الدماء المسلمة التي تسيل يوميًا كالأنهار في أجزاء من المعمورة، مجازر بشرية ومذابح جماعية أدمت قلوبنا وأقضت مضاجعنا، ومهما كانت المسوغات فهي خطيئة كبرى ومصيبة عظمى، ألم يقل رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض". ويقول: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار".
إن إراقة دم المسلم أكبر عند الله من كل شيء في الدنيا: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم". فكيف سيكون حسابهم عند الله -تبارك وتعالى-.
إن الحضارة الحديثة أعلنت مبادئ لحقوق الإنسان، لكنها قاصرة ضعيفة لا تملك العقيدة التي ترسخها والإيمان الذي يحييها والأحكام التي تحرسها، ولذا فهي تنتهك في أرقى دول العالم تقدمًا وحضارة، أين حقوق الإنسان الذي انتهك قدسه الشريف واغتصبت أرضه وصودرت أمواله ونزف دمه سنين عديدة؟! أين حقوق الإنسان على أرض البلقان حيث تناثرت أشلاؤه ودفنت جماجمه في مقابر جماعية على مرأى ومسمع من أدعياء حقوق الإنسان؟! أين حقوق الإنسان في كشمير والفلبين؟! أين حقوق الإنسان وأخلاقه تدمر، وقيمه تحطم، وإنسانيته تنتهك في حرب إعلامية فضائية ترعى الرذيلة وتنبذ الفضيلة؟!
وفي خطبة الوداع يقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم". مبادئ خالدة لحقوق الإنسان لا يبلغها منهج وضعي ولا قانون بشري، فلصيانة الدماء يقول تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَوةٌ) [البقرة:179]، ولصيانة الأموال يقول تعالى: (وَلسَّارِقُ وَلسَّارِقَةُ فَقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) [المائدة:38]، ولصيانة الأعراض يقول تعالى: (لزَّانِيَةُ وَلزَّانِى فَجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ) [النور:2]، هذا لغير المحصن، أما المحصن فعقوبته الرجم حتى الموت، فلا كرامة لباطل، ولا حصانة لفوضى خلقية.
ومن مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام أنه لا يجوز أن يؤذى إنسان في حضرة أخيه، ولا أن يهان في غيبته، سواء أكان الإيذاء للجسم أم للنفس، بالقول أم الفعل، ومن ثم حرم الإسلام ضرب الآخرين بغير حق، ونهى عن التنابز والهمز واللمز والسخرية والشتم.
روى البخاري وأبو داود أن رجلاً حُدَّ مرارًا في شرب الخمر، فأتي به يومًا فأُمر به فضرب، فقال رجل من القوم: أخزاه الله، اللهم العنه؛ ما أكثر ما يؤتى به. فقال رسول الله: "لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان، ولكن قولوا: اللهم ارحمه، اللهم تب عليه".
ولم يكتف الإسلام -عباد الله- بحماية الإنسان وتكريمه حال حياته، بل كفل له الاحترام والتكريم بعد مماته، ومن هنا أمر بغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، نهى عن كسر عظمه أو الاعتداء على جثته أو إتلافها، روى البخاري أن رسول الله قال: "لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا".
وقال في خطبة الوداع: "ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميَّ موضوع". وبهذا تسقط جميع الفوارق وجميع القيم، فلا أحمر ولا أسود ولا أبيض، ولا نسب ولا مال ولا جاه، يرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة، يتفاضل على أساسه الناس: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَـاكُمْ) [الحجرات:13].
لقد كانت العصبيات قبل البعثة عميقة الجذور قوية البنيان، فاستطاع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يجتث التمييز العنصري بكل صوره وأشكاله من أرض كانت تحيي ذكره وتهتف بحمده وتفاخر على أساسه فقال: "كلكم لآدم، وآدم من تراب: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَـاكُمْ)، ليس لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى".
حضارات حديثة تزعم التقدم والرقي والمساواة، بينما شعور التمييز العنصري يتنفس بقوة في مختلف مجالاتها السياسية والاقتصادية والإعلامية، ومن المخزي أن هذه الحضارات توسم بأنها حضارات القوميات والألوان.
وحين كادت أن تتسلل إلى الصف المسلم في غزوة بني المصطلق بذرة غريبة في مجتمع طاهر قال الرسول الذي كان يرعى المسيرة: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!". لم يرضَ الرسول –صلى الله عليه وسلم- أن تظهر بين أصحابه في المجتمع المسلم، أن تظهر بينهم بوادي التمييز العنصري ولو كان في الألفاظ، فهذا أبو ذر يعيّر رجلاً بأمه ويناديه: يا ابن السوداء، فيغضب رسول الله ويقول: "أعيرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية". وهذا لا يسلب أبدًا فضله من إسلامه ومن جهاده.
وهكذا -عباد الله- ماتت العصبيات الجاهلية على أساس النسب والدم والعرق، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية". ويقول أيضًا: "من دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثا جهنم".
وفي أعقاب الزمن ينبري أقوام من بني جلدتنا لإحياء العصبيات الجاهلية، ويهتفون بها، ويتفاخرون على أساسها، ويمنحونها الاستمرار ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "دعوها؛ فإنها منتنة".
وفي خطبة الوداع يقول: "وأول ربا أضع ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب؛ فإنه موضوع كله". لم يحرم الله الربا إلا لعظيم ضرره وكثرة مفاسده، فهو يفسد ضمير الفرد، يفسد حياة الإنسانية، يشيع الطمع والشره والأنانية، يميت روح الجماعة، يسبب العداوة، يزرع الأحقاد في النفوس، ولهذا أعلن الله تعالى الحرب على أصحابه ومروجيه، حرب في الدنيا: غلاء في الأسعار، أزمات مالية، أمراض نفسية، انعدمت معاني التعاون والإيثار، أما في الآخرة فعذاب أليم؛ يقول الله تعالى: (لَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَـانُ مِنَ الْمَسّ) [البقرة:275]، ويعتبر النظام الربوي مسؤولاً عن كثير من الأزمات المالية والاقتصادية على مستوى الأفراد والجماعات والدول.
وفي خطبة الوداع يقول: "اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله". وفي أمتنا اليوم من يتباكون على حال المرأة، فينصبون أنفسهم مدافعين عن حقوقها، منصفين لأوضاعها المهضومة، فهي -كما يزعمون- كمٌّ مهمل، وطاقة مهدرة، ورئة معطلة، ولو عاش هؤلاء الإسلام حقيقة لنطق لهم بأجلى بيان وتحدث بأوضح أسلوب عن الأثر العظيم الذي تركته المرأة في زمن أشرق بنور النبوة، فقد كانت المرأة تهزّ المهد بيمينها وتهز العالم بشمالها عندما تنشئ قادة وعلماء ومفكرين وأبطالاً ميامين تفخر بهم الأمة.
ولهذه الدولة -وفقها الله- الريادة في الوقوف سدًّا منيعًا أمام هؤلاء الجهلة وضعاف العقول والنفوس؛ فقد منعت الاختلاط في كل مراحل التعليم في الوقت الذي يئن العالم كله من هذه التجربة الخاطئة، أغلقت كل المنافذ الموصلة إلى خدش حياء المرأة، فمنعت جل أنواع التصوير للمرأة حتى في الوثائق الرسمية، فجعلتها بذلك درة مصونة مقصورة على محارمها، ومع ذلك ضبطت الأمن فسجلت أدنى معدلات الجريمة مقارنة بدول كبرى، عملت المرأة في المجالات التي تناسب فطرتها وأنوثتها وشريعة ربها، فأثبتت المرأة في هذا المجتمع نجاحًا كبيرًا مع احتفاظها بالحشمة والعفاف، فأعطت العالم كله درسًا عمليًّا في حقوق المرأة في الإسلام.
وفي خطبة الوداع يقول: "وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله وسنتي". فالذي خلق الإنسان أعلم بما يصلحه ويحقق سعادته، ألا وهو الاعتصام بالكتاب والسنة؛ ففيهما العصمة من الخطأ، والأمن من الضلال، والحيدة عنهما فشل وتفرق وتخلف، ألم تسمعوا قول الله -تبارك وتعالى-: (وَلاَ تَنَـازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال:46].
إخوة الإسلام: خطبة الوداع نداء يوجه إلى الأمة الإسلامية بمناسبة الحج لتحقق الأمة المراجعة المطلوبة، والاستقامة على الطريق، والاستجابة لنداء سيد المرسلين، فهل تستجيب وهل تفعل؟! والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
الأضحية -عباد الله- مشروعة بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع علماء المسلمين، وبها يشارك أهل البلدان حجاج بيت الله في بعض شعائر الحج؛ فالحجاج يتقربون إلى الله بذبح الهدايا، وأهل البلدان يتقربون إليه بذبح الضحايا، وهذا من رحمة الله بعباده، فضحّوا -أيها المسلمون- عن أنفسكم وعن أهليكم تعبدًا لله تعالى وتقربًا إليه واتباعًا لسنة رسوله.
والواحدة من الغنم تجزئ عن الرجل وأهل بيته، الأحياء والأموات، والسُبُعُ من البعير أو البقر يجزئ عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم، فيجزئ عن الرجل وأهل بيته الأحياء والأموات، ومن الخطأ أن يضحي الإنسان عن أمواته من عند نفسه، ويترك نفسه وأهله الأحياء.
ومن كان عنده وصايا بأضاحي فليعمل بها كما ذكر الموصى، فلا يدخل مع أصحابها أحدًا في ثوابها، ولا يخرج منهم أحدًا، وإن نسي أصحابها فَلْيَنْوِهَا عن وصية فلان، فيدخل فيها كل من ذكر الموصي.
ولا تجزئ الأضحية إلا من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها؛ لقوله تعالى: (وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الاْنْعَـامِ) [الحج: 34]، ولا تجزئ الأضحية إلا بما بلغ السن المعتبر شرعًا، وهي ستة أشهر في الضأن، وسنة في المعز، وسنتان في البقر، وخمس سنوات في الإبل، فلا يضحي بما دون ذلك لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لا تذبحوا إلا مسنة -وهي السنية- إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن".
ولا تجزئ الأضحية إلا بما كان سليمًا من العيوب التي تمنع من الإجزاء، فلا يضحي بالعوراء البين عورها، وهي التي نتأت عينها العوراء أو انخسفت، ولا بالعرجاء البين ضلعها، وهي التي لا تستطيع المشي مع السليمة، ولا بالمريضة البين مرضها وهي التي ظهرت آثار المرض عليها بحيث يعرف من رآها أنها مريضة من جرب أو حمى أو جروح أو غيرها، ولا بالهزيلة التي لا مخ فيها؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- سئل: ماذا يجتنب من الأضاحي؟! فأشار بيده وقال: "أربع: العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقي". فقيل للبراء بن عازب: إني أكره أن يكون في الأذن نقص أو في القرن نقص أو في السن نقص، فقال البراء: "ما كرهت فدع، ولا تحرمه على أحد".
فهذه العيوب الأربعة مانعة من الإجزاء، دل على ذلك الحديث، وقال به أهل العلم، ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد، فلا يضحي بالعمياء، ولا بمقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين، ولا بالمغشومة حتى يزول الخطر عنها، ولا بما أصابها أمر تموت به، كالمجروحة جرحًا خطيرًا، أو المنخنقة والمتردية من جبل ونحوها مما أصابها سبب الموت؛ لأن هذه العيوب في معنى العيوب الأربعة التي تمنع من الإجزاء بنص الحديث، فأما العيوب التي دون هذا فإنها لا تمنع من الإجزاء، فتجزئ الأضحية بمقطوعة الأذن أو مشقوقتها مع الكراهة.
ولا تذبحوا ضحاياكم إلا بعد انتهاء صلاة العيد وخطبتها؛ فإن ذلك أفضل وأكمل اقتداءً بالنبي –صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه كان يذبح أضحيته بعد الصلاة والخطبة، ولا يجزئ الذبح قبل تمام صلاة العيد لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله".
واذبحوا ضحاياكم بأنفسكم إن أحسنتم الذبح وقولوا: "باسم الله والله أكبر"، وسموا من هي له عند ذلك اقتداءً بالنبي –صلى الله عليه وسلم-، فإن لم تحسنوا الذبح فاحضروه فإنه أفضل لكم وأبلغ في تعظيم الله والعناية بشعائره؛ قال تعالى: (وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الاْنْعَـامِ فَإِلَـاهُكُمْ إِلَـاهٌ وحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشّرِ الْمُخْبِتِينَ) [الحج:34].
ألا وصلوا -عباد الله- على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الآل والصحب الكرام، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.