الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الله بن حميد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
داء من أدواء الدجل قديمًا ومشكلة من مشكلات العصر حديثًا، وإنك لتعجب ممن رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ -صلى الله عليه وآله سلم- نبيًّا ورسولاً.. تعجب ممن عرف ربه وعرف دين الحق وصح إيمانه وصدق توكله وتحقق توحيده، كما تعجب من عصرٍ يوصف بالتقدم العلمي والعلم التجريبي -تقدم علمي وتقني في الأدوية والعلاج والوسائل- ومع هذا كله يسود هذا الداء وينتشر هذا البلاء ..
الحمد لله. الحمد لله أهل الحمد والفضل.. أقام خلقه وأمره بالحق والعدل وخص المكلفين بنعمة العقل، سبحانه وبحمده له الأمر من بعد ومن قبل، وأستغفره وأتوب إليه وأثني عليه بما هو أهله وأشكره على عطائه الجزل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الأسماء الحسنى ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله أفضل نبيٍّ وأكرم مرسل.. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آل بيته الطيبين وعلى أصحابه الغر الميامين -أفضل صحب وأكرم أهل- والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل- فاتقوا الهع -رحمكم الله- واحذروا المعاصي فهي طريق الهلاك؛ فالغنا بريد الزنى.. والخمر أم الخبائث.. والكذب سبيل النفاق.. وحب الدنيا رأس كل خطيئة.. وطول الأمل ينسي، والورع يخفف الحساب والزهد يبصر بالعورات، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك يسلم لك دينك: ( أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ) [العاديات:9-11].
أيها المسلمون: داء من أدواء الدجل قديمًا ومشكلة من مشكلات العصر حديثًا، وإنك لتعجب ممن رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ -صلى الله عليه وآله سلم- نبيًّا ورسولاً.. تعجب ممن عرف ربه وعرف دين الحق وصح إيمانه وصدق توكله وتحقق توحيده، كما تعجب من عصرٍ يوصف بالتقدم العلمي والعلم التجريبي -تقدم علمي وتقني في الأدوية والعلاج والوسائل- ومع هذا كله يسود هذا الداء وينتشر هذا البلاء ويعم هذا الخطر.. خطر يهدد المجتمع وعامل من عوامل تفكك الأسر وهدم العلاقات الاجتماعية وتقطيع أواصر القربى وإحلال الحق محل المحبة والخوف مكان الطمأنينة.. داء يزرع الاضطراب وينزع الثقة، بل إنه صورة من صور ضعف العقول ونقص التفكير.. ناهيكم بضعف الديانة وخلل العقيدة.
داء يمارسه الفسقة والأراذل ولا يرضاه الصادقون وأهل التقى، إن نفوس من يقدم عليه تتصف بالخبث والدنائة والمكر تسلب كل الوسائل مهما خبثت وتقتحم السبل مهما انحطت.. ليس لصاحبه في الآخرة من خلاق؛ فساد في الدين وشر في العمل وتهويل ودجل.. ذلكم عباد الله هو السحر والسحرة والكهانة والكهنة والدجل والشعوذة..
الساحر شيطان من شياطين الإنس لا يحب الخير للناس.. نزعت الرأفة من قلبه والرحمة من نفسه.. همه المال وإيذاء الناس.. قبيح المسلك في أعماله ما يوقع في الكفر أو يوصل إليه: ( ...وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ... ) [البقرة:102].. لا يتوانى عن الكذب ولا يتورع عن الخداع والتلون.
الساحر لم يقدم على سحره إلا لإعراضه عن ربه وشرعه، وقد علم أن كثيرا من أنواع السحر لا يحصل إلا بالكفر والتقرب إلى الجن والشياطين مما لم يأذن به الله.. يقول الإمام الذهبي -رحمه الله-: " ترى خلقًا كثيرًا من الضلال يدخلون في السحر ويظنون أنه حرام فقط وما يشعرون أنه كفر ".. وفي الحديث: ثلاثة لا يدخلون الجنة: " مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر ".. ومن دقائق المعاني أن الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه الكريم أن الذين اتبعوا ما تتلوا الشياطين هم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.. فقال سبحانه: ( وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ... ) [البقرة:89].
ولقد قرر أهل العلم أن تعلم السحر محرمٌ، بل هو كفرٌ إذا كان وسيلته الإشراك بالجن والشياطين.. يقول الإمام النووي -رحمه الله-: " وعمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من السبع الموبقات وتعلمه وتعليمه حرام، فإن تضمن ما يقتضي الكفر كفر ".
وقال أبو بكر الجصاص -رحمه الله-: اتفق السلف على وجوب قتل الساحر، ونص بعضهم على كفره لقوله -صلى الله عليه وسلم-: " من أتى كاهنًا أو عرّافًا أو ساحرًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم – ".
عباد الله: عمل السحر بغيٌ ومكرٌ وخبثٌ وظلم، والساحر يظلم نفسه ويغضب ربه ويخسر دينه ويوقع نفسه في سخط الله ومقته: ( ...وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) [البقرة:102].. وفي الحديث المتفق عليه: " اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات "
ويدخل في ذلك -معاشر المسلمين- التنجيم والكهانة مما هو دجلٌ وتخبطٌ من أجل أكل أموال الناس بالباطل وإدخال الهم والغم عليهم.. هؤلاء المنجمون الدجالون يستدلون بالنجوم والكواكب وأحوالهم وأبراجها ومنازلها وحركاتها واقترانها وافتراقها يستدلون بذلك على الحوادث الأرضية وعلى أحوال ناسٍ من شقاءٍ وسعادةٍ وحظوظ، وكل ذلك حرامٌ باطل.. يقود بصاحبه إلى الكفر إذا اعتقد علم الغيب أو اعتقد أن لأحدٍ غير الله القدرة على التصرف في الخلق؛ فذلك كله كفرٌ بالله واستعانةٌ بغير الله وشركٌ به.. تعالى الله عما يقول الظالمون الجاحدون المعاندون علوًّا كبيراَ.
والحوادث الأرضية ليس للنجوم بها تعلق أو ارتباط أو تأثير؛ ففي الصحيحين من حديث خالد الجهني -رضي الله عنه- قال: " صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلةٍ على إثر سماء من الليل -أي على إثر مطر- فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر.. فمن قال: مُطِرنا بنوء كذا وكذا فإنه كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب، ومن قال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب" والشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد أو لحياته، بل هما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، وقد جعلهما الله بحسبان.. يعلم الناس بهما عدد السنين والحساب، والنجوم زينةٌ للسماء ويهدى بها في ظلمات البر والبحر.
أيها الإخوة المسلمون: لقد عظم الضرر واشتد الخطب بهؤلاء الذين يمارسون هذه التخبطات والتكهنات ويلبسون على ضعاف العقول والبصيرة.. وإذا كانت الشعوذات والخرافات ووصفات العلاج الجاهلية تملأ الأرصفة والطرقات في بعض البلدان الضعيفة والفقيرة.. فمع الأسف ما كان على هذه الأرصفة التقطته بعض القنوات والشاشات ليقع التلبيس على الجميع كبارًا وصغارا رجالًا ونساء؛ فلا ينبغي الاستهانة بهذه الشعوذات الفضائية والوصفات الزائفة.
معاشر المسلمين: وممن يدخل في التحذير والوعيد: الذين يذهبون إلى السحرة والمشعوذين ليطلبوا منهم أن يسحروا غيرهم من أعدائهم أو أصدقائهم؛ فمن سلك هذا المسلك فهو ظالم لنفسه معتدٍ أثيم غايته الانتقام من أخيه المسلم.. يذهب إلى هذا الساحر ليفرق بين فلان وفلانة أو يمنع فلانًا من الزواج بفلانة أو أن ينفر فلانا من أهل بيته.. وفي الحديث: " ليس منا من تطير أو تُطيِّر له أو تكهن أو تُكُهِّن له أو سحر أو سُحِر له " رواه البزار بسند جيد.
أين هؤلاء من عقوبة الله وقد جاء في الخبر: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العاطهة المستعطهة"؛ يعني الساحرة والتي تستحل أن تسحر لها.
سحر وحسد وحقد وظلم لأن فلانًا تزوج فلانة أو لأن فلانًا أنعم الله عليه بما أنعم وأعطاه ما أعطاه؛ فليتق الله هؤلاء جميعاً وليستغفروا الله وليتوبوا إليه.
معاشر المسلمين.. ويحرم الذهاب إلى هؤلاء الكهنة والسحرة والدجالين ولا يجوز تصديقهم؛ فما أفعالهم ولا كلامهم إلا دجلٌ ورجمٌ بالغيب واستعانةٌ محرمةٌ بغير الله، وذلك محرمٌ في دين الله وكبيرةٌ من كبائر الذنوب يقود إلى الكفر والضلال..
ومن ادعى علم الغيب فقد كفر.. يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من أتى عرَّافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " رواه أحمد.. وعند مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " من أتى كاهنًا أو عرّافًا فصدقه بما يقول فقد كفر ما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- ".. قال بعض أهل العلم: إن من يأت كاهنا فيسأله وإن لم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماَ، وإن سأله وصدقه بما يقول فهو داخل في حديث: " فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم– ".
إن الذين يذهبون إلى السحرة والكهان والمشعوذين وأصحاب الدجل يرجون نفعهم أو يطلبون الشفاء من أمراضهم إنما يزدادون سوءًا وإثماً ولو حصل نفع في ظنهم أو وهمهم، فحسبهم أن ما نفع البدن أفسد الدين، وذلك هو الخسران المبين.. وأنى لهم النفع والله يقول: ( ... وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) [طـه:69]
نعم يا عباد الله.. فليخش هؤلاء الذين يتعلقون بالسحرة والمشعوذين أن يكون ذلك ثمن دينهم وإيمانهم، وليتفكروا.. فما بعثهم على ذلك ولا دفعهم إليه إلا سوء ظنٍّ بربهم وخلل في عقيدتهم وقد علموا أن السحر من عمل الشيطان.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- واعلموا أن السحر والكهانة والشعوذة والدجل فتنٌ تصد صاحبها عن الحق وتعمي عن الهدى وتوقع في الضلال، ومن ابتلي بها تعلق بغير الله وابتعد عن منهج الله وضل ضلالًا مبينا.. وإذا كان المرء حريصاً على أن يعرف الأمراض التي تؤذيه في بدنه فأولى من ذلك أن يعرف الأمراض التي تضره في دينه وعقيدته وتقدح في إيمانه؛ فأمراض العقائد والقلوب أشد فتكاً وأعظم ضرراً من أمراض الأبدان.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) [البقرة:102-103]
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخبطة الثانية:
الحمد لله. الحمد لله علم بالقلم وأنزل كتابه يهدي للتي هي أقوم، أحمده - سبحانه- وأشكره على واقع العطايا وجزيل النعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والكرم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله سيد العرب والعجم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى ومصابيح الظُّلَم.. والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: إن طريق الوقاية والعلاج هو طريق الإسلام وسبيل المؤمنين من قوة الإيمان بالله وحسن التعلق به وصدق الاعتماد عليه والتوكل واليقين، ( ... وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ... ) [التغابن:11]، ( ...وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ) [الطلاق:2]، ( ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ) [ الطلاق:4]
وليحصن العبد نفسه بالأدعية المأثورة من كتاب الله ومن سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومن اصطبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سمٌّ ولا سحر، وقراءة المعوذتين وسورة الإخلاص وآية الكرسي، ويقول صباحًا ومساءً: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ومن قرآ آيات السحر في سورة (الأعراف) و(يونس) و(طه) فإن كتاب الله هدى وشفاء ورحمة للمؤمنين.
عباد الله: ولو ذهب الذاهب يفتش في أسباب انتشار هذه الخزعبلات وقبول هذه الشعوذات والكهانة والسحر ورواجه لتبين له أن من أعظم ذلك ضعف الإيمان في هذه النفوس، وقد قال -سبحانه-: ( ...وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ... ) [الطلاق:3] ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ) [الأنعام:17]، ومن ذلك الجهل بالشرع وأحكامه.. وإلا فكيف يذهب إلى هؤلاء الدجاجلة من يخشى على نفسه في دينه ويخشى أن ترد صلاته وطاعاته، بل يخشى أن ينتقل من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر؟ ومن ذلك قسوة القلب والركون إلى الماديات والجفاف في منابع الخير مما أورث الاكتئاب النفسي والقلق والاضطراب الداخلي عند هؤلاء، ومنها الغفلة عن ذكر الله والتحصن بالأوراد الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- حتى تكاد تصبح بعض البيوت مرتعا للشياطين ومباءة للمنكرات.
وبعد -عباد الله-: فإن هذه الأسباب تستدعي من أهل العلم والصلاح خاصة وعموم المسلمين التناصح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر وفشو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان بالتربية، كما يجب متابعة هؤلاء المشعوذين والإبلاغ عنهم، وعلى ولاة أمور المسلمين الأخذ على أيديهم بحزم وإيقاع الجزاء الرادع عليهم.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- وآمنوا به واعتمدوا عليه، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.
ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبيكم محمد رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربكم فقال -عز قائلاً عليما- في محكم تنزيله قولاً كريماً ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [الأحزاب:56].. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر والخلق الأكمل وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الأربعة الراشدين والأئمة المهدين -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين.. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين..
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك، وأعزه بطاعتك، وأعل به كلمتك، وانصر به دينك، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين.. اللهم وفقه ونائبه وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.. اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويهدي فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلال والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين.
اللهم إن نسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى، والرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك نعيما لا ينفذ وقرة عين لا تنقطع، ونسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.. اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين.
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، ونسألك شكر نعتمك وحسن عبادتك، ونسألك قلوبا سليمة وألسنة صادقة، ونسألك من خير ما تعلم ونعوذ بك من شر ما تعلم ونستغفرك لما تعلم.
اللهم اشف مرضانا،. اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين.. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلك تذكرون؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.