البحث

عبارات مقترحة:

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

خطبة عيد الأضحى 1431هـ

العربية

المؤلف الشيخ د عبدالرحمن السديس
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات صلاة العيدين
عناصر الخطبة
  1. فضل أيام الحج ويوم الأضحى .
  2. فضل الأضحية أحكامها .
  3. ميزة الوسطية في الإسلام .
  4. معنى الوسطية .
  5. مظاهر الوسطية ومجالاتها .
  6. شمول منهج الوسطية في الإسلام .
  7. المرأة في الإسلام .
  8. أهمية مبدأ الحوار .
  9. مناسك اليوم العاشر .
  10. أعمال أيام التشريق .

اقتباس

من الحقائق والمُسلَّمات لذوي البصائر والحِجَى: أنه بقدر تمسُّك الأمم بمميزاتها الحضارية، والتزام الشعوب بثوابتها وخصائصها القِيَمية بقدر ما تُحقِّق الأمجاد التاريخية، والعطاءات الإنسانية، ولئن برَزَت في عالمنا المعاصر صورٌ وظواهر من الانحرافات تُهدِّد الأمن الدولي، وتُعرِّض السلام العالمي للخطر وعدم الاستقرار، لا سيما في زمن التحديات الإعلامية، وعصر العولمة، فإن مردّ ذلك إلى التفريط بالمبادئ الحضارية، والتهاون بالمُثُل والقيم الإنسانية ..

إن الحمد لله، نحمدك ربي ونستعينك ونستغفرك ونتوب إليك، ونُثني عليك الخير كله، ونُكبِّرك تكبيرًا، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر شرع المواسم والأعياد لحِكَمٍ لا تُحصَى وتُقدَّر، الله أكبر أعاد علينا من مواسم فضله ما يعود في كل عيدٍ ويظهر، الله أكبر ما أحرم حاجٌّ واعتمر، الله أكبر ما لبَّى مُلبٍّ لله وذَكَر، الله أكبر ما دعا اللهَ داعٍ وشكَر، الله أكبر ما تابَ تائبٌ واستغفر، الله أكبر ما طاف بالبيت العتيق واستلم الحجر، الله أكبر ما سعى بين الصفا والمروة ساعٍ فأدرك الظَّفَر، الله أكبر ما وقف الحجيج بعرفاتٍ وصفَوا من الآثام والكَدَر، الله أكبر ما ازدَلَف الحجيج إلى مُزدلِفة والتقطوا الحصى وذكروا الله عند المشعَر، الله أكبر ما رموا جمرة العقبة واقتفوا الأثر، الله أكبر ما نحر الحُجَّاج وحلقوا وتحلَّلوا التحلُّل الأول والأكبر، الله أكبر ما ضحَّى لله مُضحٍّ ونَحَر، الله أكبر ما أتمَّ الحُجَّاج مناسكهم ونالوا الجزاء الأوفر.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكريم المنَّان، شهادةً نرجو بها عالي الجِنان، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله المُصطفى من ولد عدنان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به وعزَّروه ونصروه بالمُهَج والجَنان، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقبَ الجديدان، وسطع النيِّران، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أما بعد:

معاشر المسلمين، أيها الحُجَّاج الميامين: ها قد أنعم الله عليكم ببلوغ هذا اليوم المبارك الأزهر، وشهِدتم بفضله ومنِّه يوم الحج الأكبر، والمنسك الأشهر، منسكٍ لا تُحصَى فضائلُه، ولا تُستقصى منافعه ونوائله، إنه يوم عيد الأضحى المبارك الذي يجود فيه الباري -جل وعلا- بمغفرة الزلاَّت، وستر العيوب والسيئات، وإقالة العَثَرات وإغاثة اللَّهَفات، ورفع الدرجات، وإجابة الدعوات، وقبول التوبات.

طُوبى لكم -أيها الحُجَّاج- ثم طوبى لكم ما تنعمون به من غامر الروحانيات، وسابغ الإيمانيات، دموعكم لرضوان الله مُضطردة، والضلوع منكم بالأشواق مُتَّقِدة، كيف وقد عاينتُم في عرفة من الإجلال والمهابة، والخشوع والخضوع والدموع والإنابة، ما يكاد يذهب بالمُهَج ويأخذ بالألباب.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

عباد الله: من الشعائر العُظمى التي يتقرَّب بها المسلمون إلى ربهم في هذا اليوم الأغرّ، يستوي فيها الحُجَّاج والمُقيمون: شعيرة ذبح الأضاحي اقتداءً بخليل الله إبراهيم، ونبي الله وحبيبه محمد -عليهما الصلاة والسلام-، يقول تعالى: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات: 103- 107].

وخُلِّدَت بذلك سنة النحر في عيد الأضحى لتبقى شامةً غرَّاء على عظيم الاستسلام والإيمان، وآيةً كبرى في الإذعان لأوامر الواحد الديَّان: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) [الحج: 37]؛ أي: يناله طاعتكم وما وقر في قلوبكم من خشيته وتعظيم أمره.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون، أيها المُضحُّون: ومن فِقه أحكام الأضاحي: كون ذبحها في الوقت المُحدَّد شرعًا؛ فلا يجوز ذبحها قبل وقت صلاة العيد، لما ورد عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نُصلِّي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة فإنما هو لحمٌ قدَّمه لأهله ليس من النُّسُك في شيء". أخرجه البخاري ومسلم.

وعن جُندب بن سفيان -رضي الله عنه- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر ثم خطب ثم ذبح، وقال: "من ذبح قبل أن يُصلِّي فليذبح أخرى مكانها، ومن يذبح فليذبح بسم الله". أخرجه الشيخان.

وينتهي وقت ذبح الأضحية بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وكل أيام التشريق ذبح". أخرجه الإمام أحمد وغيره.

ولا يجوز التضحية بالمعيبة عيوبًا بيِّنة؛ لحديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العَوْراء البيِّن عوَرُها، والمريضة البيِّن مرضُها، والعَرجاء البيِّن ظلَعها، والكبيرة التي لا تُنقي". أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن.

ويُعتبر في سن الهدي والأضحية السنُّ المُعتبر شرعًا، وهو: خمس سنوات في الإبل، وسنتان في البقر، وسنةٌ في المعز، ونصف سنةٍ في الضأن.

وتُجزئُ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته، كما في حديث أبي أيوب -رضي الله عنه-.

ومن سنن الأضحية: أن يتولَّى المُضحِّي ذبحها بنفسه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نَحَر ثلاثًا وستين بدَنَة بيده الشريفة، ثم أعطى عليًّا -رضي الله عنه- فنحر الباقي، وقد ضحَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكبشَيْن أملَحَيْن أقرنَيْن، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبَّر.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

ومن السنة -يا عباد الله-: أن لا يُعطَى جازرُها أجرته منها.

ومن السنة: أن يأكل منها ثُلُثًا، ويُهدِي ثُلُثًا، ويتصدَّق بثُلث؛ لقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الحج: 36].

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا.

أمة الإسلام: من الحقائق والمُسلَّمات لذوي البصائر والحِجَى: أنه بقدر تمسُّك الأمم بمميزاتها الحضارية، والتزام الشعوب بثوابتها وخصائصها القِيَمية بقدر ما تُحقِّق الأمجاد التاريخية، والعطاءات الإنسانية، ولئن برَزَت في عالمنا المعاصر صورٌ وظواهر من الانحرافات تُهدِّد الأمن الدولي، وتُعرِّض السلام العالمي للخطر وعدم الاستقرار، لا سيما في زمن التحديات الإعلامية، وعصر العولمة، فإن مردّ ذلك إلى التفريط بالمبادئ الحضارية، والتهاون بالمُثُل والقيم الإنسانية، ومن يُجيل النظر في جوانب عظمة هذا الدين الذي أكرمنا الله به، وهدانا إليه، يجد أن هناك سمةً بارزة، وميزةً ظاهرة كانت سببًا في تبوُّء هذه الأمة مكانتها المرموقة بين الأمم، ومنحها مؤهلات القيادة والريادة للبشرية، ومُقوِّمات الشهادة على الناس كافة.

لعلكم -يا رعاكم الله- أدركتم هذه الميزة الحضارية، إنها -أيها اللبيب المفضال-: سِمة الوسطية والاعتدال التي تُجلِّي صور سماحة الإسلام، وتُبرِز محاسن هذا الدين ورعايته للمُثُل الأخلاقية العُليا، والقِيَم الإنسانية الكبرى، يقول الحق -تبارك وتعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143].

ولما كان من الضرورة بمكان تحديد هذا المصطلح وبيانه على ضوء المصادر الشرعية منعًا للخلط في المفاهيم، واللَّبس في التصوُّرات، وحتى تتجلَّى حقيقة الوسطية ومجالاتها لتظهر الصورة المُشرِقة لسماحة هذا الدين في الوقت الذي اشتدَّت فيه الحملة على الإسلام، ورُمِي أتباعه بمصطلحاتٍ مُوهِمة، وألفاظٍ مُغرِضة لتشويه صورته والتنفير منه، تصيُّدًا لأخطاء بعض المُنتسبين إليه في زمنٍ قُلِبت فيه الحقائق، ونُكِست فيه المقاييس، وبُلِي بعض أهل الإسلام بمُجانبة هذا المنهج الوضَّاء، فعاشوا حياة الإفراط أو التفريط، وسلكوا مسلك الغلو أو الجفاء، ودين الله وسطٌ بين الغالي فيه والجافي عنه، والمُنبتُّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى.

معاشر المسلمين: ولقد عُنِي علماء الإسلام ببيان حقيقة الوسطية، وهي لا تخرج عن معنيين مشهورَين يُؤدِّيان معنى واحدًا:

أولهما: خيارًا عدولاً، ومنه قوله تعالى: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ) [القلم: 28]، وقول القائل:

هم وسطٌ يرضى الأنامُ بحكمهم

إذا نزلت إحدى الليالي بمُعظَم

والثاني: أنهم وسطٌ بين طرفَي الإفراط والتفريط. أوردهما الحافظان ابن جرير وابن كثير -رحمهما الله-.

وهذا في سياق الامتنان على هذه الأمة الوسط.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

يقول الإمام الشاطبي -رحمه الله-: "إن الشريعة جاريةٌ في التكليف لمُقتضاها على الطريق الوسط العدل الآخِذ من الطرفين بقِسطٍ لا مَيْل فيه، فإذا نظرتَ إلى كليةٍ شرعية فتأمّلها تجِدها حاملةً على التوسط والاعتدال، ورأيتَ التوسُّط فيها لائحًا، ومسلك الاعتدال واضحًا، وهو الأصل الذي يُرجَع إليه، والمعقِل الذي يُلجأ إليه".

ويقول الإمام العز بن عبد السلام -رحمه الله-: "وعلى الجملة؛ فالأولى بالمرء أن لا يأتي من أقواله وأعماله إلا بما فيه جلب مصلحةٍ أو درءُ مفسدة، مع الاعتقاد المتوسِّط بين الغلو والتقصير".

ويقول الإمام العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "ما من أمرٍ إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى غلوٍّ، وإما إلى تقصير، والحق وسطٌ بين ذلك".

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

إخوة العقيدة: وتتجلَّى وسطية الإسلام في مجالاته كلها؛ ففي مجال الاعتقاد جاء الإسلام وسطًا بين الملل، فلا إلحاد، ولا وثنية؛ بل عبوديةٌ خالصة لله في الربوبية والألوهية.

وفي الأسماء والصفات وسطٌ بين أهل التشبيه والتمثيل والتحريف والتعطيل.

وفي القضاء والقدر وسطٌ بين نُفاة القدر والمُغالين فيه القائلين: إن العبد مجبورٌ على فعله.

وفي مسألة الإيمان وسطٌ بين من جفَوا فأخَّروا الأعمال وأرجؤوها عن مُسمَّى الإيمان، وبين من غلوا فأخرجوا من دائرة الإيمان من عمِل بعض المعاصي.

ويُلحق بذلك -يا عباد الله-: الحكم بالتكفير، فأهل الحق لا يُكفِّرون بالذنوب ما لم تُستحلّ، كما لم يجعلوا المُذنِب كامل الإيمان؛ بل هو مؤمنٌ بإيمانه فاسقٌ بكبيرته.

وفي باب النبوة والولاية والصحابة توسطٌ واعتدال، فلا غلو فيهم غلوَّ من اتخذهم أربابًا من دون الله، ولا جفاء، وأهل الإسلام الحق يتوسَّطون، فيؤمنون بجميع رسل الله -عليهم الصلاة والسلام-، وكتبه، ويُوالون أولياءه، ويحبون آل بيته الطيبين الطاهرين، ويترضَّون عن جميع صحابته الغُرِّ الميامين، وزوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

إخوة الإيمان: وثمَّة مجال آخر تتألَّق فيه وسطية هذه الأمة في مجال العبادة، ومراعاة مقتضيات الفطرة، والتناسق البديع بين مُتطلبات الروح والجسد بلا غلوٍّ في التجرُّد الروحي، ولا في الارتكاس المادي، فلا رهبانية ولا مادية؛ بل تناسقٌ واعتدال على حد قوله سبحانه: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) [القصص: 77].

وقد ردَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عثمان بن مظعون التبتُّل، وأنكر على من حرم نفسَه طيبات الدنيا قائلاً: "أما إني أخشاكم لله وأتقاكم، لكني أصوم وأفطر، وأُصلِّي وأرقد، وأتزوَّج النساء، فمن رغِبَ عن سنتي فليس مني".

وعند مسلم وغيره: "هلك المُتنطِّعون". وعند البخاري: "إن هذا الدين يُسر، ولن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلَبَه، فسدِّدوا، وقارِبوا، وأبشِروا".

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

وهكذا نأى الإسلام بأتباعه عن الكَبَوات والنَّبَوات، والهَزَّات والهَفَوات التي تُخِلُّ بغاية الوجود الإنساني، وتُضيِّع حقوق الإنسان، وتُفرِّط في تحقيق التوازن بين متطلبات روحه وجسده؛ حيث تأرجَحَت كثيرٌ من النُّظُم المادية -كما هو ظاهرٌ- في المدنية الغربية التي تنطلق من نظراتٍ ومُقتضياتٍ صِرفة، حتى تنادى عُقلاؤهم ومُنصفوهم بالحاجة إلى دينٍ يُحقِّق التوازن بين الرَّغَبات، والتناسُق بين المُتطلَّبات، ويرتفع بالبشرية إلى مستوى إنسانيتها وتحقيق قِيَمها ومُثُلها، وينتشلها مما تُعاني منه من بُؤسٍ وشقاء.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

أمة الإسلام: ومن المجالات المهمة التي تبرُز فيها وسطية هذه الأمة: ما يتعلَّق بالتشريع والتحليل والتحريم، ومناهج النظر والاستدلال، والرُّؤى والتصوُّرات، فتوسَّطَت الشريعة في هذه المجالات؛ إذ الحكم بالتحليل والتحريم حق الله سبحانه، (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف: 54]، (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف: 32].

وفي منهج النظر والاستنباط وازَن الإسلام بين مصادر التلقِّي والمعرفة، ووافق بين صحيح المنقول وصريح المعقول وعالم الغيب والشهادة، وإعمال النصوص، ورعاية المقاصد، واستجلاء القواعد، وحِكَم الشريعة وأسرارها، ووازَن بين تحقيق المصالح ودرء المفاسد.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون: وفي مجال الأخلاق والسلوك مظهرٌ من مظاهر الوسطية في هذا الدين بين الجنوح إلى المثالية والواقعية شمائل تُزكِّي المشاعر، وتُهذِّب الضمائر، وتسمو بالتفكير والشعور، وتُوازِنُ بين مُتطلَّبات الفرد والمجتمع وإعمال العقل والعاطفة في تربيةٍ متوازنة، وتنسيقٍ متسقٍ بديع على ضوء المنهج النبوي: "إن لنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، ولجسدك عليك حقًّا، ولربك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حقٍّ حقه". خرَّجه الإمام أحمد والبخاري.

وفي النظام الاقتصادي وازَنَ الإسلام بين حرية الفرد والمجتمع، فيحترم الملكية الفردية ويُقِرّها ويُهذِّبها بحيث لا تضر بمصلحة المجتمع، فجاء الإسلام وسطًا بين نُظم تُتخِم الفرد على حساب الجماعة، وأخرى تُلاغي حقوق الأفراد وتملُّكهم بحُجَّة مصلحة الجماعة.

وفي مجال الإنفاق تتحقَّق الوسطية، كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان: 67]، قال مُطرِّف بن عبد الله -رحمه الله-: "هو الحسنة بين سيئتين".

والمراد: أن الإسراف سيئة، والتقتير سيئة، والحسنة ما بين ذلك، فخيرُ الأمور أوساطها.

ولله درُّ الإمام الخطابي حيث يقول:

تسـامَح ولا تستـوفِ حقك كلَّه

وأبقِ فلم يستقصِ قطُّ كريمُ
ولا تغلو في شيءٍ من الأمر واقتصد كلا طرفَيْ قصد الأمور ذميمُ

وهكذا في مجال الحرية بين الفرد والمجتمع؛ حرية الرأي والفكر والسلوك وغيرها، جعل الإسلام ضوابط شرعيةً لهذه الحرية؛ بحيث تكون ضمن دائرة المشروع، ومُجانبة الممنوع.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

أيها المسلمون: وفي النظام السياسي جاء الإسلام منهجًا وسطًا بين الأمم مُبيِّنًا حقوق الراعي والرعية، حاضًّا على القسط والعدل، مُعليًا قِيَم الحق والسلام، والسمع والطاعة بالمعروف، مُترسِّمًا المنهج الشمولي، سابقًا الشعارات المُعاصرة إلى تحقيق منافع البلاد والعباد، في بُعدٍ عن الاضطراب والفوضى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) [آل عمران: 159].

ومما يُجلِّي وسطية الإسلام: شموله وجمعه بين الأصالة والمعاصرة، وتميُّزه بالثبات والمرونة وحسن التعامل مع المتغيرات، ووضع الضوابط للاجتهاد في النوازل، واستيعاب المستجِدَّات، فهو بثوابته وأصوله يستعصي على التميُّع والذوبان، وبمرونته يُواكِب التطوُّر بلا جمودٍ ولا تحجُّر؛ بل يبني الحياة على القواعد الشرعية، والنواميس المرعية التي تستجيب لحاجات الأمة في مختلف الظروف والعصور والأحوال، وصدق الله العظيم: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الجاثية: 18].

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

وبعد:

أيها الإخوة المسلمون: فقُصارى القول: إن وسطية الإسلام شاملةٌ جامعةٌ لكل أمور الدين والدنيا والآخرة؛ بل إنها وجهٌ من وجوه الإعجاز فيه وصلاحيته لكل زمانٍ ومكان، وبهذه الوسطية تعظُم مسؤولية الأمة الإسلامية، ودورها العالمي، فهي أمة الوسطية والشهادة: (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة: 143].

شهادةً تُصان فيها الحقوق، وتتحقَّق العدالة، وتُحفظ الكرامة، وتُبنى الحضارة المعاصرة بعد أن شقِي العالم بألوانٍ من الصراعات، وأُنهِكَت البشرية بأنواعٍ من الصدامات، وتقاذَفَت الإنسانيةَ أمواجٌ من الأنظمة والأهواء، ومُزِّقَت كياناتها في رحلةٍ مُنهِكةٍ من الضياع، وهُوَّةٍ سحيقةٍ من الفناء، وبؤرةٍ عميقةٍ من التِّيْه والعدم، وذلك بسبب ألوانٍ من الصَّلَف والتطرُّف والإرهاب، والأحادية في الرأي، والشَّطَط في الرُّؤى والمواقف.

ولئن آل حال العالم إلى ما نراه اليوم من تسلُّط وصراعٍ حضاريٍّ مُرعِب، فإن الأمل -بعد توفيق الكبير المتعال- في أمة الوسطية والاعتدال أن تنهض من عثرَتها، وتُفيق من غفلتها، وتجمع من شتاتها: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103].

فيا أمة الوسطية والاعتدال، أيها العالم، أيها الأجيال: هذا هو الإسلام في وسطيته وسماحته، ويُسره واعتداله، وجلاله وجماله وكماله، فأين هذا من الحملات المسعورة عبر وسائل إعلاميةٍ مأجورة من التطرُّف الصهيوني العالمي الذي يبرُزُ من خلال الاحتلال الغاشم، والحصار الظالم لإخواننا في فلسطين الصامدة، ومشروع التهويد والاستيطان في أكناف بيت المقدس، وما آل إليه الوضع في المسجد الأقصى المبارك، وكذا الحال في بلاد الرافدَيْن؛ حيث النزاعات والاختلافات التي أورثَت الشتات والانقسامات، وهنا يأتي البلسم الشافي، والترياق الوافي، ألا وهي المبادرة الريادية المُتمثِّلة في دعوة خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله- لقادة العراق الشقيق بكافة شرائحه وأطيافه إلى لمِّ الشمل، ووحدة الصف، وإطفاء الفتنة، وتغليب صوت العقل والحكمة، (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46]، جعلها الله في موازين حسناته.

ألا ما أحوج الأمة إلى سلوك منهج الوسطية في علاج كثيرٍ من الانحرافات في شتى المجالات، وهذا كله يُلقي على كواهل علماء الشريعة ودعاة الإصلاح في الأمة المسؤولية الكبرى أمام الله، ثم أمام التاريخ، والأمة والأجيال التي تنشُد سبيل الخلاص من إفرازاتٍ تُجاوز منهج الوسطية المتألِّق.

وكان الله في عون العاملين المخلصين لدينهم وأمتهم ومجتمعاتهم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلى أن يُثبِّتنا على المنهج الوسط، لا وَكس ولا شَطَط، إنه جوادٌ كريمٌ.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

بارك الله لي ولكم في الوحيَيْن، ونفعني وإياكم بهدي سيد الثقَلَيْن، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين والمسلمات من جميع الذنوب والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية:

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الملك القدوس السلام، أكمَلَ لنا الدين وأتمَّ علينا الإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شرع الشرائع وأحكَم الأحكام، وأصلِّي وأسلِّم على نبينا وسيدنا محمد بن عبد الله سيد الثقَلَيْن وأزكى الأنام، انجابَت بنور رسالته حنادِسُ الظلام، وعلى آله البَرَرة الكرام، وصحبه الأئمة الأعلام، فرسان الوغى وليُوث الآجام، ومن تبع آثارهم بالحق واستقام، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثير، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

أيها المسلمون: ولم تقف وسطية الإسلام على أمور العبادات؛ من طهارة وصلاة ونحوها فحسب؛ بل تعدَّتها إلى العادات والمعاملات واللباس والطعام والنوم وغيرها، في تنظيم شامل لشتى مناحي الحياة.

أيها الإخوة والأخوات: وثمَّة مجالٌ آخر برَزَت فيه وسطية هذه الأمة، في جانبٍ من أهم جوانبها، ألا هو: الجانب المُتعلِّق بالمرأة، فجاءت هذه الشريعة الغرَّاء والمرأة مظلومةٌ بين جاهليتين، فكرَّمتها، وحفِظَت حقوقها، وسمَت بها أن تكون أجيرة، وصانَتها من الوقوع في مُستنقعات الرذيلة، وكفَلَت لها حريتها الشرعية، ونأَت بها عن مسالك التحرُّر من القِيَم، والهبوط إلى براثِن الإباحية والانحلال، والانسلاخ من الفضائل، وسلوك مسالك التبرُّج والسفور والاختلاط المُحرَّم.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

غير أن ثمَّة ملحظًا أخيرًا مهمًّا، وهو: أن الوسطية في الإسلام لا تخضع للأهواء والرغبات، فليست تنصُّلاً من الثوابت والمُقوِّمات، ولا تمرُّدًا على المبادئ والغايات، وإنما تُضبط بضوابط الشريعة الغرَّاء.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبر كبيرًا.

وهمسةٌ في آذان شبابنا أبنائنا أحبابنا ثمرات أفئدتنا وألبابنا، اللهَ اللهَ شباب الإسلام، اللهَ اللهَ أيها الأجيال في الثبات على سلوك منهج الوسطية والاعتدال، حذارِ من الاختراق الفكري لأي فكرٍ دخيل، ومسلكٍ وبيل يُؤثِّر على هذا المنهج الأصيل.

الله أكبر كبير، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

أمة الوسطية والاعتدال: ومما يُعزِّز منهج الوسطية ويبسط رواقها، وينشر في العالمين خفَّقها: مبدأ عظيم، ومسلكٌ قويم عُنِي به القرآن الكريم، وجاءت به السنة الشريفة، وسار عليه الصحابة الأبرار، والسلف الأخيار، ذلكم -يا رعاكم الله- هو: مبدأ الحوار، وأهمية تربية الأمة عليه، لا سيما أجيالها الصاعدة لتُحقِّق الشهادة على العالمين، ولعل في المبادرة التاريخية العالمية مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الحضارات ما يُحقِّق الآمال والطموحات، جعلها الله في موازين الحسنات.

ولا غَرْوَ؛ فهذه البلاد المباركة بلادٌ للعالم كله، وللإنسانية بأسرها.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

والدعوة مُوجَّهةٌ من بلاد الوسطية حِسًّا ومعنى، مكانًا وزمانًا، عقيدةً ومنهاجًا، زادها الله خيرًا وهدى وتوفيقًا إلى أن يفيء العالم كله إلى ظلال هذه الوسطية المتألِّقة ليُحقِّق لنفسه ولمن حوله الخير والسلام، ليعيش الناس في أمنٍ وأمان، وإخاء ووِئام، ولتنبثِق إشراقة الحب والتراحُم، والألفة والتلاحُم بين العباد: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

ضيوف الرحمن، حُجَّاج بيت الله الحرام: أنتم اليوم في يوم النحر اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، في هذا اليوم الأغرّ يتوجَّه الحُجَّاج إلى مِنًى لرمي جمرة العقبة بسبع حصَيَاتٍ مُتعاقبات، فإذا فرغ الحاج من رمي جمة العقبة ذبح هديَه إذا كان مُتمتِّعًا أو قارِنًا، فإن عجز عن الهدي صام عشرة أيام، ثم يحلق الحاج رأسه، وبذلك يتحلَّل التحلُّل الأول، فيُباح له كل شيء إلا النساء، ثم يتوجَّه الحاج إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، وهو ركنٌ من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، لقوله تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج: 29].

وبعد الطواف يسعى بين الصفا والمروة إن كان مُتمتِّعًا، أما القارِن والمُفرِد فليس عليهما إلا سعيٌ واحد.

ويحصُل التحلُّل الثاني بثلاثة أمور، هي: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، فإذا فعل الحاج هذه الأمور الثلاثة حلَّ له كل شيءٍ حرُمَ عليه بالإحرام حتى النساء، وإن قدَّم أو أخَّر شيئًا منها فلا حرج إن شاء الله؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- ما سُئِل يوم النحر عن شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: "افعل ولا حرج".

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

حُجَّاج بيت الله الحرام: إن من واجبات الحج: أن تبيتوا الليلة بمِنى اتباعًا لسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- القائل: "خذوا عني مناسككم".

ضيوف الرحمن: ويوم غدٍ هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة أول أيام التشريق المباركة التي قال الله -عز وجل- فيها: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) [البقرة: 203]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "هي أيام التشريق"، وقال فيها -عليه الصلاة والسلام-: "أيام التشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله -عز وجل-". خرَّجه مسلم وغيره.

فأكثِروا -رحمكم الله- من ذكر الله وتكبيره في هذه الأيام المباركة امتثالاً لأمر ربكم -تبارك وتعالى-، واستنانًا بسنة نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم-، واقتفاءً لأثر سلفكم الصالح، فقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يُكبِّرون في هذه الأيام الفاضلة، وكان عمر -رضي الله عنه- يُكبِّر في قُبَّته بمِنى، فيُكبِّر الناس بتكبيره، فترتجُّ مِنى كلها تكبيرًا.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

وقد كان من هديه -صلى الله عليه وسلم- في هذه الأيام المباركة: رميُ الجمار الثلاث بعد الزوال مُرتَّبة: الصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى، وهي العقبة كل واحدةٍ بسبع حصَيَاتٍ مُتعاقباتٍ يُكبِّر مع كل حصاة، والمبيت بمِنى، وهو واجبٌ من واجبات الحج.

ويجوز للحاج أن يتعجَّل في يومين، وله أن يتأخَّر إلى اليوم الثالث، وهو أفضل، لقوله سبحانه: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) [البقرة: 203].

فإذا أراد الحاج أن ينصرف من مكة وجَبَ عليه أن يطوف للوداع؛ لقوله تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج: 29]، ولحديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفِّف عن المرأة الحائض".

نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلى أن يتقبَّل من الحُجَّاج حجَّهم، وأن يجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبهم مغفورًا.

وختامًا: فإننا نرفع التهنئة الصادقة لمقام ولاة أمرنا المُكرَّمين، وللحُجَّاج الميامين، ولعموم المسلمين على نجاح موسم الحج الأغرّ، وحلول عيد الأضحى المبارك، أعاده الله على الجميع بالخير والقبول والتوفيق، إنه خير مسؤول، وأكرم مأمول.