الشهيد
كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج - الحكمة وتعليل أفعال الله |
وإذا كانت عمارة القلب بالتقوى من اكبر غايات الحج؛ لزم أن يُحضِر الحاج قلبَه قدر استطاعته عند كل موقف، مِن حين الإحرام إلى نهاية الحج أثناء طواف الوداع، ويجتهد على حفظ لسانه وجوارحه، وَيستدعي معاني كُلِّ ركنٍ من أركان الحج، لعلَّ القلب يرق، والعقل يدرك!.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الحج موسم عظيم يطل علينا في نهاية كل عام هجري، يتوج فيه المسلم صالح أعماله، ويرجو فيه رحمة الله. يقول تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج:27].
ولربما أصبح الحج -مع سهولة الوصول إلى المشاعر- عبادة متكررة، وفريضة تؤدى لا يستحضِر فيها الحاج جميع المعاني والغايات التي من اجلها شرع الحج.
أيها المسلمون: أول غاية من غايات الحج هي تحقيق تقوى الله تعالى في القلب، وهي غاية أساس في كل عبادة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:21].
وإذا كانت عمارة القلب بالتقوى من اكبر غايات الحج؛ لزم أن يُحضر الحاج قلبه قدر استطاعته عند كل موقف، من حين الإحرام إلى نهاية الحج أثناء طواف الوداع، ويجتهد على حفظ لسانه وجوارحه، وَيستدعي معاني كُلِّ ركنٍ من أركان الحج، لعلَّ القلب يرق، والعقل يدرك!.
ومن هذه المعاني التسليمُ والانقياد إلى شرع الله، ففي الحج يستحضر المسلم معنى الانقياد، ويمارس ذلك الانقياد واقعا حسيا، وبشيء من المشقة؛ عن رضا من النفس، ولو كان المسلم في حياته منقادا لله تعالى في كل شأن من شؤونه كما هو في مشاعر الحج لكان لحياته وعبادته طعم آخر.
فإنّ تنقّل الحجاج بين المشاعر ما بين طواف وسعي ومبيت في منى ووقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة ورمي للجمار وحلق ونحر، كلها دروس عملية في تربية الأمة على قبول شرع الله، والتسليم لأحكامه بكل انشراح صدر، وطمأنينة قلب.
ألا ترون هذا واضحا لما دعا إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل -عليهما الصلاة والسلام- وهما يرفعان القواعد من البيت؟ قالا: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:128].
واجعلنا مسلمين لك، أي: مستسلمين لشرعك، خاضعين لأحكامك، ولو كان فيها نوعُ مشقة، بل لو لم ندرك الحكمة من ورائها أحيانا، فهذا هو مقتضى التسليم والتعبد للخالق الواحد الأحد.
استمعوا إلى الفاروق -رضي الله عنه- يستلم الحجر الأسود ويستحضر التسليم لله ورسوله في تقبيله ويقول: والله إني أعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك. أخرجه البخاري. إذاً، فالتسليم لأحكام الله تعالى، والخضوع لشرعه، معنى واضح جدا من معاني الحج.
ومن المعاني -أيها الإخوة- أن شعيرة الحج قائمة على تحقيق توحيد العبادة لله وحده لا شريك له، قال -عز وجل-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا) [الحج:26]، أولا: لا تشرك بي شيئا، قدّم ذلك، (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج:26].
ولذا أهلّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالتوحيد عند الميقات لتكرار نفي الشرك: "لا شريك لك"، عبارة تلو عبارة، قال وكرّر: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" أخرجه مسلم
بل إن الحاج إذا أنهى طوافه حول الكعبة شرع له أن يصلي ركعتين يقرأ فيهما بعد الفاتحة بسورتي "الكافرون" و"الإخلاص"؛ تأكيدا للتوحيد، ونفيا للشرك، كما ثبت ذلك عنه صلي الله عليه وسلم في حديث جابر فيما أخرجه مسلم.
وهكذا يفعل الحاج بعد انتهائه من الركعتين وصعوده الصفا يستقبل القبلة، ويبدأ بالتهليل الذي هو عنوان التوحيد.
هكذا فعل -صلى الله عليه وسلم- لما رقا على الصفا حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحّد الله وكبره قائلا: "لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده".
وترى التوحيد معلنا به في ذروة الحج في يوم عرفة، فخير الدعاء دعاء يوم عرفة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" أخرجه مالك.
وفي صباح العيد يكرِّر الحج التكبير والتهليل: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد".
فتوحيد الله مَعْلَم واضح من معالم الحج؛ ولذلك فإن الذي يحج وهو يرفع شعارات الشرك قبل الحج وأثناء الحج وبعده فيستغيث بغير الله، يستغيث بالأولياء، ويعلق التمائم، هذا بعيد جدا عن روح الحج؛ بل عن روح الإسلام كله، فالإسلام الشامل الإيمان هو توحيد الله بالعبادة.
وأي عبادة أوضح وأصرح من عبادة الدعاء؟ بل "إن الدعاء هو العبادة"، كما صح في الحديث، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60]، فالحج شعيرة تعزز التوحيد وتنفي الشرك، والذي لا يدرك هذا إما جاهل أو مكابر.
ومن معاني الحج تعظيمُ شعائر الله تعالى، قال عز وجل: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]، وتعظيم شعائر الله يعني تعظيمه هو -جل جلاله-، وهو من أهم ما يحتاج أن يتذكره المسلم في مثل هذه المواسم، لاسيما في هذا الزمان الذي ظهر فيه ما يناقض تعظيم الله تعالى من الاستخفاف والاستهزاء بالعديد من السنن.
وحرمات الله كشعائره يجب أن تعظم؛ ولذلك بعد ذلك التأذين بالحج قال -سبحانه-: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج:29-30].
الحرمات جمعُ حُرمة، وهو ما يجب احترامه، واعتبار الشيء ذا حرمة كناية عن تحريم الدخول عليه، أو الدخول فيه، والمقصود عدم انتهاك ما حرم الله انتهاكه بمخالفة أمره؛ لأن هذا مخالف للتعظيم، فتعظيم الله لا يقف عند حد الزعم والوهم فحسب، تعظيم الله تعالى يعني تعظيم شعائره وحرماته، فلينظر كل واحد منا مدى تعظيه لربه بهذا القياس. أسأل الله أن يهدينا بهداه.
عباد الله: إن شعيرة الحج تعني تجديد العهد مع الله تعالى، قال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج:27-29].
في صحيح الجامع من حديث أبي سعيد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن عبدا أصححتُ له جسمه، ووسعت عليه في معيشته، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ، لَمَحْرُومٌ"، أي: لا يأتي إلى البيت الحرام.
فإذا استشعر الحاج أنه بقدومه الأراضي المقدسة ووقوفه في المشاعر يجدد عهده مع الله تعالى والتوكل عليه وحده، ويدرك أن الأمر كله لله، وأنه -كما قال سبحانه-: (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) [هود:123]، وأن ما يجرى على الأمة من متغيرات إنما هو بتدبير الله وحكمته.
فما أحوج الأمة لدعاء ملايين المسلمين الوفدين على الله تعالى، المخبتين الخاضعين، إذا اجتمعوا على صعيد عرفات، ورفعوا أيديهم بأن يقدر للأمة الخير، وأن يكشف غمتها، وأن يجعل لها من أمرها رشدا! ما أحوج الأمة إلى ذلك!.
ومن معاني الحج أن الإسلام يقدر على جمع الناس بالملايين، فالحج يجمع المسلمين بمختلف أعراقهم وألوانهم ولغاتهم، جمعهم الله تعالى على دينه، وآواهم على شرعه، فلم تجمعهم نعرات ولا عنصريات ولا جنسيات، وإنما جمعهم هذا الدين، وألف بينهم هذا الإيمان، وفي ذلك تأكيد على أن هذه الأمة لا يؤلفها إلا الإسلام، ولا يجمع شتاتها إلا الإيمان، فهو دين الوحدة والتعاون والتضامن: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:63].
ومن معاني الحج التدريب على ضبط النفس، وقصرها على الخير والخلق الحسن، يقول تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة:197]. لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. سبحان الله! انظر كيف يحرص الإسلام على الأخلاق! كيف يربط بينها وبين العبادات؛ بل بينها وبين أركان الإسلام!.
إن العبادتين من أركان الإسلام اللتين يتلبس بهما المسلم أثناء مباشرته لحياته اليومية هما الحج والصوم، ففي الحج يدخل الحاج في النسك ويبقى أياما متلبسا بالعبادة من يوم التروية إلى عرفة إلى العيد إلى التحلل الأصغر والأكبر، إلى نهاية أيام التشريق، كل هذه الأيام وهو في نسكه، فأمَره الله تعالى خلال هذه الأيام المباركات التي يتعامل فيها مع الناس ويواجه فيها الكثير أن يحفظ أخلاقه ويضبط سلوكه: لا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدالَ في الحج.
والصوم كذلك، يبقى الصائم متلبسا بالصيام طوال النهار ولمدة شهر كامل؛ ولذلك طالبه الإسلام أن يضبط أخلاقه خلال ذلك الشهر، لعل فيه تدريبا له ينفعه على ضبط سلوكه، وأخلاقه في سائر الشهور. صح في البخاري وغيره أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم". فأيام الحج مدرسة أخلاق، كما هو شأن شهر رمضان.
أخيراً: الحج إذا كان مكتملا خاليا من الرفث والفسق رجع الحاج طاهرا من الذنوب كيوم ولدته أمه، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن حَج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، نسأل الله من فضله.
وصح في الجامع الصحيح من حديث أبي هريرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
فعلى مَن عزم على الحج أن يعزم كذلك أن يكون بعد الحج أكثر طاعة وورعا، وليستقم على الطاعة، ولا يضيع ما بناه. يقول الحسن البصري في صاحب الحج المبرور: أن يرجع زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة.
معاشر الإخوة: هذه بعض المعاني التي يقدمها لنا الحج، تقوى الله، والتسليم والانقياد لأحكامه، وتوحيده بالعبادة، وتعظيمه وتعظيم شرعه، وتجديد العهد معه، وأن الحج يجمع المسلمين على الحق، وأن الحج يدرب النفس على ضبط الأخلاق وتهذيب السلوك.
وفي الحج المبرور أخيرا تنقية كاملة للمسلم من ذنوبه، أسأل الله تعالى أن يعيننا على طاعته وأن يقبل منا أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين، إمامنا ونبينا محمدا وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فأيام العشر الأول من ذي الحجة التي نبدأ أولها اليوم غنيمة عظيمة لمن أدرك بركتها، في السنن من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام -يعني أيام العشر-"، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".
وفي رواية في صحيح الترغيب بلفظ: "ما من عمل أزكى عند الله -عز وجل- ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى".
سبحان الله! ولا الجهاد في سبيل الله، قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-: هذا الحديث نص في أن العمل المفضول يقصد العمل الصالح ما دون الجهاد في سبيل الله.
هذا هو المقصود: العمل المفضول يصير فاضلا إذا وقع في زمان فاضل، حتى يصير أفضل من غيره من الأعمال الفاضلة بفضل زمانه، والعمل في عشر ذي الحجة أفضل من جميع الأعمال الفاضلة في غيره، ولا يستثنى من ذلك سوى أفضل أنواع الجهاد، وهو أن يخرج الرجل بنفسه وماله ثم لا يرجع منهم بشيء.
إذاً، فهي فرصة عظيمة لاحتساب الأجر بأعمال صالحة لها وزن وقيمة في هذه العشر تجعلها أكبر أجرا حتى من الجهاد في سبيل الله، إلا ما استثناه -صلى الله عليه وسلم-. فهل من مشمر؟ أسأل الله أن يرزقنا الهمة للعمل الصالح، وأن يتقبل منا، إنه جواد كريم.