البحث

عبارات مقترحة:

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

سورة الممتحنة

العربية

المؤلف مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. تعريف بسورة الممتحنة .
  2. بعض أحكام الولاء والبراء .
  3. إبراهيم –عليه السلام- ومن اتبعه أنموذجا للولاء والبراء .
  4. أحكام متعلقة بالمؤمنات المهاجرات .
  5. أسباب نزول بعض آيات السورة الكريمة .

اقتباس

ومحور السورة يدور حول الحب والبغض في الله الذي هو أوثق عُرى الإيمان، وحذرت السورة من موالاة أعداء الله الذين آذوا المؤمنين حتى اضطروهم إلى الهجرة وترك الديار والأوطان.

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم على الحق والهدى إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، ومع سورةِ الممتحنة، السورةِ الستين في ترتيب المصحف الشريف، آياتها ثلاث عشرة آية، وهي موضوعنا اليوم، وهي سورة مدنية.

قال المفسرون : نزلت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) [الممتحنة:1]، في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب لمشركي قريش يخبرهم بمسير الرسول -صلى الله عليه وسلم- إليه.

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنا والزبير والمقداد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ (مكان على بعد قليل من المدينة)، فإن بها ظعينةً معها كتاب فخذوه منها فأتوا به".

فخرجنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، والمراد بالظعينة امرأة مسافرة، فقلنا: أخرِجِي الكتاب! قالت: ما معي كتاب. فقلنا: لَتُخْرِجِنَّ أو لَتَضَعنّ الثياب! فأخرجته من عقاصها، أي ضفائر شعرها.

فأتينا به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما هذا ياحاطب؟!".

فقال: لا عجل علي يا رسول الله، إني كنت أمرءاً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان مَن معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن أصنع إليهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني.

فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صدق". فقال عمر: دعني أضرب عنقه. فقال: "إنه شهد بدراً! وما يدريك؟ لعل الله اطلع على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم!".

ونزلت الآيات الثلاث الأولى من سورة الممتحنة في ذلك، وهي تدل على النهي عن موالاة الكفر، وإيصال المودة إليهم لكفرهم بالله ورسوله، وإخراجهم للرسول -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين لأجل إيمانهم، أو بسبب خروجهم للجهاد في سبيل الله وابتغاء مرضاته؛ ونهى عن الإسرار لهم بأخبار المسلمين، وأن الله لا يخفى عليه شيء من أحوالهم سواء ما أضمرتم أو أظهرتم، وأن من يفعل ذلك فقد ضل عن قصد السبيل.

وبين الله سبحانه بأنهم إن يلقوا المسلمين أو يصادفوهم يظهروا لهم ما في قلوبهم من العداوة، فكيف إذا ظفروا بكم وتمكنوا منكم؟ فإنهم يبسطون إليكم أيديهم بالضرب، وألسنتهم بالشتم، ويتمنون أن ترتدوا عن دين الإسلام وترجعوا إلى الكفر.

ثم ذكر الله سبحانه أنه لا تنفعكم -أيها المسلمون- القرابات على عمومها، ولا الأولاد لو توليتم الكفار لأجلهم ،كما وقع في قصة حاطب التي ذكرناها، وفي يوم القيامة يفرِّق الله بينكم، فيُدخل أهل طاعته الجنة، وأهل معصيته النار: (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ * لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [2-3].

وفي الآيات من الرابعة إلى الآية التاسعة ضرب الله سبحانه للمؤمنين مثلاً بإبراهيم الخليل -عليه السلام- والذين أمنوا معه حين تبرأ من قومه الكفار، وان للمؤمنين فيهم أسوة حسنة، أي: خصلة حميدة تقتدون بها،حيث تبرؤوا من قومهم ومن كل ما يعبدون من دون الله من الأصنام والأوثان، وعادوهم وأبغضوهم ما داموا على الكفر، إلا أن يتركوا ما هم عليهم من الشرك ويؤمنون بالله وحده.

واستثنى من ذلك استغفار إبراهيم لأبيه بسبب موعدة وعدها إياه، أو أن ذلك إنما وقع منه لأنه ظن أنه قد أسلم، أو رجاء إسلامه، وذكر له عند استغفاره له أنه لا يغني عنه من الله شيئاً، ولا يدفع عنه من عذاب الله من شيء.

ثم دعا إبراهيم -عليه السلام- وأصحابُه اللهَ، وأعلنوا التوكل عليه، وهو تفويض الأمور إلى الله، والإنابة والرجوع إليه سبحانه، كما دعا إبراهيم -عليه السلام- الله بأن لا يجعلهم فتنة للذين كفروا، كما دعا الله المغفرة من الذنوب، (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [5].

ثم كرر المبالغة والتأكيد في أن يقتدي المؤمنون بإبراهيم والذين معه قدوة حسنة لمن كان يخاف الله، ويخاف عقاب الآخرة، ويطمع في الخير من الله في الدنيا والآخرة، وأن من أعرض عن ذلك فإن الله هو الغني عن خلقه جميعاً، الحميد إلى أوليائه.

ثم قال سبحانه (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [7]، وقد حدث ذلك حيث أسلم قوم من الكفار بعد فتح مكة وحسن إسلامهم، ووقعت بينهم وبين من تقدمهم في الإسلام مودة ومحبة، وجاهدوا في سبيل الله، وفعلوا الأفعال المقربة إلى الله عز وجل.

ثم ذكر الله سبحانه ما ينبغي من معاداة الكفار وترك موادتهم، وفصَّل القول فيمن يجوز بره منهم ومن لا يجوز، وبين أن مَن لم يقاتل المسلمين في الدين ولم يخرجوكم من دياركم فإنه تعالى لا ينهى عن بِرهم ومعاملتهم بالعدل والوفاء بالعهد معهم، فالله سبحانه لا ينهى عن بر أهل العهد من الكفار الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال وعلى أن لا يظاهروا الكفار عليهم، أي: يعاونوهم، ولا ينهى عن معاملتهم بالعدل؛ وإنما ينهى عن موالاة مَن قاتل المؤمنين في الدين، وأخرجوهم من ديارهم، وعاونوا الذين قاتلوهم على إخراجهم.

والمقصود في الآية صناديد الكفار من قريش وسائر مَن عاونهم على المسلمين من أهل مكة، (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [8-9].

ولما ذكر الله سبحانه حكم فريقي الكافرين في جواز البر والإقساط أو عدمه كما أسلفنا ذكر حُكم من يُظهر الإيمان مِن بين الكفار، وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يردَّ عليهم مَن جاءه من المسلمين، فلما هاجر إليه النساء أبى الله أن يردهم إلى المشركين، وأمر بامتحانهن فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ) [10]، أي: فاختبروهن.

قيل : كن يستحلفن بالله ما خرجن من بغض زوج، ولا رغبة من أرض إلى أرض، ولا لالتماس دنيا، بل حبا لله ولرسوله، ورغبة في دينه. فإذا حلفت كذلك أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- زوجها مهرها، وما أنفق عليها، ولم يردها إليه.

وقيل: الامتحان أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وقيل: ما كان الامتحان إلا بأن يتلو عليهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الآية إلى آخرها، وهي الآية العاشرة من هذه السورة.

وفي الآية نفسها أباح الله للمؤمنين الزواج بهن؛ لأنهن صرن على دينهم، إذا آتوهن مهورهن بعد انقضاء عدتهن، ونهى الله سبحانه وتعالى المسلم الذي لديه امرأة كافرة أن يمسكها، بل ينقطع عنها؛ لاختلاف الدين.

وقال المفسرون في تفسير آخَر للآية: كان من ذهب من المسلمات مرتدة إلى الكفار من أهل العهد يقال للكفار هاتوا مهرها، ويقال للمسلمين إذا جاءت امرأة من الكفار إلى المسلمين وأسلمت ردوا مهرها على زوجها الكافر.

ثم خاطب الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- في المؤمنات اللاتي يأتين لمبايعته على الإسلام بأن يشترط عليهن شروطاً ستة وهي: عدم الإشراك بالله وعبادة غيره معه، وأن لا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، وهو ما كانت تفعله الجاهلية من وأد البنات، (وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ) [12]، أي: لا يلحقن بأزواجهن ولدا ً ليس منه، (وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ)، أي: في كل ما هو طاعة لله، قيل: في بر وتقوى. وقيل: ... النهي عن النوح، وتمزيق الثياب، وجر الشعر، وشق وخمش الوجه، والدعاء بالويل، فإذ بايعنك على هذه الأمور فبايعهن، واطلب الله لهن المغفرة، فإن الله غفور رحيم.

وفي آخر آية من هذه السورة نهى الله عز وجل عباده المؤمنين عن تولي جميع طوائف الكفر الذين غضب الله عليهم، وقيل لليهود خاصة؛ لأنهم لا يوقنون بالآخرة البتة بسبب كفرهم، كيأسهم من بعث موتاهم لاعتقادهم عدم البعث بعد الموت.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) [12-13].

أسأل الله أن ينفعنا بما جاء في هذه السورة الكريمة وبكتابه الكريم، وبهدي خاتم الأنبياء والمرسلين، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: عباد الله، سورة الممتحنة سميت بهذا الاسم لأن الله عز وجل أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- في الآية العاشرة منها بعدم رد المهاجرات المؤمنات إلى الكفار إلا بعد اختبارهنَّ والتحقُّق من إيمانهنَّ، فإن كن مؤمنات فلا يردهن إليهم.

قال المفسرون: كان صلح الحديبية الذي جرى بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكفار مكة قد تضمن أن من أتى أهل مكة من المسلمين لم يرد إليهم، ومن أتى المسلمين من أهل مكة (يعني المشركين) رُدَّ إليهم، فجاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مهاجرة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إثرها أخواها عمارة والوليد، فقالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: رُدَّها علينا بالشرط. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كان الشرط في الرجال لا في النساء"، فأنزل الله الآية.

وقد اهتمت السورة الكريمة بجانب التشريع، ومحور السورة يدور حول الحب والبغض في الله الذي هو أوثق عُرى الإيمان، وحذرت السورة من موالاة أعداء الله الذين آذوا المؤمنين حتى اضطروهم إلى الهجرة وترك الديار والأوطان.

وضربت المثل في إيمان إبراهيم الخليل -عليه السلام- وأتباعه المؤمنين حين تبرؤوا من قومهم المشركين؛ للاقتداء بهم، كما تحدثت عن حُكم الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم، ثم ختمت السورة بتحذير المؤمنين من موالاة أعداء الله الكافرين، ليتناسق الكلام مع البدء والختام.

عباد الله: في سورة الممتحنة دروس وعبر ومواعظ كغيرها من سور القرآن الكريم، أسأل الله أن أكون قد أعطيت لمحة عنها وفي كتب التفسير إيضاح واسع لمعانيها.

وصلُّوا وسلِّموا -عباد الله- على خاتم رسل الله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.