الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه - السيرة النبوية |
فسورة النجم تحدثت عن المعراج الذي كان معجزة لرسول الإنسان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وما رأى من عجائب وغرائب، وتحدثت عن الأوثان والأصنام التي عبدها المشركون من دون الله، وبينت بطلان تلك الآلهة المزعومة، وبطلان عبادة غير الله، وختمت بذكر ما حل بالأمم الطاغية من أنواع العذاب والدمار؛ تذكيراً لكفار مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وموضوعنا اليوم سورة النجم، السورة الثالثة والخمسون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها اثنتان وستون آية، وهي مكية جميعها في قول جمهور المفسرين.
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: أول سورة أنزلت فيها سجدة (والنجم)، فسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسجد الناس كلهم، إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً، وهو أمية ابن خلف. وتتحدث عن موضوع رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعن الإيمان بالبعث والنشور.
بدأت السورة الكريمة بقسَم الله سبحانه: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) [النجم:1]، أي: جنس النجم، وقيل المراد به الثريا، وهويُّهُ: سقوطه من عُلوّ، أي: من الأعلى إلى الأسفل.
وجواب القسم: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) [2]، أي: ما ضل محمد -صلى الله عليه وسلم- عن الحق، ولا عدل عنه؛ والغي ضد الرشد، أي ما اعتقَدَ باطلاً قط.
(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) [3]، أي: لا يتكلم -صلى الله عليه وسلم- عن هوى نفس ورأي شخصي، إلا بالقرآن لا غيره.
(إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [4]، أي: ما ينطق به وحي من الله يوحيه إليه، (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [5]، أي: علمه جبريل الذي هو شديد في قواه.
(ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) [6]، المرة : القوة والشدة في الخلق، والحصافة في العقل، واستوى : أي ارتفع وعلا إلى مكانه في السماء بعد أن علَّم محمداً -صلى الله عليه وسلم-؛ وقيل معنى استوى: أن جبريل قام في صورته التي خلقه الله عليها؛ لأنه كان يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- في صورة الآدميين.
(وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى) [7]، أي: جانب المشرق، وهو الموضع الذي تطلع منه الشمس. (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) [8]، أي: دنا جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى، أي قرب من الأرض، فنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- بالوحي.
(فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) [9]، أي: فكان مقدار ما بين جبريل ومحمد -صلى الله عليه وسلم- وما بين محمد وربه قدر قوسين عربيين أو أقل.
(فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) [10]، أي: فأوحى جبريل -عليه السلام- إلى عبد الله محمد -صلى الله عليه وسلم- ما أوحى من أوامر؛ والوحي إلقاء الشيء بسرعة.
(مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) [11]، أي: ما كذب فؤاد محمد -صلى الله عليه وسلم-، أي: قلبه، ما رآه بصرُه ليلة المعراج.
(أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى) [12]؟ أي: أفتجادلونه وتلاهونه على ما يرى؟ (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المـُنْتَهَى) [13-14]، والسدر: شجر النبق، وهذه السدرة في السماء السابعة، وقيل غيره؛ والمنتهى: مكان الانتهاء قيل إليها، ينتهي علم الخلائق ولا يعلم أحد منهم ما وراءها.
(عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى) [15]، أي: عند تلك السدرة جنة تعرف بجنة المأوى، وسميت جنة المأوى لأنه أوى إليها آدم، وقيل: إن أرواح المؤمنين تأوى إليها.
(إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) [16]، الغشيان بمعنى التغطية والستر، وفي الإبهام في قوله (مَا يَغْشَى) من التفخيم ما لا يخفى، قيل: يغشاها طوائف من الملائكة، وقيل غيره.
(مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) [17]، أي: ما مال بصر النبي -صلى الله عليه وسلم- عما رآه، وما جاوز ما رأى، وفي الحديث: "ثم صعد بي إلى السماء السابعة، ورفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها -أي ثمرها- مثل قلال هجر، وإذا أوراقها كأذان الفيلة" جزء من حديث أخرجه الشيخان.
ولقد وصف الله أدب النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك المقام، حيث لم يلتفت، ولم يمل بصره، ولم يمده إلى غير ما أُرِي: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) [18]، أي: رأى في تلك الليلة من آيات ربه العظام ما لا يحيط به الوصف، حيث رأى سدة المنتهى، والبيت المعمور، والجنة، والنار، وجبريل في صورته الحقيقية، وغيرها.
ولما قص الله سبحانه هذه الأقاصيص عن ما حدث لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج، قال سبحانه: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) [19-20]، أي: أخبروني عن هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله، هل لها قدرة توصف بها، أم هي جماد لا تعقل ولا تنفع؟.
وهذه الأصنام الثلاثة اشتهرت في العرب، وعظم اعتقادهم فيها، قيل استقوا أسماءها من أسماء الله تعالى، فقالوا من الله اللات، وقيل هو اسم رجل كان يلت السويق ويطعمه الحجاج، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه.
وفي الصحاح أن اللات اسم صنم لثقيف بالطائف. والعُزى: مشتق من العزيز، صنم قريش وبني كنانة، وقيل شجرة لغطفان كانوا يعبدونها، فبعث إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد -رضي الله عنه- فقطعها. ومناة: صنم بني هلال، وقيل لهذيل وخزاعة، وهي مشتقة من منى الله الشيء إذ قدره.
(أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى) [21]، أي: كيف تجعلون لله ما تكرهون من الإناث، وتجعلون لأنفسكم ما تحبون من الذكور؟ وذلك قولهم إن الملائكة بنات الله.
(تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى) [22]، أي: إنها قسمة خارجة عن الصواب، جائرة عن العدل، مائلة عن الحق.
ثم رد سبحانه عليهم: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) [23]، أي: ما الأوثان إلا أسماء محضة، فليست بآلهة سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من حجة ولا برهان، اتباعا ً للظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، وما تميل إليه وتشتهيه الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم البيان الواضح الظاهر بأنها ليست آلهة.
(أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى) [24]؟ إنكار أن يكون لهم ما يتمنون من كون الأصنام تنفعهم وتشفع لهم، ثم علل انتفاء ذلك فقال: (فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى) [25]، أي: إن أمور الآخرة والدنيا بأسرها لله -عز وجل-، فليس لهم معه أمر من الأمور.
(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) [26]، المراد: التوبيخ لهم بما يتمنون ويطمعون فيه من شفاعة الأصنام، مع كون الملائكة مع كثرة عبادتها وكرامتها على الله لا تشفع إلا لمن أذن الله له أن يشفع ويرضى بشفاعته؛ لكونه من أهل التوحيد.
ثم قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى) [27]، أي: إن هؤلاء الذين لا يؤمنون بالبعث وما بعده من أمور الآخرة يضمون إلى كفرهم مقالة شنعاء، وجهالة جهلاء، وهي أنهم يسمُّون الملائكة المنزَّهين عن كل نقص تسمية الأنثى، وذلك أنهم زعموا أنهم بنات الله، فجعلوهم إناثاً وسموهم بنات.
(وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) [28]، وفي هذا نهي عن العمل بالظن واتباعه، (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا)، أي: اترك مجادلتهم؛ فقد بلغت إليهم ما أمرت به، وليس عليك إلا البلاغ، وهذا منسوخ بآية السيف، (وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)، أي: قصر إراداته على الحياة الدنيا.
ثم صغَّر سبحانه شأنهم، وحقَّر أمرهم، فقال: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) [29]، أي: إن الله سبحانه أعلم بمن حاد عن الحق، وأعرض عنه، ولم يهتد إليه، وأعلم بمن اهتدى فقبل الحق، وأقبل إليه، وعمل به، فكل مجازي بعمله.
ثم أخبر سبحانه عن سعة مقدرته، وعظيم ملكه، فقال: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)، أي: هو المالك لذلك، والمتصرف فيه، لا يشاركه فيه أحد؛ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [31]، أي: ليجزي المسيء بإساءته والمحسن بإحسانه.
ثم وصف الله المحسنين فقال: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ)، الكبائر: كل أمر توعد الله عليه بالنار، أو ذم فاعله ذما شديداً، والفواحش ما فحش من كبائر الذنوب، كالزنا ونحوه، (إِلَّا اللَّمَمَ)، أصل اللمم في اللغة: ما قل وصغر، وقيل هو صغائر الذنوب، (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ)، أي: إنه سبحانه يغفر لمن تاب عن ذنبه.
ثم ذكر سبحانه إحاطة علمه بأحوال العباد فقال: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ)، أي: خلقكم منها ضمن خلق أبيكم آدم، (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ)، أي: علم بأحوالكم وقت كونكم أجنة، والأجنة: جمع جنين، وهو الولد، ما دام في البطن سمى بذلك لاجتنانه، أي: استتاره، فـ (لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ)، أي: لا تمدحوها وتبرؤها عن الآثام، ولا تثنوا عليها؛ فإن ترك تزكية النفس أبعد من الرياء، وأقرب إلى الخشوع، (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [32]، أي: إن الله أعلم بمن اتقى عقوبته وأخلص العمل له.
(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى * أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى) [33-35]، أي: أعرض عن الخير واتباع الحق، وأعطى عطاء قليلاً، وقطع ذلك وأمسك عنه. وأصل: وأكدي من الكُدية: وهي الصلابة.
قال مجاهد وغيره: نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان قد اتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على دينه فعيَّره بعض المشركين فترك الإسلام ورجع إلى شركه، وقيل غيره.
(أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى) [35]، أي: أعنده علم ما غاب عنه من أمر العذاب فهو يعلم ذلك؟ (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [36-37]، أي: ألم يخبر بما في أسفار موسى، وهي التوراة؟ وبما في صحف إبراهيم الذي أتم وأكمل ما أمره الله به؟ أي بلغ قومه ما أمره الله به وأداه إليهم.
ثم بين الله سبحانه ما في صحفهما فقال: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [38]، أي: لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) [39]، أي: ليس له إلا أجر سعيه وجزاء عمله، ولا ينفع أحدا عمل أحد، (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى) [40]، أي: يعرض له ويكشف له يوم القيامة، (ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) [41]، أي: : يجزى الإنسان سعيه.
(وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) [42]، أي: إلى الله المرجع والمصير لا إلى غيره فيجازيهم بأعمالهم، (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى) [43]، أي: هو الخالق للضحك والبكاء، والقاضي بسببهما، وقيل: أضحك أهل الجنة في الجنة وأبكى أهل النار في النار.
عباد الله: هذه بعض معاني سورة النجم، وسنكمل الحديث عنها في الخطبة الثانية إن شاء الله، نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وسنة خاتم رسله، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله، نكمل الحديث عن سورة النجم بقوله تعالى: (وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا) [44]، أي: قضى أسباب الموت والحياة، ولا يقدر على ذلك غيره، (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) [45-46]، أي: كل حيوان من النطفة وهي الماء القليل عندما تصب في الرحم، والمعنى: أنه يقدِّر منها الولد، (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى) [47]، أي: إعادة الأرواح إلى الأجسام عند البعث وفاء بوعده.
(وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) [48]، أي: أغني من شاء وأفقر من شاء، وقيل أقنى: أعطى القنية: وهي ما يتأثل من الأموال، (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) [49]، الشعرى كوكب خلف الجوزاء كانت خزاعة تعبده، وذكر سبحانه أنه ربها مع أنه ربٌّ لكل شيء؛ للرد على من كان يعبدها.
(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى) [50]، ووصف عاداً بالأولى لكونهم من قبل ثمود، أي لتقدمها في الزمان، وهم قوم هود، (وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى) [51]، أي: أهلك ثموداً كما أهلك عاداً فما أبقى من الفريقين أحدا، وثمود هم قوم صالح، أهلكوا بالصيحة، (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى) [52]، أي: أهلك قوم نوح؛ فهم أظلم وأطغى من كل الأمم الكفرية.
(وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى) [53]، المؤتفكة مدائن قوم لوط، وسميت المؤتفكة لأنها انقلبت بهم وصار عاليها سافلها، ومعنى أهوى: أسقط، (فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى) [54]، أي: ألبسها ما ألبسها من الحجارة التي وقعت عليها، وقيل أن الضمير راجع إلى كل الأمم المذكورة، أي: إن الله غشَّاها من العذاب ما غشَّى على اختلاف أنواعه.
(فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) [55]، أي: فبأي نعم ربك أيها الإنسان المكذِّب تشك وتكذب؟ (هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى) [56]، أي: هذا محمد أرسل إليكم من الرسل المتقدمين قبله، فإنه أنذركم كما أنذروا أقوامهم.
(أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ) [57]، أي: قربت الساعة ودنت، سماها آزفة لقرب قيامها، (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ) [58]، أي: ليس لها نفس قادرة على كشفها عند وقوعها إلا الله سبحانه.
(أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ) [59]؟ أي: كيف تعجبون من القرآن وتكذبون به؟ (وَتَضْحَكُونَ) استهزاء مع كونه غير محل للتكذيب، ولا موضع للاستهزاء (وَلَا تَبْكُونَ) [60]، خوفاً وانزجاراً لما فيه من الوعيد الشديد؟ (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ) [61]! أي غافلون، والسمود : الغفلة والسهو عن الشيء، (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) [62]، لما وبخ الله سبحانه المشركين على الاستهزاء بالقرآن والضحك به وعدم الانتفاع بمواعظه وزواجره، أمر عباده المؤمنين بالسجود والعبادة له.
فسورة النجم تحدثت عن المعراج الذي كان معجزة لرسول الإنسان محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- وما رأى من عجائب وغرائب، وتحدثت عن الأوثان والأصنام التي عبدها المشركون من دون الله، وبينت بطلان تلك الآلهة المزعومة، وبطلان عبادة غير الله.
وختمت بذكر ما حل بالأمم الطاغية من أنواع العذاب والدمار؛ تذكيراً لكفار مكة لتكذيبهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما يحل بهم إذا استمروا على التكذيب من العذاب، وزجراً لأهل البغي والطغيان عن الاستمرار في التمرد والطغيان.
عباد الله: هذه لمحة عن بعض معاني آيات سورة النجم، أسأل الله أن ينفعنا بها، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
وصلُّوا وسلِّموا -عباد الله- على خاتم رسل الله محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.