المقدم
كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...
العربية
المؤلف | سعد بن سعيد الحجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
الصدق صفة أهل الإيمان والإيمان لهو أغلى ما يملكه العبد لأنه هبة الله للملائكة ولرسوله ولأوليائه وهو وظيفة الدنيا وقوتاً للآخرة يتلذذ العبد بالذكر والصلاة
الحمد لله الإله الحق أمر عباده بالصدق وجعلهم به من أهل السبق ومحق الكذب أعظم محق وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين أحب من عباده الصادقين وأبغض الكاذبين وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الأمين الصادق والإمام الحاذق صلى الله عليه وسلم كما برق وصدق صادق.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد وأدوا العمل الصالح بالمحبة والود وداوموا عليه بالمثابرة والجد واصدقوا مع الله تكونوا من أهل الثناء والحمد واحذروا الإعراض عن الصالحات والصد فإن الله قد أخذ عليكم الميثاق والعهد فمن اتقى كانت له المكانة السامية والمجد وحشر إلى الجنة مع الوفد ومن عصى مد له العذاب مدا وسيق إلى جهنم وردا، فهلا وحدتم الواحد الأحد الله الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولم يكن له كفواً أحد. وهلا سمعتم فأطعتم وقلتم فذكرتم ونظرتم فاعتبرتم وعلمتم فأحسنتم وهلا كان كسبكم للآخرة يزد لكم الله في حرثكم وهلا زهدتم في الدنيا لتربحوها وتربحوا الأخرى قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الأخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) [الشورى:20].
عباد الله إن من العمل الصالح والكسب الرابح أن نستمع الذكر فنتبع أحسنه وإن مما ذكرتم به محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي المحبة النافعة التي يصلح بها عملكم في الدنيا لتكونوا من أهل الاتباع والانتفاع وتصلح بها آخرتكم لتكونوا من أهل الشفاعة والنجاة. وهذه المحبة مفقودة عند كثير من الناس فساءت حياتهم وساءت آخرتهم ولو حقق الناس محبة رسولهم صلى الله عليه وسلم لصلحت قلوبهم تأسياً به في صلاح قلبه إذ يقول لأهل مكة وقد أخرجوه: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" ولصلحت أعمالهم لأنه أدى العمل كما أمره الله ولصلحت أقوالهم لأنه لا يقول إلا حقاً و لا ينطق إلا صدقاً فإن من صفاته الصدق. فقد كان يحب الصدق وينطق بالصدق وجاء بالصدق ودعاء إلى الصدق. وعاش حياة الصدق والصدق صفة بارزة من الصفات وخلق عزيز من أخلاقه وتعامل نفيس من تعاملاته بناء حياته عليه وبناء أقواله عليه وبناء أفعاله عليه وبناء تعامله عليه وربى صحابته عليه ودعا أمته إليه، والصدق هو إتيان بما يطابق الواقع وإظهار الشيء على حقيقته وفتح أبواب الخير وغلق أبواب الشر، والصدق من صفات الرب تعالى إذ يقول: (وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) [النمل: من الآية49]، ويقول عن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ) [الزمر: من الآية74].
وقال: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ ) [الفتح: من الآية27]، وليس هناك أحد أصدق من الله قيلا ولا أصدق منه حديثاً يقول: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً) [النساء: من الآية122]، ويقول: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً) [النساء: من الآية87]، أي لا أحد أصدق منه في قوله وحديثه.
والصدق صفة من صفات الرسول في الجاهلية والإسلام والدليل على ذلك أنه وقف يوماً من الأيام على الصفا، ثم نادى الناس: "يا بني فلان ويا بني فلان" لما اجتمعوا له على الصفا قال صلى الله عليه وسلم: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن جيشاً ببطن هذا الوادي أتصدقونني"، قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذباً. ووصفه أبو سفيان بالصدق عندما سأله هرقل عنه إذ قال له ماذا يأمركم به؟ قال: يأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة، ولما اختلفوا في وضع الحجر الأسود مكانه وكل قبيلة تريد وضعه قالوا: نرضي أول داخل فكان أول داخل فقالوا: الصادق الأمين رضيناه. وقد ظهر صدقه في أهل السماء إذا شهدت له الملائكة بالصدق كما في حديث جبريل الذي سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان وتعلم منه الصحابة الصدق فوصفوه بذلك فما سمعوا له قولاً إلا وصدقوه فيه فأتمروا بأمره وانتهوا بنهيه، ومن ذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد أنه قال للصحابة: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض".
قال عمير بن الحمام جنة عرضها السماوات والأرض ثم قام وأخذ سيفه وجاهد وفي يده تمرات.. ، وصدقته اليهود وأسلموا لصدقه فعن عبد الله بن سلام قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم انجفل الناس إليه فجئت في الناس لأنظر إليه فلما استثبت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب وكان أول شيء تكلم به أن قال أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام. وصدقته النصارى وعلموا طلابهم علامة صدقه فقد ورد في قصة إسلام سلمان أن آخر معلميه من النصارى قال له علامة صدق هذا الرسول أنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة وخاتم النبوة بن كتفيه قال سلمان فجئته بصدقة: فكل المخلوقات صدقته صدقه الحجر ففي حديث جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بمكة حجراً كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن" تصديقاً له فيما جاء به وصدقه الشجر قد شهدت له السمرة بنبوته كما ورد في الصحيح وصدقته الجبال فعن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال: "اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" وصدقه الجن. وإذا كنا نحب رسولنا فالواجب أن نقتدي به في هذه الصفة الجليلة التي تحفظ أعمالنا في الدنيا وتحفظ في الآخرة.
والصدق صفة أهل الإيمان والإيمان لهو أغلى ما يملكه العبد لأنه هبة الله للملائكة ولرسوله ولأوليائه وهو وظيفة الدنيا وقوتاً للآخرة يتلذذ العبد بالذكر والصلاة يقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا) [الحجرات: من الآية15]، ويقول: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) [الأحزاب: من الآية23]،ويقول: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ... ) [الأحزاب: من الآية35]، وهو الطريق إلى الجنة والجامع لكل خير قال تعالى: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) [الزمر: من الآية33]، وقال: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة: من الآية119]، وفي الحديث: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر" وفي الحديث: جاء رجل من قبل نجد، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال له: "خمس صلوات في اليوم والليلة"، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: "لا إلا إن تطوع"، قال: "وصام رمضان.."، وذكر الزكاة، فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص قال: "أفلح أن صدق".
وقال صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً وزعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب ولو كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه".
والصدق طمأنينة القلب وسكونه ففي الحديث: "دع ما يريبك إلى ما لا يربك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة" وأهل الصدق هم أهل الدرجة الثانية بعد الأنبياء لأنهم صدقوا الأنبياء فيما جاءوا به ثم صدقوا في اتباعهم وبذلوا أنفسهم وأموالهم وأولادهم في سبيل الله تعالى قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ ) [النساء: من الآية69].
وها هو أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة عند مرضه وفي غيابه وخليفته في الحج عام تسع للهجرة وخليفة بعد موته وما هذه الخلافة إلا أنه صديق الأمة إذ صدقه بالرسالة عند تكذيب الناس لها وواساه بماله وولده عند تخلي الناس عن ذلك.
وما أحوجنا اليوم إلى الصدق في مدخلنا إذا دخلنا إلى بيوتنا إلى متاجرنا لنطهرها من كل معصية ونعمرها بكل طاعة وما أحوجنا إلى الصدق في مخرجنا لنحفظ جوارحنا من كل إثم ونغنم به لكل غنم وما أحوجنا إلى الصدق في مقعدنا لتكون المجالس لنا ونكون دعاة خير بها وما أحوجنا إلى الصدق عند مشينا لتثبيت الأقدام على الصراط المستقيم الذي يوصل إلى الجنة وما أحوجنا إلى الصدق في أقوالنا لأن القول عمل وثوابك على قدر صدقك ولنا في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه أسوة وقد نجى بصدقه وقال الوليد بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز: " كذبت قال: والله ما كذبت منذ أن علمت أن الكذب حرام"، والصدق في القول نجاة فقد ورد أن الحجاج بحث عن أولاد ربعي بن حراسة وطاف البلاد يبحث عنهم فما وجدهم وكان يتمنى أن يعثر عليهم ليشفي غليله منهم لأنهم حاربوه وخرجوا عليه من ابن الأشعث وتعب من البحث حتى قال له الناس اسأل أباهم فإنه لا يكذب.. فدعاه ثم سأله عن أولاده فقال: "إنهم في البيت " فاستغرب الحجاج من صدقه ولما تيقن صدقه عفا عنهم لصدق أبيهم.
ورد أن عبد القادر الجيلاني سافر مع قافلة – وهو صغير السن فأوصته أمه أن لا يكذب وسافر وتعرض لقطاع طريق فأخذوه ثم سألوه فأخبرهم أن معه 300 دينار فعجبوا منه وحملوه لكبيرهم فأخبره وقال: لا أحب أن أخون عهد أمي فقال: أنت تخاف خيانة عهد أمك فكيف لا أخاف أن أخون عهد ربي ثم تابوا.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله.
الخطبة الثانية :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله ما أحوجنا إلى الصدق في الأفعال حتى نقوم بالعمل على أكمل وجه وحيث نقتدي برسولنا في فعله فإن الفعل لا يكمل إلا بالاقتداء ومن ذلك إقامة الصلاة بشروطها وواجباتها وأركانها ورواتبها وسننها ومن ذلك الصدقة مما نحب وإيثار الغير على النفس ومن ذلك دوام الصوم المشروع والإخلاص لله تعالى حتى لا يُرد، ولعدم الصدق والإخلاص رُد عمل الثلاثة؛ وما أحوجنا إلى الصدق في التوبة ولن يكون الصدق فيها إلا بالإخلاص والإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم ألا يعود إليه وفي توبة من قتل مائة نفس ما يدل على ذلك.
وما أحوجنا إلى الصدق في التوكل على الله وحده والاعتماد وما أحوجنا إلى الصدق في الاستقامة بأن نصلح العمل ونراقب الرقيب ونتقيه ونثبت على الصراط المستقيم وندعو الله في الثبات ونصحب الصالحين ونتصف بصفات أهل الاستقامة.
فهلا كنا من أهل الصدق لنحشر في زمرته ونسلك طريقنا إلى الجنة ولنكون من أحباب الله تعالى ولنكون أتباعاً للرسل ولنحظى بمحبة المخلوقات لنا ولترتفع أعمالنا ونقبل ولنسلم من الكذب وأهله ولننجو من عذاب الله.