الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | راشد الناصر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
المؤسف أن من أبناء المسلمين من يمارس أفعالاً تلقي بالنفس إلى التهلكة، ترى أرواحًا تزهق، ونساءً تترمل، وأسرًا تفنى، وأطفالاً تيتم، وأمراضًا مزمنة وإعاقات مستديمة، بسبب ماذا كل هذا؟! بسبب فعل متهور، وتصرف طائش، وعمل غير مسؤول، وكل هذه المآسي راجعة إلى الإخلال بحق الطريق والتفريط في آداب المسير والإهمال في قواعد المرور، فالطريق لم يوضع من أجل أن يتصرف فيه السفهاء بسياراتهم كيف يشاؤون، متجاوزين الخلق الحسن ..
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-، استيقظوا بقوارع العبر، وتفكروا في حوادث الغير، ففي تقلبات الدهر معتبر، وفي طوارق الأيام مزدجر.
أيها المسلمون: إن المتأمل يدرك أن الأمة تتعرض في حياتها لمتاعب ومشقات بعضها هين يسير وبعضها ثقيل عسير، ولكن الكيان يتزلزل حين تسترخص الدماء وتزهق الأرواح، فالحفاظ على الأرواح من أغلى المطالب إن لم يكن أغلاها، ومع وضوح ذلك وجلائه إلا أن المؤسف أن من أبناء المسلمين من يمارس أفعالاً تلقي بالنفس إلى التهلكة، ترى أرواحًا تزهق، ونساءً تترمل، وأسرًا تفنى، وأطفالاً تيتم، وأمراضًا مزمنة وإعاقات مستديمة، بسبب ماذا كل هذا؟! بسبب فعل متهور، وتصرف طائش، وعمل غير مسؤول، وكل هذه المآسي راجعة إلى الإخلال بحق الطريق والتفريط في آداب المسير والإهمال في قواعد المرور، فالطريق لم يوضع من أجل أن يتصرف فيه السفهاء بسياراتهم كيف يشاؤون، متجاوزين الخلق الحسن.
أيها المسلمون: إن رعاية حق الطريق وأداء حقه والالتزام بآدابه من أوضح ما اعتنى به ديننا الحنيف، فأعطوا الطريق حقه راجلاً أو راكبًا، فلا بد من الاطمئنان على حسن القيادة، وفقه الأنظمة وإدراك التعليمات، ودقة الالتزام بها: (وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى الأرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الاْصْوتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان:18، 19].
أيها الإخوة: إن حوادث الطرق حرب مدمرة بمعدات ثقيلة تُنزف بها الدماء وتُستنزف فيها الثروات، حرب معلنة ليس فيها إلا كاسب واحد، هو الإهمال وضعف التربية ونقص الوعي والتخلي عن المسؤولية، ولن يكون فيها الانتصار بإذن الله إلا إذا أعلن الجميع حالة النفير، فما تستقبل المستشفيات والمقابر، وما تحتضنه ملاجئ الأيتام ودور الرعاية الاجتماعية، كل ذلك أو جله ضحايا التهور وعدم المسؤولية، قطع للأيادي، وبتر للأرجل، وكسر للعظام، موتى ومشلولون ومقعدون في صور مأساوية يصحبها دموع وآهات وتقلبات وأنّات.
فيا أخي: تفكَّر في تلك الأرقام وضخامتها، إنها خسارة فادحة على الأمة الإسلامية أن تفقد هذه الأعداد الهائلة من الأنفس، ولا شك أن هذا قضاء الله وقدره، ولا ريب في ذلك، ولكن لا يعني ذلك أن نهمل الأسباب، ومهما يكن من شيء فإن الذي ينبغي أن نعيه ويعيه كل مسلم عاقل هو مسؤوليته أمام الله عن نفسه التي بين جنبيه.
إن نفسك -يا عبد الله- أمانة عندك، لا يحل لك إزهاقها، فمن فعل فقد أتى جرمًا عظيمًا ينال عليه في الآخرة عذابًا أليمًا، إلا أن يتوب كما قال –صلى الله عليه وسلم-: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟! اللهم فاشهد".
والرفق -يا عباد الله- أدب رفيع من الآداب النبوية التي تحث على الرفق في الأمر كله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"، "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه"، ويقول: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه". رواه مسلم. ويقول: "من يُحرم الرفق يحرم الخير كله".
فينبغي لكل مسلم أن يتصف بالرفق والهدوء في أموره العامة وفي قيادته للسيارة خاصة، فالسرعة لا تحقق لصاحبها شيئًا، فإن كان مقصده من السرعة تدارك أمر يخشى فواته، فلربما يفوّت أمورًا كثيرة، وليس أمرًا واحدًا، ورحم الله القائل:
قد يدرك المتأني بعض حاجته | وقد يكون مع المستعجل الزلل |
ولعلكم تشاهدون هذا المنظر دائمًا في سفركم الطويل؛ حيث إن الإنسان يستعجل في السير ويخاطر ويظن أنه يقطع المسافات بسرعة ويتجاوز الناقلات الكبيرة التي يراها تحبو حبوًا، وبعد فترة يقف للتزود بالوقود أو للصلاة ونحوه فيجد تلك الناقلة وهي تسير ببطء وقد تجاوزته بهدوئها.
من لي بمثل مشيك المدلل | تمشي رويدًا وتجي في الأول |
نسأل الله -جلا وعلا- أن يجعلنا من عباده المؤمنين الذين يمشون على الأرض هونًا.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله-، والتزموا آداب دينكم، فالسير الآمن مقصد من مقاصد الشريعة، ووصف بارز من صفات عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا عباد الله: إن كثيرًا من المسلمين -هداهم الله ومنّ عليهم بالهداية والتوفيق- يتساهلون في جعل السيارات بأيدي صغار أبنائهم، وهذا فيه ما فيه من تعريض الأرواح للأخطار سواء الصغيرة أو الكبيرة.
فيا عباد الله: لا تهلكوا مع الهالكين، وعليكم بأسباب السلامة التي هي الرفق والانتباه للطريق واليقظة الدائمة مع الاعتماد على الله، والمحافظة على الأنفس والأموال، والتزام الأدب والطمأنينة واتباع أنظمة المرور، حتى لا تكون أنت المتسبب في إزهاق نفس كانت على الوجود.
عباد الله: إنه لن يكون الانتصار بإذن الله على كوارث المرور وويلاته إلا إذا أعلن الجميع حالة النفير، نعم إذا تعاون الجميع المواطن والمسؤول وتضافرت الجهود فستكون النتائج يانعة وسريعة، وإن مما شاهده الجميع من تدابير لهذه المعضلات هو ما تشاهدونه كل عام بوضع أسبوع تثقيفي وتذكيري بقواعد المرور والتحذير من أسباب الحوادث، ولعل الأسبوع القادم يوافق أسبوع المرور الخليجي والذي شعاره: (لنعمل معًا للحد من الحوادث المرورية)، ونحن لا نريد أسبوعًا واحدًا بل نريده طوال العام؛ لأن المسألة تتعلق بأرواح الناس، وإن مما يجدر الإشارة إليه أنه ما تزايدت وتفشت التجاوزات في أي مجال إلا بتقصير المسؤول عن ذلك المجال، ونحن أنفسنا مسؤولون بارتكابنا للتجاوزات وبعدم النصح لمن نشاهده يتجاوز وفرع المرور مقصر إذا لم يوجد في موقع الحدث ويثبت حضوره، وهكذا دواليك حتى تصل المسؤولية لرأس الهرم.
ألا وإن من المفارقات العجيبة أن تجد شابًّا متهورًا في بلده هنا عند ذهابه للدولة الفلانية ينقلب كالحمل الوديع، والسبب هو التقصير والتراخي هنا وشدة النظام المروري هناك ومصداقيته.
فاتقوا الله -أيها العباد- في أنفسكم وفي إخوانكم وأموالكم، واتقوه بطاعة ولاة أمركم إذا أمروكم بما فيه صلاحكم وسبب سلامتكم.