الجواد
كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
وأقرب الخلق إلى الله وأعلمهم به أشدهم له خشية كالملائكة، والأنبياء والعلماء، والأولياء، والعباد، ونحن أجدر بالخوف منهم؛ لكثرة معاصينا، وجهلنا بربنا, وإنما أَمِنّا لغلبة الجهل علينا، وشدة غفلتنا ..
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ عظيمِ الصِّفاتِ وَالأسماءِ، جَزيلِ البِرِّ وَالعَطاءِ، جعلَ قُلوبَ أوليائِهِ بَيْنَ الخَوْفِ وَالرَّجاءِ، أحمدُهُ -سبحانَهُ- حمداً يملأُ ما بَيْنَ الأرضِ وَالسماءِ، وأشكرُهُ عَلَى عظيمِ الهِبَةِ وَالنَّعْماءِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له المتَفَرِّدُ برِداءِ الكِبْرِياءِ، وَالمُتَوَحِّدُ بصِفاتِ المجْدِ وَالعَلاءِ، وأشهدُ أنْ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، صَفْوَةُ الخَلْقِ وسَيِّدُ الأنبياءِ، عَطَّرَ أَرِيجُ شَمائِلِهِ الأَرْجاءَ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ السَّادَةِ الأتْقِياءِ، أُولِي الفَضْلِ وَالثَّناءِ، وعَلَى مَنْ تَبِعَهم بإحْسانٍ إلى يَوْمِ النِّداءِ.
عباد الله: الخشية من الله تعالى والخوف منه مقام من أعلى المقامات، وصفة من أسمى الصفات، إذ هي شرط من شروط الإيمان، قال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:175]، وقال تعالى: (فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [التوبة:13].
ولما كان الخوف من الله من أعلى المقامات وأشرفها وأسمى الصفات وأرفعها، فليس عجباً أن يكون صفةَ الملائكة المقرَّبين الذين قال الله فيهم: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [النحل:50]، وأن تكون أيضاً صفةَ النبيين -عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين-، حيث قال -سبحانه- في شأنهم: (الَّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِللَّهِ حَسِيباً) [الأحزاب:39].
والخشية أو الخوف خُلق لا يتصف بها إلا عباد الله المتقين وأوليائه المحسنين، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [الملك:12].
أيها الإخوة: مقام الخوف من الله تعالى والخشية منه -تبارك وتعالى- جامع لمقام المعرفة بالله، والمعرفة بحق عبوديته؛ فمتى عرف العبد ربه، وعرف حقه، اشتدت خشيته له كما قال -سبحانه-: (كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُور) [فاطر:28]. وقال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) [هود:103].
ووعد ربنا -سبحانه- عباده الخائفين منه بالنصر والتمكين فقال تعالى: (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم:14]، ومدح الله من خافه واتقاه واتبع رضاه، فقال -تبارك وتعالى-: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى * يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا) [النازعات:40-45]، ورفع الله مقام الخائفين منه في الجنة فقال -سبحانه-: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) [الرحمن:46].
أيها الإخوة: إن الخوف تألم القلب واحتراقه؛ بسبب توقع مكروه في المستقبل، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية، وما فارق الخوف قلباً إلا خرب، وإذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها، وطرد الدنيا عنها، وأزعج النفوس للآخرة، والناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف ضلوا الطريق.
وللخوف أنواع:
الأول: خوف العبادة والتذلل والتعظيم والخضوع، وهو ما يسمى بخوف السر، وهذا لا يصلح إلا لله -سبحانه-، فمن أشرك فيه مع الله غيره؛ فهو مشرك شركاً أكبر، وذلك مثل: مَن يخاف من الأصنام أو الأموات، أو من يزعمونهم أولياء ويعتقدون نفعهم وضرهم؛ كما يفعله بعض عباد القبور: يخاف من صاحب القبر أكثر مما يخاف الله.
الثاني: الخوف الطبيعي والجبلي، فهذا في الأصل مباح، لقوله تعالى عن موسى: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) [القصص:21]، وقوله عنه أيضاً: (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) [القصص:33]، لكن إن حمل على ترك واجب أو فعل محرم؛ فهو محرم، وإن استلزم شيئاَ مباحاً كان مباحاً؛ فمثلاً من خاف من شيء لا يؤثر عليه وحمله هذا الخوف على ترك صلاة الجماعة مع وجوبها؛ فهذا الخوف محرم، والواجب عليه أن لا يتأثر به.
وإن هدده إنسان على فعل محرم، فخافه وهو لا يستطيع أن ينفذ ما هدده به فهذا خوف محرم؛ لأنه يؤدي إلى فعل محرم بلا عذر، وإن رأى ناراً ثم هرب منها ونجا بنفسه، فهذا خوف مباح.
الخوف ليس مقصوداً لذاته بل لغيره، حيث يحمل العبد على فعل الواجبات والبعد عن المحرمات، وإذا زاد يمكن أن يكون لفعل المستحبات وترك المشتبهات، وهناك أسباب جالبة للخوف منها: سابق الذَّنب الذي وقع فيه، حذر التقصير في الواجبات، الخوف من المصير أن يكون على ما يكره، إجلال الله وتعظيمه قال تعالى: (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [النحل:50]. والخوف من الله يتعلق بقضيتين: الخوف من عذابه، والخوف من الله.
فالخوف من الله واجب، وهو من أجلِّ منازل الطريق وأنفعها للقلب، وهو فرض على كل أحد؛ قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه مدارج السالكين: "ومن منازل (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) منزلة (الخوف)، وهى من أجل منازل الطريق وأنفعها للقلب وهي فرض على كل أحد".
ومن أدلة وجوب الخوف: قوله تعالى: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [البقرة:40]، والأصل في الأمر الوجوب، وقال تعالى: (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) [البقرة:150]. وقال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:175]، قال السعدي -رحمه الله تعالى-: "وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده وأنه من لوازم الإيمان فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفهم من الله".
عباد الله: والتخويف من عذاب الله إحدى مهمات الرسل، قال تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا) [الكهف:56]، والإنذار هو الإعلام بالشيء الذي يخيف.
وقد وصف الله تعالى رسوله محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأنه نذير في مواضع كثيرة، قال تعالى: (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) [الحجر:89]، وقال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) [الذاريات:50]، وكان من أوائل أوامر الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإنذار: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ) [المدثر:1-2].
كما بيّن -سبحانه- أن ما يرسله من الآيات لتصديق الأنبياء -عليهم السلام- كناقة صالح إنما يرسله من أجل التخويف، قال تعالى: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا) [الإسراء:59]، كذلك الآيات الكونية كالخسوف والكسوف وغيرها، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ) [الرعد:12].
عباد الله: والخائفون من الله درجات: فمنهم من يخاف هيبة الوقوف بين يدي الله تعالى، والخوف من المناقشة، والخوف من النار، أو حرمان الجنة، أو الحجاب عن رؤيته -سبحانه-، ومنهم من يغلب على قلبه خوف الموت قبل التوبة، ومنهم من يغلب عليه خوف الاستدراج بالنعم، أو خوف الميل عن الاستقامة، ومنهم من يغلب عليه خوف سوء الخاتمة، ومنهم من يخاف سكرات الموت وشدته، أو سؤال منكر ونكير، أو عذاب القبر. ومنهم من يخاف كل ذلك أو بعضه بحسب قوة المعرفة واليقين وضعفهما. فالخوف نعمة من الله يسوق به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل؛ لينالوا بهما رتبة القرب من الله تعالى. وإذا كملت معرفة العبد بربه أورثت جلال الخوف، وأقل درجات الخوف مما يظهر أثره على الأعمال أن يمنع عن المحظورات والمحرمات والشبهات.
ولا سعادة للعبد إلا في لقاء مولاه والقرب منه، ولا يكون ذلك إلا بترك لذات الدنيا وشهواتها، ولا يمكن ترك ذلك إلا بقمع الشهوات، ولا تنقمع الشهوة بشيء كما تنقمع بنار الخوف الذي يحرق كل شهوة. فالخوف هو النار المحرقة للشهوات، وفضيلته بقدر ما يحرق من الشهوات، وبقدر ما يكف عن المعاصي، ويحث على الطاعات، ويختلف ذلك باختلاف درجات الخوف.
والخوف من الله تعالى على مقامين:
أحدهما: الخوف من عذابه، وهذا خوف عامة الخلق، وهو حاصل بالإيمان بالجنة والنار، وكونهما جزاءين على الطاعة والمعصية، ويضعف هذا الخوف بسبب ضعف الإيمان أو قوة الغفلة.
الثاني: الخوف من الله تعالى، وهو خوف العلماء؛ فإن معرفة عظمة الله وجلاله وأسمائه وصفاته تقتضي الهيبة والخوف، فهم يخافون البعد والحجاب، ويخافون من العذاب؛ لأنه يكفيهم فقط ثلاث كلمات قال تعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ) [آل عمران:30] ولذلك قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له".
وأقرب الخلق إلى الله وأعلمهم به أشدهم له خشية؛ كالملائكة، والأنبياء والعلماء، والأولياء، والعباد، ونحن أجدر بالخوف منهم؛ لكثرة معاصينا، وجهلنا بربنا، وإنما أَمِنّا لغلبة الجهل علينا، وشدة غفلتنا.
والله -تبارك وتعالى- هو الذي بيده الحول كله، والخلق كله، والأمر كله، والقوة كلها، فالخوف والقوة التي يرجى لأجلهما المخلوق ويُخاف إنما هما لله، وبيد الله؛ فكيف يُخاف ويُرجى من لا حول له ولا قوة؟.
بل خوف المخلوق ورجاؤه أحد أسباب الحرمان، ونزول المكروه بمن يرجوه ويخافه، فعلى قدر خوف العبد من غير الله يسلط عليه، وعلى قدر رجائه لغيره يكون الحرمان؛ فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن ولو اجتمعت لتكوينه الخليقة. ومن خاف الله أمن من كل شيء، ومن خاف غير الله أخافه الله من كل شيء، وما خاف أحد غير الله إلا لنقص خوفه من الله.
ووجل القلب يحصل للعبد بمعرفة عظمة الله وجلاله وكبريائه، ثم معرفة عظمة أسماء الله وصفاته، ثم معرفة عظمة كلام الله، ثم معرفة عظمة أوامر الله، ثم معرفة عظمة ثوابه وعقابه، فإذا عرف العبد ذلك سارع لطاعة ربه وامتثال أوامره. فسبحانه من إله ما أعظمه، وما أعظم أسماءه وصفاته وأفعاله، وما أعظم كلامه، وما أعظم دينه وشرعه: (سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) [يونس:68].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل لكل شيء قدرًا، وأحاط بكل شيء خبرًا، أحمده -سبحانه- وأشكره، نعمه علينا تترى، أسبل علينا من رحمته سترًا، وأفرغ علينا بفضله صبرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
عباد الله: للخوف ثمرات في الدنيا والآخرة: قال أبو حفص عمر بن مسلمة الحداد النيسابوري: "الخوف سراج القلب به يبصر ما فيه من الخير والشر، وكل أحد إذا خفته هربت منه ، إلا الله -عز جلَّ- فإنك إذا خفته هربت إليه"، قال أبو سليمان: "ما فارق الخوف قلباً إلا خرب"، قال إبراهيم بن سفيان: "إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها، وطرد الدنيا عنها"، وقال ذو النون: "الناس على الطريق ما لم يَزُل عنهم الخوف، فإذا زال الخوف ضلّوا الطريق".
أما في الدنيا فإنه يقمع الشهوات، ويكدر اللذات، فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة، فتحترق الشهوات بالخوف، وتتأدب الجوارح، قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات:40-41]، ويذل القلب ويستكين، ويفارقه الكبر والحسد، ولا يكون له شغل إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة، وحفظ الأنفاس والأوقات، وقوة المراقبة والمحاسبة والمجاهدة بحسب قوة الخوف، قال تعالى: (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الأنعام:15].
ويبعث على ذكر الله تعالى، قال تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) [الأعراف:205]، ويجعل المرء ملتزما بالأوامر والنواهي قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [المائدة:94].
كما أنه يورث البكاء من خشية الله تعالى: (وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [الإسراء:108-109]، ويجعل المرء يفي بالوعد وأداء الحقوق، قال تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) [الإنسان:7]، ويجعل المرء يسارع في الخيرات وكثرة الطاعات، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:60-61]. هذا في الدنيا. أما في الآخرة فالله -عز وجل- وعد الخائف مقام ربه بالجنان، قال تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) [الرحمن:46]، كما أنه وعدهم بالرحمة والمغفرة قال تعالى: (وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) [الأعراف:154]، كذلك جعل الرضوان والرضا جزاء الخائفين منه، فقال: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [البينة:8].
وفي قوله تعالى: (وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:175]، يقول الطبري: "فلا تخافوا -أيها المؤمنون- المشركين، ولا يعظُمَن عليكم أمرهم، ولا ترهبوا جمعهم، مع طاعتكم إياي، ما أطعتموني واتبعتم أمري، وإني متكفِّل لكم بالنصر والظفر، ولكن خافون واتقوا أن تعصوني وتخالفوا أمري، فتهلكوا (إن كنتم مؤمنين)، يقول: ولكن خافونِ دون المشركين ودون جميع خلقي أنْ تخالفوا أمري، إن كنتم مصدِّقي رسولي وما جاءكم به من عندي".
اللهم اجعلنا أفقر خلقك إليك، واجعلنا اللهم أغنى خلقك بك، اللهم اجعلنا أذل خلقك لك، واجعلنا اللهم أعز خلقك بك.