المؤمن
كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إن محمدًا صلى الله عليه وسلم عظّم شأن المسجد، وأول عمل عمله بعد هجرته إلى المدينة أن بنى مسجده صلى الله عليه وسلم بعد بناء مسجد قباء، فبنى مسجده صلى الله عليه وسلم وكان وأصحابه يؤدون الجماعةً فيه، ويرون ذلك من شعائر الدين، هكذا كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته بعده والمسلمين يتوارثون ذلك، يعظمون المساجد وشأنها يعلنون بها الصلاة، يعدونها قربةً يتقربون بها إلى الله ..
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها الناس: اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: إن من نعمة الله علينا أن شرفنا بهذا الدين، ومنَّ علينا به، وجعلنا من: (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110]، فلا بد أن نقبل هذا الدين ونرضى به، ونحمد الله على هذه النعمة: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]، فاعتزاز المسلمين بدينهم وإعلامهم لدينهم نعمة من الله عليهم، ومن أعظم الإعلام بهذا الدين إبلاغ شعائره وإعلانها، ولاسيما عمارة المساجد، فإن عمارة المساجد بالصلوات من أعظم إظهار شعائر الدين، فالمسلمون يظهرونها هذه الشعيرة، ويعلونها فيعمرون مساجد الله عمارة حسية وعمارة معنوية يؤدون فيها الصلوات الخمس جماعة، ويدعون إلى ذلك، ويرغبون إخوانهم فيه، ويهيئون كل الأسباب للمحافظة على الصلاة جماعة.
أمة الإسلام: لقد أجمعت الأمة المسلمة على أن أداء الصلاة جماعةً في المساجد، من أفضل القُرَب وأفضل الطاعات، بل هي من أعظم شعائر الدين بعد التوحيد، ولصلاة الجماعة فضائل عظيمة ومزايا كبيرة.
فمن فضائل أداء الصلاة جماعة: أن من صلى الصلوات جماعة كان له فضل على من لم يصلها جماعة بسبعٍ وعشرين درجة، يقول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلاة في الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة» أي: معنى أن من أدى الصلاة جماعة فاق على من صلاها وحده بسبع وعشرين درجة.
وفي حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الْمسجدِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَسُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ كتب الله له بها حسنة، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّى عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اغفر له، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلاَ يَزَالُ فِي صَلاَة مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ» إنه لفضل عظيم وشرف كبير، فكيف يرضى المسلم لنفسه أن يفوته هذا الثواب العظيم، ويحرم هذا الخير الكثير؟!
ومن فضائلها أنها من سنن الهدى، قال عبدالله بن مسعود: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإن من الهدى أن تؤدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه.
ومن فضائلها أيضًا أنه بُشر المحافظ عليها بالخير العظيم يقول صلى الله عليه وسلم: «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فما أحوج المسلم لذلك النور حينما يعبر على الصراط بدون أنوار، فما أحوجه لذلك النور الذي يتخطى به تلك العقبات العظيمة.
ومن فضائلها أن المحافظ عليها ينال بتوفيق الله أن يكون في ظل عرش الرحمن يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، قال فيهم: «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بالْمَسَاجِدِ» محبًّا لها راغبًا فيها يحن إليها ويشتاق إليها ليس حرصًا باقيًا في المسجد لكن يؤديها وينصرف بأشغاله وأعماله إلا أن القلب معلق بالمسجد، متى سمع حي على الصلاة حي على الفلاح، أجاب راغبًا طامعًا بالفضل العظيم.
ومن فضائلها أنها طهرة للمسلم تطهره من الخطايا والسيئات، يقول صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ». قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»، كثرة الخطأ إلى المساجد فذلكم الرباط.
ومن فضائلها أن المصلي من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه وهو في عداد المصلين في الثواب العظيم يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ المسلم في بيته وخرج إلى المسجد فإنه في صلاة حتى يعود إلى بيته».
ومن فضائلها أن المسلم يتردد إلى المسجد ونُزُل في الجنة يتهيأ له في ذهابه ورجوعه، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أوَ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلا في الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ».
ومن فضائلها أن الصف الأول يصلي عليه رب العالمين وملائكته: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَلُونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ».
ومن فضائلها أن المحافظ عليها أربعين يومًا يُكتب له براءة من النار وبراءة من النفاق، يقول صلى الله عليه وسلم: «من صلى أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتب له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق».
ومن فضائلها -أيها المسلم- أنها دليل على قوة الإيمان والتصديق يقول صلى الله عليه وسلم: «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا -أي من الأجر- لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا».
أيها المسلم: شأن الجماعة عظيم، وأمرها عظيم جدًّا، فمن أعظم فضائلها أن المساجد إنما بُنيت لأجل أداء الصلاة جماعة فيها؛ لاجتماع أهل الحي لأداء كل فريضة فيها، يقول الله جلَّ وعلا: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ*رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ*لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور: 36- 38]، لم يرض الشارع -أخي المسلم- أن يصلي في بيته بل دعاه إلى أداءها مع المسلمين: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة: 43] فكونوا مع المصلين وفي عداد المصلين.
ومن فضائلها: أن تعاهد العبد المسلم للمساجد عنوان إيمانه، يروى عنه صلى الله وسلم قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ»، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة: 18].
إن محمدًا صلى الله عليه وسلم عظّم شأن المسجد، وأول عمل عمله بعد هجرته إلى المدينة أن بنى مسجده صلى الله عليه وسلم بعد بناء مسجد قباء، فبنى مسجده صلى الله عليه وسلم وكان وأصحابه يؤدون الجماعةً فيه، ويرون ذلك من شعائر الدين، هكذا كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته بعده والمسلمين يتوارثون ذلك، يعظمون المساجد وشأنها يعلنون بها الصلاة، يعدونها قربةً يتقربون بها إلى الله.
إن الله جلَّ وعلا أمر نبيه أن يصلي جماعةً مع مواجهته للعدو فلو كان يعذرهم لفرّق، وفي هذا دليل على أهمية الجماعة وعظيم شأنها، وأنه الشعيرة العظيمة التي ترهب الأعداء، في أحد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم تحدث المشركين قائلين: إنها تمر بهم صلاة هي أحب إليهم من أنفسهم وأهليهم ووالديهم، فإذا دخلوا فيها فباغتوهم، فأنزل الله صلاة الخوف على محمد صلى الله عليه وسلم، فصف أصحابه قسمين: قسم واجه العدو وقسم يحرسون فصلى بالصف الأول ركعتين ثم انصرفوا وأتم بالصف المؤخر حرصًا على الجماعة واهتمامًا بشأنها.
أيُّها المسلم: محمد صلى الله عليه وسلم تهدد المتخلفين عن صلاة الجماعة بالوعيد الشديد فقال: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم، ولولا ما فيها من النساء والذرية لحرقتها عليهم»، وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن صلاة العشاء وصلاة الصبح ثقيلة على المنافقين الذين لا يصلون إلا رياءً وسمعة، فإذا اختفوا عن أنظار الناس لم يؤدوها فيقول صلى الله عليه وسلم: «أَثْقَلَ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاَةُ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا».
أيُّها المسلم: وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن صلاة الرجل العشاء في جماعة تعدل قيام نصف ليلة، وأن صلاة العشاء والفجر في الجماعة تعدل قيام ليلة، كل هذا حثّ على هذه الفريضة واعتناء بها وتعظيم لأمر الجماعة، يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَين يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّى الْمُتَخَلِّفَ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ صلاة الجماعة إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وإنه ليؤتى بالرَّجُلُ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ أي يمشي ببين الرجلين حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"، حرصًا على الجماعة وحبًّا لها ورغبةً فيها تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ للصلاة فَلَمْ يُجِبْ لَمْ يُرِدْ خَيْرًا وَلَمْ يُرَدْ بِهِ».
فيا أيها المسلم الحريص على دينه الطامع في فضل الله وكرمه: أوصيك ونفسي بتقوى الله، والاهتمام بهذه الفريضة، والعناية بها في المسجد وأدائها جماعة رغبة فيما عند الله من الثواب وطمعًا في الأجر العظيم، إياك أن يزهدك المغرضون، وإياك أن يضل في قلبك الغاشون الخادعون، إنها الفريضة التي من شعائر الدين فأدِّها بالمسجد رغبةً وطمعنًا فيما عند الله..
تقبل الله منا ومنكم صالح العمل، وأعاننا على كل خير، وختم لنا ولكم بخاتمة السعادة، إنه على كل شيء قدير، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
فيا أيُّها المسلمون: اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، إن المسلم يعظم شعيرة الصلاة يعظمها، ويهتم بها ويراها أمرًا مهمًا كما آمره الله: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة: 45- 46].
لقد كان سلف هذه الأمة يعظمون هذه الشعيرة؛ يبيعون ويشترون، ويغدون ويروحون ولكن إذا أذن المؤذن ولكن إذا حضر الوقت تركوا ما بأيدهم وأموا مساجد الله؛ رغبةً فيما عند الله لم تكن الدنيا تشغلهم عن طاعة الله، ولم تكن التجارة تصدهم عن صلاة الجماعة، بل هم يجمعون خيري الدنيا والآخرة: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، مر عبدالله بن مسعود رضي الله عنه على أهل السوق وقد غطوا مبيعاتهم وأموا المسجد، فقال: أبشروا فإني أرجوا أن تكونوا ممن قال الله فيهم: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) [النور: 35- 36]، بشرهم بهذا الفضل العظيم لما رأى حالهم وأن مبيعاتهم وتجارتهم لم تشغلهم عن طاعة الله، غطوا أمورهم وأموا المسجد ليجمعوا بين خيري الدنيا والآخرة، وهكذا المسلم يا عباد الله.
وإن أداءها في بيته أو في متجره أو في سوقه لهو الخطأ العظيم يفوت نفسه الفضل العظيم، إن هناك دعاية مضللة يطلقها بعض ضعفاء الإيمان الغاشون للأمة الذين لا يريدون بها خيرًا ثقلت الصلاة في نفوسهم، ثقلت الجماعة في نفوسهم وانصرفوا عنها كسلاً وتهاونًا، وأرادوا أن يغشوا الأمة ويصرفوها عن الخير والهدى، فقالوا: لماذا تغلق المتاجر وقت الصلاة؟ لماذا لا يترك الناس يبيعون كيف يشاءون؟ لماذا تميزون الناس؟ لماذا تقولون انصرفوا إلى الصلاة؟ لماذا ولماذا... كل هذه أخطاء وآراء شيطانية تخالف ما كان عليه هدي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وخيار هذه الأمة من التابعين وتابعيهم بإحسان الذين عظموا شعيرة الصلاة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون: 9].
احذر -أخي المسلم- أن يشملك عموم قوله: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ*خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) [المدثر: 42- 43].
أخي المسلم: لو احتجت إلى أمر يسير لحركة السيارة ولو كيلوات لتقضي غرضك اليسير، فكيف بهذه الفريضة العظيمة؟ كيف بهذا الثواب العظيم؟ الذي لا حد له، قال بعض السلف: لو ذُكر للناس أن هناك سوقًا يربح الدرهم به سبع وعشرين لأتوه الناس ولو كان آخر الليل، مع أن الخبر قد يكون صادقًا أو كاذبًا وهي أمور الدنيا، فكيف والمخبر الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا (يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3- 4]، «أن صلاة الرجل في المسجد جماعة يحوز بها سبعًا وعشرين درجة» فضل عظيم وخير كبير، فإياك أن تذهب بهذا الفضل العظيم، ومتعك الله بسمعك وقوتك فاستغلها بالخير وأمر بطاعة الله، فسوف ترى تلك الأعمال الصالحة شاهدةً لك يوم قدومك على الله، سوف تراها في ميزان أعمالك يوم يخف ميزان ويثقل ميزان، سوف تراها شافعةً لك يوم وقوفك على الله، وسوف ترى آثارها وروحك تخرج من جسدك تواجه آخر الدنيا وأول الآخرة فتفوز برضوان الله وكرمه.
فإياك إياك أن يثبطك المثبطون ويصرف عنك المغرضون، لا تصغ لهذه الدعاية المضللة والدعوات الباطلة، إنها شعيرة الإسلام التي عظّمها ربنا وعظّمها نبينا وسار عليها سلفنا الصالح، جعلنا الله وإياكم ممن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم بإحسان إنه على كل شيء قدير.
واعلموا رحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا رحمكم الله على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم كما أمركم ذلكم ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، ونصر عبادك الموحدين، وجعل اللَّهمَّ هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، ووفق ولاة جميع المسلمين لما تحبه وترضى، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللَّهمّ أمده بالصحة والسلامة والعافية، اللَّهمّ كن له عونا ونصيرا في كل ما همه، وجعله بركة على نفسه وعلى المجتمع المسلمين، اللَّهمَّ وفق ولي عهده نايف بن عبد العزيز لكل خير، سدده في أقواله وأعماله، وأعنه على مسئوليته إنك على كل شيء قدير.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
اللَّهمّ أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنَّزل علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك، وبلاغًا إلى حين، اللَّهمَّ أغثنا، اللّهمَّ أغثنا، اللَّهمَّ أغثتنا، اللَّهمَّ سقي رحمة لا سقي بلاء ولا هدم ولا غرق، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.