الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | سعد بن عبدالله البريك |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
إن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين كما قال بعض أهل العلم، لكن جمال هذا السرور وكماله لا يتحقق إلا باقترانه بالعزم على مزيد من الطاعة وعدم العودة إلى ما كان من تقصير وتفريط قبل رمضان، فالبعض يفرح بالعيد لأنه سيعود إلى ما كان من تكاسل في الصلوات وابتعاد عن كتاب الله وسماع لما حرم الله ومشاهدة لما يسخط الله؛ فشتان ..
الحمد لله الذي منّ علينا بصيام الشهر وقيام ليلة القدر، ونسأله أن يعيننا على الاجتهاد في طاعته فيما بقي من العمر.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أمة الإسلام: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه"، واليوم نحن في يوم الفرح، يفرح المؤمن على ما أنعم الله به عليه من صيام، ويفرح بما منّ الله به عليه من قيام، ويفرح بعظيم فضل الله عليه بتلاوة القرآن والصدقة والذكر والتسبيح وصلة الرحم، يوم أن نادى المنادي: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، فاستجاب بعد أن وفقه الله لطاعته وأعانه على تلمس سبل مرضاته.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أمة الإسلام: إن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين كما قال بعض أهل العلم، لكن جمال هذا السرور وكماله لا يتحقق إلا باقترانه بالعزم على مزيد من الطاعة وعدم العودة إلى ما كان من تقصير وتفريط قبل رمضان، فالبعض يفرح بالعيد لأنه سيعود إلى ما كان من تكاسل في الصلوات وابتعاد عن كتاب الله وسماع لما حرم الله ومشاهدة لما يسخط الله، فشتان بين من يفرح في العيد سرورًا بما أنعم الله عليه من الطاعات، وبين من يفرح بالعيد سرورًا بعودته إلى ما حرّم الله عنه.
ومن خرج من رمضان على نفس الحال التي استقبل فيها رمضان، فليتب إلى الله لأنه لم يحقق المقصود الأعظم من الصيام وهو التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،[البقرة: 183] فالتقوى هي المقصود الأعظم من الصيام، وهي أسمى ما ينشده الصائم ويسعى لتحقيقه.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
يقول تعالى: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) [الزمر:11] هذا الأصل العظيم قامت عليه السماوات والأرض، ومن أجله خلق الجن والإنس: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)، [الذاريات:56]أي إلا ليوحدون.
ولأجل التوحيد بُعثت الرسل وأُنزلت الكتب، وخُلقت الجنة والنار، فواجب على كل مسلم أن يحقق التوحيد، لينجو في الدنيا والآخرة، وليفوز بجزيل ثواب الله الذي أعده الله للموحدين، فالتوحيد أعظم ما يتقرب العبد به إلى ربه.
لما نزل قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82] شق ذلك على الصحابة وقالوا: يا رسول الله: أينا لا يظلم نفسه؟! فقال: "ليس الذي تذهبون إليه، الظلم: الشرك، ألم تسمعوا قول العبد الصالح: (لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)". رواه البخاري. فالله تعالى وعد الموحدين بأن لهم الأمن في الدنيا والآخرة، وأن لهم الهداية في الدنيا والآخرة، فضلاً عن مغفرة ذنوبهم كما في الحديث القدسي: "عبدي: إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا -يعني بملء الأرض خطايا- ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا أتيتك بقرابها مغفرة".
أما المشرك فإنه لو أتى الله بقراب الأرض طاعات ثم لقيه يشرك به شيئًا فلن يغفر الله له: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء:48] فالشرك أعظم ذنب عصي الله به.
وتكمن خطورة الشرك أن بعض أقسامه قد تخفى على كثير من الناس، فقد يكون في الإنسان وهو لا يشعر إلا بعد المحاسبة الدقيقة، ولهذا قال سفيان الثوري -رحمه الله-: "ما جاهدت نفسي على شيء ما جاهدتها على الإخلاص".
والشرك قسمان: أصغر وأكبر، وبينهما فرق في الحكم والحد؛ فالشرك الأصغر هو ما أتى في النصوص أنه شرك، ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر، كقول الرجل: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وأنت، وكيسير الرياء وكالحلف بغير الله. وحكمه أنه لا يُغفر لصاحبه إلا بالتوبة؛ لعموم قوله تعالى: (إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)، وأنه يُحبط العمل الذي قارنه، ولا يوجب التخليد في النار، ولا ينقل عن الملة، ويدخل تحت الموازنة، وإن حصل معه حسنات راجحة على ذنوبه دخل الجنة وإلا دخل النار.
أما الشرك الأكبر فهو مساواة غير الله بالله فيما هو من خصائص الله كالمحبة والدعاء والذبح، والصلاة والطواف والذبح والاستغاثة، فمن صرف شيئًا من هذه العبادات لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر، فلا يُغفر لصاحبه أبدًا إلا بالتوبة، ومن مات عليه ولم يتب فإن الله يحبط جميع عمله ويخلده في النار. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وهو يدعو من دون الله ندًّا دخل النار". رواه البخاري.
فمن جعل لله ندًا في العبادة؛ يدعوه ويسأله ويستغيث به، نبيًّا كان أو غيره دخل النار. والند هو المثل والشبيه، واتخاذ الند على قسمين: أن يجعل لله شريكًا في أنواع العبادة أو بعضها، فهذا شرك أكبر.
روى مسلم عن جابر -رضي الله عنه- أَن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يُشرك به دخل النار". قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "هذا حديث الموجبتين؛ موجبة السعادة، وموجبة الشقاوة". فهذا الشرك أكبر الذنوب وأقبحها وأعظم الظلم وأشنعه.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وثمة ظلم آخر يؤذن بهلاك الأمة التي تقع فيه، وهو ظلم العباد، وإن ما آل إليه حال الأمة من توالي الفتن عليها وتتابع المآسي والنكبات بساحتها؛ أنظمة تتداعى وحكام يسقطون، وفتن وفوضى وقتل للأبرياء وأعراض تنتهك، إنما سببه الظلم، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِلْبَيّنَـاتِ) [يونس:13]
الظلم خلق ذميم ومرتع وخيم، يزيل النعمة، ولا يبقى معه ملك، ولا تدوم بوجوده دولة، والله تعالى يعاقب على الظلم بأنواع العقوبات، ويبتلي الظالمين بأصناف البليات، ويمطر عليهم ألوان المهلكات؛ قال تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ) [الأنبياء:11] وقال: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً).[الكهف :59]
فكم أهلك الله من أقوام وقرون كثيرة بسبب ظلمهم: كقوم نوح وعاد وقوم هود وثمود وقوم صالح وقوم لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع وفرعون وقومه، فهؤلاء لم تكن عقوبتهم على كفرهم فحسب، فالكفر له حسابه وميزانه في الآخرة، لكن عوقبوا في الدنيا بسبب ظلمهم، وكان النازل بهم طوفانًا مغرقًا أو ريحًا صرصرًا أو زلزالاً مدمرًا أو بحورًا مطبقة أو نارًا محرقة أو خسفًا ورجمًا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، قال: ثم قرأ -صلى الله عليه وسلم-: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هود:102]". البخاري ومسلم.
وما زالت سنة الله ماضية مطردة في إهلاك الظلمة، فهذه سنة كونية ثابتة، وما شاهدناه في تونس ومصر وليبيا من سقوط للطغاة والظلمة، وما يجري الآن في سوريا من زعزعة للنظام النصيري الحاقد يؤكد أن الظلم يزيل الدول ويبيد الحضارات، ولهذا قيل: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، لكنها لا تدوم مع الظلم والإسلام.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
إن نعمةَ الأمن من ثمرات التوحيد (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) [النور:55] روى ابن جرير -رحمه الله- في تفسيره عن أبي العالية قال: مكَث النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين خائفًا، يدعو إلى الله سرًّا وعلانية، قال: ثم أُمر بالهجرة إلى المدينة، قال: فمكث بها هو وأصحابه خائفين، يصبحون في السلاح ويمسون فيه، فقال رجل: متى يأتي علينا يومٌ نأمَن فيه ونضَع عنا السلاح؟! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تلبثون إلا يسيرًا، حتى يجلسَ الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا فيه ليس معه حديدة". فأنزل الله هذه الآية.
لا عبادة إلاّ بالأمن، فالصلاة لا تكون في تمامٍ وطمأنينة إلاّ في ظلّ الأمن: (فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) [النساء:103] والزكاة لا يمكن جبايتها إلاّ مع الأمن، والحجّ لا يمكن تأديته إلاّ مع الأمن: (فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ)، والحدود لا تُقام ولا يُؤخَذ على يدِ المفسدين المجرمين العابثين إلاّ مع تحقق الأمن: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج:41]
ومصالح الناس في دنياهم مرتبطة بتحقق الأمن، ولذا امتنّ الله تعالى بنعمة الأمن على أهل مكة فقال: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت 67]
فالواجب علينا أن نتواصى بحفظ الأمن، وأن نتعاضد على حماية استقرارنا من أيدي العابثين وأفعال المفسدين.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
إن التغيير من سمات البشر، والإنسان يتغير باستمرار في إطار عملية ديناميكية مستمرة لا تتوقف، لكن العاقل هو من يغير حاله من السيئ إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن، ومن التخلف إلى الرقي، ومن الركود إلى التقدم، فهذا التغيير الإيجابي هو ما نريده أن يتحقق على كل المستويات، على المستوى الشخصي وعلى مستوى الأسرة وعلى مستوى الحي وعلى مستوى المجتمع وعلى مستوى الدولة وعلى مستوى الأمة كلها.
ومادام التغيير عملية مستمرة، فلماذا لا نجعله تغييرًا إيجابيًا نحو الأفضل بأسلوب مشروع بعيدًا عن التغيير السلبي الذي لا يرى سبيل النهوض إلا بالفوضى والتشرذم وسفك الدماء وتدمير مقدرات الوطن؟!
لقد اقتضت سنة الله أن الجزاء من جنس العمل، فالأمة المحسنة لها الحسنى، وتغيير ما في النفس تغييرًا إيجابيًا هو أصل التغيير وأساسه، وما من قوم اتقوا ربهم إلا أنزل الله عليهم البركات من السماء، وأخرج لهم الخيرات من الأرض: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ). والأمة المسيئة تحيط بها سيئاتها، وما تمرد قوم على شرع الله، وفسقوا عن أمره، إلا أتاهم العذاب والنكال من الكبير المتعال.
فعامة ما يصيب الناس من شؤم وبلاء ونكد وشقاء سببه المعصية والذنب: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ).
وإن أساس كل تغيير أو إصلاح يبدأ من النفس (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).
فسنن الله تعالى لا تتغير ولا تتبدل ولا تتخلف ولا تحابي أحدًا، إنما هي أسباب متى وجدت أوجدت النتائج، والله -عز وجل- لا يغير الحال الرخاء إلى الشقاء، حتى يغير الناس ما بأنفسهم من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى الفسق: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، فليس بين الله وبين أحد من عباده نسب.
فإذا غيّرنا ما في أنفسنا نحو الأفضل، نظرنا إلى المرحلة الثانية وهي إصلاح من حولنا، ثم نلتفت إلى أحوال المجتمع، لنستكشف أوجه الخلل الموجودة فيه، متسلحين بالرغبة الصادقة لحل تلك المشكلات، فالتباكي والشكوى دون رغبة صادقة وعمل جاد لن تغير الواقع، ولن ترفع الفقر، ولن تخفف من البطالة، ولن تقضي على العنوسة، ولن تحل مشكلة عدم توفر المساكن، فبعض الناس يَعْرِف الخلل الموجود لكن لا نية لديه للتغيير، إذ لم يسلك الطرق المناسبة لإصلاح هذا الخلل، فكل مشكلة لها حل.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
مما يجب الحذر منه هو أن البعض لا يرى حلاً للإصلاح والتغيير سوى بالتظاهر والصراخ. وإن المتأمل في التظاهرات يرى أنها ليست من الوسائل المشروعة للتغيير كونها مدعاة للفوضى والتفرق، وتنافي الوحدة و الاجتماع الذي أمر به المسلمون، كما أنها تفتح المجال للمتربصين الذين يريدون الإفساد والتخريب ويندسون بين الصفوف، فيضيع الجاني وسط الزحام، وهي مرتع خصب لمثل هذه الأحداث، بل قد يفعلها بعض المتظاهرين إطفاءً لحماسٍ أو إظهارًا لغضب، ومنها أنها تعطل مصالح الناس وتلحق الأذى بالأبرياء، وتطفئ الحماس المتوقد في النفوس للإصلاح والتغيير نحو الأفضل بأمرٍ ليس وراءه جدوى فعلية.
ومن أخطر ما في التظاهرات: أنها مدعاة للخروج. ومن أصول أهل السنة، تحريم الخروج على ولاة الأمر ما داموا على الإسلام، ولم يضيّعوا دولتهم ودينهم، ولو وقع منهم التقصير أو الخلل. عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات ميتةً جاهليّة". وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنها ستكون بعدي أثرةٌ وأمور تنكرونها"، قالوا: يا رسول الله: كيف تأمرنا؟! قال: "تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم".
وفي صحيح مسلم عن عرفجة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنها ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان". وفي رواية: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه". وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية". رواه مسلم.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
لا يزال البعض يلبس ثوب المصلح، ويقدم نفسه للمجتمع محبًا الإصلاح وساعيًا فيه وعاملاً لأجله، لكن حقيقة حاله ولحن قوله يكشف خفايا نفسه ويظهر مكنون ما يبطنه من نية لإفساد البلاد والعباد: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ)، قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي يعلم من قصده ونيته الإفساد أو الإصلاح".
والأقبح أن هؤلاء المفسدين يتهمون العلماء والدعاة والمصلحين بأنهم يريدون الإفساد في الأرض، وهذه فرية فرعون مصر الذي كان يتهم موسى -عليه السلام- بذلك: (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ).
إن الإصلاح عملية متكاملة وشاملة تطال كافة جوانب الحياة، فإمام المصلحين -صلى الله عليه وسلم-، قام بعملية إصلاح شملت كل شيء، بدءًا بالتوحيد ومحاربة الشرك، مرورًا بالعبادات والأسس والقواعد الشرعية، وقواعد الحكم وأسس بناء الدولة، وانتهاءً بجوانب الأدب والأخلاق والمعاملات.
إن الخلل الموجود في المجتمع لن يتغير إلا إذا تصدّى له المصلحون المخلصون الذين يترسمون هدي النبوة في الإصلاح، وليسوا أولئك الذين يستهزئون بالصالحين، ويحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، أو الذين يريدونها فوضى وتظاهرات وانقسام باسم الإصلاح والتغيير.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
يقول تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)، وقال تعالى: (فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ)، فالحسبة صمام أمان من الهلاك، ولا نزال بخير ما أدينا هذا الواجب، فليكن شعارنا "كلنا رجل حسبة"، وكل واحد يأمر وينهى من تحته يده وسلطانه، فإذا قام المجتمع بهذا خنس المنكر وكبت زبانيته، وإلا فإن التقاعس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيؤدي إلى زيادة المنكرات وشيوع المحرمات، وعندئذ ينزل الهلاك وتحل العقوبة.
عن أم المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- قالت: دخل عليّ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يومًا وهو فزع ويقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه"، وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها، قالت: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: "نعم، إذا كثر الخبث". رواه الشيخان.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا". رواه البخاري.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
يقول تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا". ثم شبك بين أصابعه. متفق عليه. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". رواه مسلم. قال الشوكاني -رحمه الله-: "أي قلوبهم متحدة في التواد والتحاب والتعاطف بسبب ما جمعهم من أمر الدين وضمهم من الإيمان بالله". اهـ.
في عام 490هـ - 1096م وصلت القوات الصليبية إلى مدينة أنطاكية في بلاد الشام، وهي أول مدينة إسلامية تحاصرها الحملة الصليبية الأولى، فصمدت لمدة تسعة أشهر، واستنجدت بملوك الدول المجاورة: ملك دمشق وملك حلب وابن منقذ صاحب قلعة شيزر، وابن ملاعب صاحب حمص، وبالسلطان السلجوقي، وبالخليفة العباسي، ولكن ما من مجيب، فكل واحد من هؤلاء كان يخاف من الآخر، ويخشى من حدوث انقلاب عليه أثناء غيابه، فكانت الإرادات والعزائم في وهن شديد؛ فلم ينظروا إلى عواقب نجاح الحملة الصليبية على العالم الإسلامي وعلى أنفسهم. وكان صاحب الموصل هو الوحيد الذي وصل إلى أسوار أنطاكية لنجدتها، ولكنه جاء متأخرًا بعد أن سقطت بيد الأعداء، ومع ذلك كانت هناك فرصة لإنقاذها؛ لأن الصليبيين وجدوا المدينة فارغة من المؤن، فدب فيهم الجوع حتى أكلوا الجلود والأعشاب، ولكن حاكم الموصل لم يستغل هذه الفرصة فعاد أدراجه، وسقطت أنطاكية.
فالأمة جسد واحد، ولن يتذوق طعم الراحة من كانت يده مريضة أو كانت رجله في نار تحترق أو في ظهره شلل، والواجب على المسلم أن يهتم بإخوانه المسلمين.
قال سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "يجب العناية والاهتمام بإخواننا المسلمين أفرادًا وجماعات في كل بقاع الأرض، وتفقد أحوالهم، ومعرفة واقعهم، وتحسس آلامهم، ورصد احتياجاتهم، ومعرفة مطالبهم، ثم العمل على مساعدتهم، كل بحسب استطاعته، مع العناية بتقديم الأهم على المهم، وهكذا فهناك من المسلمين في بلاد المسلمين، وفي غيرها من البلدان الأخرى، من يحتاجون إلى الطعام والكساء، وهناك من يحتاج إلى التعليم والتدريب، وهناك من يحتاج إلى الكتاب والمدرسة، وهناك من يحتاج إلى بناء مسجد تقام فيه الصلاة، ويذكر فيه اسم الله، وهناك من يحتاج إلى المدرس والمرشد والداعية إلى الله، يذكّرهم بالله، ويبين لهم حقيقة الإسلام، ويوضح لهم أحكام دينهم، حتى يعبدوا الله على هدى وبصيرة، وهؤلاء وأولئك يحتاجون إلى الطبيب وإلى المستشفى لعلاج مرضاهم، وإلى المأوى المناسب يقيهم الحر والبرد، ويحفظ لهم إنسانيتهم وكرامتهم".
وإن ما حل بالصومال من جوع ومسغبة وأمراض فتاكة، يوجب النفرة لنصرتهم بالمال والطعام والجهد والتطوع، فهم ما بين جائع ومريض، وأكثر من نصف أطفالهم مهدد بالموت، إنها أمة تفنى وتتناقص يومًا بعد يوم، وبوسعنا أن ننقذها وأن ننتزعها من أنياب المنون إن بذل كل منا ما يقدر عليه لإغاثتهم.
وفي اليمن جوع وفقر وفوضى وتفرق وتناحر، أوقع الضعفاء والفقراء والصغار والشيوخ فريسة الجوع، ليس لهم بعد الله سوى إخوانهم المسلمين ليرفعوا عنهم ما هم فيه من فقر وعوز.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
حذارِ من بطر النعمة وكفرها، فإن ذلك مؤذن بالهلاك، قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً)، وقال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، وقال تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ).
وإن الأرقام المفزعة عن حجم الإسراف والتبذير في المجتمع تدق ناقوس الخطر، وتوجب على العقلاء والناصحين رفع الصوت عاليًا بالنكير، فبحسب جريدة الرياض قبل سنتين يرمي السعوديون تسعين طنًّا من الأرز في النفايات يبلغ ثمنها ثلاثمائة مليون ريال، وينفقون على التدخين سبعة عشر مليار ريال وينفقون حوالي عشرين مليار ريال سنويًّا على السفر إلى الخارج. وبلغ مجموع ما أنفقوه على العطور والتجميل حوالي مليارًا ونصف مليار دولار.
الإسراف والتبذير داء فتاك يهدد الأمم والمجتمعات، ويبدد الأموال والثروات، وهو سبب للعقوبات والبليات العاجلة والآجلة، وهو طاعة للشيطان ومعصية للرحمن، فالمبذر أخ للشيطان، ويباعد من الجنة ويقرب من النار، والتبذير إتلاف للمال وتضييع له ويؤدي للفقر ويحتاج صاحبه إلى الذل للخلق في حال إفلاسه، وفيه اتباع للهوى وبعد عن الحق، ويجلب الندم والحسرة على ما ضاع من المال من غير فائدة. ولذا حذّر منه تعالى بقوله: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، وقال -عز وجل-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، قال ابن كثير: قال بعض السلف: "جمع الله الطب كله في نصف آية: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا). تفسير ابن كثير (2/210).
وقال وهب ابن منبه -رحمه الله-: "من السرف أن يلبس الإنسان ويأكل ويشرب مما ليس عنده، وما جاوز الكفاف فهو التبذير". تفسير ابن كثير (3/39).
فحذارِ من كفر النعمة، فلربما انخدع البعض بتتابع النعم مع إصراره على الإسراف والتبذير، دون أن يعلم أن هذا استدراج: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)، فالعقوبة تأتي بغتة.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
إن ما حدث في البحرين وما يجري في سوريا الآن إنما هو بدايات لانهيار المشروع التوسعي المجوسي الصفوي في المنطقة، فصدور أبناء الشام العارية تدك يومًا بعد يوم أسوار وحصون هذا المشروع التي بناه الصفويون في ثلاثين عامًا.
لكن انهيار المشروع الصفوي في المنطقة لا يعني أنه انتهى، ولا يعني أن إيران تخلت عن أطماعها التوسعية، أو أنها باتت دولة ضعيفة منكفئة على ذاتها، وإيران دولة لا تراهن فقط على العلم والمعرفة، بل على امتلاك التكنولوجيا واستخدامها.
لقد بان لكل ذي عينين أن المشروع الصفوي يتقاطع مع المشروع الأمريكي لا على مستوى المصالح السياسية فحسب، وإنما على مستوى الأهداف، فكلاهما يستهدف أهل السنة، فالسنة في العراق وأفغانستان هدف مباشر للغرب، فيما يعتبر الشيعة حلفاء، وكلاهما يسعى إلى نشر معتقده وثقافته، وكلاهما يمتلك القوة والأدوات لتحقيق أهدافه، وكلاهما ذو طابع احتلالي، وكلاهما يقدم تنازلات للآخر كلما دعت الضرورة، وهذا يفسّر لنا سر سكوت الغرب عن التسلح الإيراني النووي والتكنولوجي، والتي باتت تستعرض بكل تفاخر قدراتها في تكنولوجيا التسلح سواء في صناعة الطائرات والرادارات والصواريخ البحرية المضادة للسفن والقوارب الطيارة، أو في مجال صناعة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، أو في القدرة على إنتاج القضبان النووية وتخصيب اليورانيوم. كل هذا التسلح ليس هواية بلا هدف، بل له عدو، والعدو المفترض الذي تستهدفه هذه الترسانة من الأسلحة هم أهل السنة وبالأخص بلاد الحرمين، فنحن المستهدفون الحقيقيون وليست أمريكا، فإيران تراجعت رسميًّا وعلى أعلى المستويات عن كون الولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر، فضلاً عما اعترفت به إيران من خدمات جليلة قدمتها لواشنطن في أفغانستان والعراق، وفي المقابل غضت واشنطن الطرف عن التسلح الإيراني وهي تعلم به، ولم تفعل ما فعلته بالعراق عندما سمحت لإسرائيل بتدمير مفاعله النووي، وأرسلت جواسيسها لتدمير بعض مجمعات التصنيع العسكري في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ثم ورطته باحتلال الكويت وأخضعته لحصار انتهى ليس بإسقاط النظام فقط بل بتدمير البلد برمته.
إن عداوة الفرس للعرب متأصلة في العقل الجمعي عندهم، ولذلك أسباب تاريخية تعود إلى ما قبل الإسلام، يؤكّد ذلك زعمهم أن كسرى ملك الفرس المشرك سيخلّصه الله من النار، حيث أورد المجلسي في بحار الأنوار عن أمير المؤمنين -عليه السلام- قال عن كسرى ملك الفرس: "إن الله قد خلصه من النار، وإن النار محرمة عليه". بحار الأنوار (41/4).
ثم جاء فتح العرب بلاد فارس وإسقاط إيوان كسرى وإطفاء نار المجوس ليزيد من عداوة المتعصبين منهم، وليؤجج ما كان فيها من عداوة وحقد، يقول المستشرق البريطاني الدكتور براون، الذي سكن إيران مدة طويلةً ودرس تاريخها دراسة وافية: "من أهم أسباب عداوة أهل إيران للخليفة الراشد الثاني عمر: هو أنه فتح العجم، وكسر شوكتهم، غير أنهم -أي أهل إيران- أعطوا لعدائهم صبغة دينية مذهبية، وليس هذا من الحقيقة في شيء". وقال: "ليس عداوة إيران وأهلها لعمر بن الخطاب لأنه غصب حقوق عليّ وفاطمة، بل لأنه فتح إيران، وقضى على الأسرة الساسانية، وليس الجدال على أنه غصب الخلافة من علي، بل إن المسألة قديمة، يوم فتح إيران".
ويقول: "إن أهل إيران وجدوا في أولاد علي بن الحسين تسليةً وطمأنينةً، بما كانوا يعرفون أن أم علي بن الحسين هي ابنة ملكهم يزدجرد، فرأوا في أولادها أن حقوق الملك قد اجتمعت مع حقوق الدين، فمن هنا نشأ بينهم علاقة سياسية، ولأجل أنهم -أهل إيران- كانوا يقدسون ملوكهم لاعتقادهم أنهم ما وجدوا الملك إلا من السماء ومن الله، فازدادوا في التمسك بهم". اهـ.
فعداوة الفرس للعرب عداوة تاريخية ألبسوها لبوس الدين، وستروها بشعارات الأخوة والوحدة.
ولسائل أن يسأل: أين الأخوة وإيران تحتل جزر الإمارات الثلات، وأين الأخوة وهي تدعم الحوثيين شمال اليمن وتحثهم على الانفصال، وأين الأخوة وقد دعمت وسلحت شيعة البحرين للاستيلاء على نظام الحكم، وأين الأخوة وهي تساعد النظام النصيري في سوريا على تعذيب وقتل المدنيين العزل، وأين الأخوة وهي تطالب بتغيير اسم الخليج العربي إلى الخليج الفارسي؟!!
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
إن أمة تسمح للسفهاء بالتطاول على دينها، وإن أمة تسكت عمن يستهزئ بثوابتها، وإن أمة تغض الطرف عمن يسخر من عقيدتها، لهي أمة عاجزة، لا تستحق العيش بكرامة، بل إنها بسكوتها عن المستهزئين تستمطر غضب الله، وتستنزل عقوبته، قال تعالى: (وَحَاقَ بِهِمْ ما كاَنُوا بهِ يَسْتَهزءُونَ).
وقد أجمع العلماء ووافقهم العقلاء على أنه لا يعيب الإسلام، ولا ينتقص الملة، ولا ينال من الشريعة، ولا يستهزئ بالأمر والنهي مَنْ في قلبه إيمان؛ قال تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ). وسبب نزول هذه الآية قول رجل من المنافقين: ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونًا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عن اللقاء. فرفع ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله: إنما كنا نخوض ونلعب، فقال: (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)، وإن رجليه لتنسفان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متعلق بنسعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. أسباب النزول للواحدي ص250.
وإن ما عرضته بعض القنوات من استهزاء وسخرية بالدين والمتدينين وعرض حلقات لتحليل ما حرم الله من الربا، لم تجد النكير الملائم من المجتمع؛ لأن هذا من حرية الرأي!! فباسم حرية الرأي يهاجمون الخير والطهر والعفة والصلاح في المجتمع، وباسم حرية الرأي ينالون من العلماء والدعاة، وباسم حرية الرأي يشوهون حلقات تحفيظ القرآن ومكاتب توعية الجاليات والجمعيات الخيرية والمخيمات الصيفية، ولو هوجم النبي -صلى الله عليه وسلم- أو الصديقة عائشة أو أصحابه -رضي الله عنهم-، سكتوا، وكأن ثمة مخططًا مدروسًا يتبادلون فيه الأدوار ويتناوبون على مهاجمة ثغور الإسلام والملة.
لا يطعن في الدين ولا يستهزأ بالمتدينين من امتلأ قلبه تعظيمًا وإجلالاً لله تعالى، فهذه من سمات المجرمين: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ). فلشناعة فعلهم سماهم الله في كتابه (مُجْرِمِينَ). قال ابن كثير -رحمه الله-: "وهذه أيضًا من صفات المنافقين، ألا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال". تفسير القرآن العظيم (4/125).
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الإعلام الجديد قادم بقوة، ولا بد من استغلاله في عملية النهوض بالمجتمع. فقد أصبح الفيس بوك والتويتر بما يُقدِّمه مِن تسهيل للتّواصل بين النّاس، والتّبادل الالكتروني بينهم، أضخم وأكبر منتدى إلكتروني، وفتح للناس أفقًا واسعًا للتعبير عن الرأي، فقد كان الدعاة والمصلحون من قبل يرسل الواحد منهم مقالة أو رأيًا أو تعليقًا لإحدى الصحف فلا ينشر أو يُجتزأ منه، لكن الإعلام الجديد مكّن كل واحد من تأسيس منبره الإعلامي، بل باتت بعض الصفحات الإلكترونية تنافس القنوات الفضائية في قوة الحضور وشدة التأثير؛ كونها تشكل أداة فاعلة لصياغة القناعات وإعادة إنتاج التفكير وصناعة الوعي، بمعناه الإيجابي أو السّلبي، وخصوصًا لدى الشّباب الذي يُشكل النسبة الأكبر من جمهور مستخدمي الإنترنت ووسائل الإعلام الجديد.
ومن هنا برزت الحاجة ماسة إلى ضرورة اغتنام هذا الإعلام في الدعوة إلى الله -عز وجل- وفي توعية الناس بأمور دينهم ومصالح دنياهم، وفي عملية التغيير الإيجابي الذي ينشده المجتمع؛ فمخاطبة الناس عبر هذا الإعلام أكثر اتساعًا وشمولاً من حيث مجموع المخاطبين، مقارنة بالأعداد التي تستمع إلى المحاضرة أو الكلمة أو نحوها في المسجد أو الجامع، إذ تزيد أعدادهم عبر مواقع التواصل عن (300 أو 400 ألف) لساعات.
فلم يعد التعامل مع هذه التقنيات ترفًا، بل أصبح واقعًا معيشًا لأكثر سكان المعمورة، فبها يتواصلون، وعن طريقها يتناقلون المعلومات والأخبار، في أسرع وقت وأيسر طريق وفق أحدث التقنيات وأكثرها تطورًا.
كما أن الحاجة ماسة إلى وضع سبل توحيد الجهود فيما يخدم أكبر شريحة ممكنة من المتواصلين مع هذه المواقع.
فاستغلال الدعوة إلى الله عن طريق هذه التقنيات سينقلها إلى أعداد هائلة من البشر في مناطق شتى، تسهم في نشر الوعي الديني الاجتماعي والوطني: من خلال المجموعات المتنوعة في شتى المجالات الاجتماعية والإنسانية والخيرية والوطنية، وتسعى لأن تغير بعض عادات المجتمع السلبية وتقويم الأخطاء.
ونحذّر المسلمين -وبالأخص الشباب والفتيات- من مخاطر هذا الإعلام، فهو ميدان مفتوح لمن هب ودب، للمسلم وغيره، وهناك مجموعات فيها سب الإسلام، وسب النبي -صلى الله عليه وسلم- والطعن في الصحابة، ومجموعات لإثارة الشبهات حول الإسلام، ومجموعات للتنصير ومجموعات للشيعة. فإذا لم يكن لدى المتصفح حصانة عقدية فإنه ربما تعلّق بشيء من هذه الشبهات والمخالفات، وثمة مجموعات وصفحات تحتوي على الصور الإباحية والمقاطع الماجنة والأغاني وفساد وتهتك وتهاون وتساهل في الكلام وتبادل الصور وملفات الفيديو، مع عدم مراعاة ضوابط التخاطب والعلاقة بين الشاب والفتاة الأجنبية عنه، وفي بعض الحالات كان لهذا الإعلام أثر في خلخلة بعض الأسر: حيث سهّل للزوج التعرف على أخريات، وسهّل للزوجة التعرف على آخرين؛ ما سبب وقوع بعض الخلل في الأسر وفي بعض الحالات وصل إلى الطلاق، فضلاً عن تهديد الأمن الشخصي للمستخدم، وانتهاك الخصوصية، والإدمان بالجلوس ساعات طويلة أمام الجهاز، مع ما يترتب على هذا من أمراض صحية.