البحث

عبارات مقترحة:

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

أو يرسل عليكم حاصباً

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. بيان خطر الاغترار بإمهال الله .
  2. قدرة الله في إهلاك عموم الخلق .
  3. الريح جند من جنود الله .
  4. علم وقت حدوث الكوارث إلى الله .
  5. بيان قدرة الله في الإهلاك .
اهداف الخطبة
  1. تخويف الناس مما أصابهم من الحاصب
  2. تنبيه الناس إلى أن الله إذا أراد بقوم سوءا فلا مرد له
  3. تذكير الإنسان بضعفه أمام قدرة الله

اقتباس

إن النذر تأتينا من بين أيدينا ومن خلفنا، ويذكرنا ربنا جل جلاله بآياته الشرعية والكونية؛ لنتذكر ونتوب، والحاصبُ الذي اجتاح ديارنا خلال الأيام الماضية مظهرٌ من مظاهر...
حين يصيب الله تعالى بعض عباده بالكوارث والنكبات..فإنه سبحانه يوقظهم من رقدتهم، وينبههم من غفلتهم، ومع ذلك فإنه لم يتغير حال كثير من الناس، ففي وقت الحاصب الذي غطى المدن، كان الإعلام يرقص ويغني بشاشاته وإذاعاته، ولم تتغير شيء من برامجه، وأهل الملاهي والمعاصي ما منعهم عن مزاولة نشاطهم إلا...

الحمد لله القوي القهار، العزيز الجبار؛ يُرِي عبادَه من آياته ما يدل على عظمته، ويحرك فيهم من جنده ما يَشِي بقدرته (وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ الله تُنْكِرُونَ) [غافر:81] نحمده على وافر نعمه، وجزيل فضله، ما من خير إلا وهو سابغه، ولا كرب إلا وهو كاشفه، ولا بلاء إلا وهو رافعه (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) [الأنعام:63-64].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبقت رحمته غضبه فرحم عباده، وأملى للعاصين وأمهلهم، ولو عاملهم بعدله، لعجَّل لهم العذاب، فأهلكهم (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ) [النحل:61].

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، كان يدعو عند الكرب فيقول: "لَا إِلَهَ إلا الله الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إلا الله رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إلا الله رَبُّ السماوات وَرَبُّ الأرض وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، وحاسبوا أنفسكم، وارجعوا إلى دينكم، واعتبروا بآيات الله تعالى فيكم، واتعظوا بِنُذُرِ الله تعالى إليكم، وإياكم أن تسلكوا مسلك من قال الله تعالى فيهم: (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ) [القمر:36]، فكانت نتيجة عنادهم واستكبارهم، ما قص الله تعالى علينا بقوله سبحانه: (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ) [القمر:38].

إياكم -يا عباد الله- أن تغتروا بإمهال الله تعالى لكم، فعسى أن لا يكون ذلك استدراجا يعقبه العذاب؛ فقد قال سبحانه في أقوام: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [الأعراف:182-183].

والمخاطر التي تحيط بالناس لا تحصى آثارها، والأحداث المتوقعة تُنذر بعواقب لا يعلم مداها إلا الله تعالى، سياسيا واقتصاديا وأمنيا.. هذا غير الكوارث الكونية المفاجئة، فليس ثَمَّ إلا لطف الله تعالى بعباده، وحفظه لهم، وإحسانه إليهم (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنعام:17].

أيها الناس: حين خلق الله تعالى خلقه لم يخلقهم من حاجة إليهم ليستكثر بهم من قلة، أو ليقوى بهم من ضعف، فقد كان سبحانه وتعالى ولا شيء قبله، والمخلوق أعجز من أن ينفع الخالق أو يضره شيئا "يا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي".

أرأيتم -يا عباد الله- هذا البشر الكثير الذي يملأ الأرض، ويخلف الآخِرون منهم السابقين عبر القرون؛ للاستخلاف في الأرض وعمارتها.. هل تعجبون من كثرتهم وتعاقبهم، وما خلفوه من عمران وتراث؟! فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يهلكهم أجمعين في لمح البصر، وقادر على أن يخلق خلقا جديدا غيرهم: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا) [النساء:133]. (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ) [فاطر:16-17].

إن قدرة الله تعالى فوق ما يظن الخلق، وأمره سبحانه لا يرده شيء؛ فقضاؤه نافذ، وحكمه لازم: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالبَصَرِ) [القمر:50]. (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82]. ولو أراد سبحانه لأرسل عذابه على عباده (قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) [الأنعام:65] قال سبحانه في المكذبين من قريش (وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون:95]. وفي آية أخرى (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) [الزُّخرف:42].

وقد أخبرنا سبحانه بوقوع عذابه على بعض عباده، وعذابه سبحانه قد يصيب العباد في الدنيا، وقد يؤخر لهم في الآخرة، وقد يجمع الله تعالى لبعض عباده عذاب الدنيا مع عذاب الآخرة، كما أهلك سبحانه المكذبين، وتوعدهم في الآخرة بالعذاب الأليم.

وعذاب الله تعالى لا يمنع منه حذر محاذر، ولا يرده حرص حريص، ولا ينجي منه استخفاء ولا احتراز، ولا تقف أمامه قوة مهما كانت، ولا يدفعه أحد مهما بلغ (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ) [الطُّور:8]. (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ الله ذِي المَعَارِجِ) [المعارج:3].

ولله تعالى جنود كثيرة يأمر سبحانه ما شاء منها فتسير بأمر الله سبحانه إلى من كُتب هلاكُهم فلا تُبقي منهم ولا تذر (وَلله جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) الفتح:7. (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدَّثر:31].

ومن جنود الله تعالى الريح الشديدة، وهي أنواع كثيرة، منها: الحاصب، وهي ريح قوية, تحمل من شدتها التراب والحصباء، فتحصب بها الناس، وتُغطي بها العمران، وقد تشتد شدة تقتلع الحجارة، فترمي بها الناس.

قد عُذِّب بها أُمّتان من الأمم الغابرة، كانتا من أشد الأمم عذابا، كما قال الله تعالى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا) [العنكبوت:40]، وهاتان الأمتان هما: عاد، وقوم لوط، فأما عاد، فقال الله تعالى فيهم: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا) [فصِّلت:16]، وكانت ريحا شديدة ترفعهم وتصرعهم، كما قال الله تعالى في وصف فعلها بهم: (تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر:20].

لقد ظنت عاد أنها الريح التي اعتادوها، تحمل السحب وتسوقها إليهم؛ فإذا هو حاصبٌ يحمل العذاب الأليم: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِينَ) [الأحقاف:25].

استمرَّ حاصبهم أياما حتى أفناهم الله تعالى به (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى القَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) [الحاقَّة:7].

وأما قوم لوط عليه السلام، فقال الله تعالى فيهم: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ) [القمر:34].

وبلغ من شدة الحاصب الذي اجتاحهم أنه رفع ديارهم إلى عنان السماء، وقذفهم بحجارة أهلكتهم (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) [الحجر:74].

وقد أنذر الله تعالى هذه الأمة بالحاصب من الريح، وخوفهم به في موضعين من القرآن، فقال تعالى: (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا) [الإسراء:68]. وفي موضع آخر: (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك:17].

إن النذر تأتينا من بين أيدينا ومن خلفنا، ويذكرنا ربنا جل جلاله بآياته الشرعية والكونية؛ لنتذكر ونتوب، والحاصبُ الذي اجتاح ديارنا خلال الأيام الماضية مظهرٌ من مظاهر قدرة الله تعالى علينا، وآية من الآيات يخوفنا بها (وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء:59]. وقد ظهر ضعفنا أمامه، وبان عجزنا في مواجهته، أو وقف سيره أو تحويله أو تخفيف آثاره؛ فاضطربت أحوال الناس، وعظم خوفهم، وأصبح الغبار كالظلة عليهم، فحجب أشعة الشمس، واقترت به البلاد، وضعفت الرؤية، وتلوثت الأجواء، وامتلأت المستشفيات بأصحاب أزمات الربو والتنفس، وكثرت الحوادث في الطرقات، ولزم الناس بيوتهم، ومنهم من جمعوا صلواتهم، وما إن ذهب الحاصب، وانقشع غباره، حتى سارعوا إلى النظر في الآثار التي خلفها، والأضرار التي تركها..

ولو أن هذا الحاصب من الريح كان أقوى لأهلك الناس، ولو بقي جمعة أو شهرا؛ لعظمت به المحنة، واشتد به الكرب والبلاء، كيف؟! والناس لم يتحملوا أثره بضع ساعات، فما أضعف الخلق أمام قدرة الله تعالى وقوته؟! والحمد الله الذي لطف بالعباد، وأنذرهم بالآيات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ) [الأنعام:6].

بارك الله لي ولكم


الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، نحمده على نعمه التي لا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى، وأطيعوه (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ) [المائدة:92].

أيها المسلمون: حين يصيب الله تعالى بعض عباده بالكوارث والنكبات، أو يخوفهم بالنذر والآيات فإنه سبحانه يوقظهم من رقدتهم، وينبههم من غفلتهم، وييسر لهم أسباب الرجوع إليه، والإقبال عليه، ومع ذلك فإنه لم يتغير حال كثير من الناس، ولم يخشوا عقوبة الله تعالى، ولم ينظروا إلى هذا النذير الكوني الرباني نظرة عبرة واتعاظ تقود إلى الإقلاع عن الذنوب، والتوبة النصوح؛ إذ في وقت الحاصب الذي غطى المدن، كان الإعلام يرقص ويغني بشاشاته وإذاعاته، ولم تتغير شيء من برامجه، وأهل الملاهي والمعاصي ما منعهم عن مزاولة نشاطهم إلا عدم قدرتهم على ذلك أثناء الحاصب، وليس حياء من الله تعالى، أوخوفا من أن يكون عذابا، ونبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم كان "إذا كان يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذلك في وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فإذا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عنه ذلك، قالت عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَسَأَلْتُهُ، فقال: إني خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ على أُمَّتِي" رواه مسلم.

بل رأينا من ظلم البشر أن فيهم من يعترضون على التفسير الديني للظواهر الكونية، ولا يؤمنون بالآيات الربانية، ويعزون تغيرات الأجواء إلى أسباب مادية بحتة، بعيدا عن الخوف من الله تعالى وخشيته ورهبته، وهذه الفئة -الملحدة في فكرها- تسعى جادة لمنع الناس من تعظيم الله تعالى، والحيلولة بينهم وبين دينهم، والجرأة على انتهاك الحرمات وقت النذر والآيات، ولو ظهرت بوادر العذاب والعقوبات، وما حالهم إلا كحال من سبقوهم حين قالوا: هذا عارض ممطرنا، فكان لهم عذابا أليما، وهلاكا ماحقا.

إن الذنوب والمعاصي سبب لعذاب الله تعالى، وإن الإصرار عليها بعد تتابع النذر والآيات لمما يكون سببا في تعجيل العقوبات؛ فإن الله تعالى غيور على حرماته أن تنتهك، وإن من سنته عز وجل في عباده إنذارَهم قبل عذابهم، وفي الأمم الغابرة المعذبة توالت النذر عليهم قبل أن يعذبوا.

وقد كثرت ذنوبنا، وقوي المفسدون منا، وقل المصلحون فينا، وتوالت علينا نذر ربنا؛ فما زادت كثيرا منا إلا عتوا ونفورا، ونستسقي كثيرا فتحمل الرياح إلينا أتربة وغبارا، ولا تحمل إلينا غيثا مباركا، وكل ذلك بسببنا، وبما كسبت أيدينا، ولم يظلمنا ربنا طرفة عين (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشُّورى:30].

وقال سبحانه في الأمم الماضية:(وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) [الزُّخرف:76]. وفي آية أخرى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117].

قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "إذا أراد الله بقوم خيرا أرسل عليهم المطر، وحبس عنهم كثرة الرياح، وإذا أراد الله بقوم شرا, حبس عنهم المطر، وسلط عليهم كثرة الرياح" فنسأل الله تعالى أن يعفو عنا، وأن لا يعذبنا بذنوبنا، ولا بما فعل السفهاء منا، إنه هو العفو الغفور.

أيها المسلمون: تأملوا حال هذه الرياح الهادئة الطيبة المباركة التي هي قوام العيش في الأرض، وأساس من أسس الحياة عليها، ولا غنى للناس عنها، ويفرحون بما تحمله إليهم من بشائر السحب والخيرات، تنقلب بأمر الله تعالى وقدرته لتكون عذابا للبشر وهلاكا لمن أصابتهم بسبب ذنوبهم .

هذه الرياح التي لا يبصرها الناس مع أنه لا عيش لهم إلا بها، ولا يعرفون ماهيتها، ولا نظام حركتها في الكون، ولا يدركون قوتها ولا أثرها؟ ولا متى تكون؟ ولا كيف تكون؟ ويرون آثارها في أراضيهم ومزارعهم ومعايشهم، ولكنهم لا يشكرون نعمة الله تعالى عليهم بها، ولا فضله سبحانه حين سخرها لهم، ولا يخافون أن تكون عذابا سُلط عليهم.

هذه الرياح المباركة التي تجود بالخير، وتجري بسحب الغيث المبارك، تتحول بأمر الله تعالى وقدرته إلى حاصب من الريح، يحصب الناس بالتراب والحصى؛ فيؤذيهم ويفسد عليهم معايشهم، وربما أهلكهم، فلا يُبقي منهم ولا يذر، أو تتحول إلى قاصف يقصفهم ويقصمهم، أو إلى عاصف يحيط بهم فيفنيهم، فما أعجب تحول النعمة إلى نقمة، وما أسرع تبدل المنحة إلى محنة!!

نعوذ بالله العلي الأعلى من زَوَالِ نِعْمَتِه، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِه، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِه، وَجَمِيعِ سَخَطِه.

وصلوا وسلموا