البحث

عبارات مقترحة:

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الخالق

كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...

هل أتاك حديث يأجوج ومأجوج؟!

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. التعريف بيأجوج ومأجوج .
  2. عدم جواز نقل الأخبار الغيبية إلا بدليل صحيح .
  3. كثرتهم وعدتهم وعددهم .
  4. لقاؤهم بذي القرنين .
  5. خروجهم من وراء السد .
  6. لا عبرة بمن أنكر وجود السد .
  7. الرد على مزاعم عدم التوصل للسد رغم التقدم العلمي .
  8. فتنة يأجوج ومأجوج للناس في آخر الزمان .
  9. موتهم وهلاكهم .

اقتباس

إن يأجوج ومأجوج قبيلتان من ولد يافث بن نوح، جعل الله -جلّ جلاله- خروجهم في آخر الزمان علامة من علامات الساعة الكبرى كما دلت الآية الكريمة على ذلك، بأنه إذا فتحت يأجوج ومأجوج فإن ذلك دليل على اقتراب الوعد الحق، والمراد به يوم القيامة، يقول حذيفة بن أسيد الغفاري -رضي الله عنه-: اطلع النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون؟!"، قالوا: نذكر الساعة. قال: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا، ودبّر عباده على ما تقتضيه حكمته وكان لطيفا خبيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وكان على كل شيء قديرًا.

الحمد لله الذي له ملك السموات والأرض، والله على كل شيء شهيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العرش المجيد فعال لما يريد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الوعد والوعيد، وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله: يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العظيم: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) [الأنبياء:96-97].

إن يأجوج ومأجوج قبيلتان من ولد يافث بن نوح، جعل الله -جلّ جلاله- خروجهم في آخر الزمان علامة من علامات الساعة الكبرى كما دلت الآية الكريمة على ذلك، بأنه إذا فتحت يأجوج ومأجوج فإن ذلك دليل على اقتراب الوعد الحق، والمراد به يوم القيامة، يقول حذيفة بن أسيد الغفاري -رضي الله عنه-: اطلع النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون؟!"، قالوا: نذكر الساعة. قال: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات"، فذكر "الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم-، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم". مسلم (2901).

فإذا فُتح الردم عن هاتين القبيلتين العظيمتين وتمكنوا من الخروج، خرجوا من كل حدب وهو المكان المرتفع من الأرض، (يَنْسِلُونَ) أي يسرعون في المشي إلى الفساد.

إذًا فهم أمتان من جنس البشر، من ذرية آدم -عليه السلام-، يتميزان عن بقية البشر بالاجتياح المروع، والكثرة الكاثرة في العدد، والتخريب، والإفساد في الأرض بصورة لم يسبق لها مثيل.

وما يورده البعض عنهم من أخبار عجيبة، وروايات غريبة، تتحدث عن أصلهم، ونسبهم، وأشكالهم، وألوانهم، ومكانهم!! هذه الأخبار والروايات لا تعدو أن تكون مجرد خرافات وأوهام وخيالات وأساطير، لأنها أُخِذَت من غير المصادر اليقينية وهما القرآن والسنة النبوية الصحيحة، فلا يجوز لأحدٍ بحال أن يتكلم في مثل هذه الأمور الغيبية إلا بدليل صريح من القرآن، أو بدليل صحيح من سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-.

إن يأجوج ومأجوج أمتان كثيرتا العدة، فلا يستطيع أحد مناجزتهم من كثرتهم، وكثيرتا العدد كما في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يَوْمَ القِيَامَةِ: يَا آدَمُ، يَقُولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ، قَالَ: يَا رَبِّ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟! قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ -أُرَاهُ قَالَ- تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَحِينَئِذٍ تَضَعُ الحَامِلُ حَمْلَهَا، وَيَشِيبُ الوَلِيدُ، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ".

فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ". البخاري (4741).

وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أنه قال: "إن الله -عز وجل- جزّأ الخلق عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء الملائكة وجزءًا سائر الخلق، وجزّأ الملائكة عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء يسبحون الليل والنهار لا يفترون وجزءًا لرسالته، وجزّأ الخلق عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء الجن وجزءًا بني آدم، وجزّأ بني آدم عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزءًا سائر الناس". الحاكم (8506)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في تلخيصه.

بل جاء أنهم من كثرتهم تكون مقدمتهم بالشام وساقتهم بالعراق، فيمرون بأنهار الدنيا، فيشربون الفرات ودجلة وبحيرة الطبرية، فيمر المار فيقول: قد كان هاهنا ماء، يقول أَبِو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "يُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمأْجُوجُ، يَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، كَمَا قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ)، فَيَغْشَوْنَ الأَرْضَ، وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ إِلَى مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيَهُمْ، وَيَشْرَبُونَ مِيَاهَ الأَرْضِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَمُرُّ بِالنَّهَرِ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهِ، حَتَّى يَتْرُكُوهُ يَبَسًا، حَتَّى إِنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ لَيَمُرُّ بِذَلِكَ النَّهَرِ فَيَقُولُ: قَدْ كَانَ هَاهُنَا مَاءٌ مَرَّةً...". أحمد (11731)، كنز العمال (38645).

أيها المسلمون: لقد ذكر الله خبر قوم يأجوج ومأجوج في قصة ذي القرنين، حيث التقى ذو القرنين في رحلته بين المشرق والمغرب بقوم يعيشون بين جبلين عظيمين متقابلين، هؤلاء القوم كانوا يعيشون بين هذين السدين أو الجبلين وكانت بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج، كانوا يخرجون على هؤلاء القوم من هذه الثغرة التي بين الجبلين، فيفسدون أرضهم، ويهلكون حرثهم ونسلهم، وكانوا يتعرضون لأعنف الهجمات وأقوى الضربات من قِبلهم، وهم عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم، فلما رأوا ذا القرنين انطلقوا إليه، وقاموا وقوفًا بين يديه، فتوسلوا إليه، وقالوا: (يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) [الكهف:94]، يقينا بطشهم، ويحمينا من شرهم، فرد عليهم بكل زهد وأدب وورع: (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) [الكهف:95]، يعني ما أعطاني الله من وسائل الملك وأسباب التمكين خير لي مما تجمعون، فلا حاجة لي في مالكم، ولكنه لمح فيهم العجز والكسل والاتكالية على غيرهم في حل مشاكلهم، فأراد أن يشركهم في العمل في هذا المشروع العظيم، وهذا العمل الضخم، فقال لهم: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا).

أخبرهم أنه سيتكفل لهم بهذا المشروع من الناحية المادية، ولكنه في حاجة إلى الأيدي العاملة لتشارك بمجهودها العضلي في إنجاز هذا البناء العظيم، ثم شرع ذو القرنين في البناء بعدما خطط له تخطيطًا رائعًا، وهندسه هندسة بارعة، فبدأ في بناء السد، فكان بناءً قويًّا، وسدًّا منيعًا، ساوى به بين هذين الصدفين أو الجبلين، وبذلك يكون قد سدَّ على يأجوج ومأجوج هذه الثغرة التي ينفذون منها إلى هذه الأمة المسكينة المغلوب على أمرها، فلم يستطع قوم يأجوج ومأجوج أن يتسلقوا هذا السد، أو ينقبوه: (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) [الكهف:97، 98].

لقد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- "إن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قالوا: ارجعوا فستحفرونه غدًا، فيرجعون فيعيد الله السد أشد مما كان، حتى إذا أراد الله أن يبعثهم خرجوا يحفرون السد، فقال الذي عليهم إذا ما رأوا شعاع الشمس: ارجعوا وستحفروه غدًا -إن شاء الله تعالى-، فيعودون فيرون السد كهيئته التي تركوه عليها، فيحفرونه ويخرجون". ابن ماجه (4080).

فهم يحاولون كل يوم اختراق السد، فيعملون فيه طول يومهم، ولكنه يعود في اليوم الثاني كما كان، حتى يقول قائلهم: غدًا -إن شاء الله-، فإذا قال: إن شاء الله، يأتون في اليوم الثاني للعمل في حفره كعادتهم، فيجدون السد لم يرجع كما كان، فيحفرونه ويخرجون.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري من حديث زينب بنت جحش -رضي الله عنها-: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يومًا فزعًا وهو يقول: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه". وحلّق بأصبعه السبابة والإبهام، فقالت زينب بنت جحش: يا رسول الله: أَنهلِكُ وفينـا الصالحون؟! فقال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "نعم إذا كَثُرَ الخبث". البخاري (3346).

قلت ما تسمعون وأستغفر الله...

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق رحمة للعاملين، وحجة على المعرضين المعاندين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا مزيدًا.

عباد الله: يجب على كل مسلم أن يؤمن بما جاء في الكتاب والسنة عن قوم يأجوج ومأجوج، ولا عبرة بمن أنكر وجودهم ووجود السد الذي بناه ذو القرنين بينهم وبين الناس بحجة أنه لم يُكتشف من قِبل الدول المتقدمة في الصناعة، وأن هؤلاء استطاعوا أن يكتشفوا كل ما في الأرض ولم يتركوا منها شيئًا إلا أتوا عليه، ولكنهم لم يعثروا على يأجوج ومأجوج، ولم يروا سد ذي القرنين، ولا شك أن هذا قول فاسد؛ لأنه تكذيب صريح لما جاء في كتاب الله -عزّ وجل-، ولما أخبر به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى، ومن كذّب بشيء جاء في كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقد جحد، ومن جحد فقد كفر، كما قال تعالى: (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ) [العنكبوت:47].

وأما دعواهم أن الأرض اكتشفت كلها ولم يجدوا فيها يأجوج ومأجوج والسد، فهي دعوى باطلة تدل على عجز البشر وقصورهم؛ لأن معرفة جميع بقاع الأرض والإحاطة بما فيهما من المخلوقات لا يقدر عليها إلا الله -عزّ وجل- الذي أحاط بكل شيء علمًا، ولا يلزم من عدم رؤيتهم عدم وجودهم؛ لأن الله -عزّ وجل- قد يكون صرف الناس عن رؤية يأجوج ومأجوج ورؤية السد، أو جعل بينهم وبين الناس أشياء تمنع من الوصول إليهم، كما حصل لبني إسرائيل حين ضرب الله عليهم التيه في فراسخ قليلة من الأرض، فلم يطلع عليهم الناس حتى انتهى أمد التيه، والله -سبحانه وتعالى- على كل شيء قدير، جعل لكل شيء أجلاً ووقتًا، قال تعالى: (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الأنعام:66، 67].

وما عجز الأوائل عن اكتشاف ما اكتشفه المتأخرون إلا لأن الله -عز وجل- جعل لكل شيء أجلاً.

إن يأجوج ومأجوج يخرجون في زمن نبي الله عيسى -عليه الصلاة والسلام-، فيلجأ نبي اللَّه عِيسَى والمؤمنون معه إلى جبل الطور في سيناء، ويخرج يأجوج ومأجوج فلا يجدون أحدًا من أهل الأرْض يعترض سبيلهم، فيفتنون فتنة عمياء، فيقولون قولتهم الخبيثة: قهرنا أهل الأرْض، فلنقهر أو فلنعلُ أهل السماء، فيصوبون رماحهم إلى السماء فتزداد فتنتهم حينما يرد اللَّه إِلَيْهِم الرماح وقد خضبت بالدماء، فيقولون: قهرنا أهل الأرْض وعلونا أهل السماء، فيتضرع عِيسَى -عليه السلام- إلى اللَّه -عز وجل- أن يخلص الأرض من شرورهم، فيرسل اللَّه عَليهم دودًا يسمى النغف -وهي دودة صغيرة حقيرة تخرج في أنف البعير-، فيرسل اللَّه عَلَيهم هذا الدود فيهلكون ويُقتلون، فتمتلئ الأرْض بزهمهم ونتنهم.

فيضرع عِيسَى إلى اللَّه أن يطهر الأرْض من نتنهم ورجسهم، فيرسل اللَّه عَلَى الأرض طيرًا كأعناق البخت، فتحمل هذه الجثث العفنة إلى حيث شاء اللَّه وقدَّر، ثُمَّ يرسل اللَّه مطرًا على الأرْض فيصهر الأرض، فتصبح الأرْض بَعْدَ ذلك كالزلقة أو كالمرآة، وينزل اللَّه البركة، وتعيش البشرية في هذه الفترة فترة لم تنعم بها من قبل، حتى تَمَنَّى نبينا العيش في هذه الأيام فقَال: "طوبى لعيش بَعْدَ المسيح". صحيح الجامع (3919).

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "...وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ، فَلا يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلا مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ، فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا لا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ، حَتَّى إنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ". مسلم (2937).

هكذا تحل البركة بعد موتهم، ويطيب العيش من بعدهم، فيعم الرخاء، وتطرح البركة، ويعيش الناس في عيش رغيد، ويقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس.

وجاء عند ابن ماجه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سَيُوقِدُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِسِيِّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَنُشَّابِهِمْ، وَأَتْرِسَتِهِمْ سَبْعَ سِنِينَ". ابن ماجه (4076).

وانظروا -عباد الله- كيف عجّل الله بهلاكهم بعد أن تعالوا عليه، وظنوا في أنفسهم أنهم قد قضوا على من في السماء، بعد أن أفسدوا في الأرض، وقتلوا أهلها، وأفسدوا فيها، فازداد غرورهم وتعنتهم، فيقولون: لقد قضينا على من في الأرض، فلنقضِ على من في السماء، فيهز أحدهم رمحه ويرمي به صوب السماء، فيعود الرمح مخضبًا بالدماء، ابتلاءً لهم من الله وفتنة، فيحسبون أنهم قد قضوا فعلاً على من في السماء، وبينما هم في زهوهم وغرورهم، يسلط الله عليهم عذابه، ويأتيهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، فيرسل الله عليهم النغف، فيبيدهم، ويهلكهم، ويجعلهم أثرًا بعد عين.

نسأل الله -جل وعلا- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، وأن يفقهنا وإياكم في الدين، وأن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه على كل شيء قدير.

اللهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين، ولا مغيرين، ولا مبدلين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أنت الأول فلا شيء قبلك، وأنت الآخر فلا شيء بعدك، نعوذ بك من شر كل دابة ناصيتها بيدك، ونعوذ بك من الإثم، والكسل، ومن عذاب القبر، ومن فتنة الغنى، ومن فتنة الفقر، ونعوذ بك من المأثم والمغرم، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن فتنة قوم يأجوج ومأجوج، آمين يا رب العالمين.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].

اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا، وانصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان يا رب العالمين، واشفِ مرضانا وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالصالحات أعمالنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
 

بطاقة تعريفية
بحثها
مراد باخريصة
أعدها
مراد باخريصة
راجعها
شايف المعصار