الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إن من أكبر الجنايات أن يطلق المرء القول بالتحريم أو التحليل فيما لا علم له به إلا مجرد الظنون أو الشكوك وتحكيم العقل والعواطف، فإن هذا من القول على الله بغير علم، وقد حرّم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله...عباد الله: كيف تطيب الحياة، والسفهاء يلغون في أعراض أهل العلم بعواطف كاذبة خاطئة، فالعلماء هم أعلام يهتدى بهم، أئمة يقتدى بهم، وأقطاب تدور...
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله وحده له الخلق والأمر، فلا خالق إلا الله، ولا مدبر للخلق إلا الله، ولا شريعة للخلق سوى شريعة الله، فهو الذي يوجب الشيء ويحرمه، وهو الذي يندب إليه ويحلله.
ولقد أنكر الله سبحانه على الذي يحللون ويحرمون بأهوائهم: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [يونس: 59، 60]، وقال سبحانه: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) [النحل: 116].
فسمّى المفتين في شرع الله بغير علم، مفترين على الله الكذب.
معاشر المؤمنين: إن من أكبر الجنايات أن يطلق المرء القول بالتحريم أو التحليل فيما لا علم له به إلا مجرد الظنون أو الشكوك وتحكيم العقل والعواطف، فإن هذا من القول على الله بغير علم، وقد حرّم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منها، فقال سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].
فرتب سبحانه المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهي الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريمًا منه وهو الإثم والبغي بغير الحق، ثم ثلّث بما هو أعظم تحريمًا منها وهو الشرك به سبحانه، ثم ربّع بما هو أشد تحريمًا من ذلك كله وهو القول على الله بلا علم.
وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه، ولهذا وجب على العبد أن لا يطلق لسانه بالتحريم أو التحليل إلا بما علم أن الله سبحانه أحله أو حرمه.
قال بعض السلف:" ليتق أحدكم أن يقول: أحل الله كذا، وحرم كذا، فيقول الله له: كذبت، لم أحلّ كذا ولم أحرّم كذا".
قال الإمام مالك -رحمه الله-: "لم يكن الأمر فيما مضى عند سلفنا، ولا أدركت أحدًا اقتُدِي به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام، وما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما يقولون: نكره كذا، ونرى هذا حسنًا".
أيها المؤمنون: إن كثيرًا من العامة يفتي بعضهم بعضًا بما لا يعلمون، فتجدهم يقولون: هذا حلال وهذا حرام أو واجب أو غير واجب، وهم لا يعلمون عن ذلك، أو لا يعلم أولئك أن فعلهم هذا جناية وسوء أدب مع الله تعالى، فكيف يعلم العبد أن الأمر والحكم لله!! ثم يتقدم بين يدي الله بما لا علم له به، فيقول في دين الله بلا علم.
عباد الله: إنما الناس ثلاثة نفر: رجل آتاه الله علمًا، فهو يفتي به ويعلم الناس، وطالب علم يسمع الفتوى من العالم فينقلها كما سمعها بعد أن علم موقعها، ورجل لا علم له، فهذا يقول لما لا يعلم: لا أعلم.
فمن تجاوز حده فقد أوقع نفسه في الحرام.
قال أبو داود في مسائل: ما أحصي ما سمعت أحمد بن حنبل سئل عن كثير مما فيه الاختلاف في العلم، فيقول: لا أدري.
وقال الإمام أحمد: "ما رأيت مثل ابن عيينة في الفتوى أحسن فتيا منه، كان أهون عليه أن يقول: لا أدري".
عباد الله: لقد كان السلف الصالح -رحمة الله عليهم- من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره، فإذا رأى أنها قد تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو أقوال الصحابة، ثم أفتى بما تبين له.
قال ابن أبي ليلى: "أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله -أراه قال-: في المسجد، فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفتٍ إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا".
وقال ابن عباس: "إن كل من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون".
وقال سمنون بن سعيد: "أجسر الناس على الفتيا أقلهم علمًا، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه".
وقال ابن سيرين: "قال حذيفة -رضي الله عنه-: إنما يفتي أحد ثلاثة: رجل يعلم بناسخ القرآن ومنسوخه، وأمير لا يجد بدًّا، وأحمق متكلف"، قال ابن سيرين: "فلست بواحد من هذين، ولا أحب أن أكون الثالث".
أيها المسلمون: إذا علم هذا فما بال شباب المسلمين وعوامهم يخوضون بالفتوى في النوازل والفتن؟! إنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم اعصمنا عن الزلل المشين، ووفقنا للصواب في القول والعلم، ولا تجعلنا من المتكلفين.
الخطبة الثانية:
أيها الناس: اتقوا ربكم واستمسكوا بهدي نبيكم، واتبعوا سبيل سلفكم الصالح علّكم أن تكونوا من المفلحين.
معاشر المؤمنين: يقول الحق سبحانه: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، ويقول: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) [الإسراء: 36].
أيها الناس: إذا كانت الوقيعة في أعراض عوام الناس مذمومة ومن كبائر الذنوب، فما بالك بغيبة من كان واسطة بين الله وخلقه ومن استشهدهم الله في كتابه على وحدانيته، إنها لجريمة عظيمة تفتك بالمجتمع.
وإن مما يجني سفهاء العقول من حوادث الفتن إساءة الظن بالعلماء، والوقوع في أعراضهم، وإن تلك الظاهرة مما يفضي إلى حصول الفتنة والفرقة، والتنازع، وابتعاد الناس عن شرع الله.
قال ابن عساكر: "احذروا الوقوع في العلماء؛ فإن لحومهم مسمومة، وعادة الله فيمن اغتابهم معلومة، فمن وقع فيهم بالسب والثلب عاقبه الله قبل موته بموت القلب".
عباد الله: كيف تطيب الحياة، والسفهاء يلغون في أعراض أهل العلم بعواطف كاذبة خاطئة، فالعلماء هم أعلام يهتدى بهم، أئمة يقتدى بهم، وأقطاب تدور عليهم معارف الأمة، وأنوار تتجلى بهم غياهب الظلمة، فإن في وجوههم حفظًا للأمة في دينها، وصونًا لعزها، فهم السياج المتين يحول بين الدين وأعدائه والنور المبين الذي تستنير به الأمة عند اشتباه الحق وخفائه، وهم ورثة الأنبياء في أممهم وأمناؤهم على دينهم، فإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه فهو من ورثة الأنبياء.
أيها المؤمنون: وليس معنى ذلك أنهم معصومون من الخطأ، ولكن يجب الصفح عنهم والكف عن أعراضهم، والتماس العذر لهم، وحمل كلامهم على أحسن محامله، وهم مع ذلك يجتهدون، إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور لهم.
اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، اللهم قنا شر الفتن...