البحث

عبارات مقترحة:

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

في تفسير بعض الآيات من سورة الطور

العربية

المؤلف محمد بن صالح بن عثيمين
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. تكذيب الأمم لأنبيائهم .
  2. اتهام المشركين النبي بالتهم الباطلة .
  3. دفاع الله عن نبيه .
  4. تحدي الله للمشركين بالحجج العقلية .
  5. عنادٌ وطغيان لا حجةٌ وبرهان .
اهداف الخطبة
  1. الدعوة إلى تدبر كلام الله
  2. تأمل معاني سورة الطور
  3. عرض شيء من جدال القرآن للمشركين
  4. بيان تهافت حجج المشركين وعنادهم

اقتباس

وكذلك المكذبون لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وصفوه بكل قولٍ قبيحٍ هم أحقُّ به منه, فقالوا عما جاء به من القرآن: (إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) [المدثر: 24], (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ) [الإسراء: 47]. ولكن الله سبحانه وتعالى يدافع عنه ويؤيِّده وينصره ويجعل العاقبة له. وفي سورة الطور من الدفاع عنه وتأييده ما يدل على كمال عناية الله به ونصره له..

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا, بل جعله قيما يهدي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ, لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ, وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا, مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي زاده الله هدى, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وتبصَّروا فيما جرى للأنبياء من أممهم المكذبين وملأِ قومهم الظالمين, حيث كذبوا رسلهم وعابوهم ورموهم بكل باطل وانتقصوهم, قالوا لأنبيائهم إنهم سحرةٌ وقالوا إنهم مجانين (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) [الذاريات: 52، 53, وكذلك المكذبون لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وصفوه بكل قولٍ قبيحٍ هم أحقُّ به منه, فقالوا عما جاء به من القرآن: (إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) [المدثر: 24], (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ) [الإسراء: 47]. ولكن الله سبحانه وتعالى يدافع عنه ويؤيِّده وينصره ويجعل العاقبة له.

وفي سورة الطور من الدفاع عنه وتأييده ما يدل على كمال عناية الله به ونصره له, لقد قالوا عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إنه كاهنٌ ومجنون؛ ليحُولوا بينه وبين القيام بدعوته ويفتِّروا من همته وعزيمته, وينفروا الناس عنه وعن شريعته فقال الله: (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ) [الطور: 29] نعم ما هو بما أنعم الله به عليه من النبوة كاهنا ولا مجنونا بل هو نبي صادق أكمل الناس عقلا وأحسنهم تصرفا وقالوا عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إنه شاعر ننتظر به الموت والهلاك كما مات من قبله الشعراء فقال الله لنبيه: (قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) [الطور: 31], انتظروا فليس ريب المنون خاصاً بي دونكم, فأنا متربِّصٌ بكم الهلاكَ وإن الهلاك إليهم أسرع (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) [الطور: 32]. هل عقولهم تملي عليهم مثل هذا القولَ الفاسد؟! لا؛ لأن كل عاقل يعرف أن القرآن ليس بشعر وأن الهلاك لا يختص به من جاء به ولكنهم قوم طاغـون معتـدون (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) [الطور: 33] أي تقوَّل القرآنَ وجاء به من عنده وكذبه على الله. قال تعالى رداً عليهم ببيان حالهم ثم تحديهم (بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ) [الطور: 33], فهم يعلمون أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يتقوَّل هذا القرآن ولا يمكن أن يتقوَّله, لأنه أقوال الخالق ولا يمكن للمخلوق أن يأتي بمثله, ولكن الحامل لهم على هذه الدعوى الباطلة كفرُهم وجحودُهم, ثم تحداهم الله تعالى إن كانوا صادقين فقال: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) [الطور: 34] أي مثل القرآن في البلاغة والهداية والعلوم النافعة, والأعمال الصالحة والعقائد الصحيحة والأخلاق الفاضلة, ولقد عجزوا على ذلك مع أنهم أمراءُ البيان وملوكُ الفصاحة, ولما تحداهم الله تعالى وأظهر عجزهم عن القدح في آيته الشرعية –القرآن- تحداهم سبحانه بالآية الكونية فقال: ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [الطور: 35] يعني هل خُلِقوا من غير خالق؟! هل خلقوا صدفةً بدون سبب؟! أمرٌ لا يمكن لأن كل مخلوق فله خالقٌ وكلَ حادث فله مُحْدثِ, وإذا كان لا بد من خالق لهم فهل هم الذين خلقوا أنفسهم؟! أمرٌ لا يمكن أيضاٌ لا يمكن لأي شخص أن يدَّعي أنه خلقَ نفسَه, كيف وهو - قبل أن يُوجدَ- معدومٌ  ولا يمكن لأحد أن يدَّعيَ أنه خلق غيره أيضا, لا يمكن لأحد أن يدَّعيَ أنه يطور الجنين في بطن أمه نطفة ثم علقة ثم إنساناً حياً نُفختْ فيه الروح, وإذا ثبت أنهم لم يُحدثَوا صدفةً ولم يخلقوا أنفسَهم, تعيَّنَ أنَّ خالقهم هو الله  كما أقروا بذلك (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [الزخرف: 87] ثم انتقل الله من تحديهم فيما يتعلق بخلق أنفسهم إلى ما يتعلق بخلقٍ أعظمٍ وأكبر, فقال: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [الطور: 35], لا لم يخلقوا السماوات والأرض ولا يمكن أن يدعوا ذلك, بل هم يقرون بأن خالق السماوات والأرض هو الله (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ) [لقمان: 25], إذا كانوا يقرون بأن الذي خلقهم وخلق السماوات والأرض هو الله فلماذا لا يصدِّقون رسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم الذي جاء بالوحي منه وأُيِّدَ بالآيات البينات؟! (بَلْ لَا يُوقِنُونَ ) [الطور: 36] بل هم في أمر مريجٍ مضطربٍ وشكٍ وريب.

ثم قال تعالى في سياق تحدي هؤلاء المكذبين: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ) [الطور: 37] يمنعونها عمن يشاءون ويعطونها من يشاءون فيدعون أنهم لم يعطوك النبوة وأنك كاذب فيها. لا ليس عندهم خزائنُ الله وإنما خزائنُ الله عنده وفضلُ الله يؤتيه من يشاء (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ) [الطور: 37], هل لهم السيطرة والسلطان والملك فيحجرون على الناس في تصرفهم!, لا ليست لهم السيطرة ولا السلطان ولا الملك فنفى الله عنهم السلطتين: سلطةُ البذل والعطاء, وسلطةُ السيطرة والقوة, إذن فهم لا يستطيعون أن يمنعوا فضل الله أو يعطوه غير من أراد الله. قال جبير بن مطعم: "سمعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآيات كاد قلبي أن يطير" وكان سماعه لذلك من أكبر ما حمله على الإسلام فأسلم رضي الله عنه.

(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) [الطور: 38] أخبار السماء فيسمعون أنك على الوصف الذي ذكروه من الكهانة والجنون والسحر والشعر والكذب, لا ليس لهم سُلَّمٌ يستمعون فيه فإن كابروا وادعوا ذلك فالبينة على المدعي (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) [الطور: 38] حُجَّةٌ ظاهرة على دعواه ولن يستطيعوا ذلك أبدا. وكان هؤلاء المكذبون للرسول العائبون له بما هم أحق به من العيب قد عابوا الله من قبل فسموا الملائكة بنات الله, فليس بغريب عليهم إذا عابوا الله أن يعيبوا رسوله وهذه - والله أعلم - هي المناسبة في ذكر هذه الآية: (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) [الطور: 39] في سياق عيبهم لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وبعد أن أبطل الله في هذه الآيات الكريمات ما أدعاه المكذبون لرسوله تحداهم بالمطالبة ببيان سبب هذا التكذيب فقال سبحانه: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا) [الطور: 40] عوضاً عن الإيمان بما جئت به واتباعه (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) [الطور: 40] فيريدون أن يتخلصوا مما طلبت بالتكذيب لا بل الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم هو الذي يعطيهم ويتألفهم على الإسلام ( أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) [الطور: 41], ما علموا من الغيب فيرون رسالتك معارضةً لما عندهم فينكرونها خوفا من إبطال ما علموا من الغيب وكتبوه, لا ليس عندهم علم من الغيب ولا كتابةٌ فهم أمةٌ أميةٌ جاهلة, فكان مقتضى العقل وحسن التصرف أن يفرحوا بما جاء به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ( أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا) [الطور: 42] وهذا هو الواقع فإنهم لا يريدون بما وصفوا به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا الكيد به وبدينه والقضاء عليه, ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره (فَالَّذِينَ كَفَرُوا ) [الطور: 42] من أجل كفرهم وجحودهم (هُمُ الْمَكِيدُونَ) [الطور: 42] وحدهم المقضيُّ عليهم بالذل والهلاك ولما كان ما جاء به الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كله دعوة إلى توحيد الله وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. قال الله في ختام هذا الدفاع عن رسوله: ( أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ ) [الطور: 43] يلجأون إليه ويعبدونه من دون الله حتى يحيدوا عن طريق الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم, لا ليس لهم إله سوى الله وما اتخذوه من الأوثان آلهة فليست آلهة حقيقية لأنها ناقصة معيبة: (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الطور: 43] أن يكون مثل أصنامهم وأوثانهم, ولما بيَّن الله أن هؤلاء المكذبين ينكرون الآيات الشرعية ويكذبوها بين وأنهم ينكرون الآيات الكونية أيضا فقال: (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا) [الطور: 44] قِطعاً من العذاب يسقط من السماء (يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ ) [الطور: 44] فهو أمر عادي لا يخاف منه ولا يبالي به, وهذا غاية ما يكون من العناد والطغيان.

أجارني الله وإياكم من النار وجنبنا طريق المنافقين والكفار وهدانا صراطه المستقيم.. الخ.