البحث

عبارات مقترحة:

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

كارثة جدة .. المطر نعمة فمن صيره نقمة؟

العربية

المؤلف عبد الإله بن عبد الله الخيبري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. نعمة الماء .
  2. هدي النبي عند نزول المطر .
  3. أسباب تحول هذه النعمة إلى نقمة .
  4. عبر من كارثة سيول جدة .
اهداف الخطبة
  1. التذكير بنعمة المطر
  2. بيان أن المطر قد يتحول إلى نقمة

اقتباس

ما تحولت هذه النعمة الجليلة -أعني المطر- إلى نقمة ووبالٍ إلا لما أحدثنا تساهلا في محارم الله وتكاسلا في الانقياد لأمر الله على مستوى الجماعات والأفراد، تقول زينب بنت جحش -رضي الله عنها- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: "نعم إذا كثر الخبث" رواه البخاري ومسلم. فما هو الخبث؟ إن الخبث هو كل ما نهى عنه الشرع، فهل ترضى -يا رعاك الله- بهذا الخبث أن يمس بيتك؟! أليس...

الخطبة الأولى:

أما بعد: يقول الباري في محكم البيان: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). يخبر سبحانه أن تجمع السحاب بشارة للعباد بنزول نعمة عظيمة الفائدة كثيرة المنافع، كيف لا وبها سر الحياة، بل سر خلق كل الأحياء، إنه المطر والماء، (وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ).

ونحن في هذه العجالة نسلط الضوء على هديه -صلى الله عليه وسلم- مع هذه النعمة الجليلة عبر النقاط التالية:

أولا: كان صلى الله عليه وسلم إذا تأخر المطر دعا أصحابه للاستسقاء، وواعدهم يوما وصلى بهم صلاة الاستسقاء، وخطبهم ودعا في نهايتها بمثل قوله: "اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل"، قال: فأطبقت عليهم السماء. رواه أبو داود.

ثانيا: في حال ظهور علامات المطر كان صلى الله عليه وسلم تنتابه حالة ليست كحالنا الآن، كما جاء عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى غيما أو ريحا عرف في وجهه، فقالت: يا رسول الله، إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهة! فقال: "يا عائشة، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؟! عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا" أخرجه أبو داود وهو في صحيح الأدب المفرد.

ثالثا: الفرح بالمطر إذا نزل طيبا مباركا نافعا، ومن فعله صلى الله عليه وسلم أنه يحسر عن شيء من جسده ويقول: "حديث عهد بربه" رواه مسلم. قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: "قوله: حسر رسول الله ثوبه حتى أصابه المطر فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟! قال: "لأنه حديث عهد بربهمعنى حسر كشف أي: كشف بعض بدنه، ومعنى "حديث عهد بربه" أي: بتكوين ربه إياه، ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها، فيتبرك بها".

رابعا: شكر هذه النعمة قولا وعملا طلبا لمرضاة الله، وهذا ديدن المسلم دائما، وطلبا للزيادة من أكرم الأكرمين، (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

ولسائل أن يسأل: لماذا كان الحبيب -صلى الله عليه وسلم- يفزع إذا رأى الغيم؟ ألا يشكل وجوده -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه أمانا لهم من العذاب؟! إن وجله -صلى الله عليه وسلم- من هذا الغيم يفسره قوله في رده على عائشة: "ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب"، والباري بفضله وعدله لا يعذب العذاب العام لمجرد عصيان آحاد الناس، لأنه غفور رحيم لطيف بعباده يصفح عن الذنب ويكفر الزلل، بل لا يعذب إلا من تمادى وطغى، ومن حكمته وإعجاز قدرته أن يجعل ما يكون سببا للنعمة والسعادة والرزق عذابا ووبالا في كميته أو كيفيته، ألم تر أن الولد سبب لسعادة الأبوين وعزهما ولربما إذا كبر أصبح وبالا وعناء للأبوين، وربما تسبب في وفاتهما؟! فكذا المطر في أصله نعمة ساقه الباري لعباده وبلاده وبهائمه، وفي حال طوفانه وسيلانه الجارف وصولانه وجولانه يجعله العزيز الحكيم نقمة وعذابا ودمارا للبلاد والأنعام ومصالح العباد.

جاء رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله -عز وجل-، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة، فجاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، تهدمت البيوت وانقطعت السبل وهلكت المواشي، فقال: "اللهم على رؤوس الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر" فانجابت عن المدينة انجياب الثوب. رواه البخاري.

إن الناظر عن سبب تحول هذه النعمة إلى نقمة لا يجد سببا لذلك إلا جواب الحبيب -صلى الله عليه وسلم- لعائشة: "وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؟!" هذا في زمنه -صلى الله عليه وسلم- فكيف بحالنا في هذه الأزمنة المتأخرة التي كثر فيها المفسدون وقل المصلحون؟! ولا أعني الصالحين، كثر التعامل بالربا وهو محادة ومحاربة لله ورسوله، (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ). عن ابن عباس قال: "يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب"، وقرأ (لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ) قال: "ذلك حين يبعث من قبره" أخرجه الإمام أحمد. وروي أيضا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث وإن كان في صحته مقال إلا أن معناه صحيح قوله: "ليأتين على الناس زمان من لم يأكل الربا أصابه شيء من غباره" رواه أحمد. أما صلتنا بالله فهي هذه الصلاة التي ما سميت صلاة إلا لأنها صلة بين العبد وربه، فمن قطع علاقته بأهل الأموال مثلا فهل يرجو نوالهم وعطائهم؟! ومن قطع علاقته بالله بتخلفه عن مجالس الله وهي المساجد فهل يرجو نعمة أو شكورا؟! هل يرجو مساواة بعباد الله المؤمنين؟! (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)، ومع ذلك فإن صفح الله واسع، ورحمته وسعت كل شيء.

إنه والله ما تحولت هذه النعمة الجليلة -أعني المطر- إلى نقمة ووبالٍ إلا لما أحدثنا تساهلا في محارم الله وتكاسلا في الانقياد لأمر الله على مستوى الجماعات والأفراد، تقول زينب بنت جحش -رضي الله عنها- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: "نعم إذا كثر الخبث" رواه البخاري ومسلم. فما هو الخبث؟ إن الخبث هو كل ما نهى عنه الشرع، فهل ترضى -يا رعاك الله- بهذا الخبث أن يمس بيتك؟! أليس في تبرج النساء خبث والباري يقول: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)؟! أليس في مطالبة المفسدين ممن يطلون علينا صباح مساء بمساواة الرجل بالمرأة خبث والباري يقول: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى)، ويأبون إلا أن تكون الأنثى كالذكر؟! أليس في منع حق الله الذي كفله للفقراء والضعفة أعني الزكاة خبث بل خسة وشجع نفس لا ينقطع والباري يتوعدهم بقوله: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)؟!.

إن الناظر الحصيف والمتابع المتأمل بعين ثاقبة يجد موجة عارمة من الخبث في شتى المجالات:

المجالات الفكرية والسياسية: كمثل التفجيرات الإرهابية بدعوى الجهاد زعموا، والجهاد الشرعي مما فعلوا براء.

وخبث اجتماعي أخلاقي: في انتشار القدوات الفاسدة المفسدة الداعية للسفور والاختلاط، ومن نصبوهم وبجلوهم من الساقطين كالمغنين والمغنيات عبر قنوات فضائحية فاسدة مفسدة لا ترقب في المسلمين إلا ولا ذمة.

وخبث ثقافي: من مثل رواج كتب الإلحاد والكتب الداعية للجنس والغرام الكذوب عبر روايات ساقطة، وكأننا في مجتمع بهائمي لا يعنيه إلا غرائز بطنه وفرجه.

وبعد كل هذا الخبث ورواجه بين الناس واستسهالهم له لا تسأل عن الزاني: لم زنى؟ وأعداد اللقطاء عند المساجد والأسواق لا تخفاكم، ولا تسأل عن السارق: لم سرق؟ ونستورد ثقافة تصور السارق في صورة الداهية الذكي، ولا تسأل عن المرابي: لم وقع في الربا؟ ومعاملات المصارف المحادة لله ورسوله لا عد لها ولا حصر، وإذا تأخر المطر لا تسأل: لم تأخر؟ وإذا نزل وكان وبالا ونقمة وعذابا لا تسأل: لم كان كذلك؟ فقد كثر الخبث وقل الصالح في نفسه المصلح لغيره ومجتمعه وبلده، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

بارك الله لنا ولكم في الوحيين، وأستغفر الله العلي العظيم

الخطبة الثانية:

أما بعد:

عباد الله: لقد شاهدنا جميعا بكل أسى وحسرة ما حل بإخواننا في مدينة جدة من أمطار حملت في طياتها سرورا وأحزانا، سرورا لأن المطر في أصله نعمة من الرزاق الكريم، ولربما صيره القادر القدير نقمة وعذابا ليتوب تائب ويرجع لاهي.

إن ما حصل يعتبر عبرة لنا ولهم، وإن الكلام الكثير في الأسباب المادية لهذه الكارثة، أعني سوء التصريف والبناء في مصاب الأودية وغيرها من أسباب مادية، إن الحديث عن هذه الأسباب بمفردها يعتبر حديثا ناقصا، فما هذه الأسباب المادية الآنفة إلا أسباب ظاهرية، وما كانت هذه الكوارث لتحدث إلا لأجل أسباب تقع خلف سطور الأسباب المادية، ولن يقرأ ما خلف السطور إلا أصحاب القلوب الأوابة، القلوب التي إذا أذنبت استرجعت وبكت، القلوب التي تخاف الله فيما استرعاها من أمانة ومسؤولية، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ).

ومن تأمل في هذه الآية يجد أن الحليم الغفور سبحانه يجازي عباده بالبلاء لأجل معاصيهم، بل لأجل بعض معاصيهم؛ لأن الحليم يعفو عن كثير من ذنوبنا فلا يؤاخذنا بها، وأقرأ يا كريم إن شئت: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى).

إننا في حديثنا هذا لا نتهم أحدا بفجور أو فسق أو انحلال، ونزعم أننا لسنا واقعين تحت ذمه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "من قال: هلك الناس فهو أهلَكَهم" أو قال: "أهلَكُهُم" رواه مسلم؛ وذلك لأننا نتكلم عن نفس بشرية وهي عرضة للخطأ والزلل، ومن الخطأ والغش للمجتمع أن نصوره بأنه مجتمع ملائكي يعبد الله ما أمره ويفعل مايُؤمر، وبالطرف المقابل يكون الخطأ إذا صورنا المجتمع بصورة بشعة منحلة وكأننا في مجتمع شيطاني، ومن تأمل خلق الله في هذا الكائن الضعيف -أعني الإنسان- يجد أنه يجمع صفات الخير والشر والصواب والحق، وفي مثل هذه الأحوال يحسن أن يقال للمجتمع إذا أحسن: أحسنت، وإذا أخطأ أن يقال له: جانبت الصواب.

وخلاصة الحديث -يا رعاك الله-: كن سدا منيعا في وجه هذا الخبث، تفقد أوامر الله في أهلك وبيتك، كن ناصحا لله لكل مقصر من المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة بينك وبينه حتى وإن كان مسؤولا أيا كان مركزه عبر المشافهة أو إرسال رسالة طيبة مهذبة تذكر فيها بعضا من حسناته وتنبه بها على بعض الزلل، ومن نعمة الله أن وسائل المراسلة متعددة: (بريد عادي، وبريد إلكتروني، وصفحات تواصل اجتماعي، فيسبوك، وبرقيات عاجلة)، كل ذلك هو واجبنا نحن كأفراد وحق لغيرنا علينا، حق لولاتنا الذين لا يألون جهدا فيما فيه خير البلاد والعباد، ونصح لكتاب الله ورسوله، وإبراء لذمتك أمام الله تعالى، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فإذا ذهب الأمان الأول وهو وجود النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا أقل من أن نتشبث بالأمان الثاني وهو الاستغفار.

نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله.

اللهم اجعل ما أنزلت على بلادنا من مطر نافعا مباركا وبارك فيه يا رب العالمين. اللهم اكشف الضر عن المتضررين، واجبر كسر المنكسرين، وكن في عون المنكوبين، وتجاوز عن المسيئين، وهبهم يا وهاب للمحسنين، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا...