العظيم
كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
إن من طبيعة هذا الدين العظيم أنه إذا لم ينصره أهله نصره الله، فبالرغم من ضعف المسلمين، وتعرض الإسلام المستمر لكيد الأعداء في الداخل والخارج، إلا أنه ينفذ إلى القلوب بصورة عجيبة، وينال إعجاب العقول السليمة في شتى بلاد الأرض. لقد شنوا حربا على الحجاب، وحاولوا تشويهه في أذهان النساء، بل في بعض البلاد العربية، مع...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
تقول إحدى المنتكسات من التدين إلى الليبرالية، والانتكاس بهذا الشكل لا يكون إلا لمن تدين وهو متردد، أو لمن التزم ظاهرا وفي قلبه بداية المرض.
تقول وهي أستاذة جامعية، وكما ذكرت سابقا الليبرالي من أصل مسلم مشكلته، أو مرضه هو ال:"أنا"، أو تضخم الذات، تجده قرأ كثيرا في مذهب ما يسمى بالشك المطلق، لبعض فلاسفة الغرب في القرن الثامن عشر، والذي كان موجها حتى للإيمان، ولم لا، فكل شيء قابل للشك والطعن، وبالتالي قابل للنقاش، ولو كان أكبر المسلمات، ولو كان من صميم الثوابت، وتجد هذا الليبرالي في مسار تاريخه، حتى وصل إلى هذا الفكر، قرأ من غصت به المكتبات الغربية، وحتى العربية من تاريخ تمرد المفكرين الأوروبيين على سلطة الكنائس، وأعجبته جرأة تجربتهم، أو كفاحهم في مقاومة المورثات التقليدية، القائمة على عصمة الكنيسة، وأعجبه استكبارهم على تعاليمها الظالمة، وخروجهم على المألوف، وتعاملهم مع عقيدة الخلق، وفلسفتهم ونظرتهم العقلية المجردة، فهم يؤمنون بالله، ولكنه إيمان خاص بهم، حيث قالوا: أن الله خلق الكون، ثم تركه يدور كما هو دون تصرف لاحق منه -جل وعلا-، وكذلك الإنسان منحه العقل ثم تركه وشأنه ليستغل قدرته العقلية في الفهم والاستنباط في كل شيء، حتى في دينه!.
فالليبرالي لا يرضى لأحد أن يملي عليه مفهوما، أو معتقدا، كائن من كان، لا مجال للتسليم والإذعان إلا من خلال قناعته الشخصية.
أسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الحق.
والآن قارنوا: تقول تلك الأستاذة الجامعية في مقابلة معها لما سئلت: ما الذي حملك على أن لا تعودي تقتنعين بذلك؟ يقصد تغير قناعتها السابقة بالحجاب حيث كانت تلبس الحجاب من قبل والحجاب المقصود به غطاء الرأس.
تقول: "أعتقد أني تطورت ونضجت وتفكرت!" يعني فكرت بمعزل عن نصوص القرآن، وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-.
هل بالفعل الإسلام ينظر للمرأة هذه النظرة؟ يعني أنها عورة.
تقول: إذا كان الإسلام ينظر للمرأة هذه النظرة، كيف يكون هو ثورة في وضع حقوق المرأة؟ يعني روح النص وجوهره يتنافى مع فكرة العورة والجسد.
فلما سألها السؤال الطبيعي: هل رجعت للتراث والموروث الديني لتبحثي عن أسئلتك خلال هذه التجربة؟
قالت: ليس مطلوب مني أن أنفذ حرفية الدين، أو أكون عبدا للحرف مهما كان، ولا لتفسير، ولا لتأويل أحد.
نعم هذه هي عقيدة الليبرالي، حتى نفهم طريقة تفكيره، فعقله وذوقه هو مرجعه، لقد استبدلت هذه المرأة صريح مدلول الآيات في كتاب الله، واستبدلت حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأقوال صحابته، وأقوال التابعين لهم بإحسان، وأقوال كبار علماء الإسلام على مدى العصور، وما أجمعت عليه الأمة قاطبة، استبدلت هذه الأصول كلها، وجعلت مرجعها عقلها المجرد، فعقلها هو الذي يفسر المعنى، وذوقها هو الذي يحدد الصحيح والخطأ، وفكرها وتصورها هو الذي يحكم على نصوص الشريعة.
تقول معترضة على الأحكام الشرعية: "إن استخدام المرأة في المسألة الفقهية باب يجب أن يغلق، ويفتح بدلا منه باب الحقوق المدنية، يجب أن تترك التأويلات الفقهية بين العبد وربه".
وتقول: "لا معنى للرقابة الفقهية الموجودة حاليا على كل القنوات التليفزيونية التي تحلل وتحرم، طول الوقت، نحن لسنا في حاجة لفقه جديد، بل لفصل الفقه والتكلم في الحقوق المدنية".
وتقول: "أحسست بأن الحجاب أصبح شكلا خارجيا، بلا مضمون، خصوصا أنه حصلت لي تغيرات فكرية كثيرة، فلم أعد مقتنعة بأنني عورة، أو أصلح للتعامل مع نفسي بهذا الشكل، أصبحت أرفض الحجاب، وأرفض فكرة أنني عورة".
يا أخوة: من أعظم من قال أن المرأة عورة، أو أشار إلى ذلك المفهوم الذي ترفضه هذه المرأة؟ من؟ من أيها الأخوة؟
إنه الله -جل في علاه-، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
الله -تعالى- في قوله تعالى: (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء)[النــور: 31].
وقوله جل وعلا: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ)[الأحزاب: 53].
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ)[الأحزاب: 59].
وغيرها من الآيات.
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "المرأة عورة وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان..." الحديث [رواه ابن حبان والترمذي وابن خزيمة والطبراني وغيرهم].
فمشكلة هؤلاء يستكبرون على النصوص الشرعية، وتضخم الذات، وتقديس العقل، ولهذا اختار المحرر أن يكون عنوان الموضوع فلانة، وذكر اسمها، والتمرد على القالب، وضريبة إعمال العقل، أي ممارسة الجدل الفلسفي العقلي للقبول أو الرفض فيما لا دور للعقل فيه، إلا التأمل والفهم.
الليبرالي فيلسوف مستكبر بعقله كما كان شأن المعتزلة والجهمية، يقول شيخ الإسلام في معرض كلامه عن الجهمية والقدرية من المعتزلة "فصار أولئك يتكلمون في تأويل القرآن برأيهم الفاسد، وهذا أصل معروف لأهل البدع، أنهم يفسرون القرآن برأيهم العقلي".
وقال أيضا فيمن قدسوا الرأي العقلي: "يجعلون العقل وحده أصل علمهم، ويفردونه، ويجعلون الإيمان والقرآن تابعين للعقل، والمعقولات عندهم، هي الأصول الكلية المستغنية بنفسها عن الإيمان والقرآن".
قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: "لا يكاد أحد نظر في الرأي، أي فيما لا مجال للرأي فيه من المسلمات والثوابت -إلا وفي قلبه دغل، أي فساد وكبر وريبة.
لقد أراد الله -تعالى- من بداية كتابه العزيز أن نتربى على التسليم لأمره، حتى فيما صعب إدراك حكمته، نجد في بداية القرآن لما تساءل الملائكة عن خلق الله -تعالى- للإنس بتعجب: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)[البقرة: 30].
عاتبهم على مجرد تساؤلهم، قائلا سبحانه: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 30].
وحذر من الاستكبار على أمره وحكمه، وضرب لنا مثلا من بداية القرآن أيضا بإبليس حين قدم عقله على أمر الله له بالسجود لأدم، قائلا: (أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)[الأعراف: 12] فطرده من رحمته.
فالله يبغض الكبر، ويحب التسليم والاذعان والخضوع من عباده؛ لأن التسليم هو لب العبادة، ولهذا سمانا بنفسه جل وعلا المسلمين؛ لأنه يحب هذا الاسم: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ)[الحـج: 78].
وسمى دينه الذي أنزله على رسله الإسلام؛ لأنه يحب هذا المسمى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)[آل عمران: 19].
بل لقد أثنى الله -تعالى- على الخليل العاقل الحكيم نبيه إبراهيم -عليه السلام- صاحب الذكاء والفطنة لخصلة تميز بها، وهي التسليم والاذعان لله الديان، في أوامر صعبة على العقل قبل أن تكون صعبة على النفس.
التسلم ولو لم يدرك الحكمة؛ لأن التسليم لأمر الله هو جوهر الإسلام، ولهذا أثنى عليه جل وعلا، لقد امتحنه في ترك زوجته هاجر مع ابنه الرضيع في وادي غير ذي زرع، ولا إنس ولا حس، فصبر وسلم.
ثم امتحنه في أمره له بذبح ابنه العزيز إسماعيل فصبر وسلم، قال تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [البقرة: 131].
ولا يعني هذا أن الإسلام ألغى العقل، أو حط من قدره، كلا، بل على العكس الإسلام كرم العقل، فقد جعله مناط للتكليف، ووجه إليه الخطاب الشرعي، وحرم الاعتداء عليه، وإلحاق الضرر به بتحريم المسكر، وكل ما خامره وغطاه، وأثنى على أصحاب العقول الراجحة الذين يحسنون استخدام عقولهم، فيما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم، وجعل العقل دليلا على العلم، وجعله صفة لأهل العلم: (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت: 43].
وذم الذين ألغوا عقولهم بتقليدهم الأعمى للآباء: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) [البقرة: 170].
ولكن في الوقت ذاته جعل للعقل حدودا يقف عندها، ويحترمها ويفهمها، ويقبل بها، ويدرك إمكان حدوثها، ولكنه لا يجاوزها، كالغيبيات وكنه العبادات.
ولعل في هذا تذكيرا للإنسان بضعفه أمام خالقه، وحاجته إليه، ولا ريب في كون هذه الحدود التي يجب أن يقف عندها العقل، ابتلاء له بالخضوع والتسليم، فهؤلاء الليبراليون الذين ينتسبون للإسلام، وغيرهم ممن قدم عقله وفكره، هؤلاء خالفوا جوهر الإسلام، وهو التواضع لله، والتسليم لدينه، والخضوع للنص الشرعي.
وتلك المرأة عندما، قالت: "ليس مطلوبا مني أن أنفذ حرفية الدين، أو أكون عبدا للحرف مهما كان"، يعني تريد أن تفصل الدين حسب ذوقها وفكرها.
هذه المرأة هي مثال واضح لعقلية الليبرالي، وجانب من جوانب عقيدته.
وليت الأمر وقف عند هذا الحد، ليتهم لما تبنوا عقيدتهم تلك قصروها على ذواتهم، لا، إن لهم سعيا واضحا في التبشير بتلك العقيدة، وفرضها على المجتمع المسلم تدريجيا، بل تجد في معظمهم بالإضافة إلى الكبر والاستعلاء والاعتداد بالعقل، والغرور الأكاديمي، أو الثقافي -إن صح التعبير- تجد منهم احتقارا للفكر الديني التقليدي، كما يحلو لكثير منهم تسميته.
وتجد وقاحة وافتراء وسوء أدب، فهم يتهمون المتدينين المنادين بتطبيق حكم الشريعة باستغلال الدين لأجل مصالحهم الشخصية، وأهدافهم المشبوهة.
طبعا الليبراليون بعيدون عن ذلك كل البعد، لا عندهم مصالح شخصية، ولا أهداف مشبوهة.
ويصفون المصلحين الآمرين بالمعروف بالتخلف والرجعية والتحجر والتطرف وغيرها من الألقاب، وقد استأسدوا في الفترة الأخيرة، ووصلت الجرأة والوقاحة بإحداهن، أن وصفت فيه إحدى فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة بأنها أي تلك الفتوى: "إرهاب نفسي" تنشر ذلك الوصف بكل تحدي، ولا مبالاة في صحيفة محلية.
وأخرى وصفت فتوى أخرى لأحد أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء بأنها: "إرهاب فكري".
وآخر يهاجم المناهج المدرسية السعودية، ويدعي أن فيها ما يغذي الإرهاب، ويدعو للكراهية.
ووصل التطرف الإعلامي حده عندما تهجمت إحدى الصحف المحلية عبر أحد محرريها على أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، زاعمة أنه هو صاحب أيدلوجية التكفير.
فهم ما زالوا وسيتمرون حرباً مفتعلة على كل ما هو محافظ، ويدعو إلى الإسلام بالشرع، وسيظلون حربا على الدعوة السنية، على منهج الصحابة والتابعين، وحربا على مناهج التعليم الدينية، وعلى مراكز الهيئة ولجانها، وعلى المراكز الصيفية الطلابية، وعلى حلق تحفيظ القرآن، وعلى غيرها من الجهات الخيرية، إضافة إلى حربها على رموز الصحوة المباركة.
وهم في نفس الوقت دعاة إلى تحرير المرأة المسلمة، وخروجها، واختلاطها وانفلاتها من قيود العفة والحياء والحجاب، والولي والمحرم، وغيرها من وصايا الشرع الراعية للفضيلة.
ودعاة إلى فصل الدين عن السياسة، وعن الاقتصاد، وعن الإعلام، وعن التعليم، وعن جميع أوجه التنظيم المدني.
ولكن يبقى أن نقول بكل ثقة: هذا الدين العظيم قوي صامد، لا يضره كيد مبطل، ولا حسد عدو: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة: 32].
أيطفئ نور الله نفخة فاجر | تعالى الذي بالكبرياء تفردا |
ومن خاصم الرحمن خابت جهوده | وضاعت مساعيه وأتعابه سدى |
وكيف يقوم الظلم في وجه شرعة | تسامت على كل الشرائع مقصدا |
أسأل الله أن يحفظ علينا ديننا، وأهلينا وأولادنا، وأمننا، وسائر بلاد المسلمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فقد اطلعت على فيلم وثائقي عن عدد من الأسر الأمريكية المسلمة في واحدة من أشد الولايات تعصبا للنصرانية، إنها أسر بيضاء شقراء أمريكية الولادة والمنشأ، أسلمت بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر، دفع الفضول رب الأسرة وهو شاب في الثلاثينات في القراءة عن الإسلام، ومن كتاب إلى آخر، حتى شرح الله صدره لنور الإيمان، فآمن وآمنت، سوى أبيه وأمه.
وفي ظل أعظم فقرة في ذلك الفيلم الوثائقي عندما دار نقاش عابر بين ذلك المسلم الأمريكي وزميل له قس نصراني متعصب حيث قال النصراني لذلك المسلم: "سوف تعود لأصلك يوم ما" أي تعود للنصرانية، فرد عليه المسلم: "كنت هناك من قبل فقد جربتها".
وذلك النصراني يكرر عليه: "سوف تعود، سوف تعود" فسكت المسلم قليلا حتى سكت النصراني، ثم رفع المسلم بصره إلى ذلك القس النصراني وبلهجة هادئة، قال له: "لقد وجدت في الإسلام كل ما كنت أتمنى أن أجده في النصرانية" فصمت القس.
إن من طبيعة هذا الدين العظيم أنه إذا لم ينصره أهله نصره الله، فبالرغم من ضعف المسلمين، وتعرض الإسلام المستمر لكيد الأعداء في الداخل والخارج، إلا أنه ينفذ إلى القلوب بصورة عجيبة، وينال إعجاب العقول السليمة في شتى بلاد الأرض.
لقد شنوا حربا على الحجاب، وحاولوا تشويهه في أذهان النساء، بل في بعض البلاد العربية، مع الأسف قاموا بحملة اعتداء على الحجاب، ومنع المحجبات من دخول المدارس والجامعات، وصدرت الأوامر الرسمية إلى مدير المدارس والمعاهد والكليات بمنع دخول كل فتاة ترتدي ما تسميه السلطات اللباس الطائفي، وقاموا -لا بارك الله فيهم- بنزع الحجاب عنوة من فوق رؤوس التلميذات المحجبات.
أما في معظم البلاد الأوربية فقد سنت القوانين للتضييق على كل مسلمة محجبة، طالبة كانت أو عاملة، ومع كل هذا الكيد، وخلافا لكل التوقعات، يا سبحان الله، تزايدت شعبية الحجاب، وتعاظم إقبال الفتيات والنساء عليه، أمام دهشة الأعداء.
ثم وصل نور الإسلام حتى إلى قلوب اللاعبين العالميين، ويفاجئ الأوروبيون بإسلام النجم الفرنسي فلان، واسلام فلان البرازيلي، وفلان الهولندي، وفلان الألماني، سبحان الله.
وتأسر الصحفية العالمية البريطانية، ثم يطلق سراحها بشرط أن تعد بقراءة القرآن، فتفي بوعدها بعد فترة من إطلاق سراحها، فتقرأ، فماذا جرى لها بعد ذلك؟
دخلت في الإسلام طوعا، وبكل قناعة، وليس ذلك فحسب، بل وأصبحت داعية للإسلام، تقول في ردها على العقلانيين هؤلاء التنويريين من دعاة تطوير الشريعة المطالبين بفقه جديد يحاكي العصر، ترد هذه البريطانية تقول: "هذا خطأ، انظروا ماذا حدث في الدين المسيحي عندما أرادوا تقريب الناس من الدين عن طريق التنازل عن المسلمات، وموافقة الناس على أهوائهم وشهواتهم، الآن يقرون الشذوذ، بل إن الشذوذ واقع في داخل الكنيسة، وهكذا سنخسر ولن نربح".
أيها الأخوة: يا أبناء الإسلام: هل لنا في استشعار عظمة الإسلام؟ هل لنا في اعزازه كي نعز؟ هل لنا في نصره كي ننتصر؟ هل لنا في المحافظة عليه كي تحفظ أعراضنا؟ هل لنا في التمسك به كي ننجو ونفوز؟
وليس غريباً ما نرى من تصارع | هو البغي لكن بالأسامي تجددا |
فقل لحماة الظلم من حلفائهم | لنا العهد نحميه ونمضي على هدى |
لها من ذويها الصالحين عزائم | تفض القوى فضا ولو كن جلمدا |
بلاد أعزتها سيوف محمد | فما عذرها أن لا تعز محمدا |
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...