الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
العربية
المؤلف | أسامة بن عبدالله خياط |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصيام |
فيا عباد الله إن مما يتعين على الصائم وهو يودع شهر رمضان، أن يذكر أن أبواب الخير التي فتحت في رمضان لم توصد برحيله، وأن ميادين الطاعات التي تنافس فيها المتنافسون لم تغلق أو تعطل بانتهائه، فإذا كان صيام رمضان قد شارف على انتهاء فإن عبادة الصيام باقية، فهذا صيام ست من شوال ..
الحمد لله الذي كتب على عباده فريضة الصيام، وجعلها ركنا من أكان الإسلام، أحمده سبحانه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرشد إلى كل سبيل موصلة إلى الجنة دار السلام، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه صلاة دائمة ما تعاقبت الليالي والأيام.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
أيها المسلمون: إن وقفة الوداع مثيرة للوجدان مهيجة للأحزان؛ لأن فيها فراق المحبوب وحرمانا من التنعم بقربه، والحظوة ببره ومرضاته، مع خشية من أن تكون آخر العهد به حين يقعد به الأجل عن بلوغ الأمل فيتجدد لقاؤه، وهذا رمضان الذي استقبلناه بالأمس القريب، قد آذنت شمسه بمغيب، وشارفت أيامه الغر على الرحيل؛ فهل نودعه بما يظهره بعضنا من فتور همة وخمول عزيمة وترقب لانتهاء زمنه؛ رغبة في الفرار من رهقه والخلاص من نصبه وحرمانه؟! أم نودعه بما كان يودعه أولي الألباب من عباد الله والصفوة من خلقه، السائرون على نهج سلف هذه الأمة وخيارها، أولئك الذين جمعوا بين الاجتهاد في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، وبين الاهتمام بعد ذلك بقبوله والخوف من رده، إن مثلهم كمثل الذين قال الله فيهم: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون:60].
إنه الهم الذي عبر عنه بعض السلف بقوله: " أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا وقع، وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا " ولذا كانوا كما قال بعض السلف –أيضاً-: " كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم ".
وجاءت الوصية بالاهتمام بهذا الأمر وعدم إسقاطه من حساب كل مجتهد في العمل؛ ففي كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " كونوا لقبول العلم أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27]، وروي عنه رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة في شهر رمضان: " يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه ".
إن وجه هذا الحرمان -يا عباد الله- لأنه لما كثرت أسباب المغفرة في رمضان من صيام وقيام وتفطير للصائمين وتخفيف عن المملوك، والصدقة والصلة والتلاوة والذكر وغيرها، كان الذي تفوته المغفرة فيه محروم غاية الحرمان مبعداً غاية البعد؛ كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه وابن حبان في صحيحه بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: " آمين، آمين، آمين "، قيل: يا رسول الله إنك صعدت المنبر فقلت آمين، آمين، آمين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن جبريل أتاني فقال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر فأدخل النار فأبعده الله قل آمين، فقلت: آمين، قال: ومن أدرك أبويه أو أحدهما فمات فأدخله النار فأبعده الله قل آمين، فقلت: آمين، قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين، فقلت: آمين". اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد.
عباد الله: إن من أعظم ما يودع به الصائمون شهرهم ويختمون به صيامهم، الإكثار من كلمة التوحيد، لا إله إلا الله والاستغفار، فإن كلمة التوحيد كما قال الإمام ابن رجب -رحمه الله- " تهدم الذنوب وتمحوها محواً، ولا تبق ذنباً ولا يسبقها عمل، وهي تعدل عتق الرقاب الذي يوجب العتق من النار " ومن أتى بها أربع مرار حين يصبح وحين يمسي، أعتقه الله من النار؛ كما جاء في الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد حسن ومن قالها مخلصاً من قبله حرمه الله على النار، وأما كلمة الاستغفار فمن أعظم أسباب المغفرة فإن الاستغفار دعاء بالمغفرة، ودعاء الصائم مستجاب حال صيامه وحين فطره، وقد جمع الله بين التوحيد والاستغفار في قوله تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد:19].
والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها، تختم به الصلاة والحج وقيام الليل وتختم به المجالس، فإن كانت ذكراً كانت كالطابع عليها، وإن كانت لغوا كانت كفارة لها، فكذلك ينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار.
وكتب الخليفة الراشد عمر بن بعد العزيز رحمه الله كتاباً إلى أهل الأمصار يأمرهم فيه بختم رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر، وقال في كتابه هذا: " قولوا كما قال أبيكم آدم -عليه السلام-: (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23] وقولوا كما قال إبراهيم -عليه السلام-: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء:82] وقولوا كما قال نوح -عليه السلام-: (وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) [هود:47] وقولوا كما قال موسى -عليه السلام-: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) [القصص:16] وقولوا كما قال ذو النون -عليه السلام-: (لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87].
ألا وإن من أنفع الاستغفار وأرجاه ما كانت التوبة النصوح مصاحبة له؛ فإن المستغفر بلسانه مع كونه عاقدا العزم على العودة إلى المعصية بعد شهر رمضان، ليس مستغفراً على الحقيقة بل هو مخادع نفسه متبع خطوات الشيطان.
ومن أعظم ما يختم به الصائم شهره -أيضا- سؤال الله الجنة والاستعاذة به من النار؛ كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود وابن ماجة في سننهما -بإسناد صحيح- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: " كيف تكون في الصلاة؟ قال: أتشهد وأقول: إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما إني -والله- لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حولها ندندن ".
ولما كان الصائم ترجى إجابة دعوته لا سيما عند فطره فحري به أن يدعو بأهم الأمور وأعظمها وأجمعها لكل خير، ومنه تكبير الله تعالى وشكره عند إتمام عدة رمضان، فإنه لما كان كل من المغفرة والعتق من النار ثوابا مترتبا على الصيام والقيام، أمر سبحانه بتكبيره وشكره عند إكمال عدة رمضان فقال عز من قائل (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185].
فاتقوا الله -عباد الله- وأحسنوا وداع شهركم، واختموا بالحسنى فإن الأعمال بالخواتيم، واغتنموا ما بقي فإنما هي ليال وأيام قلائل، فأودعوها من الصالحات ما يكون خير شاهدا لكم يوم تقفون بين يديه سبحانه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمون من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الولي الحميد، الفعال لما يريد، وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبد الله ورسوله، صاحب الخلق العظيم والنهج السديد، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فيا عباد الله إن مما يتعين على الصائم وهو يودع شهر رمضان، أن يذكر أن أبواب الخير التي فتحت في رمضان لم توصد برحيله، وأن ميادين الطاعات التي تنافس فيها المتنافسون لم تغلق أو تعطل بانتهائه، فإذا كان صيام رمضان قد شارف على انتهاء فإن عبادة الصيام باقية، فهذا صيام ست من شوال الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كصيام الدهر، وهذا صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، وهذا صيام الأيام البيض من كل شهر، وهذا صيام يوم عرفة وصيام يوم عاشوراء، وصيام شهر الله المحرم الذي هو أفضل الصيام بعد رمضان، كما أخبر بذلك رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان قيام رمضان قد شارف على الانتهاء، فإن هذه العبادة العظيمة المباركة باقية لا انتهاء لها، وذلك في صلاة الليل التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها أفضل الصلاة بعد المكتوبة، ووعد عليها بالجزاء الضافي والأجر الكريم، فالموفق يا عباد الله من استدام على ما فتح له من خير في رمضان، ووقت رمضان هو وقت كل الشهور، ولا نهاية لعمل المؤمن دون الموت كما قال سبحانه: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99].
عباد الله: لقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علامات تعرف بها ليلة القدر، أكثرها لا يظهر إلا بعد انقضاءها؛ فجاء في الأحاديث الصحيحة المخرجة في الصحيحين ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن خزيمة ومعجم الطبراني وغيرها، ما حاصله أن الشمس تطلع من صبيحتها بيضاء لا شعاع لها، وأنها ليلة صافية بل جاء لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمراً ساطعاً، ولا يرمى فيها بنجم، وأن الملائكة فيها أكثر في الأرض من عدد الحصى، وتفتح فيها أبواب السماء.
على أن هناك جملة من العلامات يتناقلها ويلهج بها بعض من الناس، لكن لا صحة لشيء منها، ولم يثبت فيها حديث عن الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، ومنها أن الأشجار في تلك الليلة تسجد إلى الأرض ثم تعود إلى منابتها، وأن كل شيء يسجد فيها، وأن المياه الملحة تعذب فيها، وأن الكلاب لا يسمع لها نباح فيها، كل ذلك لا صحة ولا أصل له، ولا يجوز الاشتغال به ولا روايته إلا على وجه البيان له والتحذير منه، لئلا يغتر به ويركن إليه، والسعيد حقاً من كان همه إحياء هذه الليلة المباركة الشريفة، مستنا في ذلك بسنة خير الورى صلى الله عليه وسلم، ملتزما فيها بهديه عليه الصلاة والسلام، غير مشتغل بغير ذلك من العلامات وغيرها إذ هي مبشرات لمن أحسن العمل وأخلص القصد واجتهد في الإحياء، ولا يشترط العلم بها لحصول الثواب المعود به لمن أحياها.
فاتقوا الله عباد الله واختموا شهركم خير ختام وصلوا وسلموا على خير الأنام، فقد أمرتم بذلك في أصدق الحديث وأحسن الكلام، حيث قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خير من تجاوز وعفا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم الله أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر أعداء الدين وسائر الطغاة والمفسدين، وألف بين قلوب المسلمين ووحد صفوفهم، وأصلح قادتهم واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، وهيئ له البطانة الصالحة ووفقه لما تحب وترضى، يا سميع الدعاء، اللهم وفقه وولي عهده، اللهم وفقه وولي عهده، إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، يا من إليه المرجع يوم التناد.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا واختم بالصالحات أعمالنا.
اللهم إن نسألك أن تكفينا أعداءك وأعداءنا بما شئت يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تكفينا أعداءك وأعداءنا بما شئت يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلك في نحور أعداءك وأعداءنا ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائك وأعدائنا ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائك وأعدائنا ونعوذ بك من شرورهم، اللهم احفظ هذه البلاد عزيزة بعز الإسلام، حائزة كل خير سالمة من كل شر وسائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخر حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.