البحث

عبارات مقترحة:

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

دواء الهم والغم والحزن

العربية

المؤلف محمد البدر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. دعاء الهم والغم والحزن .
  2. وسائل علاج ودفع الهم والغم والحزن .
  3. الواجب نحو نُزلاء السجون وأسَرِهم .

اقتباس

عباد الله: هذا الدعاء يتضمَّن أربعة أصول عظيمة لا تتحقق للعبد السعادة، ولا ينجلي عنه الهم، أو الغم، أو الحزن، إلا بتحقيقها والإتيان بها: أما الأصل الأول: فهو تحقيق العبادة لله -جل وعلا- وتمام الانكسار له، والذّل بين يديه، والخضوع له سبحانه، واعتراف العبد بأنه مملوك لله مربوب له مخلوق له يدبره الله -عز وجل-، ويتصرف في...

الخطبة الأولى:

عباد الله: قال تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة: 10].

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلاَ حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِي حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِي قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّى، إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً".

وفي رواية: "وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحاً" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ، قَالَ: "أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ"[رواه أحمد وصححه الألباني].

فهي كلمات عظيمة ينبغي على المسلم أن يتعلمَّها، وأن يسعى في قولها عندما يُصاب بالهمّ، أو الغم أو الحزن.

عباد الله: وهذا الدعاء يتضمَّن أربعة أصول عظيمة لا تتحقق للعبد السعادة، ولا ينجلي عنه الهم، أو الغم، أو الحزن، إلا بتحقيقها والإتيان بها:

أما الأصل الأول: فهو تحقيق العبادة لله -جل وعلا- وتمام الانكسار له، والذّل بين يديه، والخضوع له سبحانه، واعتراف العبد بأنه مملوك لله مربوب له مخلوق له يدبره الله -عز وجل-، ويتصرف في شؤونه كلها، وهذا نأخذه من قوله عليه الصلاة والسلام: "اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ".

فالكل مماليك لله، والكل مربوبون له، هو خالقهم، وهو سيدهم، وهو مولاهم، وهو مدبر شؤونهم، لا مالك لهم إلا الله، ولا خالق لهم إلا الله ولا مدبِّر لشؤونهم، إلا الله -سبحانه وتعالى-، ولهذا فإن العبد يذل لله، ويخضع بين يديه، وينكسر لعظمته، وجلاله وجماله وكماله.

والأصل الثاني: أن يؤمن العبد بقضاء الله وقدره، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه سبحانه لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ) [فاطر: 2].

وهذا مستفاد من قوله:"نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِي حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِي قَضَاؤُكَ".

فناصية العبد وهي مقدَّمة رأسه بيد الله -عز وجل- يتصرف فيه تبارك وتعالى، كيف يشاء ويحكم فيه بما يريد لا معقِّب لحكمه سبحانه، ولا راد لقضائه، ولهذا قال: "مَاضٍ فِي حُكْمُكَ".

فحكم الله ماض، وقضاؤه ماض ولا يرده راد مهما فعل العبد، فما قدره الله كان ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولهذا لابد على العبد أن يؤمن بقضاء الله وقدره وبمشيئته النافذة وقدرته الشاملة التي شملت كل مخلوق.

والأصل الثالث: أن يؤمن العبد بأسماء الله الحسنى وصفاته العظيمة الواردة في كتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ويتوسل إلى الله بها.

قال تعالى: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأعراف: 180].

ويقول تعالى: (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) [الإسراء: 110].

والعبد كلما كان عظيم المعرفة بالله، وبأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، زادت خشيته لله، وعظمت مراقبته له، وازداد بعداً عن معصيته، والوقوع فيما يسخطه.

والله -جل وعلا- يقول: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) [فاطر: 28].

ولهذا مما يطرد الهم والغم والحزن أن يعرف العبد ربه، ويعرف أسماءه وصفاته، ويتوسل إليه سبحانه بها، وهذا مستفاد من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ".

والأصل الرابع: العناية بالقرآن الكريم كلام الله -عز وجل- الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه الذي فيه الهداية والشِّفاء والغنية والكفاية والسداد: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)[الإسراء: 9].

وكلما كان العبد عظيم العناية بالقرآن الكريم تلاوة وحفظا ومذاكرة وتدبرا وتطبيقا كان ذلك من أعظم أسباب انشراح صدره، وذهاب همه، وانجلاء حزنه وغمّه، وهذا مستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام: "أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّى".

فهذه -عباد الله- أصولٌ أربعة مستفادة من هذا الحديث العظيم ينبغي علينا أن نتأملها، وأن نسعى في تطبيقها، وأن نحفظ هذا الدعاء المبارك الذي أرشد إليه نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ودل الأمة عليه، بل رغّب في حفظه وتعلمه.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

عباد الله: اعلموا أنَّ رِعايةَ نُزلاءِ السجون والإصلاحيات واجبٌ دينيٌّ واجتماعيٌّ، فقد وَصَفَ اللهُ أفرادَ المجتمعِ المسلمِ بقولِه: (رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) [الفتح: 29].

وصفهم صلى الله عليه وسلم بأنهم كالجسدِ الواحدِ، فقال: "تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ؛كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"[رواه البخاري].

وَحَكَمَ صلى الله عليه وسلم بالخَيْبةِ والخُسْرانِ عَلَى مَن فَقَدُوا الرحمةَ بِبَنِي الإنسانِ، فقال: "خَابَ عَبْدٌ وَخَسِرَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ رَحْمَةً لِلْبَشَرِ"[حسنه الألباني].

فالرحمةُ تَقْتَضِينَا أنْ نأخذَ بِيَدِ نُزلاءِ السجون والاصلاحيات نَحْوَ غَدٍ أفضل، وذلكَ بِتذليلِ الصِّعابِ، وتوفيرِ احتياجاتِهم، ومَدِّ جُسُورِ التَّفَاهُمِ والتَّوَاصُلِ، وتعزيزِ أَوَاصِرِ الأُخُوَّةِ والتَّرَاحُمِ، ومُوَاساتِهم بالكلمةِ الطَّيِّبَة، والنَّظْرَةِ الحانِية، وتشجِيعهم على الخروجِ مِن مِحْنَتِهم حتَّى لا تَزِلَّ قَدَمٌ بعدَ ثُبوتِها -والعِيَاذُ بالله-.

قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2].

وقال صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[متفقٌ عليه].

واحذروا -عِبَادَ اللهِ- مِنْ نَبْذِ أو إِهمالِ أُسَرِ النُّزَلاءِ مِنْ أَجْلِ ما ارتكبَوه؛ لِأنَّ المسؤوليةَ في الإسلامِ فردية، والعُقوبةَ شخصية، ولا يَتحمَّلُ أَحَدٌ ذَنْبَ أَحَدٍ، فقد قال تعالى: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)[الأنعام: 164].

ولْنتعاونْ مع السجون والاصلاحيات في سبيلِ تأهيلِ وإصلاحِ النُّـزَلاءِ، والأَخْذِ بأيدِيهم نَحْوَ غَدٍ أَفضل، ولْنَكُنْ مَفاتيحَ للخيرِ مَغاليقَ للشر، ولْنَرْحَمْ أَهْلَ البَلاءِ، ولْنَحْمَدِ اللهَ علَى العافيةِ.

هذَا وصلُّوا وسلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بالصلاةِ والسلامِ عليهِ، قَالَ تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].