الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | محمد ويلالي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
فالمسلم يسأل الله تعالى في كل حين أن يجري الحق على لسانه، في النصح للناس، وتبليغ دين الله؛ لأنه أصل الدين، وعليه مداره. قال عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: "بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ -السهل والصعب- وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ". مسلم.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه، بعثه اللهُ تعالى على حين فترةٍ من الرسل وانقطاعٍ من السبل؛ فهدى به من الضلالة, وبصَّر به من العمى, وجمع به بعد الفُرقة، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى صحبه أجمعين.
أما بعد:
تحدثنا -ضمن سلسلة من محاسن الدين الإسلامي- عن ضرورة حب المساكين، وعن تعظيم نعم الله والرضا بعطائه، وعن صلة الرحم، وعن العفة.
ونريد أن نقف اليوم عند بعض معاني الثبات على الحق، انطلاقًا من الحديث الذي جعلناه منطلقًا لهذه المحاسن، وهو حديث أبي ذر -رضي الله عنه- الذي نقل لنا فيه مجموعة من وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- له، ومنها قوله: "وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم".
إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الخالق، يقلبها كما يشاء، كما في حديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا لأَكْثَرِ دُعَائِكَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ: ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ؟!". قَالَ: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ: إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلاَّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ". فَتَلاَ مُعَاذٌ: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا). صحيح سنن الترمذي.
فالمسلم يسأل الله تعالى في كل حين أن يجري الحق على لسانه، في النصح للناس، وتبليغ دين الله؛ لأنه أصل الدين، وعليه مداره. قال عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: "بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ -السهل والصعب- وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ". مسلم.
فهذه وسائل الإعلام المختلفة تطلع علينا في كل يوم بتحليقات جديدة، يتفنن أصحابها في معارضة الدين، والطعن على أصحابه المسلمين، والدعوة إلى الرذائل التي تفسد شبابنا، وقلّما نجد من يرد كيدهم بالحجة، إحقاقًا للحق، ودمغًا للباطل.
لقد لقي سلفنا من صنوف العنت والاعتداء الشيء الكثير حتى أوصلوا إلينا أمانة الدين كاملة غير منقوصة، وما غيرت أمواج المناوءة والمناكفة من ثباتهم شيئًا.
فقد خرج أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في بداية الدعوة إلى قريش، وعزم على أن يسمعهم كلمة الحق، فخطب فيهم بالإسلام، وكان أول خطيب يدعو إلى الله ورسوله، فتناوله الأعداء بالضرب المبرح على جسده ووجهه، حتى ما عرف أنفه من وجهه، فحملوه إلى بيته وما يشكون في موته.
وهذا أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- لما أسلم قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ارجع إلى قومك (غفار)، فأخبرهم حتى يأتيك أمري". فقال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ -قريش-. فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَامَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَضْجَعُوهُ، وَأَتَى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، فاستنقذه منهم، ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِ لِمِثْلِهَا، فَضَرَبُوهُ وَثَارُوا إِلَيْهِ، فَأَكَبَّ الْعَبَّاسُ عَلَيْهِ فاستنقذه منهم". متفق عليه.
ونقل ابن هشام أن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اجتمعوا يومًا فقالوا: "والله ما سَمِعَتْ قريش هذا القرآن يُجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟! فقال عبد الله بن مسعود: أنا. قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلاً له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه. قال: دعوني فإن الله سيمنعني. قال: فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، ثم قرأ: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" رافعًا بها صوته: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ) [الرحمن: 1، 2]، ثم استقبلها يقرؤها، فتأملوه، فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن أم عبد؟! قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد. فقاموا إليه، فجعلوا يضربونه في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون عليَّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها. قالوا: لا، حسبك، قد أسمعتهم ما يكرهون".
بهذه الشجاعة في قول الحق الإسلام انتصر، وبهذه الجبال الشوامخ الدين انتشر، وليس بالخضوع والخنوع، والانحناء عند أول هبة ريح. يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل". صحيح سنن الترمذي.
وإننا اليوم لفي أمس الحاجة لمثل هذه الشجاعة في الصدع بكلمة الحق، وبيان أن عزة المسلمين في دينهم، وليس في قوانين غيرهم، وأن حضارة الغرب ما هي إلا بريق زائل، وسحابة صيف عن قريب تقشع، فتكشف عن وجهها العنصري، المعادي لشريعة الإسلام: (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة: 2].
الغرب مقبرة المبادئ لم يزل | يرمي بسهم المغـريات الدينَ |
الغـرب مقبرة العدالة كلما | رفعت يد أبـدى لها السكينَ |
أنا لا ألوم الغرب في تخطيطه | لكن ألوم المسـلم المفتـونَ |
وألـوم أمتنا التي رحلت على | درب الخضوع ترافق التنينَ |
وألـوم فيـنا نخوة لم تنتفض | إلا لتضـربنا على أيـدينا |
وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنها تكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها". قالوا: يا رسول الله: كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟! قال: "تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم". قال الإمام النووي: "معناه: نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر في كل زمان ومكان، الكبار والصغار، لا نداهن فيه أحدًا ولا نخافه".
بعض الناس يفقدون كلمة الحق، وتستحيل عندهم باطلاً يرمون به غيرهم ظلمًا وعدوانًا، ولأسباب دنيوية محضة.
فهذا عبد الله بن أبي كان يطمع في الرئاسة قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلمّا رأى ما صار عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من القبول عند الناس، انقلب إلى عدو يبحث عن النقائص والمثالب. فقد دعاه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقال: لا تغبروا علينا، إن كان ما تقول حقاً فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن عبادة: "أي سعد: ألا تسمع إلى ما قال أبو حباب -يريد عبد الله بن أبي-. قال: اعف عنه -يا رسول الله- واصفح، فوالله لقد أعطاك الله الذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البُحَيْرَة -المدينة- أن يتوجوه فَيُعَصِّبوه بالعصابة، ويجعلوه ملكاً عليهم، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك هو، شرق -غص- بذلك. فعفا عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-". مسلم.
الخطبة الثانية:
من وسائل الثبات على الحق أمور:
أولاً: الإقبال على القرآن الكريم، فهو حبل الله المتين، عصمة لمن امسك به، ومنجاة لمن عمل به. قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) [الفرقان: 32].
ثانيًا: التزام شرع الله والعمل به؛ قال الله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم: 27].
وكان سفيان الثوري -رحمه الله- يقول لإبراهيم بن أدهم: "يا إبراهيم: اسأل الله تعالى أن يقبضنا على التوحيد".
ثالثًا: ذِكْرُ الله؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال: 45].
رابعًا: الدعاء؛ قال تعالى: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8]، وقال تعالى: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 250].
خامسًا: اعتقاد أن النصر للمسلمين لا محالة، وأن المستقبل للإسلام.
سادسًا: صحبة العلماء والأتقياء والصالحين، الذين يدلون على الخير، ويحذرون من الشر؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه". سنن ابن ماجه.
وفي الحديث: "خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العيب". صحيح الأدب المفرد.