الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | مراد تارضا |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
تفشت صور الظلم واستطالت، وصدعت أنباؤها وتعاظمت، وبانت أحوالها وأحزنت. والله إن كثيرًا من العمال والأجراء يتغرب أحدهم عن أهله، قادمًا من القرى والمدن، ويفارق زوجته، ويهجر أبناءه، ويغادر أباه وأمه، وهم بأمس الحاجة إليه، ثم يعيش غريبا عنهم، بعيدا منهم، ثم يهلك جسمه، ويتلف أعصابه، وينثر عرقه، بل وأحيانا دماءه، كل ذلك من أجل أن يفرح نهاية الشهر بثمن بخس، دراهم معدودة يوزعها على والدين كبيرين، وامرأة بائسة، وصبية يتضاغون، و...
الخطبة الأولى:
الحمد لله مسبب الأسباب، وخالق البحر العباب، بث في الكون آيات عظمته ليتدبر ويتعظ أولوا الألباب، أحمده جل شأنه وأشكره، وعد عباده الصالحين المتقين عظيم الثواب، وتوعد المعرضين والمعاندين بأليم العقاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يخفى عليه ما ظهر للأعين وما عنها غاب.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله سيد ولد آدم بلا ارتياب، صلى الله عليه وعلى آله والأصحاب، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المئاب.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: واعلموا أنكم غدًا بين يدي ربكم موقفون، وعن أعمالكم محاسبون، وعلى تفريطكم نادمون، وإن خير ما تعدوه لذاك اليوم هو التقوى أخبر بذلكم ربكم إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
أيها الناس: استأجر رجلٌ أجيرًا على شغل ما، بذل العامل دمه ووقته، واستفرغ وسعه ونشاطه، واحتمل شدائد العمل إذا اشتدت الشمس، وسال العرق، والتهب الوجه، ولم يزل كادحًا لإنجاح الصنعة، وإتمام الشغل، فتم النجاح والإتقان، وحصل للأجير النصب والإعياء والضعف والارتخاء.
ذهب الأجير لاستلام أجره وحقه، فما كان من صاحب العمل إلا أن راغ وتنكر، وضاق وتنمّر، وأظهر استياءه منه، وادعى الرداءة والضعف في الصنعة بلا دليل، وطرد الأجير بعدما أكل قوته والتهم جهده وتعبه، وأبدى كلّ استعداد للذهاب للمحكمة تخويفا له.
وما علم الجاهل المسكين أنه لا يخاصم أجيرًا خاملًا، ولا قاضيًا غائبًا، ولا يخاصم مؤسسة نائية، إنه يخاصم رب العالمين، وقاصم الظالمين، وديان الخلق أجمعين.
هذه صورة -عباد الله-: من صور ظلم العمال والأجراء والخدم، فلقد انكشفت الحقيقة، ولم يعد الأمر سرًا.
تفشت صور الظلم واستطالت، وصدعت أنباؤها وتعاظمت، وبانت أحوالها وأحزنت.
والله إن كثيرًا من العمال والأجراء يتغرب أحدهم عن أهله، قادمًا من القرى والمدن، ويفارق زوجته، ويهجر أبناءه، ويغادر أباه وأمه، وهم بأمس الحاجة إليه، ثم يعيش غريبا عنهم، بعيدا منهم، ثم يهلك جسمه، ويتلف أعصابه، وينثر عرقه، بل وأحيانا دماءه، كل ذلك من أجل أن يفرح نهاية الشهر بثمن بخس، دراهم معدودة يوزعها على والدين كبيرين، وامرأة بائسة، وصبية يتضاغون، وقد لا ينال منها إلا شيئا يسيرا.
فتعظم المصيبة، وتكبر الكارثة، إذا مر الشهر والشهران، بل قد تمر على بعضهم شهور عدة ولا يأخذون مستحقاتهم! وهذا عين الظلم والقهر، وعين المخالفة لروح الشرع وتعاليم النبوة، كيف ومحمد -صلى الله عليه وسلم- ينادي فينا: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه".
إن كل يوم تؤخر فيه رواتب المستحقين، وأجور العاملين، هو يوم من أيام السخط عليك، فكيف بالأشهر؟
لقد نُزعت الرحمة من قلوب كثير من أرباب العمل، وتمزقت خيوط إنسانيتهم، فعاملوا العمال الأجراء شر معاملة، واستعملوهم أشد استعمال، وجازوهم أبشع جزاء، والنبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله -عز وجل-: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره".
لقد خفيت الأخلاق في زمن أجهم فيه الظلم واللؤم والدناءة، أكلت رواتب العمال، وديست كرامتهم.
أما رواتبهم، فهي إن لم تؤكل تأخرت، وإن لم تتأخر نُقِصت.
وأما حقوقهم، فلم يُحفظ لهم حق الإسلام، ولا حقّ الأخوة، ولا حق الولاية.
وأما كرامتهم، فليس لهم وزن ولا مقدار عند كثير من الناس، يُعاملون معاملة الحقراء، بكل معاني القهر والذل والاستخفاف، بل قل: معاملة البهائم عند بعض الظَّلَمة، وإن كان للبهائم رحمة، بل بعضهم يأبى عن مجالستهم ومؤاكلتهم ومخالطتهم.
وهذا مظهر من مظاهر الكبر التي تقطع الطريق إلى الجنة.
دخل صلى الله عليه وسلم حائطا لأحد الأنصار، فأقبل إليه بعير حتى وقف أمامه، فإذا بعينه تذرفان الدموع، فنادى صلى الله عليه وسلم: "أين صاحب البعير؟" فقال رجل: أنا يا رسول الله، قال: "أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكَكَ اللهُ إياها؟ فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه" [أخرجه أبو داود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي].
فكيف بمن يفعل ذلك مع أخيه الإنسان، بل مع أخيه في الإسلام؟!
معاشر المسلمين: إن شيوع الظلم في الناس علامة شر وفساد، وأذانُ محق وعذاب، فكيف إذا مورس الظلم بصورة بشعة مع طبقة المستضعفين كالعمال؟!
أيها الإخوة الكرام: لماذا يعامل بعضنا العمال بتسلط واحتقار؟! يأكل جهدهم، ويشق عليهم، ويسيء إليهم بأحطّ العبارات والألفاظ، لا يراقب الله فيهم، ولا يمنحهم شهامة، ولا يؤدّي لهم نوعَ شفقة ورعاية.
من المؤسف: أن طبقة العمال في هذا الزمان من أشدّ الطبقات تورطًا في الظلم والعسف والمهانة، لا يحصل هذا في بلد كافِر، بل في بلد مسلم، يعرف أهله العدل والرحمة والإحسان، كما يعرفون أهليهم وأبناءهم.
أين أنتم من صنيع أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- مع غلامه إذ حاطه برحمة متناهية، وإحسان سام؟!
ثبت في الصحيح عن المعرور قال: لقيت أبا ذر بالربذَة وعليه حُلة، وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك فقال: إني ساببت رجلًا فعيرته بأمه، فقال لي النبي: "يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم".
لا تنس -أخي الكريم-: أن هذا الأجير إنما أخرجه إليك الفقر والحاجة، فقد يكون خلفه أبناء في المدارس بحاجة لهذا المال، ومتى ما تأخر عليهم خرجوا من مدارسهم.
قد يكون خلفه مريض لا يملك ثمن الدواء، ينتظر ما يرسل به هذا العامل من دراهم معدودة ليشتري به الدواء، فيتأخر عنه المال فيموت، فمن بالله عليكم يحمل إثمه؟
قد يكون خلفه أطفال جياع يبيتون يبكون من الجوع وأنت تنام بطين دهين، تتقلب على فراشك الوثير.
وهذه القصة يقول صاحبها بمرارة: إن صاحب المؤسسة التي أعمل بها شأنه عجيب، فهو في رمضان يتصدق بوجبات الإفطار في المسجد، وفي مؤسسته عمال لم تصرف رواتبهم لمدة ثمانية أشهر!.
عباد الله: بعض الناس يأتي بالعامل، ويكلفه بعمل قليلا كان أو كثيرا، أو بدون شروط، فإذا انتهى العامل أدخل صاحب العمل يده في جيبه، وأخرج له مبلغا زهيدا لا يساوي شيئا بالنسبة للعمل الذي عمله، والجهد الذي أداه، فإن رفض العمل أو تذمر أو قال: "هذا قليل" قال له: "إما تأخذه وإلا مع السلامة".
ففي هذه الحالة إما أن يترك العامل دراهمه، وهو في أمسّ الحاجة إليها، أو يأخذها ويشكو أمره إلى الله.
وهذا لا يجوز شرعا، فلا بد من تحديد العمل، وتحديد أجره قبل البدء في العمل؛ حتى لا يظلم العامل.
ثم إن كثيرا من الناس لا يتردد في إطلاق السباب والشتائم؛ بل واللعن على مَن هم تحت يده، بل والضرب أحيانا، وهذا من أقبح الذنوب.
إن العبد المملوك -فضلا عن العامل- لا يجوز ضربه، أو تعذيبه، أو إطلاق اللسان بالسباب له، وإن من أسوأ مظاهر الاعتداء ما يقع فيه كثير من النساء مع الخادمات من الشتائم والضرب والتنقص، ألا فليتقين الله! فوالله! إنها سمات بغيضة إلى الديَّان، كريهة إلى الرحمن، وإن أكثر عقوباتها تكون عاجلة قبل الآجلة، وسيدفعن ضربيتها من صحتهن، وأبنائهن، وسعادتهن ومعاملة أزواجهن لهن؛ ثم يُقْتَصُّ منهن يوم القيامة، ذاك اليوم الذي سيُقتَصُّ فيه حتى للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.
ومن مظاهر الظلم التي لا تجوز بحال: يجب أن يأخذ العامل إجازته في وقتها، فهي حق من حقوقه، وتأخيرها ظلم كبير، وسبب خطير في تفشي المنكرات بين المسلمين.
إذا كنت تنام مع امرأتك، منعَّمًا بين أهلك وذويك، فتذكَّرْ أن هذا العامل قد يكون قدم من مكان بعيد ينام وحيدا بائسا مهموما كأنما ينام على الجمر، يخفق قبله، وتدمع عينه، وليس له من أهله وأبنائه إلا رسائلهم التي امتزج حبرها بدموعهم ودمعه، اليوم عنده كالسنة، والساعة كالشهر؛ ثم تذكر حال من ينتظرون رؤيته، ويتحرقون للقائه: فأين الإنسانية؟ أين الرحمة؟ أين الشفقة؟ أين الإيمان وتعاليم الإسلام؟ أين أنتم من قول النبي: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"؟.
أيها الناس: بالخلق الحسن واحترام الآخرين والعدل يسود الحب والوئام، وإن من سوء الخلق ورداءة الطبع أن يقوم السيد أو السيدة بضرب الخادم، أو الخادمة وشتمه، يقول أبو مسعود: "كنت أضرب غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا: "اعلم أبا مسعود، لله أقدر عليك منك عليه" فالتفتّ فإذا هو رسول الله، فقلت: يا رسول الله، هو حر لوجه الله، فقال: "أما لو لم تفعل للفحتك النار"[رواه مسلم].
فتصوروا ضربا بسيطا نتيجته أن تلفحه النار، فكيف بالذين يضربون الخدم ويهينونهم ولا يرحمونهم ويقسون عليهم.
إن هذا الأجير الذي ظلم اليوم سيقف أمام الله في يوم القيامة ليحاجك، وما أظنك ناجيا إذ إنه لا تنفع عند الله الحيل ولا الشطارة كما هو الحال في الدنيا، وتذكروا يوما تقفون فيه للقضاء والعدل؛ كما يقول تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)[الأنبياء: 47].
سبحانك ما أعظمك وأحلمك على خلقك!.
فقد يرفع المظلوم يديه داعيا الله أن ينصره، ويرد الظلم عنه، فتصعد دعوته، وترجع على شكل مصيبة يجدها الظالم في نفسه أو أهله أو ماله.
فاحذر –أخي- من أن تتركه يستخدم حقه، فتخسر في الدنيا والآخرة كيف؟
اقرأ –أخي- هذا الحديث لعلك تصحو من غفلتك: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "أتدرون ما المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار" [رواه مسلم].
فتخيل نفسك وقد أخذ الجميع من حسناتك، فلم يبق إلا القليل ليأتي ذلك العامل البسيط الفقير الذي حرمته من أجره، ولما طالبك به ضربته مستغلا نفوذك في الدنيا، تخيل لو جاء ليأخذ ما تبقى لك من الحسنات، بل إن ذلك لم يكفه فطرحت عليك سيئاته.
تخيل –أخي- هذا الموقف، وقد أصبح مصيرك بيد هذا المظلوم، فما هي وسائل استرضائه التي ستستخدمها؟ ألن تكون مستعدا للتوسل إليه كما توسل إليك في الدنيا؟ ألن تكون ذليلا بين يديه نادما؟ ألن تستخدم كافة عبارات الترجي والاسترحام والاستعطاف؟
تخيل وأجب! إن استطعت!: "هيا قم الآن وارفع الظلم الذي أوقعته فلا تدري كم ستعيش وهل يمهلك الله لتقوم بذلك في وقت آخر، واحذر أن تكون من الذين قال الله عنهم: (وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ) [الشورى: 44- 45].
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله: بعض أرباب العمل يستقدم عاملا لعمل معين، كمزارع مثلا، فإذا وصل العامل إلى مكان كفيله فوجئ بعشرات الأعمال، فإذا كلمته في شأنه وأن هذا يشق عليه رفع صوته، قائلا: هو تحت إمرتي ولي فيه مطلق التصرف!.
عجبا لهذا! "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!".
فيقال لمن هذا شأنه: اتق الله في أولئك العمال، فإن كان ولا بد أن تكلفهم بأعمال أخرى، فعوضهم بشيء من المال عن تلك الأمور الزائدة على عملهم الأصلي.
عباد الله: إنه إذا كان إنصاف الأجير، والعدل معه، ورفع الغبن عنه، وعدم التجني عليه واجبًا يتعين القيام به وعدم الإخلال به، فإن من واجب الأجير إزاء ذلك القيام بما كُلِّف به من عمل وفق ما تقتضيه الأمانة، ويستلزمه الإخلاص في أدائه؛ بإحسانه وإتقانه والإتيان به حسبما اتُفِق عليه؛ لأن هذا هو مقتضى العقد، وسبب استحقاق الأجر، ووسيلة طيب الكسب، فإنه مؤتمنٌ وراع وهو مسئولٌ عما اؤتمن واستُرعِي عليه؛ فلا يصح أن يعتذر لنفسه بشتى الأعذار، أو يترخص لها في حل الأجر مع إخلاله بحق الأمانة، وعدم وفائه بمقتضى العقد.
فإن أكثر ما يعكر على المرء -يا عباد الله-: إن أكثر ما يعكر على المرء صفو حياته، ويحجب عنه أسباب التوفيق، ويمحق عن ماله البركة، هذا الترخص الحامل على استباحة ما لا يحل، وأكل ما لا يجوز، والاستهانة بما يحرم.
فاتقوا الله ربكم، اتقوه في حقوق العباد، فالمعصية بينك وبين الله -تعالى- يغفرها الله لك بتوبة، أو رحمة منه -تعالى-؛ لكن حقوق العباد لا بد من أدائها حتى تقبل التوبة.
فحقوق الله -تعالى- تبنى على المسامحة، أمَّا حُقُوقُ العِبادِ فَتُبْنَى على المشاحَّة، وإذا دعتك نفسك إلى ظلم الضعيف، حينما نَظَرْتَ إلى ضَعْفِه وَعَجْزِه وَقِلَّةِ حِيلَتِه، فَتَذَكَّرْ أنَّ الله -سبحانه- أقوى مِنْكَ، وأنَّهُ يَنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمِينَ، وأنَّ دَعْوَةَ المَظْلُومِ تَرْتَفِعُ إلى عنان السماء ليس بينها وبين الله حجاب.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا برحمتك شر ما قضيت.
اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم اغفر لنا ما كان في السر والعلن، وعافنا اللهم من المعاصي ما ظهر منها وما بطن، واحفظ أهلنا وبلدنا من جميع الفتن، واسترنا بحفظك من الأمراض والمحن.
اللهم وأحيينا في الدنيا مؤمنين طائعين، وتوفنا مسلمين تائبين، واجعلنا ممن يأخذ كتابه باليمين، واكتبنا يوم الفزع الأكبر من الآمنين.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأحيائنا وأمواتنا.
اللهم أعنا على أداء الأمانات، وتقبل منا صالح أعمالنا، وأصلح قلوبنا واجعلنا من الصالحين، . برحمتك يا ارحم الراحمين.
يَا عِمَادَ مَنْ لَا عِمَادَ لَهُ، يَا سَنَدَ مَنْ لَا سَنَدَ لَهُ، يَا أَمَانَ مَنْ لَا أَمَانَ لَهُ؛ نسألك الأمان في الدنيا والآخرة، والطمأنينة في الحياة والممات.
اللهم اجعل جمعنا هذا مرحومًا وتفرقنًا من بعده معصومًا، ولا تجعل فينا ولا منا شقيًا ولا محرومًا.
اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وكن لنا ولا تكن علينا.