الباسط
كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...
العربية
المؤلف | هلال الهاجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إذا تقرَّرَ جوازُ مُمارسةِ الرِّياضةِ للنِّساءِ أحياناً في بيتِها أو في مكانٍ لا يراها الأجانبُ من الرِّجالِ أو المشي في الشَّارعِ مع الحِجابِ السَّاترِ، فلماذا ذلك الرَّفضُ من العُلماءِ لإدخالِ برامج للِّياقةِ البدنيَّةِ للبَناتِ في المدارسِ؟! هذا من بابِ قولِه تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)، فأصبحَ بعدَ ذلك مُحرَّماً بقولِه سُبحانَه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ كما ينبغي لجلالِ وجهِ ربِّنا وعظيمِ سُلطانِه، أحمدُه وأشكرُه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأستغفرُه، لا ربَّ لنا غيرُه فندعوه، ولا إلهَ لنا سُواه فنرجوه، لا رادَّ لقضائِه، ولا مانعَ لعطائِه، عليه توكّلْنا وإليه أنبْنا، هو مولانا فنِعمَ المولى ونِعمَ النصيرُ، وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه وخليلُه ومصطفاه، أرسلَه بالهُدى ودينِ الحقِّ ليظهرَه على الدينِ كلِه ولو كرهَ المشركونَ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وسلمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أُوصيكم ونفسي بوَصيَّةِ اللهِ تعالى للأوَّلينَ والآخِرينَ: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا).
عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -رضيَ اللهُ عَنهَا- أنها قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلْ اللَّحْمَ، وَلَمْ أَبْدُنْ... فَقَالَ لِلنَّاسِ: "تَقَدَّمُوا"، فَتَقَدَّمُوا ثُمَّ قَالَ لِي: "تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ"، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: "تَقَدَّمُوا"، فَتَقَدَّمُوا ثُمَّ قَالَ: "تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ"، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ: "هَذِهِ بِتِلْكَ".
هل في هذا الحديثِ جوازُ مُمارسةِ المرأةِ للرِّياضةِ؟! نعم، ومن دونِ شكٍّ، فها هي أمُّنا عائشةُ -رضيَ اللهُ تعالى عنها- تُسابقُ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّتينِ بطَلبٍ منه، ولا قولَ مع قولِه -عليه الصلاةُ والسلامُ-.
ولكن تلاحظونَ في الحديثِ أنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَّمَ الناسَ حتى لا يَروا هذا السِّباقَ الذي قد تنكشفُ فيه عورةُ النِّساءِ، وهذا يدلُّ على عدمِ جوازِ مُمارسةِ المرأةِ للرِّياضةِ أمامَ أعينِ الرِّجالِ من غير المحارمِ إن كانَ قد يترَتبُ عليه انكشافُ جُزءٍ من جَسَدِها.
وتلاحظونَ أيضاً قولَ عائشةَ -رضيَ اللهُ عنها-: "حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ"، مع أن عُمْرَها عندَ وفاةِ النبيَّ -عليه الصلاةُ والسلامُ- كانَ ثماني عشرةَ سنةً، ما يدلُّ على أن الرِّياضةَ لم تكن شيئاً مُستمِرَّاً في حياةِ النِّساءِ، وإنما هو شيءٌ عارضٌ لسببٍ مُعيَّنٍ كتسليةٍ أو عِلاجٍ أو غيرِه، أتعلمونَ لماذا؟! لأن اللهَ تعالى أمرَ المرأةَ بالقَرارِ في بيتِها في قولِه: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)، فعملُها في بيتِها يُغنيها عن الرياضة، واللهُ الذي خلقَها أعلمُ بما يَصلحُ لها: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
إذا تقرَّرَ جوازُ مُمارسةِ الرِّياضةِ للنِّساءِ أحياناً في بيتِها أو في مكانٍ لا يراها الأجانبُ من الرِّجالِ أو المشي في الشَّارعِ مع الحِجابِ السَّاترِ، فلماذا ذلك الرَّفضُ من العُلماءِ لإدخالِ برامج للِّياقةِ البدنيَّةِ للبَناتِ في المدارسِ؟!
هذا من بابِ قولِه تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)، فأصبحَ بعدَ ذلك مُحرَّماً بقولِه سُبحانَه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فكلُّ ما كانَ ضَرَرُه أكبرَ من نفعِه فإنه ممنوعٌ في شرعِ اللهِ تعالى.
فما هو النَفعُ من إدراجِ حِصَّةٍ للتَّربيَةِ البدنيَّةِ في مدارسِ البناتِ؟! يقولونَ: فيه مُحافظةٌ على صِحةِ البناتِ ورشاقتِهنَّ، ومحاربةٌ للسِّمنةِ التي أصبحتْ مُنتَشرةً في أوساطِهنَّ، ووقايةٌ من الكَسلِ والأمراضِ البدنيَّةِ والنفسيَّةِ.
فنقولُ: أيُ رياضةٍ ستؤدي إلى هذه النتائجِ وهي حِصَّةٌ واحدةٌ في الأسبوعِ يذهبُ نِصفُها في اللِّبسِ والخلعِ؟!
ثُمَّ إن هذه الرِّياضةَ تستطيعُ الفتاةُ أن تُمارسَها في بيتِها وتستخدمُ الأجهزةَ الرِّياضيَّةَ التي تُساعدُها على ذلك، أو تستطيعُ أن تمشيَ في الأماكنِ المُخصصةِ لذلك وهي مُحتَشِمةٌ مُتستِّرةٌ إن احتاجتْ ولا حرجَ في ذلك.
وهل ترونَ -أيها العُقلاءُ- أنَّ هذه الرِّياضةَ نفعتْ الأبناءَ؟! أم أن نسبةَ السِّمنةِ تزيدُ فيهم بشكلٍ خطيرٍ!!
ثُمَّ كم نحتاجُ من ميزانيَّاتٍ مِلياريَّةٍ ضَخمةٍ لتهيئةِ مدارسِ البناتِ لمثلِ هذه الحصَّةِ اليتيمةِ، والمشكلةُ الكُبرى في مدارسِ البناتِ المُستأجرةِ التي جاءتْ الإحصائيَّاتُ في العامِ الماضي أنها قُرابةُ نصفُ مَدارسِ البناتِ، أين سيمارسونَ هذه التَّربيَةَ البدنيَّةَ؟!
ولماذا هذا الإرهاقُ على أولياءِ الأمورِ المساكينِ؟! ألا يكفي النفقاتُ الباهظةُ التي يدفعونها في بدايةِ العامِ الدِّراسي، ثم ما تطلبُه المُعلِّماتُ من طلباتٍ مُتكررةٍ، فتحتارُ كثيرٌ من الأُسرِ الفقيرةِ، بينَ بُكاءِ ابنتِهم وبينَ ظُروفِهم العسيرةِ، ثمَّ يأتي بعدَ ذلك قاصِمةُ الظهرِ، وهي بَدْلاتُ البناتِ غاليَّةُ السِّعرِ.
ثُمَّ هل ستحتاجُ البِنتُ إلى خلعِ ثيابِها خارجَ منزلِ أهلِها؟! عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ أَنَّ نِسَاءً مِنْ أَهْلِ حِمْصَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ دَخَلْنَ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: أَنْتُنَّ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ نِسَاؤُكُنَّ الْحَمَّامَاتِ؟! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا هَتَكَتْ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا"، وهل سيُوجدُ أماكنُ كافيَّةٌ لتغييرِ الملابسِ؟! أم سيتساهلُ البناتُ في خلعِ ثيابِهنَّ أمامَ بعضِهنَّ حتى لا يتأخرنَّ على مُعلمةِ التربيَّةِ البدنيَّةِ؟! أم ستخرجُ من بيتِها ببدلتِها تحتَ العباءةِ؟!
وهل إذا وُجدَ موهوباتٌ في لُعبةٍ من الألعابِ، سيُنشأُ فريقٌ نسائيٌ يرفعُ الرأسَ في دورةِ الألعابِ الأولمبيَّةِ أو كأسِ العالَمِ؟! لأن الرِّجالَ كما تعلمونَ لا يستطيعونَ المُشاركةَ الدَّوليَّةَ إلا بمُشاركةٍ نِسائيَّةٍ!!
أيها الأحبابُ: إن من يسمعُ عن قَصَصِ الإعجابِ في مدارسِ البناتِ وظاهرةِ البوياتِ يشيبُ رأسُه، فما بالُك إذا لبسنَّ البناتُ الملابسَ الرِّياضيةَ الضيِّقةَ وبدتْ كلُّ شحمةٍ ولحمةٍ وعظمةٍ؟! أليسَ هذا وَقودًا لحالاتِ الشُّذوذِ التي ينبغي على المجتمعِ بجميعِ طبقاتِه محاربتَها والتحذيرَ منها حتى تَزولَ وتضمحلَّ، لا إيجادُ الوسائلَ التي تُسعِّرُها حتى تكونَ ناراً عظيمةً تأكلُ الأخضرَ واليابِسَ، ولن يستطيعَ أحدٌّ بعد ذلك أن يُطفِئَها.
أينَ عُقَلاؤُنا عن المواضيعِ المُهمَّةِ الخاصةِ بالمرأةِ؟! أينَ هم عن قضيَّةِ المُعلِماتِ المُغتَرباتِ؟! أين هم عن مدارسِ البناتِ المُستأجرةِ؟! أين هم عن العُنوسةِ، وعضلِ النِّساءِ، وحرمانِهنَّ من الإرثِ؟! أين هم عن نِسبِ الطَّلاقِ المُخيفةِ؟! أينَ هم عن فُتاتِ الضَّمانِ الاجتماعيِّ للأرملةِ والمُطلَّقةِ؟! أين هم عن قضايا الاختلاطِ المفروضةِ على المرأةِ في أماكنِ العملِ؟!
أينَ هم عن حاجاتِ الشَّعبِ الضَّروريَّةِ؟! من سيُعالجُ الفقرَ؟! من سيُناقشْ غلاءَ الأسعارِ؟! من سَيحلُّ مُشكلةَ البطالةِ عندَ الشَّبابِ؟! من سيُحاربُ المُخدِّراتَ وحوادثَ السيَّاراتِ؟! من سيقضي على الفَسادِ الإداريِّ والماليِّ؟!
انزل يا من يتكلمُ في مشاكلِ النَّاسِ إلى الشَّارعِ، واسمعْ من الضُّعفاءِ لتعرفَ مشاكلَهم وهمومَهم وطُموحَهم فيكَ.
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِ ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، يُحقُ الحقَّ بقوَّتِه، ويُذهبُ البَاطلَ بُقدرتِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الملكُ الحقُّ المبينُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه أُرسِلَ بالحقِّ بينَ يَدي الساعةِ بشيرًا ونذيرًا، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلمَ تسليمًا كثيراً.
أما بعد:
فقد يقولُ بعضُكم: لقد بالغتَ كثيراً، وأسأتَ الظنَّ كثيراً، ولعلَ هذا لا يَحدثُ منه شيء -إن شاءَ اللهُ تعالى-، فأقولُ: اسمع معي لوصفِ الشَّيخِ عليٍ الطنطاوي -رحمَه اللهُ تعالى- للشَّامِ في زمنٍ من الأزمانِ، يقولُ: "لقد أَضربتْ مَتاجرُ دِمشقَ من ثَلاثينَ سنةٍ أو أكثرَ قليلاً وأُغلقتْ كلُّها، وخَرجتْ مُظاهراتُ الغَضبِ والاحتجاجِ"، لماذا؟! "لأنَّ مُديرةَ المدرسةِ الثَّانويَّةِ، مَشتْ سَافرةً -إي واللهِ- فاذهبوا الآنَ فانظروا حالَ الشَّامِ".
ثُمَّ اسمعْ ماذا قالَ عن تطوُّرِ رِياضةِ البناتِ في الشامِ حتى لا يَصفنا أحدٌ بالتَّهويلِ، يقولُ: "بدؤوا بالرِّياضةِ تُعلمُها مُعلماتٌ للطالباتِ في باحةِ المدرسةِ، ثُمَّ خَرجوا بِهنَّ إلى السَّاحةِ المَكشوفةِ التي يَراها الجِيرانُ، فلما رأونا سكتْنا، جَعلوا لها ثِياباً تَكشفُ عن بعضِ السَّاقِ ونصفِ الذِّراعِ، فلما رأونا سكتْنا، ألَّفوا من البَناتِ مُرشداتٍ وفِرقَ كَشَّافةٍ أَخرجوهنَّ في يومِ العَرضِ فأنكرْنا إنكاراً ضَعيفاً، ولكنَّهم رأوا إنكارَنا فَرديًّا فلم يُبالوا، فصنعوا ما صَنعوا على تَخوِّفٍ أوَّلًا وحَذرٍ، ولما رأونا لا نُبالي، ولا نَعترضُ، ولا نَغارُ على نسائِنا، خَلعوا العِذارَ، وأزاحوا السِّتارَ، وجاؤوا جِهاراً من البابِ بعدَ أن كانوا يَتسللونَ منَ النافذةِ، حتى قالَ: واستمرَ الحالُ، حتى سمعتُ يومًا وأنا أُلقي دَرسي أصواتًا ألتفتُ بلا شُعورٍ إلى مَصدرِها، فإذا أربعونَ من الطَّالباتِ في دَرسِ الرِّياضةِ وهُنَّ يَلبسنَّ فيه ما لا يَكادُ يَسترُ من نِصفهنَّ الأدنى إلا أَيسرَه، وكنَّ في وضعٍ لا أُحبُّ ولا أَستجيزُ أن أصفَه، فهو أفظعُ من أن يُوصفَ".
وقالَ في نصيحتِه لأهلِ هذه البلادِ: "لقد جاءَتنا على عَهدِ الشِيشَكلي من أَكثرِ من ثَلاثينَ سَنةٍ، فِرقةٌ من البناتِ تَلعبُ بكرةِ السَّلةِ، وكانَ فيها بناتٌ جَميلاتٌ مَكشوفاتُ السِّيقانِ والأفخاذِ، فازدحمَ عليها النَّاسُ حتى امتلأتْ المقاعدُ كُلُّها، ووقفوا بينَ الكَراسي، وتسوَّروا الجِدرانَ، وصعدوا على فُروعِ الأشجارِ، وكنَّا -مَعشرَ المشايخِ- نجتمعُ يَومئذٍ في دارِ السَّيدِ مكي الكِتَّاني -رحمةُ اللهِ عليه-، فأنكرْنا هذا المنكرَ، وبعثنا وفدًا مِنَّا، فلقيَ الشِيشَكلي، فأمرَ -غَفرَ اللهُ له- بمنعِه، وبترحيلِ هذه الفِرقةِ وردِّها فورًا من حيثُ جاءتْ، فثارَ بي وبهم جَماعةٌ يقولونَ: إننا أعداءُ الرِّياضةِ، وإننا رَجعيُّونَ، وإننا مُتخلِفونَ، فكتبتُ أَردُّ عليهم، أقولُ لهم: هل جِئتم حقاً لتروا كيفَ تَسقطُ الكرةُ في السَّلةِ؟! قالوا: نعم، قلتُ: لقد كذبْتم واللهِ، إنه حينَ يَلعبُ الشَّبابُ تَنزلُ كُرةُ السَّلةِ سَبعينَ مَرَّةٍ فلا تُقبِلونَ عليها مِثلَ هذا الإقبالِ، وتَبقى المَقاعدُ نصفُها فارغاً، وحينَ لَعِبتْ البناتُ نَزلتْ الكرةُ في السَّلةِ ثَلاثينَ مَرَّةٍ فقط، فلماذا ازدحمتُم عليها وتسابقتُم إليها؟! كونوا صَادِقينَ ولو مَرَّةً واحدةً، واعترفوا بأنَّكم ما جئتُم إلا لرؤيةِ أَفخاذِ البَناتِ". ثُمَّ ختمَ نصيحتَه: "وهذا الذي سَردتُه ليسَ مِنه -والحمدُ للهِ- شيءٌ في مَدارسِ المملكةِ، ولا تَزالُ على الطَّريقِ السَّويِ، ولكن من رأى العِبرةَ بغيرِه فليعتبرْ، وما اتخذَّ أحدٌ عندَ اللهِ عهدًا أن لا يَحلُ به ما حَلَّ بغيرِه إن سلكَ مَسلكَه، فحافظوا -يا إخوتي- على ما أنتم عليه، واسألوا اللهَ وأسألُه معكم العونَ". فجزاهُ اللهُ خيراً.
اللهم احفظ بناتِنا وبناتِ المسلمينَ، ونساءنا ونساءَ المسلمينَ من شَرِ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ يا ربَّ العالمينَ، واحفظ بلدَنا خاصةً وجميعَ بُلدانِ المسلمينَ، وأن يُصلحَ حكَّامَنا وأن يرزقَهم البِطانةَ الصَّالحةَ، وأن يُديمَ علينا الأمنَ والأمانَ..
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).