البحث

عبارات مقترحة:

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

النصير

كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

خطر الإفساد في الأرض

العربية

المؤلف أسامة بن عبدالله خياط
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. النهي عن الإفساد في الأرض بعد أن أصلحها الله .
  2. الإفساد في الأرض من المحاداة لله ورسوله .
  3. أنواع الفساد في الأرض .
  4. معنى الفساد في الأرض .
  5. ظهور الفساد ودفعه بما كسبته أيدي الناس .

اقتباس

إن هذه الأرض قد أصلحَها الله أتمَّ إصلاحٍ حين أرسلَ إلى عبادِه رُسُلَه، وأنزل معهم كُتبَه بالآيات البينات، والدلالات الواضِحات، فهدَى بها من الضلالة، واستنقَذَ من الهلَكَة بما منَّ عليهم من نعمةِ الإيمان والإسلام، وما أكرمَهم به من التوحيد والسنَّة. فكان فضلُ الله عليهم بهذا الإصلاح عظيمًا، وكانت المنَّةُ به مُوجِبةً كمالَ الحِرصِ على الحِفاظ عليه، والعناية به، ورعايته حقَّ رعايته بالحذَر من سُلوك سبيل الإفساد في الأرض بعد إصلاحِها، فذلك أعظمُ ضررًا، وأقبَحُ عاقِبَة، وأشدُّ نُكرًا.

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي نهى عن الفساد في الأرض، وأخبرَ أنه لا يُصلِح عملَ المُفسِدين، أحمدُه -سبحانه- حمدَ الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ المتقين، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه إمام المرسلين وخاتمُ النبيين، وقائِدُ الغُرِّ المُحجَّلين، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحابتِه أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله-، وراقِبوه، واذكروا أنكم مُلاقوه: (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا) [النبأ: 40]، (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88، 89].

عباد الله: إن هذه الأرض قد أصلحَها الله أتمَّ إصلاحٍ حين أرسلَ إلى عبادِه رُسُلَه، وأنزل معهم كُتبَه بالآيات البينات، والدلالات الواضِحات، فهدَى بها من الضلالة، واستنقَذَ من الهلَكَة بما منَّ عليهم من نعمةِ الإيمان والإسلام، وما أكرمَهم به من التوحيد والسنَّة.

فكان فضلُ الله عليهم بهذا الإصلاح عظيمًا، وكانت المنَّةُ به مُوجِبةً كمالَ الحِرصِ على الحِفاظ عليه، والعناية به، ورعايته حقَّ رعايته بالحذَر من سُلوك سبيل الإفساد في الأرض بعد إصلاحِها، فذلك أعظمُ ضررًا، وأقبَحُ عاقِبَة، وأشدُّ نُكرًا.

ولذا جاء النهيُ القاطِعُ عنه بقولِه -عزَّ اسمُه-: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56].

وفي قولِه -سبحانه- حكايةً عن تحذير نبيِّ الله شُعيب -عليه السلام- لقومِه: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأعراف: 85].

ولما كان هذا الإفسادُ في الأرضِ بعد إصلاحِها من أعظم المُحادَّة لله ورسولِه -صلى الله عليه وسلم-، ولِما فيه من هدمٍ للمصالِح، ونقضٍ للمنافِع، ولأن صاحِبَه يسُنُّ به سُنَّةً سيئةً يُعملُ بها من بعدِه كان حريًّا بأن يكون بغيضًا عند الله تعالى، كما قال -سبحانه-: (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [المائدة: 64].

ولئن تعدَّدت ألوانُ هذا الفساد وتنوَّعَت؛ فإن في الطَّليعة منها: الشركَ بالله تعالى، بصرفِ حقِّه -سبحانه- إلى غيرِه، وذلك هو الظلمُ العظيمُ حقًّا، كما قال لُقمان في وصيَّته لابنِه: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13].

وإنه لظُلمٌ عظيمٌ يظلِمُ به المرءُ نفسَه أشدَّ الظلم؛ إذ يُسوِّي الخالقَ القادِر الرازق المُدبِّر المُحيِيَ المُميت، المُتفرِّد في ربوبيَّته وألوهيَّته، وأسمائِه وصِفاتِه، بالمخلوق الذي لا يملِكُ لنفسِه ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.

وأيُّ إفسادٍ في الأرض أعظمُ ضررًا من هذا الإفساد، وأشدُّ قُبحًا، وأسوأُ مصيرًا؟!

إن مثلَ من أشركَ بالله كمثَل من هوَى من القمة السامِقة العليَّة إلى أسفل دركَات الحَضيض: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحج: 31].

ولا غَرْوَ أن كان أحدَ المُهلِكات السبع التي أمرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمةَ باجتِنابِها؛ لشدَّة ضررها، وعِظَم خطرِها، وتعدِّي الإفساد الناشِئ عنها، فقال -صلوات الله وسلامُه عليه-: "اجتنِبُوا السبع الموبِقات". قالوا: يا رسول الله: وما هنَّ؟! قال: "الشركُ بالله، والسحر، وقتلُ النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مال اليتيم، والتولِّي يوم الزَّحف، وقذفُ المُحصَنات المُؤمنات الغافِلات". أخرجه الشيخان في صحيحيهما.

وهكذا كلُّ ما توعَّد الله فاعِلَه بلعنةٍ أو عذابٍ أو نارٍ أو حِرمانٍ من دخول الجنة مما يُوبِقُ به المرءُ نفسَه، ويُنقِصُ به إيمانَه، ويغدُو باقتِرافِه مطيَّةً للشيطان يسوقُه إلى سبيل الغواية، ويُزيِّنُ له عملَه، ويمُدُّ له في غيِّه، حتى يرى القبيحَ حسنًا، والمُنكرَ معروفًا، والباطلَ حقًّا.

فيحسبُ أن إفسادَه إصلاح، وذلك هو شأنُ أهل النفاق الذين قصَّ الله علينا خبرَهم، فقال -سبحانه-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) [البقرة: 11، 12].

فهم كما قال الإمام ابن جريرٍ -رحمه الله-: "مُفسِدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربَّهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبِه، وتضييعهم فرائِضَه، وشكِّهم في دينِه الذي لا يُقبل من أحدٍ عملٌ إلا بالتصديقِ به، والإيقان بحقيقته، وكذبِهم على المُؤمنين بدعواهم غيرَ ما هم عليه مُقيمون من الشكِّ والرَّيب، ومُظاهرتهم أهلَ التكذيبِ بالله وكُتُبِه ورُسُلِه على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً. فذلك إفسادُ المُنافقين في الأرض، وهم يحسَبون أنهم بفعلِهم ذلك مُصلِحون فيها".

فالفسادُ -يا عباد الله- هو الكفرُ بالله، والعملُ بالمعصية، ومن عصَى الله في الأرض أو أمرَ بمعصيته فقد أفسدَ فيها؛ لأن صلاحَ الأرض والسماء بالطاعة، كما قال قتادةُ وغيرُه من مُفسِّري السلَف -رحمهم الله-.

فاتقوا الله -عباد الله-، وأطيعُوا الله والرسولَ لعلكم تُرحمون، واتخذِوا مما قصَّه الله علينا من وصيَّة قومِ قارون زادًا وعُدَّةً تعتدُّون بها، ومنهاجًا تسلُكُونَه، ومنارًا تهتدُون به، وذلك في قولِه -عزَّ من قائل-: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 77].

نفعني الله وإياكم بهديِ كتابه، وبسُنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، أقولُ قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافَّة المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه.

أما بعد:

فيا عباد الله: لئن كان ظهورُ الفساد في الأرض ناشِئًا عما اجترحَه الناس من سيئات، وما اقترَفُوه من خطايا، كما قال -سبحانه-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41]، فإن الذي لا ريبَ فيه أن دفعَ ذلك وعلاجَه إنما هو بما تكسِبُه أيديهم أيضًا؛ لأن الله تعالى لا يُغيِّرُ ما بقومٍ حتى يُغيِّرُوا ما بأنفُسِهم، وذلك بأن يثُوبُوا إلى رُشدِهم، ويفيئُوا إلى أمر الله، ويلُوذُوا به، ويلتمسُوا رِضوانَه بعبادته حقَّ العبادة، وصرف أنواعها له وحدَه -سبحانه-، وأن يتحاكَمُوا إلى شرعِه فيما شجرَ بينهم، وأن يُسلِّموا له تسليمًا لا يتطرَّقُ إليه شكٌّ، ولا ينقضُه حرجٌ.

فاتقوا الله -عباد الله-، واستَجيبُوا لله وللرسول إذا دعاكُم لما يُحيِيكم، وحذارِ من سُلُوكِ سبيل الذين يُفسِدون في الأرض ولا يُصلِحون.

واذكرُوا على الدوام أن الله تعالى قد أمرَكم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفهم، وأصلِح قادتَهم، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ يا رب العالمين.

اللهم انصُر دينكَ وكتابكَ، وسُنَّةَ نبيِّك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وعبادكَ المؤمنين المُجاهِدين الصادقين.