الجواد
كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...
العربية
المؤلف | عاصم محمد الخضيري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
يوم الجمعة -بلا إرهاصات كلامية- فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة, وفيه أهبط منها, وفيه تيب عليه، وفيه مات -عليه السلام-، وفيه تقوم الساعة، وفيه النفخة وفيه الصعقة. وما من دابة في الأرض إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حينِ تصبح، حتى تطلع الشمس، وهي مشفقة من الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه.
الخطبة الأولى:
الحمـــد لله علـــى إحســـانــــه، والشكر والعرفان لامتنانه:
الحمـد للـــرب الغفــور البـــر | يجزي بفضلٍ شكرَنا بالشكر |
حمدًا كما قد ينبغي أن يوصفا | ولست في الإكثار أُدعى مسرفًا |
يا رب أنـت ربنا سبحانـــــــكَ | اغفـر فإن طولنا منك بكا |
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من يرجو شفاعتها يوم يقوم الأشهاد، وأشهد أن محمدًا بن عبد الله عبد الله ورسوله:
رسول الله صلى الله دومًا | عليه ما تهيأت السحاب |
وما همل الندى وبلاً وماجت | بتسليم له الأرض اليباب |
فيا اللَّهم صل عليه دومًا | وشفِّعنا إذا جاء الحساب |
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
لنا يومٌ من أيام الله، لنا سيِّد الأيام، لنا عيدها، لنا يوم عظيم، لنا يوم خيرٌ مما طلعت عليه الشمس، لنا يومٌ من أعظم الأيام عند الله -عز وجل-، لنا خير الأيام، اختص الله أمتنا به من بين سائر الأمم:
وأمة أحمد فازت بما لم | تفزه من الخلائق أيُّ أمة |
فتيهي أمتي فالله مسدٍ | كرائمه عليك عطاً ومنة |
يوم الجمعة -بلا إرهاصات كلامية- فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة, وفيه أهبط منها, وفيه تيب عليه، وفيه مات -عليه السلام-، وفيه تقوم الساعة، وفيه النفخة وفيه الصعقة.
وما من دابة في الأرض إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حينِ تصبح، حتى تطلع الشمس، وهي مشفقة من الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه.
يوم الجمعة:
هبةٌ من الله الجليل لأمة العدنان | والحمد فيه لربنا المنان |
وعلى قدر الهبات، يكون الشكر والحمد، من أعظم الهبات، أن "الله -عز وجل- أضل عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يومُ السبت، وكان للنصارى يومُ الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة، نحن الآخِرون من أهل الدنيا، الأولون يوم القيامة، المقضي بينهم قبل الخلائق". مقطوعة فخرية من أبي الأمة المحمدية.
نحن من أمة تباركها الله | بفخر قد ساخ منه الفخار |
إذا أردت استجابة الدعاء فتحرّ يوم الجمعة، وإذا أردت المواعظ النافعة والخطب الماتعة فتحرّ يوم الجمعة، وإذا أردت اجتماع القلوب والأجساد، فتحرّ يوم الجمعة، تغسل القلوب أوضارَها يوم الجمعة، لها موعد مع الطهارة على رأس كل سبعة أيام، وليس ذلك ليومٍ إلا يوم الجمعة.
منابر الجمعة، مما تتيه به هذه الأمة على كل الأمم السابقة، عزة وسبقًا، ومِنحة ربانية، حتى أعداءِ الأمة في هذا الزمان من الكفرة والمنافقين، ودوا لو مسخوا فكرة هذا المنبر، حتى تبقى الأمة جرداء من كل مشروعٍ ديني تصحيحي، يعيدها إلى الجادة كلما انحرفت مراكبها.
وود أعداؤها أن يجمعوا ثلث منابرنا، لينفثوا فيها أباطيلهم، وسمومهم.
إن الشياطين في كل زمان يئسوا أن يئدوا بقاء هذا المنبر في دين الإسلام وفي قلوب بني الإسلام، صادحًا بالحق شامخًا به، ولكنهم سعوا في التحريش على تأثيره.
المنبران بشرع الدين رائدنا | في منبر السيف أو في منبر الخطب |
من أبرز سمات هذه الأمة وقوّتها هو: منبر الجمعة، حتى إن أحد أعدائها التقليديين من الذين صدقوا وهم كذوبون، يقول أحدهم: "عجبًا لأمركم؛ ألديكم هذه المنابر التي تستطيعون أن تصلحوا بها كل فاسد، وتقوِّموا بها كلَّ معوجٍّ، ثم تَشْكُون شكواكم، عجبًا لكم ولأمركم". أو كما يقول أحد إخوان الشياطين من العلمانيين: لدينا المنابر الإعلامية ولديكم المنابر الخطابية.
وليس ذلك بآخر بركات يومِ الجمعة؛ حتى إن الإسلام أوجب على كل من تجب عليه الجمعة سماع الخطبة وجوبًا عينيًا، والإنصات لها، وحرم العبث وكل ما يقطع عنها وعن سماعها، حتى تشميتِ العاطس وردِّ السلام، ولا يظنّن ظانٌ أن الواجب هو حضور صلاة الجمعة فحسب، كلا، بل إن سماعَ الخطبة واجب أيضًا، ولا يجوز لأحدٍ التخلف عن سماعها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)، ولم نرَ التأخير عن حضور الخطبة إلا من هذا الوهم.
أيتها الأجيال المتأخرة: إن حضور الخطبة وسماعها واجب على كل من تجب عليه الجمعة.
أما المتأخرون عنها وعن الصلاة، فلينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونُنّ من الغافلين، وأما "من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدِّر له، ثم أنصت حتى يفرغَ الإمام من خطبته، ثم يصلي معه غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا".
يوم الجمعة.. لو لم نكن من هذه الأمة، لما كان لهذا اليوم معنى، ولم تُخلَّد حضارتُها بمنابرها، فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين.
يوم الجمعة.. كل فرد مسلم لا يكاد أن تغيب عنه مسنوناتُ الجمعة وآدابُها، وأن الغسل والاغتسال، والتطيب والادِّهان والسواك من آداب الجمعة القبلية، بل من آكد مسنوناتها، ولا يكاد أن يغيب أن من غسّل واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب ودنا من الإمام، فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عملُ سنةٍ أجر صيامها وقيامها!! كما صح ذلك عن الصادق المصدوق.
وليس بخافٍ أيضًا على الجميع أن "من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
ففيم التأخير، وفيم الكسل، ولا يزال قوم يتأخرون عنها حتى يؤخرهم الله!! كنت أقول لبعضهم: إن الجماهير هي من تصنع الخطباء الناجحين، وإن الجماهير أيضًا هي من تكسر مشاريع الريادة في أنفس الخطباء.
يدخل الإمام يوم الجمعة، فينكسر لرجال لا تقدِّر شعيرةَ الله حقّ قدرها، فإذا أقيمت الصلاة امتلأت الجوامع، كيف يراد لخطيب ناجح أن ينجح وهو يدخلُ ليخاطب سواري الجامع، وأعمدة المصابيح؟! أم كيف يراد له، وهذه الجموع تحضر خطبة الجمعة عادةً لا عبادة، أم كيف يراد له أن يصنع خطبة ناجحة، وهو يرى سواد الناس حتى الصالحين منهم تجر خطاها، وفي عينيها بقايا من الكسل الطويل، لم تتقرّب لله ولو ببيضة واحدة، فإذا خرجت بعد الصلاة، لم تكتف الجموع بتأخرها حتى تشذِّب الخطيب وخطبته!!
كيف لخطيب أن يعطي من نفسه ووقته وبحثه، لقد أسمع الخطيب لو كان أحدٌ حاضرًا، ولكن لا حضور لمن يخاطب!!
أميتوا الخطباء وفوائد الخطبة بتأخركم!!
نحن نقول: إن هذا المنبر بقي صامدًا بفضل الله -عز وجل- أن يئده أعداء الأمة أو يمنعوه، ولكن الناس هي من فعلت ذلك من تلقاء أنفسها.
نعم إن للخطيب كفْلاً في تخلُّف التأثير في خطبة الجمعة، ولكن الناس تتحمل الكفل الكبير.
حافظوا على شعيرة الله في هذا اليوم العظيم بالتبكير والاستعداد, فإن من يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، ومن يعظِّم حرمات الله فهو خير له.
إن في العام، أكثرَ من خمسين خُطبة، ولو خرج كل أحد منها بفائدة، وحفظها ووعاها، لأفلح وأنجح.
إن المستمع الصادق الناجح هو من يسمعُ كلمة: اتقوا الله عباد الله فيقول: سمعنا وأطعنا، اللهم زدنا تقوى وإيمانًا، والمستمعُ الصادق هو من يسمع آية وحديثًا فلا يخرُّ مستكبرًا، بل يسمعُها، كأن لم يسمعْها.
والله لو لم يقل الخطيب في خطبة الجمعة إلا أنه ينادي الناس: اتقوا الله، ثم حققتها الأمة بمجموعها وأفرادها وولاتها، لم نحتج لباقي خطبة الجمعة أن تتلى علينا.
يا أخي: الملائكة الآن على الأبواب يستمعون هذه الخطبة والأمر بالتقوى، وهم عباد مكرمون، وبأمر الله يعملون، ومن خشيته مشفقون، فإذا خرج الإمام جلسوا يستمعون الذكر، ولو استغنى أحد عن الموعظة لاستغنت الملائكة، فكيف يستكثر أحدنا أن يسمع تقوى الله، وهو أحوج الناس إليها، وكيف يستكثر التبكير لهذه الصلاة، وقد بكّرت قبله الملائكة وهو أحوج منها إليها!!
اتقوا الله -عباد الله-، اتقوا الله، اتقوا الله وحافظوا على الجمع والجماعات، وعاهدوا أنفسكم أن تجددوا شعائر الله بالتبكير إليها، والتقريب له -عز وجل- بفعل مسنوناتها.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
ابن القيم يصف الجنة وأصحابها، ويوم المزيد حيث يقول:
أَوَ مَا سَمِعْتَ بِشَأْنِهِمْ يَوْمَ الْمَزِيـ | دِ وَأَنَّهُ شَانٌ عَظِيمُ الشَّانِ |
هُوَ يَوْمُ جُمْعَتِنَا وَيَوْمَ زِيَارَةِ الـ | ـرَّحْمَنِ وَقْتَ صَلاتِنَا وَأَذَانِ |
وَالسَّابِقُونَ إِلَى الصَّلاةِ هُمْ الأُلَى | فَازُوا بِذَاكَ السَّبْقِ بِالإِحْسَانِ |
سَبْقٌ بِسَبْقٍ وَالْمُؤَخَّرُ هَا هُنَا | مُتَأَخَّرٌ فِي ذَلِكَ الْمَيْدَانِ |
والأَقْرَبُونَ إِلَى الإِمَامِ فَهُمْ أُولُو | الزُّلْفَى هُنَاكَ فَهَا هُنَا قُرْبَانِ |
قُرُبٌ بِقُرْبٍ وَالْمُبَاعَدُ مِثْلُهُ | بُعْدٌ بِبُعْدٍ حِكْمَةُ الدَّيَّانِ |
يوم الجمعة..
خَـيْـرُ يَـوْمٍ فِـيـهِ شَمْسٌ بَـزغَـتْ | إنـَّـهُ الـجُـمْـعَـةَ عِـيْدُ المُـسْلِميـنْ |
أفْـضَـلُ الأيْــامَ نَـجْـني فَـضْـلَـه | بـالـتُـقى وِالـبِـرِّ وَالذِّكْـرِ المُبينْ |
رَبَّــنـا بــارِكْ لَـنـا فـي يَـومِـنـا | اجْعَـلِ الجُمْعَةَ خَيْرَ الشـَّاهِدينْ |
يوم الجمعة.. لا يكن يومُ الجمعة كسائر الأيام، ولا يكن سائر الأيام كيوم الجمعة!!
يوم الجمعة هو خير من مسؤول كبير تتهيأ له بثيابك وطيبك وحسن منظرك، واستعداد حديثك.
يوم الجمعة خير من اجتماع تحبه مع عائلتك أو أصدقائك، تستعد له بقلبك ونفسك وروحك، وتُهندم ثوبك له!! لا تكن شعائرُ الله أهونَ في نفسك من لقاءات بشر!
يوم الجمعة هو معيار تقدير شعائر الله لدى قلبك، فأحسن التقدير، يوفِّ لك الله الجزاء بلا تقدير، وكما نحن نقول: لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله، فإننا نقول: اللهم اغفر للمتقدمين، اللهم اغفر للمتقدمين، اللهم اغفر للمتقدمين، يبيِّض وجوهنا أن نرى شبابًا نشأ في عبادة الله تعالى، يسابقون بواكير الصباح إلى الجمع، وينافسون، أترون أن الله سيضيع إيمانهم!! كلا، فلا يستوي عند الله الظل ولا الحرور، وما يستوي الأحياء ولا الأموات!!
وليس التأخير عن الجمعة بآخر ظواهرها السيئة، فإننا نعرف أقوامًا نظن أن الله قد طبع على قلوبهم، فهم لا يحضرون الجمع إلا لمامًا، وهذا من أكبر الكبائر، ونبي الإسلام يقول: "من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونًا بها طبع الله على قلبه".
ماذا ينتظر هؤلاء حتى يتوبوا إلى الله؟! أينتظرون الساعة!! فقد ثبت في الصحيح أن الساعة لا تقوم إلا يوم الجمعة، أينتظرون أن تقوم الساعة على نومهم؟! استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله.
ومن الظواهر السيئة ليوم الجمعة: السهر في ليلتها، وكأن يوم الجمعة صار الضحية الكبرى، فإذا دُعي أحد إلى السهر فأبى، قيل له: إن غدًا يومُ الجمعة!! ودوام الوظائف البشرية خيرٌ عندهم من دوام الوظائف الربانية!! يا هؤلاء: إن يوم الجمعة لا تنزل مكافآتها آخر الشهر بل تنزل في الحال، والنسيئة ليست كالقبض يدًا بيد.
إن معيار الأعمال عند الله ليس مثلاً بمثل كالمعيار البشري، بل الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة.
ومن ظواهرها السيئة: عدم التهيؤ لها، بأحسن اللباس وأحسن الطيب، وترك الاغتسال لها، وإيذاء ملائكة الله والناس بالروائح غير الحسنة، مع أن غسل الجمعة واجب على كل محتلم، كما في الصحيح.
و"من اغتسل يوم الجمعة واستاك، ومسّ من طيب ولبس من حَسَن ثيابه، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يلبس بردته الخضراء في يومها، ثم خرج حتى يأتي المسجد، فلم يتخط رقاب الناس حتى ركع ما شاء الله أن يركع، ثم أنصت إذا خرج الإمام فلم يتكلم، حتى يفرغ من صلاته؛ كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها".
وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- له حادثته المشهورة مع عثمان بن عفان -رضي الله عنهما-: فبينما عمر يخطب يوم الجمعة إذ دخل عثمان -رضي الله عنه-: فقال عمر: لم تحتبسون عن الصلاة؟! فقال عثمان: ما هو إلا أن سمعت النداء يا أمير المؤمنين فتوضأت، فقال له عمر: والوضوء أيضًا، ألم تسمعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل".
ومن الظواهر السيئة ليوم الجمعة: التأخر عنها ليتخطى الرجل بعدها رقاب الناس، وليتوسل لهم أن يفسحوا له مكانًا يجلس فيه، إما طمعًا في القرب، أو هروبًا من حرّ الظهيرة، ولقد روى جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه-: أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب بالناس، فجعل يتخطى رقاب الناس، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اجلس فقد آذيت وآنيت". أي آذيت الناس بتخطي رقابهم وتأخرت في الحضور.
ومن ظواهرها السيئة: توطين الأماكن وحجزها، ثم الذهاب عنها وتركها والانشغال عنها طويلاً، وجعل ذلك عادة في كل جمعة، وقد وردت في ذلك شكاوى كثيرة، ونحن نعلم أن المبادرة إلى الجمعة من أفضل شعائرها، ولكن هذه الظاهرة مكدِّرة لتلك الشعيرة، ونحن نعلم كذلك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به"، فهذا الحديث كما يذكر النووي وغيره فيمن جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلاً، ثم فارقه ليعود بأن فارقه ليتوضأ أو يقضي شغلاً يسيرًا ثم يعود، لم يبطل اختصاصه، بل إذا رجع فهو أحق به في تلك الصلاة، فإن كان قد قعد فيه غيره فله أن يقيمه، وعلى القاعد أن يفارقه لهذا الحديث، أما من وطن له مكانًا، ثم انشغل عنه طويلاً، أو قليلاً لغير حاجة، وجعل من ذلك عادة له في كل جمعة، وظاهرة يتخذها، فيُحْرَمُ الناسُ من الانتفاع من الأمكنة، فليس داخلاً في هذا الحديث، بل مفسدة يتوجب النهي عنه، وعلى المسلم أن يحترز مما يؤذي الناس، وما يكدِّر عليهم، فهو داخل في إيذاء المؤمنين بغير ما اكتسبوا.
ومن الظواهر السيئة ليوم الجمعة: إيذاء الناس بالوقوف الخاطئ، وتعطيل مصالحهم وأعمالهم لأجل ذلك، وإيقاع الحرج بالسرعان من الناس، من غير مبالاة، وقد يكون فاعل ذلك متأخرًا، ثم يخرج آخر الناس منشغلاً بالحديث أو بقراءة القرآن، أو مشيعًا لجنازة، وهذا كله من ضرائب التأخر، فالتأخر ما كان في أمر إلا شانه، وبعد ذلك قد ترى ألوانًا من الاستهتار بالتسابق والتشاكس بالسيارات، بأصوات تؤذي البعيد والقريب.
أيها الكرام: نحن أولى من الكفار بأخلاق الإسلام، ولن نقول: لنتعلم منهم، بل لنستوحي أخلاق الإسلام من إسلامنا، فالإسلام دين المعاملة، ودين الآداب وسبيل الحسنى، ودين "تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك".
وأخيرًا: يقول -عليه الصلاة والسلام-: "إن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه"، وهذه الساعة هي آخر ساعة قبل غروب الشمس كما عليه الكثير من أهل العلم قديمًا وحديثًا، فحذار أن تُملأ هذه الساعة وكل ساعة تُتحرى فيه الإجابة بغير ذكر الله -عز وجل- ودعائه والصلاة على نبيه، فهذه الساعات ربانية النفحات, والنفحات ليست مضمونة الدوام.
ثم يقول: "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ"، قَالُوا: وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟! فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ -جَلَّ وَعَلَا- حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَامَنَا".
اللهم صلّ وسلم...