الحافظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
أيها المؤمنون عباد الله: والرسل -عليهم صلوات الله وسلامه- هم صفوة الناس، اختارهم الله -تبارك وتعالى- على علم؛ ليكونوا وسطاء وسفراء بينه وبين عباده في إبلاغ وحيه، وبيان دينه، وإيضاح شرعه، فلا صلاح للناس ولا فلاح إلا بالإيمان بالرسل، واتِّباع ما جاءوا به من رب العالمين. وقد بلَّغوا أجمعين البلاغ المبين، فما ترك رسول أرسله الله خيرًا إلا دل أمته عليه، ولا شرًا إلا حذرها منه، فبلغوا رسالات الله كاملة دون نقص أو إخلال، وهي المهمة المناطة بهم: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ)[النور: 54]. والرسل هم من البشر؛ أجسامهم مثل أجسام البشر، تحتاج ما تحتاج إليه أجسام البشر من...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الواحد القهار، يخلق ما يشاء ويختار، وأشهد أن لا إلـاه إلا الله وحده لا شريك له الرحيم الغفار، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله النبي المصطفى المختار؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ما تعاقب الليل والنهار.
أمّا بعد:
أيها المؤمنون عبَادَ الله: اتّقوا الله -تعالى- وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه؛ فإنّ تقوى الله -جل وعلا- خير زادٍ يبلغ إلى رضوان الله، قال الله -تعالى-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[البقرة: 197].
أيها المؤمنون عباد الله: إن الرسل الكرام هم صفوة البشرية، وخيار عباد الله، وخلاصة الناس، وخيرة رب العالمين من خلقه جل في علاه؛ اصطفاهم الله -تبارك وتعالى- على علم، واختارهم وميَّزهم وخصهم بكمالاته وفضله، ومنَّ عليهم برسالاته ووحيه، والله -سبحانه وتعالى- يصطفي ما يشاء ويختار، قال الله -تعالى-: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ)[الحج: 75].
ويقول جل وعلا: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)[القصص: 68].
والإيمان بهم -عباد الله- أصلٌ من أصول الإيمان، وركنٌ من أركان الدين؛ فلا قيام لدينٍ ولا قبول لعبادةٍ، ولا صلاح لبشرٍ؛ إلا بالإيمان بهم، واقتفاء أثرهم، ولزوم نهجهم، قال الله -تبارك وتعالى-: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)[البقرة: 136].
ويقول الله -تبارك وتعالى-: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللهِ وَمَلَآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ )[البقرة: 285].
ويقول جل وعلا: (يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَـبْـلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)[النساء: 136].
أيها المؤمنون عباد الله: والرسل -عليهم صلوات الله وسلامه- هم صفوة الناس، اختارهم الله -تبارك وتعالى- على علم؛ ليكونوا وسطاء وسفراء بينه وبين عباده في إبلاغ وحيه، وبيان دينه، وإيضاح شرعه، فلا صلاح للناس ولا فلاح إلا بالإيمان بالرسل، واتِّباع ما جاءوا به من رب العالمين.
وقد بلَّغوا أجمعين البلاغ المبين، فما ترك رسول أرسله الله خيرًا إلا دل أمته عليه، ولا شرًا إلا حذرها منه، فبلغوا رسالات الله كاملة دون نقص أو إخلال، وهي المهمة المناطة بهم: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ)[النور: 54].
أيها المؤمنون عباد الله: والرسل هم من البشر؛ أجسامهم مثل أجسام البشر، تحتاج ما تحتاج إليه أجسام البشر من طعام وشراب، ونوم وراحة، ويصيب أجسامهم ما يصيب أجسام البشر من برد وحر ومرض وموت.
ولهذا -عباد الله-: ليس للرسل إطلاقًا شيءٌ من خصائص الرب العظيم، ولا شيءٌ من صفات الإله -جل وعلا-؛ فخصائص الله لله، وحقوق الله -تبارك وتعالى- لله، ليس لأنبيائه ولا لأحدٍ من عباده شيءٌ منها، قال الله -تبارك وتعالى-: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ)[آل عمران: 79].
ويقول الله -تبارك وتعالى-: (وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 80].
أيها المؤمنون عباد الله: ولهذا جاءت الشريعة بالتحذير من الغلو في الدين والمغالاة في الأنبياء والمرسلين بإعطائهم شيء من أوصاف الله، أو من حقوقه جل في علاه، والنصوص في هذا المعنى كثيرة؛ يقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ)[النساء: 171].
ويقول النبي الكريم -صلوات الله وسلامه وبركلاته عليه-: "إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ".
ويقول صلوات الله وسلامه عليه: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ".
أيها المؤمنون عباد الله: والأنبياء أجمعون دينهم واحد، عقيدتهم واحدة، دعوتهم واحدة، كلهم دعاةٌ إلى عبادة الله وإخلاص الدين له جل في علاه، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[النحل: 36].
ويقول الله -تبارك وتعالى-: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ) أي الرسل: (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ)[الأحقاف: 21].
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وفي الصحيحين من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ".
أي عقيدتنا واحدة وشرائعنا تختلف من نبي إلى آخر؛ كما قال الله -تبارك وتعالى-: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)[المائدة: 48].
أيها المؤمنون عباد الله: إن الإيمان بالأنبياء والرسل -عليهم صلوات الله وسلامه- يتطلب من العبد محبةً لهم، ومعرفةً بأقدارهم، وإدراكًا لرفعة مقامهم، وتعظيمًا لشأنهم التعظيم اللائق بهم، وحُسن الاتباع لآثارهم، والاهتداء بهديهم، واللزوم لمنهجهم -عليهم صلوات الله وسلامه-، والبُعد كل البعد عن انتقاصهم أو التقليل من شأنهم أو الحط من مكانتهم؛ فإن هذا هو الهلاك المحقق.
وليُعلم في هذا المقام -عباد الله-: أن الأنبياء -عليهم السلام- هم الميزان الذين على أقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم توزن الأعمال والأقوال والأخلاق؛ فمن كانت أعماله وأخلاقه وأفعاله وفق أعمال النبيين فهو من السعداء الفائزين، ومن كانت أعماله بخلاف ذلك فهو من الأشقياء الهالكين.
أيها المؤمنون عباد الله: ولما بعُد كثير من الناس عن هذا المقام العظيم، والنظر في سير الأنبياء والمرسلين، وجعْلهم قدوةً للناس كثُرت فيهم أنواعٌ من الضلالات، وصنوفٌ من الانحرافات، وكلما بعُد الناس عن معين الأنبياء العذب ومنهلهم الصافي المبارك، كان ذلك موجبًا لهلاكهم في دنياهم وأخراهم.
أيها المؤمنون عباد الله: لنعمل على العناية الصادقة بهدي الأنبياء وسيَرهم، ولننشئ الأبناء على ذلك تحقيقًا لتقوى الله وعملًا على طلب رضاه، ولننال بذلك سعادة الدنيا والآخرة؛ فإنه -إي والله- لا فلاح ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا بذلك.
اللهم يا رب العالمين ارزقنا أجمعين حسن الاتباع لسبيلهم والاقتفاء لآثارهم، وأعذنا أجمعين من سبيل المعرضين الهالكين.
أقول هـاذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنّه هو الغفور الرّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إلـاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعد:
أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله -تعالى-.
عباد الله: وإذا كان في أمم الأنبياء وأقوامهم من قابل رسالات الله بالجحد والتكذيب، والصد والعناد، فإنه -عباد الله-: في زماننا هذا الزمان الذي انفتح الناس فيه على حضاراتٍ باهرة، وصناعاتٍ متنوعة؛ فحلَّق الناس في الهواء، وغاصوا في البحار، ووقفوا على علوم لم يقف عليها من سبقهم، فبانبهار كثير من الناس بهذه الحضارات وُجد في عدد منهم من كان بسبب انبهاره بهذه الحضارات جاحدًا ومعاندًا ومراغمًا ومعرضًا عما جاءت به أنبياء الله ورسله -عليهم صلوات الله وسلامه-.
بل وجد في الناس -عباد الله- حتى فيمن نشأ في ديار الإسلام من أصبح يظن أن فيما جاءت به الأنبياء ما يعيق التقدم والحضارة، ويرى أن ما جاءت به الأنبياء يعد تكبيلًا للناس وتقييدًا لهم ومنعًا لهم من مثل هذا التقدم والحضارات.
وكذبوا –والله- فإن دين الله -تبارك وتعالى- لا يمنع أمرًا فيه خيرٌ وصلاحٌ للبشرية ونفعٌ للعباد.
ودين الله -تبارك وتعالى- إنما يمنع كلُّ أمر فيه انحلالٌ وانحرافٌ وضياعٌ للعقول، وفسادٌ للأخلاق وخرابٌ للأديان.
الدين العظيم لا يعيق عن خيرية، وهدايات الأنبياء والمرسلين لا تمنع من فضيلة، وإنما في أديان الأنبياء والمرسلين -عليهم صلوات الله وسلامه- ما يمنع من كل فسادٍ وضلالٍ وانحلال.
أيها المؤمنون عباد الله: لنحمد الله جل في علاه حمدًا كثيرا أن جعلنا من أتباع الأنبياء والمرسلين، وأن أعاذنا سبحانه من سبيل المارقين الهالكين.
نسأله جل في علاه أن يصلح أحوالنا أجمعين، وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يردهم إلى الحق ردًا جميلا، وأن يعيذنا من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا الثبات على الحق، وأن يصلح لنا شأننا كله وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لرضاك، وأعنه على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.