البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

سراق رمضان

العربية

المؤلف عبد الله بن ناصر الزاحم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - الصيام
عناصر الخطبة
  1. سرقة أرباب الفضائيات لثمرات الصوم وسعيهم لإفساده .
  2. معالم للفساد فيما يسمى بالبرامج والمسلسلات الرمضانية .
  3. استغلال رمضان بالعمل الصالح والتوبة والاقتداء بالأخيار .

اقتباس

فهؤلاء لم يهدأ لهم بال، ولم يقر لهم قرار، بأن يروا المسلمين في هذه الحال من التوبة والإنابة، والعبادة والقرب من الله، فجندوا جنودهم، واستنفروا قواهم، وأجلبوا بخيلهم ورَجِلِهِم، وبذلوا أموالهم وجهودهم؛ لصد الناس عن دين الله، وإشغالهم عبر فضائياتهم ببرامجهم التافهة، التي تحمل الشر والفسق، بل الكفر البواح، أولئك سُرّاق رمضان، سرّاق الصيام، سراق التوبة والإنابة، الذين يستهزؤون بدين الله وشرائعه، وبدعاته وعلمائه.

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...

أما بعد عباد الله: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى، واحمدوه -جل وعلا-، واشكروه على أن بلغكم شهر رمضان، شهر الخير والبر والإحسان.

معاشر المؤمنين: في هذا الشهر الكريم تتّصل القلوبُ ببارئها، فتمتلئ المساجد بعباد الله؛ ما بين مصلٍّ، وذاكر، وتالٍ لكتاب الله، كلهم يرجون رحمة الله، يطلبون الأجر والتخلّص من الأوزار والذنوب.

والله -جل وعلا- يقترب من عباده كلما ازدادوا قرباً منه، فيعطى السائلَ سؤله، ويغفر للتائب ذنبه، وفي كل ليلة له عتقاء من النار.

عباد الله: إن تلك الأوبة إلى الله، والإنابة إليه؛ شرق بها أعداء الدين من اليهود والنصارى وأذنابهم من أبناء المسلمين الذين انحلت أخلاقهم، وتمزقت عقيدتهم، وضاع ولاؤهم لدينهم وعقيدتهم وأمتهم.

فهؤلاء لم يهدأ لهم بال، ولم يقر لهم قرار، بأن يروا المسلمين في هذه الحال من التوبة والإنابة، والعبادة والقرب من الله، فجندوا جنودهم، واستنفروا قواهم، وأجلبوا بخيلهم ورَجِلِهِم، وبذلوا أموالهم وجهودهم؛ لصد الناس عن دين الله، وإشغالهم عبر فضائياتهم ببرامجهم التافهة، التي تحمل الشر والفسق، بل الكفر البواح، أولئك سُرّاق رمضان، سرّاق الصيام، سراق التوبة والإنابة، الذين يستهزؤون بدين الله وشرائعه، وبدعاته وعلمائه.

لقد جندت تلك القنوات رجالها وإمكاناتها ليتسللوا إلى بيوت المسلمين ليعتدوا على هذا الشهر الكريم، بما يسمونه بالبرامج الرمضانية، المليئة بالفسق والفجور.

نبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار في كل ليلة"، وهؤلاء يقولون: يا باغي الشر أقبل، ويا باغي الخير أقصر، ولهم في كل ليلة ضحايا، أضاعوا صيامهم، وهدموا أجورهم، وقادوهم إلى الخسار! وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين وصفهم بقوله: "دعاة على أبواب جهنم، مَن أجابهم قذفوه فيها".

عباد الله: كيف يرضى عاقل أن يُضيع فرصة المغفرة والرحمة والعتق من النار، ويستجيب لمن يُحمِّلونه الآثام والأوزار؟!.

كيف يرضى عاقل بأن يحوّل شهر التقوى والطهر والعفاف، إلى حياة يملؤها اللهو واللعب والعبث؟!.

في رمضان تُسلسل شياطينُ الجن ومردتهم، فتقع مهمة الإضلال والغواية على شياطين الإنس ومردتهم؛ فيضاعفون جهودهم!.

هؤلاء المردة الذين وراء هذه البرامج -للأسف!- يتسمّون بأسماء إسلامية، ويزعمون أنهم مسلمون، ويعيشون في بلاد المسلمين، لكنهم -للأسف!- تنكّروا على دينهم وأهليهم وأوطانهم، وساءهم أن تُغفر للمسلمين الزلات، فلم يجدوا سبيلا إلا أن يشغلوهم في هذا الشهر الكريم عن الذكر والاستغفار وقراءة القرآن، بالجلوس أمام هذه القنوات، وأن يكتفوا من الصيام بالإمساك عن الطعام والشراب فقط.

أين نحن من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه"، والله -عز وجل- فرض الصيام لحكم عظيمة، أعظمها حصول التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183]، فكيف تحصل التقوى والجوارح ما صامت عن ما يغضب الله؟! وكيف تنزل الرحمات على بيوت يُستهزأُ فيها بدين الله؟! ويُسخرُ فيها بأولياء الله؟!.

إن مشاهدة هذه البرامج تقضي على البقية الباقية من إيمان العبد. إن تسميتهم هذه البرامج بالبرامج الرمضانية أو المسلسلات الإسلامية لا يبيح النظر إليها والاستماع لها.

تُعرض على الناس برامج منتجة في بلاد عربية مسلمة، وأغلب القائمين على إنتاجها وتمثيلها يحاربون الله ورسوله، يُعرض على الناس تهريجٌ وإضحاكٌ غير منضبط، واستهزاءٌ بالشعوب واللهجات، وانتقادٌ واستهزاءٌ لما حسُن من الأخلاق والعادات.

يستهزئون بدين الله فيُظهرون رجال الدّين والحسبة على أنهم سبب كلّ شرّ وفتنة وتأخر، ويؤلِّبون عليهم ويُظهرون أنفسهم -بهيئاتهم المزرية- على أنهم المصلِحون المجدِّدون! (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ) [المطففين:29-32].

يعرضون على الناس في شهر الإيمان والإحسان، الشركَ والكفرَ بالله -تعالى-، يعرضون السحر والشعوذة والزندقة، ويعرضون تمثيليات ومسلسلات العشق والغرام والكذب والسيئ من الأخلاق، يعرضون صورَ الجريمة وأساليب النصب والاحتيال، يعرضون السخرية بحجاب المرأة والاستهزاء بعباءتها ونقابها، يسخرون بعادات المجتمع وتقاليده وأخلاقه وعفافه.

وأفلامهم التي يسمونها بالإسلامية أو المسلسلات الدينية، يمثلها فساق، كانوا قبل رمضان يمثلون أفلام الفسق والفساد، وفي رمضان يمثّلون أدوار الصحابة والصحابيات! أكرمهم الله وأعزهم عن أولئك الفسقة! إنها قمة الاستهزاءِ بعقول الناس!.

لقد أماتت هذه المناظرُ الغيرةَ على الدين وعلى الصحابة عند كثير من المسلمين، فأصبح النظر إليها أمرا معتادا عندهم. فاتقوا الله أيها الصائمون.

إننا نخاطب الإيمان الذي في قلوبكم، والصيام الذي تفرحون به، والعبادات التي تتقربون بها، أن تتقوا الله -جل وعلا-، وأن لا يعصي أحدنا الله بنعَمِه التي أنعم بها عليه.

هل هذا شكرٌ الله يوم أن بلّغكم رمضان حين حال بين آخرين وبين رمضان فماتوا قبل أن يدركوه؟!.

عباد الله: إن الله -جل وعلا- نهى عن مجالسة هؤلاء، وحذر منها، فقال: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذَاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعَاً) [النساء:140].

وقال عن أمثال هؤلاء: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد:28].

وعدّ أهلُ العلم إبغاض شيء مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولو عمل به من نواقض الإسلام، وكذلك الاستهزاء بشيء من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء، كأن يكون مازحا أو هازلاً.

فاتق الله يا عبد الله؛ فأيام عمرك معدودة، وأنت منهي عن قضائها فيما لا فائدة منه، فكيف وأنت تقضيها فيما يعود عليك بالخسارة؟!.

واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله -تعالى- خيرا منه، وقلب العبد كالمرآة، والذنوب كالصدأ فيها.

ولنعرف لرمضان حقه وحرمته، ولنترك المعاصي والذنوب، ونتوب إلى الله توبة صادقة في هذا الشهر، فإنها -والله!- فرصة، والمحروم من حرم ذلك.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [لقمان:6-7].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله -تعالى- وتوبوا إليه، واعلموا أن ربكم -بفضله ومنّه- قد جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه، يتسابقون فيه بطاعته، فبادروا -وفقكم الله- إلى الخيرات، وأصلحوا من أحوالكم، فالمسؤولية عظيمة، والمحاسبة دقيقة.

أوصى أبو ذر -رضي الله عنه- أصحابه يومًا فقال: "إن سفر القيامة طويل، فخذوا ما يصلحكم، وصوموا يومًا شديد الحر لحرّ يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور، وتصدقوا بصدقة السر ليوم العسر".

ولما قيل للأحنف بن قيس: إنك شيخ كبير، والصوم يضعفك، قال: "إني أُعدّ لسفر طويل، والصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله".

فاقتدوا بهؤلاء الأخيار، وخير القدوات محمد -صلى الله عليه وسلم-، الذي يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره.

واستكثروا -عباد الله- من الطاعات والنوافل من بعد الفرائض؛ استغلالاً لساعات هذا الشهر الكريم.

ثم اعلموا -عباد الله- أن الله قد أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى فيه بملائكته المسبحة بقدسه، وثلث بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]...