البحث

عبارات مقترحة:

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

معالم في العشر الأواخر

العربية

المؤلف محمد بن عدنان السمان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. معالم في طريق التقرب إلى الله في العشر الأواخر .
  2. هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر .
  3. في أي شيء يكون الاجتهاد في العشر .
  4. من الطاعات التي تتأكد في هذه العشر المباركات .
  5. الحث على اغتنام ما بقي من رمضان .

اقتباس

المعتكف ذكر الله أنيسه، والقرآن جليسه، والصلاة راحته، ومناجاة ربه متعته، والدعاء والتضرع لذته، ويكون بذلك قريبًا من ربه، قريبًا من تحقيق قيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، إضافة إلى الأجور الكبيرة المترتبة على التزامه للمسجد، من استغفار الملائكة له، وانتظاره الصلاة بعد الصلاة، وإدراكه لتكبيرة الإحرام، وتلاوته وسماعه للقرآن، وقيامه لليل...

الخطبة الأولى

الحمد لله امتن علينا بنعم كثيرة وآلاء عظيمة؛ فلك اللهم الحمد على كل نعمة أنعمتها علينا، والصلاة والسلام على رسولنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله معاشر الصائمين.

عباد الله، مضى ثلثا هذا الشهر العظيم، اجتهد فيها من اجتهد بالعبادة والطاعة، والتقرب إلى الله سبحانه بالحسنات والأعمال الصالحات، مقتفيًا بذلك هدي قدوة الأمة نبينا محمد، الذي "كان أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ"، وعازمًا على الصيام والقيام إيمانا بالله وتصديقًا بوعده واحتسابًا للأجر المتحصل على هذه الأعمال الفاضلة، وقد قال الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- مبشرًا لمن هذا وصفه وذاك عمله: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه" (رواه البخاري)، وقال: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه" (متفق عليه).

وبقي ثلثه الأخير، وعشره المباركات، والتي كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يحتفي بها، ويقدمها على غيرها، بل ويتفرغ للعبادة فيها، كل ذلك حرصًا منه -صلى الله عليه وسلم- وهو يبني منهجًا لأمته بأن تجعل من تلك الأيام والليالي معالم في طريق التقرب إلى الله، وإضاءات في طريق المسابقة إلى الخيرات، ومنارات في طريق المنافسة في الطاعات، وعلامات في المسارعة للحسنات.

ومن أبرز تلك المعالم ما يلي:

أولاً: جدّه واجتهاده -صلى الله عليه وسلم-:

 عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره. (رواه مسلم).

وقالت أيضًا -رضي الله عنها- فيما رواه الإمام مسلم: "كان رسول الله إذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله وجدَ وشد المئزر".

والجدّ هو: بذل الجهد في طلب الطاعات أو في فعلها، أي: بذل ما يمكنه من الوسع، وذلك يستدعي أن يأتي الطاعة بنشاط ورغبة وصدق ومحبة، ويستدعي أن يبعد عن نفسه الكسل والخمول والتثاقل وأسباب ذلك، ففي أي شيء يكون هذا الجدّ؟

الجد في الصلاة فيصلي في الليل والنهار ما استطاع. والجد في القراءة أن يقرأ ما تيسر من القرآن بتدبر وخشوع وقلب حاضر. والجد في الذكر أن يذكر الله ولا ينساه، ولا يزال لسانه رطبًا بذكر الله. والجد في الدعاء أن يدعو ربه تضرعا وخفية، وأن يكثر من الدعاء. والجد في الأعمال الخيرية المتعددة من النصائح والعبادات، وما أشبه ذلك. والجد في العلم والتعلم وما يتصل بذلك، أي: الاجتهاد في الأعمال كلها.

ثانيًا: عنايته الخاصة -صلى الله عليه وسلم- بليالي العشر:

ورد في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله". وفي المسند عنها رضي الله عنها قالت: "كان النبي يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمر وشد المئزر".

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "(وأحيا ليله) أي: سهره بالطاعة"، وقال الإمام النووي -رحمه الله-: "أي: استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها"، وقال في عون المعبود: "أي: بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن".

ثالثًا: تحريه -صلى الله عليه وسلم- لليلة القدر:

ليلة القدر ليلة عظيمة مباركة، قال الله تعالى عنها: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [سورة القدر].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري ومسلم.

وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأن أوتار العشر أرجى من غيرها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في كل وتر"، وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الليلة متنقلة في العشر، وليست في ليلة معينة منها دائمًا، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين وهي أرجى الليالي، وقد تكون في تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع. فمن قام ليالي العشر كلها إيمانًا واحتسابًا أدرك هذه الليلة بلا شك، وفاز بما وعد الله أهلها.

رابعًا: عنايته الخاصة -صلى الله عليه وسلم- بأهله:

ثبت في الصحيحين قول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلت العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئزره". وهذه العناية منه -صلى الله عليه وسلم- بإيقاظ أهله -رضوان الله عليهم- لها دلالتها البالغة، مع شده لمئزره واعتزاله النساء ليتفرغ للعبادة والطاعة.

إن هذه العناية بأمر الزوجة والأهل والأولاد تجعل من البيت المسلم يعيش في روحانية رمضان هذا الشهر الكريم، فعندما يقبل الأب والأم والأبناء والبنات على الصلاة والعبادة والذكر وقراءة القرآن، ولنحفزهم على ذلك الخير، فـ"من دعا إلى هدى كان له من الخير والأجر مثل أجور من اتبعه؛ لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا".

نقل الإمام ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في لطائف المعارف عن الإمام سفيان الثوري -رحمه الله- أنه قال: "أحب إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه، ويُنْهِض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك".

اللهم إنا نسألك إيمانًا كاملاً ويقينًا خالصًا. أقول ما سمعتم...

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.

أما بعد: فاتقوا الله إخوة الإسلام.

معاشر الصائمين، ومما يتأكد من معالم هذه العشر المباركات:

خامسًا: اعتكافه –صلى الله عليه وسلم-:

الاعتكاف هو لزوم المسجد بنية مخصوصة لطاعة الله تعالى، وهو سنة مؤكدة عن النبي، قال الزهري -رحمه الله-: "عجبًا للمسلمين! تركوا الاعتكاف مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله -عز وجل-".

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله -عز وجل-، ثم اعتكف أزواجه من بعده". (رواه البخاري ومسلم).

المعتكف ذكر الله أنيسه، والقرآن جليسه، والصلاة راحته، ومناجاة ربه متعته، والدعاء والتضرع لذته، ويكون بذلك قريبًا من ربه، قريبًا من تحقيق قيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، إضافة إلى الأجور الكبيرة المترتبة على التزامه للمسجد، من استغفار الملائكة له، وانتظاره الصلاة بعد الصلاة، وإدراكه لتكبيرة الإحرام، وتلاوته وسماعه للقرآن، وقيامه لليل، ففي الاعتكاف حفظ لوقت المسلم، ومساعدة له على عمارته بالمفيد من الأعمال الصالحة، وتربية له على العبادة والطاعة، وتعلق لقلبه بالمسجد وهو مما يحب الله، وطمأنينة للنفس وتزكية لها، وزيادة في إيمانه وقربه من الله، أضف إلى ما يحصل للمعتكف من الابتعاد عن الشواغل والصوارف التي تشغل الإنسان عن العبادة، وتصرفه عنه.

اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، وبلغنا ليلة القدر، وأعنا على قيامها إيمانًا واحتسابًا...