البحث

عبارات مقترحة:

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

من هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- في التربية والتعليم

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. التَّربِيَةُ والتَّعليمُ أساسُ بِنَاءِ الأُمَمِ .
  2. هَدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في التَّربِيَةِ والتَّعليمِ والتَّقريبِ والتَّفهيمِ .
  3. فنون تعامله صلى الله عليه وسلم مع المتعلمين .

اقتباس

النَّاسُ مَعادِنُ، وَقُدُرَاتٌ مُتَفَاوِتَةٌ، والمُعلِّمُ النَّاجِحُ والمُرَبِّي الحاذِقُ, مَنْ يَتَعَامَلُ معَ الجَمِيعِ، كُلٌّ بِحَسَبِ إمكَانِيَّاتِهِ وقُدُراتِهِ, والمُوفَّقُ من أرشدَهُ اللهُ وبَصَّرَهُ.. وما قصَّةُ الأعرابيِّ الذي بالَ في ناحِيَةِ المسجِدِ إلاَّ دليلٌ قاطِعٌ على حُسنِ التَّعليمِ, وأخذِ الأمور بِرفقٍ وتَعَقُّلٍ ولِينٍ. مَن ظنَّ أنَّهُ سَيَرِدُ مَشرَبَ التَّربِيَةِ والتَّعليمِ من غَيرِ حَوضِهِ, فقد أخطأ الطَّريقَ!؟ وَمَن اعتَقدَ أن سَيُصلِحُ النَّاسَ من غَيرِ مَنهَجِهِ, فقد ضَلَّ الطَّريقَ!؟

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ على ما يسَّرَ وأَنعَمْ، عَلَّمَنا مَا لَمْ نَكُن نَعْلَمْ, مَنَّ عَلينا بِإِنْزَالِ الْكُتُبِ وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ نَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْكَرِيمُ الأَكْرَمُ,وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الْمُرْشِدُ إِلَى السَّبِيلِ الأَقْوَمِ, صَلَّى اللهُ وسَلَّمْ وباركَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وإيمانٍ.

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمنونَ, فبالتَّقوى تُنالُ العُلُومُ، وتَصلُحُ الأَحوالُ، وتَزكُو الأَعمَالُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29].

 مَعشَرَ المُسلِمينَ: التَّربِيَةُ والتَّعليمُ أساسُ بِنَاءِ الأُمَمِ، فَبِها تُصَاغُ العُقُولُ، ويُصانُ السُّلُوكُ، وتُزَكَّى النُّفُوسُ, ويَعبُدُ النَّاسُ رَبَّهم على عِلمٍ وبَصيرَةٍ! فَتَعَالَوا في جَولَةٍ مع المُعَلِّمِ الأَوَّلِ, والمُربِّي الأَقوَمِ, نَبيِّ الرَّحمَةِ والهُدى, لِنَتَعَرَّفَ على مَنهَجِهِ في التَّربِيَةِ والتَّعليمِ, والتَّقريبِ والتَّفهيم, ذلكمُ المُعَلِّمُ، الذي أَحيَا اللهُ به القلوبَ، وأنارَ بِهِ العُقُولَ، وأَخرَجَنَا به من الظُّلمَاتِ إلى النُّورِ، فقد أَرسَلَهُ اللهُ رَحمَةً وأمانَاً, وحُجَّةً وقُدوَةً للخلقِ أجمعينَ, صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164] فهو أُسوتُنَا, يومَ أنْ تَشَدَّقَ أناسٌ بِفَلاسِفَةِ التَّربِيةِ الغَربِيَّةِ! وغَفَلوا عن القدوَةِ الحَقِيقِيَّةِ! وهو قُدوتُنا يومَ أن اتَّهمنا أناسٌ بالتَّطَرُّفِ والغُلوِ!

فما أجملَ قولَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ واصِفاً تعليمَ النَّبيِّ: «فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ».

فيا مُؤمنونَ: مَن ظنَّ أنَّهُ سَيَرِدُ مَشرَبَ التَّربِيَةِ والتَّعليمِ من غَيرِ حَوضِهِ, فقد أخطأ الطَّريقَ!؟

وَمَن اعتَقدَ أن سَيُصلِحُ النَّاسَ من غَيرِ مَنهَجِهِ, فقد ضَلَّ الطَّريقَ!؟

وإليكم يا كرامُ: بعضَ مَعالِمِ هَديِهِ في التَّربِيَةِ والتَّعليمِ,والتَّقريبِ والتَّفهيمِ. فمن ذلكَ, أنَّهُ يَدفَعُ النَّاسَ إلى التَّعلِيمِ مُبيِّناً لهم فَضلَ العِلمِ وطَلَبِهِ؛ حتى يَشعُرَ المُتَعَلِّمُ بِشِدَّةِ حاجَتِهِ إلى العلمِ, عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ السَّلاَمَ وَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ». فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فَعَلِّمْنِي, فَعَلَّمَهُ صِفَةَ الصَّلاةِ كُلِّهَا.

فَتأمَّلوا لقد جَعَلَ الرَّجُلَ يَشعُرُ بشِدَّةِ حاجَتِهِ إلى التَّعليمِ لأنَّهُ فرْقٌ بَينَ أنْ يُعلِّمُه ابتِدَاءً، وبينَ أنْ يَشعُرَ هو بالحاجَةِ!

ومن خصائِصِ تَعلِيمِهِ عِنايتُهُ بِالمُتَعَلِّمِ: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "بَيْنَمَا النَّبِيُّ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللهِ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ, وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ، قَالَ: "أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟" قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ. قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا، قَالَ: إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، فلم يَنْسَ السَّائِلَ ولمْ يُهمِلْهُ، وهذا خُلُقٌ سَامٍ ورَفيعٍ منه!

ومن خصائِصِ تَعلِيمِهِ تَشجِيعُ الطَّالِبِ والثَّنَاءُ عليهِ: فَحِينَ سَألَ أبو هُرَيْرَةَ رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ" «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ».

عبادَ اللهِ: واللهِ كأنِّي بِأبي هُريرةَ يطيرُ فَرَحاً من هذا الثَّناءِ! ولمَّا سَألَ رَسُولُ اللَّهِ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ فقالَ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ». قَالَ: اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. فَضَرَبَ على صَدْرِه وَقَالَ: «وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ»، فَتَخَيَّل مَعي: حالَ أَبِي هُريرَةَ، وأَبِي الْمُنْذِرِ وهما يَسمَعَانِ هذا الثَّنَاءَ العَطِرَ، وتِلكَ الشَّهَادَةَ النَّبَوِيَّةَ الخالِدَةَ, حَتْمَاً سَتَدْفَعُهُما لِمَزِيدٍ من الحرصِ والعِنَايَةِ والسُّؤالِ!

فالأمرَ أيها المُربُّونَ: لا يَعدُو كَلِمَةَ ثَنَاءٍ، أو عِبَارَةَ تَشجيعٍ، تَنقُلُ الطَّالِبَ من مَوقِعِ التَّلقِّي والسَّماعِ إلى سُلَّمِ الحرصِ والاجتِهَادِ!

عبادَ اللهِ: ومن خصائِصِ تَعلِيمِهِ تَعوِيدُ طُلاَّبِهِ وأصحابِهِ على الاستنبَاطِ وَمعرِفَةِ العِلَّةِ وسَبَبِ الحُكْمِ فَيَجعَلُهم يُفكِّرونَ ويُحاوِلونَ وَيَستَنبِطُونَ, وهذا جانَبٌ تربُويٌّ مهم سَأَلَ أَصحَابَهُ يَومَاً، فقال: «إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ»، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي حتى قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّهَا النَّخْلَةُ.

وحينَ قَالَ الصَّحابةُ لِرَسُولِ اللَّهِ: "أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟" قَالَ :«أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ».

فانظُروا: كيفَ علَّمَ أَصحَابَهُ عِلَّةَ الحُكمِ, وأهمِّيةَ القِياسِ والمُقارَنَةِ! فاللهمَّ عَلِّمنَا ما يَنْفَعُنا وانفعْنِا بِما عَلَّمتَنا وارزقنا حُسنَ القولِ والمُعتقدِ والعمل. أقولُ ما سمعتم وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولِسائِرِ المسلمين من كلِّ ذنبٍّ إنَّهُ هو الغفور الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ, أَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ! وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ, المَبعُوثِ رَحمَةً للعالَمينَ, وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

عبادَ اللهِ: حَدِيثُنا لا زَالَ مَوْصُولاً عَنْ هَدْيِ النَّبِيِّ فِي التَّربِيَةِ والتَّعْلِيمِ, فَمَا أَجْمَلَ أَنْ نَقْتَبِسَ مِيرَاثَهُ ونَحذُوَ حَذْوَهُ ونحنُ على أبوابِ عامٍ دِراسيٍّ جديدٍ.

أيُّهَا الْمُرَبُّونَ الأفاضِلُ: ومن خصائِصِ تَعلِيمِهِ: التَّطْبِيقُ الْعَمَلِيُّ أمامَ أصحابِهِ! فَكَثِيراً ما يَتَوَضَّأُ أَمَامَ النَّاسِ, فإذا انْتَهَى قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وكانَ يُصَلِّي على الْمِنْبَرِ ويسجدُ ويقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعْلَمُوا صَلاتِي»، فَمَا أَجْمَلَهُ مِنْ تَعْلِيمٍ! وما أَقْربَهُ وأَيسَرَهُ مِنْ تَفْهيمٍ!

وكثيرٌ من إخوانِنا المُعلِّمينَ الْمُوَفَّقِينَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بحمدِ اللهِ -تعالى-, فَجَزَاهُمُ اللهُ خَيْرَ الجزاءِ وأوفاهُ.

عبادَ اللهِ: ومن خصائِصِ تَعلِيمِهِ مَعرِفَتُهُ لِقُدُرَاتِ طُلاَّبِهِ, ومُراعاةُ فُرُوقِهمُ الفَردِيَةِ: فمن دِقَّةِ مَعرِفَتِهِ أنْ قالَ: «أرحمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أبو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهم في أَمرِ اللهِ عُمَرُ، وَأَصدَقُهم حَيَاءً عُثمَانُ، وَأَعلَمُهم بالحلالِ والحَرَامِ مُعاذُ بنُ جَبَلٍ، وَأفرَضُهُم زَيدُ بنُ ثَابِتٍ، وَأَقرؤهم أُبَيٌّ، ولِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هذهِ الأُمَّةِ أبو عُبيدَةَ بنِ الجَرَّاحِ».

وسُبحانَ اللهِ: النَّاسُ مَعادِنُ، وَقُدُرَاتٌ مُتَفَاوِتَةٌ، والمُعلِّمُ النَّاجِحُ والمُرَبِّي الحاذِقُ, مَنْ يَتَعَامَلُ معَ الجَمِيعِ، كُلٌّ بِحَسَبِ إمكَانِيَّاتِهِ وقُدُراتِهِ, والمُوفَّقُ من أرشدَهُ اللهُ وبَصَّرَهُ.

وما قصَّةُ الأعرابيِّ الذي بالَ في ناحِيَةِ المسجِدِ إلاَّ دليلٌ قاطِعٌ على حُسنِ التَّعليمِ, وأخذِ الأمور بِرفقٍ وتَعَقُّلٍ ولِينٍ.

وَحَدَّثَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ فَقَالَ: "بَيَّنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَرْحَمُكُ اللَّهُ، فَحَدَّقَنِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ, فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ، مَا لَكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَضَرَبَ الْقَوْمُ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي سَكَتُّ, فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ دَعَانِي، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَطُّ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، وَاللَّهِ مَا ضَرَبَنِي، وَلاَ كَهَرَنِي، وَلاَ شَتَمَنِي، وَلَكِنْ قَالَ: «إِنَّ صَلاَتَنَا هَذِهِ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ، إِنَّمَا هِيَ التَّكْبِيرُ،  وَالتَّسْبِيحُ، وَتِلاَوَةُ الْقُرْآنِ».

اللهُ أكبرُ يا مُؤمنونَ! أفلا يَجْدُرُ بِنَا أنْ نَتَأَسَّى بِمَنهَجِهِ، ونَقتَدِيَ بِهديِهِ؟!

قالَ الشيخُ السَّعديُّ رحمهُ اللهُ: "لقد أَرشَدَنا رَبُّنَا إلى الطَّرِيقَةِ المُثلى في تَعلِيمِ المُتَعَلِّمينَ، بِأَنْ نَسلُكَ أَقرَبَ طَرِيقٍ يُوصِلُ المَعَارِفَ إلى أذهَانِ المُشتَغِلِينَ؛ فلا نَزحَمُهَا بِكثرَةِ الفُنُونِ، ولا نُلقَىَ عَلَيهم مِنْ المَسَائِلِ ما لا يُطِيقونَ، بل على كُلِّ أَحَدٍ ما يَتَحَمَّلُهُ ذِهنُهُ, وما يَشتَاقُ إليهِ، فالقَلِيلُ الثَّابِتُ البُنْيَانُ، خَيرٌ من الكَثِيرِ الذي هو عُرضَةٌ لِلنِّسيَانِ، وَلْيَكُن تَأْسِيسُكُم على عُلومٍ نَافِعَةٍ صَحِيحَةٍ، وَمَعارِفَ قَوِيَّةٍ رَجِيحَةٍ! فَوَجِّهُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ-, وُجُوهَ المُتَعَلِّمِينَ، واغْرِسُوا هذا الغَرَاسَ الجَمِيلَ, فَبِذَلِكَ تَصْلُحُ الأَحوَالُ، وَتَزكُو الأَعمَالُ، وَيَتِمُّ النَّجَاحُ في الحَالِ والمَآلِ، وَتصلُحُ العَقَائِدُ والأَخلاقُ، وَيَسِيرُ التَّعلِيمُ إلى كُلِّ خَيرٍ وَينْسَاقُ".

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هَذَا قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا زَخُرَتْ بِهِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ مِنْ هَدْيِ الْمُصْطَفَى وَطَرِيقَتِهِ فِي التَّعْلِيمِ, فيأَيُّهَا الآبَاءُ وَالْمُعَلِّمُونَ: ونَحنُ على أبوابِ عامٍ دراسيٍّ جديدٍ لِنَقْتَدِي بِنَبِيِّنَا وَلْنَقْتَفِيَ أَثَرَهُ,وَاللهُ لا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً.

جَعَلَنَا اللهُ مِمَّنِ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ, وَمِمَّنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَمِلَ بِهِ وَدَعَا وَإِلَيْه وَعَلَّمهُ,

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً, اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ وَاتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً, اللَّهُمَّ اهدِنَا واهدِ بِنَا, وأصلح شَبَاب المسلمينَ, وأعنَّا جَميعا على أداءِ الأمانَةِ, وحقِّ الرِّعايَةِ يا ربَّ العالمينَ.

اللهم أبرم لهذه الأمَّةِ أمر رُشدٍ يعزُّ فيه أهل الطَّاعةِ ويُذلُّ فيه أهل المعصية ويؤمرُ فيه بالمعروف وينهى فيه عن الإثم والعدوانِ. اللهم وفِّق ولاةَ أمورنا لِما تحبُّ وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى. واجعلهم رحمةً على رعاياهم.

اللهم وحِّد صفوفَ إخوانِنا في كلِّ مَكَانٍ واجمع كلمتَهم على الحقِّ والهدى واحقن دِمائَهم, واحفظ أعراضَهم وأموالَهم واكفهم شرَّ الأشرارِ وكيدَ الفجَّار يا قويُّ يا قهَّارُ. ربنا آتنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النَّار (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).