البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

نعمة الكلام (2)

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. للكلام أهمية عظيمة في حياة البشر .
  2. حكم التلفظ بالكلمات الأجنبية .
  3. جملة من آداب الكلام .
  4. وجوب العناية بتأديب الأولاد على الطيب من القول والبعد عن الفحش .
  5. ليس أطهر من ألفاظ القرآن .
  6. خطورة العَجَلة في نقل الكلام وإخلاف الوعود .
  7. من سوء آداب الكلام السباب .

اقتباس

إن من المحزن أنك ترى الرجل يصلي مع الجماعة، فإذا قُضيت الصلاة جلس يذكر الله في هدوء ووقار، فإذا انتهى من أذكاره قام يصلي الراتبة، وربما رفع يديه بعد ذلك بالدعاء، فإذا خرج من المسجد وباشر الحياة فأغضبه أحد؛ ما سمعت منه من الشتائم والسباب القبيحة ما يثير العجب والاشمئزاز.. فأين الصلاة؟! وأين آثارها؟! وأين آدابها؟! وأين تربيتها؟!

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ذكرنا في الأسبوع الماضي ما للكلام من أهمية عظيمة في حياة البشر وفي عاقبتهم، فهل يترك الإسلام الكلام على أهميته تلك بلا آداب وأحكام تُسعد الناس في دنياهم وتصلح ما بينهم وتنجيهم من أي سوء؟ اللهم لا.

ونبدأ -لا على سبيل الأولوية- بالرطانة، فكثير من شباب هذا الجيل تأثر بكل ما هو غربي، وبالذات بالمظاهر، ومن ذلك اللغة ليس في طلب العلمي المادي الأكاديمي الذي يحتاج إليه الطالب والمعلم أحيانا لا، وإنما في التعامل اليومي، واعتاد الكثيرون منهم على التجمل باستخدام بعض كلماتهم حتى لو لم يكن نطقهم بها صحيحا، بل حتى لو لم يعرفوا بعض معانيها.

يفعلون ذلك تفاخرا أو مسايرة لموجة التقليد، وقد يستهين البعض بهذا الأمر ببساطة لأنهم لا يدركون الأبعاد الدينية العقدية فيما يتعلق بعبادة الولاء والبراء.

وقد نقل شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- النهي عن رطانة الأعاجم وكراهيته، ونقل عن بعض أهل العلم تحريمه؛ لأن مشابهة الكفار في الظاهر تقتضي الموافقة في الباطن، إلا إذا احتاج الإنسان إلى ذلك فلا حرج كأن يتكلم مع غير عربي وغير ذلك، أما أن يتكلم مسلمان عربيان برطانة الإنجليز من غير حاجة أو برطانة الفرنسيين من غير حاجة فهذا الذي فيه الحرج.

دع عنك فقدان جانب العزة بلغة القرآن فلا نستهين بهذه الظاهرة.

ومن أدب الكلام البعد عن الكلام الفاحش البذيء، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من شيء أثقل في ميزان المسلم من حُسن الخُلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء" (أخرجه الترمذي من حديث أبي الدرداء).

البذيء هو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام.

ومن حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء"، فيجب العناية بتأديب الأولاد على الطيب من القول، وأن يكون البيت نظيفا من فحش القول ،نقيا من عبارات السوقة وعبارات الشتم واللعن، ولن يكون البيت كذلك حتى يكون الوالدان قدوة في نزاهة الحديث، وأن يتابع الأولاد فيما يلتقطونه من رديء الكلام من الشارع والمدرسة أو من مخالطة الأقارب أحيانا.

ولو تأملنا لوجدنا أنه ليس أطهر ولا أرقى من ألفاظ القرآن في التعبير عن المعاني واختيار أحسن الكلام، تأملوا في قوله تعالى (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) [المائدة: 43]، فكنَّى عن الجماع هنا في الملامسة، وكنّى عنها حينًا آخر بالغشيان فقال سبحانه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ) [الأعراف: 189]، فليس أطهر من ألفاظ القرآن.

ومن آداب الكلام: الابتداء بالسلام قبل الكلام فبعض الناس يدخل المجلس فيقول مباشرة: أين فلان، من رأى فلانا.. فينبغي أن لا يُجاب؛ فإن السلام قبل السؤال.

جاء في صحيح الجامع من حديث ابن عمر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه"، وهو حديث حسن.

ومن آداب الحديث: ألا يتناجى اثنان دون الثالث، فقد قال -صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري ومسلم-: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث؛ فإن ذلك يحزنه"، والعلة أنه قد يظن أنهما يغتبانه، أو أنه عُزل عن السماع؛ لأنه دون مستوى الكلام، أو أنه غير ثقة أو ما شابه ذلك.

ويدخل في ذلك أن يتكلم ثلاثة دون الرابع فيعزلونه عنهم، أو تسعة دون العاشر، فإن المفسدة واحدة، وكذلك لو اجتمع ثلاثة فتحدث اثنان بلغة لا يعرفها الثالث، فإن المفسدة واحدة أيضًا.

ومن آداب الكلام: أن تحفظ سر المتحدث، إذا طلب ذلك صراحة أو صدرت منه إشارة إلى أنه يريد أن تحفظ سره، قال -عليه الصلاة والسلام، فيما رواه أبو داود والترمذي-: "إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة"، ومعنى الالتفات هنا أن المتحدث يلتفت قبل حديثه ليتأكد من أنه لا يوجد في المجلس أحد يسمعه غيره.

فهذا لا يحتاج إلى أن يقول لك لا تخبر أحدًا، وإنما إشارته تكفي لتفهم أنه سرّ لا يُفشى، لكن هنا حالات يجب فيها الإفشاء إذا كان الإفشاء فيه قضاء على منكر مثلا فهو يفعل منكر أو يريد عمل منكرا، أو درء ظلم أو نصر للدين؛ فإنك تخبر به من هذا الباب فقط.

ومن آداب الكلام أن الإنسان إذا تكلم مع قوم ينبغي أن يختار ألفاظًا وعبارات تناسب عقولهم حتى في الدين وأحيانًا يكون الشيء من الدين على ألا يكون واجبًا يحرم كتمانه أو محرما يحذر منه، وإنما هو خبر من الأخبار، فإنه قد يكون من الحكمة أن لا يذكره العالم أمام عامة الناس مخافة فتنتهم وعدم تصديقهم، فقد روى البخاري تعليقًا عن علي -رضي الله عنه- قال: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكَذَّب الله ورسوله".

وابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "ما أنت بمحدّث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"، الإنسان يكون حكيما فيما ينطق به أمام الناس.

من العادات السيئة: المسارعة إلى نقل الكلام بلا تثبُّت؛ إما لتحقيق غاية، وإما لمجرد الثرثرة، جاء في الإصابة والمشكاة من حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "بئس مطية الرجل زعموا"، الزعم يُطلق في الغالب على ما يُشك فيه، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6].

وحذّر الله –تعالى- مِن العَجَلة في نقل الكلام دون التأني والنظر كما في حادثة الإفك فقال سبحانه: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور: 15].

كأن الكلام من شدة سرعتهم في نقله لم يتركوه ليصل إلى عقولهم، بل تلقوه بألسنتهم ونشروه مباشرة (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ).

ومن محاسن الكلام مصداقيته، يقال في المثل: "كلام رجال" إشارة إلى الالتزام والوفاء لكن -للأسف- قلَّ أن تجد في هذا الكلام مَن يصدقك الوعد حتى أصبح الخُلف عند الكثيرين سجية وطبعا يُعرفون به، مع أن لصدق الوعد قيمته عند الله –تعالى- وعند الناس، وقد أثنى –سبحانه- على إسماعيل -عليه السلام- بصدق وعده: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا)[مريم: 54]، وقال جل وعلا: (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة:119].

أما محبة الناس لصادق الوعد فمعروفة، فقد قال علي -رضي الله عنه-: "من كانت له عند الناس ثلاث وجبت له محبته عليهم: من إذا حدثهم صدقهم، وإذا ائتمنوه لم يخنهم، وإذا وعدهم وفى لهم، وجب له عليهم أن تحبه قلوبهم وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم وتظهر له معونتهم"

فصدق الوعد والحديث دليل قوة الإيمان، من العيب أن يجمع المسلم بين حرصه على الصف الأول في الصلاة وكثرة الصيام، والعمرة وبين إخلاف الوعد، حري به أن يجاهد نفسه على صدق الوعد.

قال نافع مولى ابن عمر: طاف ابن عمر سبعا وصلى ركعتين، فقال له رجل من قريش: ما أسرع ما طفت وصليت يا أبا عبدالرحمن؟ يستقلّ عبادته، فقال ابن عمر: "أنتم أكثر منا طوافا وصياما، ونحن خير منكم بصدق الحديث وأداء الأمانة وإنجاز الوعد".

فالخُلف خُلق مشوّه كريه، ولذلك كان من ضمن خصال النفاق إذا وعد أخلف، والخلف كذلك من صفات اليهود، قال تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم) [البقرة: 100]، وقال سبحانه: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ)[النساء: 155]، وحياتنا اليوم مليئة بالوعود ولكن الوفاء قليل.

لسانك أحلى من جني النحل موعدا

وكفك بالمعروف أضيق من قفل

تُمنّي الذي يأتيك حتى إذا انتهى

إلى أمد ناولته طرف الحبل

بعد طول انتظار...

قال ابن الكلبي عن أبيه: كان عرقوب رجل من العماليق، فأتاه أخ له يسأل شيئا، فقال له عرقوب: إذا أطلعت هذه النخلة فلك طلعها، فلما أطلعت أتاه للعدة، فقال: دعها حتى تصير بلحاً. فلما أبلحت أتاه فقال له: دعها حتى تصير زهواً، فلما أزهت قال له: دعها حتى تصير تمراً، فلما أتمرت عمد إليها عرقوب من الليل فجذها، ولم يعطِ منها شيئاً، فصار مثلاً في الخُلف، مواعيد عرقوب، مواعيد عرقوب، كم من العراقيب في زماننا هذا، أسأل الله الهداية لنا ولهم.

معاشر المسلمين: إن من سوء آداب الكلام السباب، والسبّ هو أن يقول الرجل ما في الرجل وما ليس فيه، يريد بذلك عَيْبه وذَمّه، ودوافع السب أنواع منها الغضب، منها الغضب والتنقص والسخرية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات:11].

قال الحسن البصري -رحمه الله-: "كان اليهودي والنصراني يُسْلم فيقال له بعد إسلامه: يا يهودي يا نصراني، فنُهوا عن ذلك".

وصح في البخاري أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"، وعن قتادة في قوله تعالى: (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) قال "لا تقل لأخيك المسلم: يا فاسق يا منافق" .

وعن عطاء في قوله تعالى: (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) قال: "أن يسميه بغير اسم الإسلام يا خنزير يا حمار يا كلب"، فالأب إذا كان في بيته سبّابا شتّاما لعّانا، وأولاده يسمعونه فكيف ننتظر جيلا نظيف العبارة نزيه الكلام؟!

إن من المحزن أنك ترى الرجل يصلي مع الجماعة، فإذا قُضيت الصلاة جلس يذكر الله في هدوء ووقار، فإذا انتهى من أذكاره قام يصلي الراتبة، وربما رفع يديه بعد ذلك بالدعاء، فإذا خرج من المسجد وباشر الحياة فأغضبه أحد؛ ما سمعت منه من الشتائم والسباب القبيحة ما يثير العجب والاشمئزاز .. فأين الصلاة؟! وأين آثارها؟! وأين آدابها؟! وأين تربيتها؟!

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتدرون من المفلس؟" قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا فيُقتص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضَى ما عليه من الخطايا أُخذ من خطاياهم، فطُرح عليه ثم طُرح في النار"، نسأل الله السلامة والعافية.

أسأل الله تعالى أن يُصلح الحال، وأن يحسن أخلاقنا، وأن يطهر ألسنتنا إنه سميع مجيب، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فكلمات أوصي بها نفسي وإياكم قبل أن ننهي هذا الموضوع.

من أدب الكلام ألا يتجاوز الإنسان في مدح ولا يسرف في ذم، فكلاهما سيء.

أن يفكر مليا قبل أن ينطق بوعد يعجز عنه ولا يقدر على الوفاء به.

أن يراعي مخارج الكلام بحسب مقاصده وأغراضه؛ فإن كان كلامه ترغيبا قرنه باللين واللطف، وإن كان ترهيبا خلطه بالخشونة والشدة، فلا يلين في موطن الترهيب ولا يشتد في مقام الترغيب، ففي ذلك تعطيل للمقصود بهما.

ومن آداب الكلام: حُسن الاستماع وخصوصا إذا كان القرآن يُتلى أو كان في مجلس علم يُذكر فيه حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-.

من آداب الكلام: ترك المقاطعة حتى ينتهي محدثك، ومن آدابه أن يتابع نيته فلا يتكلم إلا إذا كانت الكلمة يُراد بها وجه الله، فقد يتكلم إظهارا لعلمه وفصاحته أو بيانه، أو استهتارا بالمجلس أو ما شابهها من الغايات، فلينظر إلى قلبه.

ومن آداب الكلام: تقديم الأكبر سنًّا والأقدر علمًا، وألا يتكلم فيما يجهل، لا على سبيل الإفتاء ولا لإظهار معرفة وهمية لا يستحقها.

ومن أدب الكلام مع النساء أن يكون لحاجة، بلا مزاح، وأن تكون المرأة بحجابها الكامل لقوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[الأحزاب: 53]، وعلى المرأة إذا تكلمت ألا تلين أو تخضع بالقول لقوله تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) [الأحزاب: 32].

ومن الأدب خفض الصوت إلا لحاجة خطبة أو تحذير، قال الله –تعالى- في وصية لقمان لابنه: (وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان: 19]، فليفكر العاقل فيما يريد قوله قبل أن يتكلم إن كان خيرًا بادر إليه، وإلا ألجم لسانه عنه، وليتأدب بآداب الإسلام.

أسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأعمال والأقوال.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين..