البحث

عبارات مقترحة:

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

المبادرة بأداء فريضة العمر

العربية

المؤلف خالد بن سعد الخشلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحج
عناصر الخطبة
  1. مواسم خير وفضل تزكو فيها النفوس .
  2. فضائل حج بيت الله الحرام .
  3. شروط وجوب الحج والعمرة .
  4. الوعيد الشديد في حق من ترك الحج وهو قادر مستطيع .
  5. خطأ ينبغي تداركه .
  6. فضل النفقة في الحج إلى بيت الله الحرام .
  7. وصايا للحجاج: كيف تعود مغفور الذنب .

اقتباس

كيف بك أيها الأخ وأنت تعيش صحة في بدنك، وأمن في وطنك، وسعة في معيشتك، وبسطًا في رزقك، والسُّبل بينك وبين بلد الله الحرام ميسرة ومذللة، والطرق آمنة والطرق مسلوكة، والسفر لا يتطلب منك وقتًا طويلاً، أيكون جزاء نعم الله عليك المماطلة في القيام بحقوق الله التي أوجبها وفرائضها التي فرضها وهو القائل -عز وجل- (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152].. أأمنت يا عبد الله مكر الله (فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 99]؟! أأمنت أن...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 أما بعد: فيا عباد الله عليكم بتقوى الله -عز وجل- ومراقبته سبحانه في السر والعلن لعلكم تفلحون، من اتقى الله جعل الله له مِن كل همّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، وتوالت عليه رحمات الله وآلاؤه وبركاته، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين وأوليائه الصالحين المصلحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

أيها الإخوة المسلمون: إن من نعم الله -عز وجل- على عباده المؤمنين أن جعل لهم مواسم خير، مواسم فضل وشرف وشرع لهم أعمالاً بها تزكو النفوس وترق القلوب وتصفو الأرواح وتتهذب الطباع، بها يزداد الإيمان ويقوى الإخلاص، وبها تتحقق التقوى، بها تُضاعَف الحسنات وتُكفَّر السيئات، وتُقال العثرات، وتُغفَر الذنوب وتُحَط الخطيئات وتُرفع الدرجات.

فيها تذكرة للغافل وتنبيه للشارد، وإيقاظ للنائم، فلله الحمد والشكر على ما أولانا من نعم عظيمة وهبات جسيمة.

ألا وإن من أعظم مواسم الخير وأشرف مواسم العمر وأذكى مواطن العمل حج بيت الله الحرام، حيث مضاعفة الحسنات ومحو السيئات، حيث الإقبال على الله والتوبة إليه والخضوع بين يديه والندم على ما كان العصيان بحقه -سبحانه وتعالى-؛ حيث تجديد الإيمان، وتجديد العهد مع الله -سبحانه وتعالى-.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" (رواه البخاري ومسلم).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أيضًا قال: سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور" (رواه البخاري ومسلم).

وفي الحديث الآخر يبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- عِظَم الأجور المترتبة على العمرة والحج، فقال -صلى الله عليه وسلم- "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (رواه البخاري ومسلم).

وعن ابن الشماسة قال: حضرنا عمرو بن العاص -رضي الله عنه- وهو في سياقة الموت يحتضر فبكى طويلاً، وقال: ".. لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله ابسط يمينك لأبايعك. فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما لك يا عمرو؟" قال: قلت أردت أن أشترط. قال: تشترط بماذا؟ قلت: "أن يُغفر لي". قال: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله" أي: من الذنوب والمعاصي والخطيئات والسيئات (رواه ابن خزيمة وهو في مسلم أطول منه).

وكيف لا يكون هذا الثواب العظيم والأجر الجزيل للحاج وفيه شهود يوم عرفه، واطلاع الجبار -سبحانه وتعالى- من فوق سبع سماواته على أهل الموقف في صعيد عرفة، ومباهاته بهم ملائكته، يقول الله -عز وجل- لملائكته مباهيًا بأهل الموقف: "انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين يرجون رحمتي ويخشون عذابي، أشهدكم أني قد غفرت لهم"..

كيف لا والشيطان اللعين يُرى في يوم الموقف -يوم عرفة- يُرى حقيرًا خاسئًا ذليلاً لما يراه من تنزل رحمات الله -عز وجل- على أهل الموقف.

فلله إن موسمًا هذا شأنه وهذا فضله وتلك مزيته وأثره لجدير بأن يُعنَى به المؤمن، ويهتم له ويجعل منه مدرسة لتربية نفسه وتطهير قلبه وزيادة إيمانه، وتقوية صلته بربه -عز وجل-.

أيها الإخوة المسلمون: لقد أوجب الله -عز وجل- على عباده حج بيته الحرام، وجعله ركنًا من أركان الإسلام ومبانيه العظام كما نطقت بذلك نصوص الكتاب والسنة ودل لذلك إجماع أهل العلم قاطبة من لدن عصر الصحابة إلى زماننا هذا.

فعليك أيها الأخ المسلم يا من تحققت فيك شروط وجوب الحج والعمرة -وهي البلوغ والعقل والاستطاعة المالية والبدنية- عليك أن تبادر إلى أداء فرضه، وتكميل دينه، وإياك إياك التسويف والتأخير إياك، إياك المماطلة بعد أن وجب عليك الحج؛ فإنك لا تدري والله أتعيش إلى قابل، وتدرك أيام الحج مرة أخرى أم يُحال بينك وبين ذلك.

فإن الأعمار بيد الله -عز وجل- وملك الموت لا يستأذن أحدًا في قبض روحه حتى يؤدي ما افترض الله عليه، فكيف بك يا مَن تسوّف في أداء فريضة الحج، كيف بك يا من توفرت فيك شروط وجوب الحج، كيف بك إذا مرضت مرضًا أقعدك على الفراش، أو كيف بك إذا نزلت بك سكرات الموت وأنّاته، وحلت بك غُصَصه وآلامه، وامتدت يد ملك الموت إليك لسحب روحك وقبضها، هل بإمكانك في تلك الساعة الحرجة.. هل بإمكانك وملك الموت يستعد لقبض روحك.. هل بإمكانك حينئذ أن تطلب التأجيل منه، وهل يُستجاب إلى طلبك؟!

هيهات هيهات (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف: 34]، فبادر -رحمني الله وإياك-، بادر إلى حج بيت الله الحرام، وأدِّ ما افترض الله -عز وجل- عليك، ما دمت مستطيعًا قادرًا، وعجِّل بأداء الفريضة ما دمت في زمن الإمهال ووقت الإمكان قبل أن يُحَال بينك وبينه.

واسمع -رحمك الله- هذا الوعيد الشديد في حق من ترك الحج، رُوي عن عليّ -رضي الله عنه- قال: "من ملك زادًا وراحلة تبلّغه إلى بيت الله ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا؛ وذلك أن الله –تعالى- يقول: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97]".

في ختم هذه الآية الكريمة التي دلت على وجوب الحج لقوله (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) في ختمها بقوله –سبحانه- (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97]، تهديد أيما تهديد فيمن قدر على أداء الحج وقدر على الوصول إلى بيت الله الحرام ووجب عليه الحج بتوفر شروطه فلم يؤدِّ ما افترض الله عليه.

إن الله -عز وجل- غني عن طاعاتنا، وعن عباداتنا؛ لا تنفعه –سبحانه- طاعة المطيع ولا تضره معصية العاصي، ولكن هذه العبادات فيها منافع لنا في دنيانا وأخرانا.

وقد كان عمر -رضي الله عنه- يبعث إلى ولاته في الأمصار "انظروا من وجب عليه الحج وملك زاد وراحلة ولم يحج فافرضوا عليهم الجزية؛ ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين".

فهل يليق بك أيها المسلم هل يليق يا عبد الله، هل يليق بك أيها العاقل بعد هذا الوعيد الشديد أن تتردد في أمر الحج، وقد أمرك بالتعجل إليه نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "تعجلوا إلى الحج، تعجلوا إلى الحج، تعجلوا إلى الحج –يعني الفريضة-؛ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له".

أيليق بك أن تتكاسل وتتوانى عن أداء ما وجب عليك مع قدرتك على ذلك، وأنت تستمع إلى هذا الوعيد الشديد في شأن مَن سوَّف وماطل؟! وأنت تستمع إلى هذه النصيحة والوصية من النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته في أمر التعجل إلى أداء الحج الفريضة؟!

لقد كان السابقون في وقت مضى يسارعون ويبادرون إلى الحج على بُعد الشقة، ووعورة الطريق، وشظف العيش، وفُشُو الخوف، وانعدام الأمن على الأنفس والأموال؛ كانوا يسافرون على الجمال يجلسون الشهر والشهرين وأكثر من ذلك، ما بين نزول وارتحال، فإذا وصلوا بيت الله الحرام تهللت أسارير وجهوهم فرحًا ببيت الله الحرام، ونسوا كل تعب ونَصَب مر بهم.

وفي هذا الزمن في بقاع شتى في أقصى المعمورة في غربها وشرقها يحرص كثير من المسلمين على جمع النفقة، عامًا بعد عام، ويبذلون ما يستطيعون من أجل أن يصرّح لهم وأن يدخلوا من جملة الحجاج إلى بيت الله الحرام.

وأنت من هذه البلاد المباركة الآمنة تستطيع بجهد يسير أن تصل إلى بيت الله الحرام وتؤدي فريضة الله عليك.

كيف بك أيها الأخ وأنت تعيش صحة في بدنك، وأمن في وطنك، وسعة في معيشتك، وبسطًا في رزقك، والسُّبل بينك وبين بلد الله الحرام ميسرة ومذللة، والطرق آمنة والطرق مسلوكة، والسفر لا يتطلب منك وقتًا طويلاً، أيكون جزاء نعم الله عليك المماطلة في القيام بحقوق الله التي أوجبها وفرائضها التي فرضها وهو القائل -عز وجل- (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152]..

أأمنت يا عبد الله مكر الله (فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 99]؟!

أأمنت أن تُسلَب منك هذه النعم، صحتك، عافيتك، مالك ورزقك، فلا يأمن سلب النعم إلا المستدرجون الغافلون؟!

وأنتم أيها الإخوة المسلمون يا مَن مَنَّ الله عليكم بحج بيته الحرام، وأداء ما افترض الله عليكم؛ لا تتقاعسوا عن الحج، ولا تتوانوا في أدائه مرات أُخَر؛ فإن المؤمن ذا القلب الحي ليهفو بمشاعره وأحاسيسه إلى تلك البقاع الشريفة والمشاعر الكريمة (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [إبراهيم: 37] يحدوه إلى ذلك الرغبة في تحصيل الثواب والأمل في تكفير السيئات ورفعة الدرجات وحط الخطيئات.

لقد كان بعض السلف الصالح يكره أن يجلس الإنسان خمس سنوات لا يحج وهو قادر على ذلك؛ مستدلين بما روي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يقول الله -عز وجل-: "إن عبدًا أصححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ لمحروم" (رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي).

وقال علي بن المنذر: أخبرنا بعض أصحابنا قال: كان حسن بن يحيى يعجبه هذا الحديث وبه يأخذ، ويستحب للرجل الميسر الصحيح ألا يترك الحج خمس سنين.

نسأل الله -عز وجل- التوفيق والسداد في الأعمال والأقوال، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأن يوفقنا لأداء ما افترض علينا، إن ربي على كل شيء قدير.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97].

بارك الله لي ولكن في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله -عز وجل- وانتهزوا رحمكم الله فرص الخير ومواسم الرحمة التي يجود الله -عز وجل- بها عليكم.

أيها الإخوة المسلمون: إن مما ينبغي التنبيه عليه أن كثيرا من الآباء يتساهل في تحجيج أبنائه وبناته الذين وجب عليهم الحج وهو قادر على القيام بذلك، وهو خطأ ينبغي تداركه؛ إذ كيف يليق بالأب أن ينفق على بناته وأبنائه في مجالات كثيرة من مجالات الحياة ويتقاعس عن الإنفاق عليهم في هذا الواجب الشرعي؟!

ثم إن النفقة في الحج إلى بيت الله الحرام نفقة مخلوفة، نفقة مضاعفة، عن بريدة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف" (رواه أحمد بسند حسن).

وعن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- "ما أمعر حاج قط" قيل لجابر ما الإمعار؟ قال أي: "ما افتقر حج قط"(رواه البيهقي والبزار بإسناد جيد).

كما يتساهل بعض الأزواج في تحجيج زوجته إذا لم يكن سبق لها الحج، وهو خطأ يحصل تداركه، وإن تعجب فاعجب أيها المسلم من حال بعض الناس الذين يحرصون على أداء العمرة في رمضان ويصطحبون معهم أهليهم وأولادهم وينفقون نفقات باهظة من أجل أداء العمرة المستحبة، ثم هم بعد ذلك يتكاسلون عن الحج، لا أقول حج النافلة وإنما حج الفريضة.

وأعجب من ذلك مَن يبذل النفقات العظيمة من أجل الترويح والترفيه عن أبنائه بالسياحة، ويبذل من ذلك ما يبذل من أموال طائلة يتنقل من مكان إلى مكان، ثم بعد ذلك يقتّر ويتقاعس عن النفقة الواجبة في الحج إلى بيت الله الحرام.

وأنت أيها الأخ المسلم يا مَن وفّقك الله وعقدت العزم على الحج هذا العام، حذارِ حذارِ من أن يكون حظك ونصيبك من حجك التعب والسهر، احرص في حجك على ما ينفعك ويُربح تجارتك ويزكي عملك، ويكون سببا لتكفير سيئاتك ومحو خطيئاتك.

احرص على ألا ترجع من حجة العمر ورحلة العمر، ألا ترجع إلا بذنب مغفور وعيب مستور، وعمل صالح مقبول، أيام يسيرة اجعلها كلها طاعة وعبادة وتضرع وثناء على الله -سبحانه وتعالى- أخلص نيتك، أخلص قصدك من حجك لربك -سبحانه وتعالى- واحذر الرياء والسمعة والعجب وثناء الناس عليك.

اختر لحجك أجود مالك؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- طيب لا يقبل إلا طيبا، واحرص على الرفقة الصالحة التي تعينك على الخير وتدلك عليه، وتشد من أزرك في الطاعة، واستشعر وأنت في الحج قربك من ربك -سبحانه وتعالى-، واطلاعه عليك وأنت تؤدي ما افترضه –سبحانه- عليك، وليكن مجتمع الحج عونًا لك على تنمية إيمانك وزيادة برك وتقوك لربك –سبحانه-، وإياك إياك من الاشتغال بالرفث والفسوق والسخط والفحش والتفحش والجدال فيما لا فائدة فيه.

لا تذهب عليك ساعات الرحمة وساعات المغفرة وأنت في غفلة ولهو وكلام لا يفيد ولا ينفع، املأ وقت بالتكبير والتحميد والتهليل والتلبية في وقتها، والثناء على الله -عز وجل- بما هو أهل والدعاء والتضرع بين يديه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-.

ليكن شعارك في حجك "الرحمة بخلق الله، والرأفة بعباد الله والتواضع ولين الجانب، والحلم والصفح والعفو والصبر والمصابرة" حتى وإن قصَّر بعضهم في أداء حقك، اصبر واحتسب فإن كل ما يصيبك في رحلة الحج إن احتسبت ذلك عند ربك -عز وجل-.

أحسن الظن بإخوانك المسلمين ممن هم معك في حملتك أو غيرها، أحسن الظن بهم، واستشعر أيها الأخ وأنت تؤدي مناسك الحج احتمال عدم رجوعك إلى البقاع الطاهرة مرة أخرى، وليكن قلبك بعد  أداء كل نسك دائرًا بين الرجاء والخوف والرغبة والرهبة وخشية عدم قبول عملك (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون:60].

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا لطاعته وعبادته ورضاه، وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى، وأن يجعلنا ممن ينقاد لحكمه والمستجيبين لأمره؛ إن ربي على كل شيء قدير.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"...

اللهم صلّ وسلم وبارك...