المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
العربية
المؤلف | علي عبد الرحمن الحذيفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج |
كلُّ مُسلمٍ يفرحُ باجتِماعِ المُسلمين في الحجِّ ووحدتهم، فمن استكمَلَ أعمالَ الحجِّ فقد أحسنَ إلى نفسه وإلى المسلمين، ومن سلِمَ له حجُّه سلِمَ له عُمرُه، ومن جاء إلى الحجِّ ليُؤذِيَ المُسلمين، أو جاء لمعصيةٍ، أو جعلَ الحجَّ وسيلةً إلى مقاصِد لا يُقرُّها الإسلام، أو أراد أن يُغيِّر تعاليمَ الحجِّ إلى مظاهر مُنحرِفة، أو إلى أهداف مُبتدِعة فقد ألحَدَ في بلد الله الحرام، والله لا يخفَى عليه شيءٌ من نوايا الإنسان وأعمالِه، فهو العليمُ بذاتِ الصدور.
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضَى، فهو المحمودُ في الآخرة والأولى، وأشكرُه على نعمه التي لا تُحصَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحُسنى، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُجتبَى، وخليلُه المُرتَضَى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحابته الأتقياء.
أما بعد: فاتقوا الله حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.
أيها المسلمون: اذكُروا عظيمَ رحمة الله –تعالى- بكم؛ إذ علَّمَكم ما لم تكونوا تعلمون، ومنَّ عليكم بأنواعِ العبادات التي تُطهِّرُكم من الرذائِل والشُّرور، وتنالُون بكل عبادةٍ أعظم الأجور والمنافِع في دُنياكم وأُخراكم، ولم يُعلِّمنا الله تعالى ويهدِنا لكنَّا مُتلبِّسين بالقبائِح والمُنكرَات.
قال الله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور: 21]، وقال تعالى: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات: 17]، وقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور: 40]، وقال تعالى: (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) [الكهف: 17].
والحجُّ -فريضةً أو تطوُّعًا- من أعظم العبادات، وأفضل القُرُبات، وجزاؤُه وثوابُه العظيمُ في الدَّارَين، ومنافعُه لا تتحقَّقُ ولا ينالُها إلا من أخلصَ في الحجِّ نيَّتَه لله، وبرَّ في حجِّه، واقتدَى في مناسِكِه بسُنَّة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
والحجُّ مجمعٌ كبيرٌ من مجامِع المُسلمين، يجتمعُ في العالِم والعامِّيُّ، والحاكمُ والرَّعيَّة، والذكرُ والأُنثَى، والصغيرُ والكبيرُ، والصحيحُ والمريضُ، والغنيُّ والفقيرُ.
وله أركانٌ وشروطٌ وواجِبات، وآداب وفضائل، وأخلاقٌ كريمات، من استكملَها غُفِرَت سيئاتُه، وتضاعَفَت حسناتُه، وارتفعَت في الجنات درجاتُه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه» (رواه البخاري ومسلم).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «الحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة» (رواه البخاري ومسلم).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن العاص -رضي الله عنه-: «أما علِمتَ أن الإسلام يهدِمُ ما كان قبلَه، وأن الهِجرةَ تهدِمُ ما كان قبلَها، وأن الحجَّ يهدِمُ ما كان قبلَه» (رواه مسلم).
والمسلمون في الحجِّ تجمعُهم أُخُوَّة الإسلام، يتراحَمون بينهم، ويتعاطَفون، ويتعاوَنون، ويتواصَلون، ويتباذَلون، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].
وعن النُّعمان بن بشير -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسَد إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسَّهَر والحُمَّى» (رواه البخاري ومسلم).
وما أحسنَ الآداب والأخلاق والفضائل التي أُمِر المُسلمُ أن يتَّصِف بها، ويتخلَّق بها في الحجِّ وفي غير الحجِّ، ولكنها في الحجِّ آكَد وأعظم.
من تلك الآداب والأوامر: تركُ الجِدال والمِراء بغير حقٍّ؛ لأنه يُورِثُ الشحناء والتعصُّب، ويُوغِرُ الصدور. والحجُّ يجتمعُ فيه الناسُ من كل جنسٍ، وهو مظنَّةُ الجِدال، فنُهِيَ المسلمُ عن الجِدال في الحجِّ، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة: 197].
ومن تلك الفضائل: الصدقة، وبذلُ الطعام، وإفشاءُ السلام، ولِينُ الكلام؛ لأن الحجَّ موسِمُ إحسانٍ وصدقة، وصفاءٍ، وقد فُسِّر الحجُّ المبرورُ بذلك.
ومن تلك الأخلاق والآداب المأمور بها: اجتِنابُ المُحرَّمات والباطل من الأقوال، والإكثار من الذكر والتلبِية، وقراءة القرآن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما جُعل الطوافُ بالبيت وبالصفا والمروة ورميُ الجِمار لإقامة ذِكر الله»؛ رواه أحمد من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
وهذا يعُمُّ أعمالَ الحجِّ؛ فهي شُرِعَت لأجل إقامة ذِكر الله.
ومن تلك الفضائل المأمور بها: سلامةُ الصدر للمُسلمين، والنُّصحُ لهم، وسلامةُ الصدر من أكبر نعَم الله على العبد، وقد وصفَ الله المؤمنين بسلامةِ الصدر، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10].
فالمُسلمُ مع جماعة المُسلمين مرحومٌ ومحفوظٌ، قال الله تعالى فيمن تابَ من النِّفاق: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 145، 146].
وعن عبد الله بن مسعودٍ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثٌ لا يغلُّ عليهنَّ قلبُ مُسلم: إخلاصُ العمل لله، والنُّصحُ لأئمةِ المُسلمين، ولُزومُ جماعتهم؛ فإن الدعوةَ تُحيطُ من ورائِهم» (رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد).
ومعنى هذا الحديث: أن اجتماعَ الإخلاص والنُّصح لوُلاة الأمر، ولُزوم جماعة المُسلمين بعدم الخُروج عليهم تنفِي من القلبِ الغلَّ والحسَد، والحقدَ، والمكرَ، والغِشَّ، والخديعةَ والغَدر؛ لأن اجتماعَ هذه الخِصال الثلاث في المُسلم حافِظةٌ له من الشَّيطان، ويدخلُ بها المُسلم في دُعاء المُسلمين الذي ينالُ به النجاة والسعادة، ويُحفَظُ بهذه الخِصال في حِصن الإسلام.
وكلُّ مُسلمٍ يفرحُ باجتِماعِ المُسلمين في الحجِّ ووحدتهم، فمن استكمَلَ أعمالَ الحجِّ فقد أحسنَ إلى نفسه وإلى المسلمين، ومن سلِمَ له حجُّه سلِمَ له عُمرُه، ومن جاء إلى الحجِّ ليُؤذِيَ المُسلمين، أو جاء لمعصيةٍ، أو جعلَ الحجَّ وسيلةً إلى مقاصِد لا يُقرُّها الإسلام، أو أراد أن يُغيِّر تعاليمَ الحجِّ إلى مظاهر مُنحرِفة، أو إلى أهداف مُبتدِعة فقد ألحَدَ في بلد الله الحرام.
والله لا يخفَى عليه شيءٌ من نوايا الإنسان وأعمالِه، فهو العليمُ بذاتِ الصدور، والربُّ - سبحانه - هو الذي سيتولَّى عقوبةَ من يُلحِدُ في بلد الله الحرام، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج: 25].
ولن ينفعَك - أيها الإنسان - من أمرَكَ بمعصيةٍ، ولن يدفعَ عنك عقوبةَ الله، وستندَمُ على طاعةِ الشيطان.
وهذا التجمُّع الإسلاميُّ الكبير في الحجِّ كلَّ عامٍ، وهذه الأُُخُوَّة الإسلاميةُ القويةُ الروابِط، وهذا التوحُّد في القيام بمناسِك الحجِّ يُذكِّرُ بمنافِع الحجِّ التي يشهَدُها المُسلِمون، فيتعلَّمُ الجاهلُ من العالِم، ويتعارَفُ المُسلِمون ويتعاضَدُون، ويُكمِّلُ بعضُهم بعضًا فيما قصَّروا فيه، ويجبُرون كسرَهم، ويتناصَرون في الدين، ويتعاوَنون على ما يصلُحُ لهم في دُنياهم، وينتفِعون بدُعائِهم المُستجاب في تلك الأماكِن المُقدَّسة، وينقلِبُون بحُسن العاقِبَة في الآخرة، ويشفَعون فيمن دعَوا له.
كما يُذكِّرُنا هذا المشهَدُ المُتوحِّد، والجمعُ المُبارَك، وتآلُف القلوبِ فيه من كل جنسٍ بما دبَّ إلى المُسلمين من الفُرقة والاختِلافِ والتدابُر والتنافُر، فيقولُ كلُّ مُسلم ناصِحٍ: ليتَ المُسلمين يتوحَّدون ويجتمِعون على الحقِّ كما يجتمِعون في الحجِّ.
فيتحسَّرُ لفُرقة المسلمين واختِلافهم، ويتحيَّرُ في الفِرق التي حادَت عن منهَج السلَف الصالِح، وابتعَدَت عن تفسير القرآن الكريم والسنة النبوية التفسيرَ الصحيح، ونابَذَت العلماءَ الراسِخين في العلمِ، فلم تنتفِع بالفَهم الصحيح للدين منهم، فضلُّوا وأضلُّوا كثيرًا من الشباب بزُخرُف القول، فاختَطَفوهم من محاضِنهم الآمِنة إلى فتنة التكفير والتفجير، واستِحلال الدماء المعصومة.
والرسولُ - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجَّة الوداع: «ألا لا ترجِعوا بعدي كفَّارًا يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ» (رواه البخاري ومسلم).
فيا أيها المسلمون: تدارَسُوا أسبابَ الخِلاف والفُرقة والتدابُر، وأسباب الانحِراف في الأفكار الضالَّة، واعمَلوا على القضاء على أسباب الانحِراف في الأفكار الضالَّة، فما من مُعضِلة إلا ولها حلٌّ في الإسلام في كتاب الله وسُنَّة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
فالأمةُ في أشدِّ كُرُباتها ومُعضِلاتها تنتظِرُ جهودَكم وأعمالَكم المُصلِحة الصالِحة، قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [آل عمران: 103- 107].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيِّد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم وللمسلمين، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله رب الأرض والسماء، ذي العظمة والجلال والكبرياء، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو الإحسان والنعماء، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه سيِّدُ الرُّسُل والأنبياء، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبه الأتقياء.
أما بعد: فاتقوا الله وأطيعُوه؛ فتقوى الله خيرُ زادٍ ليوم المعاد.
أيها المسلمون: من وُفِّق منكم للحجِّ فليَعتَنِ بحجِّه أشدَّ العناية، وليقُم بأركانِه وواجِباتِه وشُروطِه، ولا يزهَدَنَّ في مُستحبَّاته، وأعظمُ أركانِه: الوقوفُ بعرفَة - ذلك اليوم المشهود -، وطوافُ الإفاضة، والسعي.
ومن أعظم واجِباته: المبيتُ بمُزدلِفة، والرميُ، والمبيتُ بمِنَى. وأعمالُ الحجِّ يوم النَّحر هي على الترتيب: الرميُ، ثم النَّحرُ، ثم الحلقُ، ثم طوافُ الزيارة، والسعي لمن لم يُقدِّمه، ولا حرجَ في تقديمِ بعضِها على بعضٍ، إلا السعي فيكونُ بعد الطواف.
وافعَلُوا الخيرَ في حجِّكم، قال الله تعالى: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197].
واحفَظوا - أيها المسلمون - وصيةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في حجَّة الوداع، عن أبي أُمامة - رضي الله عنه -، قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في حجَّته قال: «اتقوا ربَّكم، وصلُّوا خمسَكم، وصُوموا شهرَكم، وأطيعُوا ذا أمرِكم؛ تدخُلوا جنَّة ربِّكم»، حديثٌ صحيحٌ؛ (رواه الترمذي وأحمد).
وأنتم - معشر المسلمين - في عشر ذي الحجَّة، فاستكثِروا في هذه العشر من الأعمال الصالِحة؛ عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من أيامٍ أحبُّ إلى الله العملُ الصالحُ فيهنَّ منه في عشر ذي الحجة». قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرجَ بنفسِه ومالِه فلم يرجِع من ذلك بشيءٍ».
فاستكثِروا فيها من الصدقة، والصيام، والذكرِ، والأعمال الصالِحة. وهنَّ الأيامُ المعلومات في القرآن، قال الله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [الحج: 28].
وكان ابن عُمر وأبو هريرة يخرُجان إلى السوق فيُكبِّران في هذه العشر، فيُكبِّرُ الناسُ بتكبيرهما.
وفيها يومُ عرفة؛ فمن صامَه فهو يُكفِّر السنةَ الماضِية والآتية.
عباد الله: إن الله أمرَكم بأمرٍ بدأَ فيه بنفسِه، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا». فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين، ودمِّر أعداءَك أعداء الدين يا رب العالمين.
اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين، وأصلِح ذات بينهم، واهدِهم سُبُل السلام، وأخرِجهم من الظلمات إلى النور.
اللهم فقِّهنا في الدين، اللهم فقِّه المسلمين في الدين، اللهم فقِّهنا والمسلمين في الدين برحمتِك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا من المُتمسِّكين بسُنَّة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم لا تُزِغ قلوبَنا بعد إذ هديتَنا، وهَب لنا من لدُنك رحمةً إنك أنت الوهَّاب.
اللهم يسِّر للحُجَّاج حجَّهم، اللهم تقبَّل منَّا ومنهم يا رب العالمين، اللهم رُدَّهم إلى ديارِهم سالمين غانِمين مأجُورِين يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِذنا من شُرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، وأعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ يا رب العالمين.
اللهم اجعل ثأرَنا على من ظلَمَنا، وانصُرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبرَ همِّنا.
اللهم أصلِح لنا شأنَنا كلَّه، اللهم أعِذنا وذريَّاتنا من إبليس وذريَّته وشياطينه وجنوده يا رب العالمين، اللهم أعِذ المسلمين يا رب العالمين من الشيطان الرجيم وذريَّته وشياطينه، إنك على كل شيء قدير.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم وُلاةَ أمورنا.
اللهم وفِّق عبدَك خادم الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، وأعِنه على كل خيرٍ يا رب العالمين، اللهم وفِّق نائبَيه لما تحبُّ وترضَى، ولما فيه الخيرُ برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألُك أن ترفعَ عن المُسلمين الفُرقة والخِلاف، اللهم اجمَعهم على الحقِّ يا رب العالمين، اللهم اجعَلهم مُجتمِعين مُتآلِفين مُتعاضِدين على الخير يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم إنا نسألُك أن تُعيذَهم من شُرور أنفسهم، وأن تُعيذَهم من شرِّ أعدائِهم، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أطعِم جائِع المسلمين، واكسُ عارِيَهم، وآمِن خائِفَهم، اللهم وآوِ مُشرَّدهم يا رب العالمين، برحمتِك إنك على كل شيء قدير.
ربنا لا تُؤاخِذنا بما فعل السُّفهاءُ منَّا، إنك أنت الله لا إله إلا أنت.
اللهم إنا نسألُك أن تغفر لنا، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلا أنت.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
اللهم اقضِ الدَّين عن المدينين من المُسلمين، اللهم واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، اللهم واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين يا رب العالمين، اللهم واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 90- 91].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكُركم، واشكُروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.