الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أهل السنة والجماعة |
هل مِنَ الوطَنيةِ الحَقيقيةِ والانتماءِ الجَادِّ للوطنِ: حُبُّ إِشاعةِ الفاحِشَةِ في مُجتَمعاتِ المسلمينِ بِدعوى الترفيه؟! وهل مِنْ الوطنيةِ إِغراقُ المجتمعاتِ بطوفانٍ من الفضائياتِ والبرامجِ المُخِلَّةِ بالآدابِ والعِفَة والتي لم تَجلب للأُمَةِ إلا العارَ والدمارَ؟! هل من الوطنيةِ أن يأتي من يَدفَعُ الأموالَ الطائلةَ لإفسَادِ شَبابِ وطنِهِ وتغريبهم ونَشرِ الفُسُوقِ والفُجُورِ فيما بينهم بالقنواتِ الفضائيةِ الفاسدةِ والحفلاتِ الغنائيةِ الهابطةِ، والأفلامِ السينمائيةِ المفسِدةِ لينقلب ولاؤُهم من بُلدانِهم إلى بلدانٍ أُخرى يُعجبون برموزها ويقلدونهم ويُحبونهم في موجةِ تغريبٍ هائلةٍ يتبناها بعضُ من يدَّعون حبَ البلدِ وهي تفسد الولاء وتضيع الانتماء وتفقد الهوية؟!
الخطبة الأولى:
الحمد للهِ أمرَ عباده بالجدِ والاجتهادِ، والسعي لما فيه مصلحةُ العبادِ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ لهُ وأن محمداً عبد الله ورسوله خيرُ العبادِ صلى الله وسلم عليهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ وسلم تسليماً.
أما بعد.. فيا عباد الله اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه..
أيُّها المسلمون.. لقد فُطِرَ الإنسانُ كُل إنسانٍ بَأن يُحِبَّ مالهُ وولده وأقاربه وأصدقاءه، وأن يُحِبّ موطنهُ الذي عاشَ فيهِ وتَرَعرعَ في أكنافِهِ وتِلكَ غَريزةٌ مُتأَصِّلةٌ في النفوسِ، تجعلُ الإنسانَ يستريحُ إلى البقاءِ فيهِ، ويَحِنُ إليهِ إذا غاب عنهُ، ويُدافعُ عنه إذا هُوجِم، ويغضبُ له إذا انتُقص.. ومهما اضطرَ الإنسانُ إلى تركِ وطِنهِ فإنَّ حنينَ الرجوعِ إليهِ يبقى مُعلقاً في ذاكرتِه لا يفارقه.
وحبَّب أوطانَ الرِجَالِ إليــهمُ | مآربٌ قَضّاها الشبابُ هُنالكا |
إذا ذَكروا أوطانَهُم ذَكِّرتْهُـــمُ | عُهودَ الِصَبا فيها فحنوا لذلك |
وجَد ذلك أفضلُ الخلقِ -صَلواتُ ربي وسلامهُ عليهِ-، أخرجَ الترمذي وصَحَحَهُ الألباني أنَّ رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال لمكة في هجرته عند حدودها: "ما أَطيبكِ من بلدٍ، وما أَحَبَكِ إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخَرجوني مِنكِ ما سَكنتُ غيركِ"، فهو -صلى الله عليه وسلم- يحب مَكةَ حبًّا شديدًا، لكن حُبه وهمَّه ودعوته أشد، ثم لما هاجَر إلى المدينةِ واستوطنَ بها أَحبَّها وأَلِفَها كما أَحَبَّ مَكةَ، بَل كان -صلى الله عليه وسلم- يدعو أن يرزقهُ اللهَ حُبَّها كما في صحيحِ البخاري: "اللهم حبب إلينا المدينةَ كَحُبنا مَكَةَ أو أشد"..
وعن أنسِ بن مالكٍ -رضي الله عنه- قال: "كان -صلى الله عليه وسلم- إذا قدم من سفرٍ فأبصرَ درجاتِ المدينةِ أوضعَ نَاقتهُ -أي: أَسرعَ بِها-، وإذا كانت دابةً حَركهَا من حُبها" (رواه البخاري).
قالَ ابنُ حجر: "فيهِ دلالةٌ على فضلِ المدينةِ، وعلى مشروعيةِ حُبِّ الوطنِ والحنينِ إليه".
أيُّها الأحبّة.. إنَّ الحَديثَ عن الوطنِ والحنينَ إليهِ وحب الوطَنِ يُذكِّرُ بالوطنِ الأولِ ألا وهو الجنة الذي غَفُلَ عنهُ مُعظَم الناس، فالجنَّةُ سَكَنَ فيها أبونا آدم وأُمنا حواء، ثمَّ أَهبَطَهُمَا مِنها ووعدنَا بالرجوعِ إليها فنحن نحن إليها.
فحيَّ على جناتِ عَدنٍ فإنَّها | مَنازلكَ الأولى وفيها المُخيَّـمُ |
ولكننا سبيُ العدوّ فهل تُرى | نعودُ إلى أوطَانَِنَـا ونسلــمُ |
والمؤمن غريبٌ في هذه الدارِ أينما حلَّ مِنها فهو في دارِ غُربةٍ، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "كُن في الدنيا كأنكَ غريبٌ أو عَابِرُ سبيل" (أخرجهُ البخاري)
فالحنين يكون لدار الخُلدِ والنعيم .. نسألُ الله أن يرزقنا إيِّاها وأن يجعلنا من أهلها ..
عباد الله.. إذا كانَ حُب الوطَنِ والحنِينُ إليهِ سُنة نبوية، فينبغي أن نعرفَ معنى حُب الوطنِ وحُسن الانتماءِ إليهِ ومعناه وأنه بالمعاني والتصرفات وليس بالمظاهر والتفاهات.. وأن نحَذرَ مِنْ أُناسٍ يَدَّعونَ حُبَّ الوطَنِ ويُدّنَدِّنُونَ دَائِماً حَول الانتباهِ إلى الوطنيةِ وحُبِ الوطِنِ وضَرُورَةِ الانتماءِ إليه، وهُم أَضرّ الناسِ على الوطنِ وأَهلهِ، يُريدونَ للبلاد الفسادَ باسِمِ الإصلاحِ والوقوعِ بالمُنكَراتِ أو بإثارةِ الفتنةِ بالإرهابِ والتخريب.
إنَّ الوطَنيةَ وحِسّ الانتماءِ يعني أن يِحرصَ الإنسانُ على عَدَمِ تَشويهِ بَلَدِهِ وجَلبِ السوءِ إليهِ بفكرهِ وفِعلِهِ وتَصَرفهِ وبَذلِ مَالِهِ لِجَلبِ الشُرورِ والفتن إليه.
حُبُّ البلادِ والانتماءِ إليهِا يَجعلُ مِن الإنسانِ حَريصاً على رفَعِ سُمعتهَا بالحقِ والبحث عن وسائِلَ تُمَيّزُهُا مِنْ خِلالِ فِعلِهِ وتصرفه.. فهل مِنْ الوطَنيةِ الحَقيقيةِ والانتماءِ الجَادِّ للوطنِ حُبُّ إِشاعةِ الفاحِشَةِ في مُجتَمعاتِ المسلمينِ بِدعوى الترفيه؟! وهل مِنْ الوطنيةِ إِغراقُ المجتمعاتِ بطوفانٍ من الفضائياتِ والبرامجِ المُخِلَّةِ بالآدابِ والعِفَة والتي لم تَجلب للأُمَةِ إلا العارَ والدمارَ؟!
هل من الوطنيةِ أن يأتي من يَدفَعُ الأموالَ الطائلةَ لإفسَادِ شَبابِ وطنِهِ وتغريبهم ونَشرِ الفُسُوقِ والفُجُورِ فيما بينهم بالقنواتِ الفضائيةِ الفاسدةِ والحفلاتِ الغنائيةِ الهابطةِ، والأفلامِ السينمائيةِ المفسِدةِ لينقلب ولاؤُهم من بُلدانِهم إلى بلدانٍ أُخرى يُعجبون برموزها ويقلدونهم ويُحبونهم في موجةِ تغريبٍ هائلةٍ يتبناها بعضُ من يدَّعون حبَ البلدِ وهي تفسد الولاء وتضيع الانتماء وتفقد الهوية؟!
هل من حُبِ الوطَنِ إفسادُ مرافِقِنَا الرسمية والعبث بالمال العام ومشاريع البلد ومقدراته من رشوةٍ وسرقةٍ وسوء تنفيذٍ من قبلِ ضعافِ الذمم ومُخَالَفةِ أنظمتِه وانتهاكِ قَوانِينهِ من قبل شبابه، والسُرعة المتهورة، والمظاهرُ المائعةُ، والإفسادُ والمعاكسات، ونَشرِ الفوضى والمخدرات، والمخالفات المرورية والجرائم الجنائيةِ، والنيل من ولاةِ الأمرِ ِوالعُلَماءِ، والسعي للتفرقة والتصنيف والتخوين بالكذب والتدليس كما يَفعلهُ البعض؟!
هل مِنْ حُسنِ الانتماءِ لبلادٍ أَعلنَت رايةَ التوحيدِ أن يوجد من أبنائِهِا الذين عاشوا فيها وأخذوا عُلُومَهُا وعَاصروا عُلماءَه مَنْ يَتَبنّى الغلو والتطرف كَقَاعِدةٍ يَزعُمُ الانطلاقَ بِها من هذهِ البِلادِ ليُفسِدَ ويُخَرِبَ في البلادِ العَامِرةِ، أو يُسَافِرَ لينشُرَ الفِتَنَ والأفكار الضالة في بلادٍ مُخَالِفةٍ والانضمام لفرق الفتنةِ كداعش وغيرها لتشويهِ الجهادِ والبلادِ والمسلمين بِأَفعَالِهم..
هل مِنْ الوطَنيةِ والمواطنة أن يَنبري بَعضُ مُثَقَفِينا وكُتَابِ صُحُفِنا لاستثارةِ الناسِ في مقَالاتِهم وبرامِجِهِم وقَنَواتِهم بِطَرحِ الإشاعات والمبَالغَةِ بِها، والتَهجُمِ على حُراسِ الفَضِيلةِ والهيئات والنيلُ من عُلَمَاءَ ورِجالاتِ الدعوةِ والنقد غيرِ البَنّاءٍ لجهاتٍ حكُوميةٍ باسمِ حُريةِ الصَحافَةِ لغرضِ التشَهيرِ والتَقريعِ ونشر ثقافة التغريب وليسَ الإصلاحُ!! فهل هذا من حبِ الوطن؟!
هل من حب الشباب لوطنهم هذه البطالة التي يعيشونها تاركين فرصاً عظيمةً للربح في العمل الشريف وبناء الوطن؟!
هل من حُبِّ شبابنا لوطنهم الفراغ الذي بالتوافه يقضونه وقلةِ الطموح الذي يعيشونه؟! والتسكع بالطرقات والأسواق.. وعند احتفالهم أو فرحتهم يصل الحد بهم لإيذاء الغير وإثارة الفوضى، والتعدي على الممتلكات ومخالفاتٍ للأنظمة المرورية والآداب العامة.. ثم يدَّعون حب الوطن.. هل من حبِّ أوطاننا عدم حفاظنا على بيئته وإهمالنا في نظافته والتخلَّف في علاقتِنا فيما بيننا؟!
هل حمَلُ رايةِ الوطَنِ بلا مَعرفةٍ صادقةٍ واحترامٍ بيّن لشهادة التوحيد المكتوبة بها، وأن من لوازمها الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين وأعداء الدين قولاً وعملاً ودعماً.. والمصيبة حين تهان هذه الراية وتلك الرموز المحمولة؛ لأنها حُملت بلا معرفةٍ لمعناها وما تقتضيهِ من ولاءٍ وانتماءٍ لعقيدة البلاد ودينها وأخلاقها..
إنَّ الحبَّ الحقيقي للبلاد لا يَمت إلى هذهِ المظاهرِ السيئةِ بصِلةٍ، بل يتبرأ مِنها أَشد البراءَة، فهؤلاءِ لم يدركوا معنى الحب الحقيقي لبلادهم، فهموه أَلحاناً وأَغاني وترانيم وطُقُوسًا وشِعَاراتٍ ومظاهر لا ترتقي إلى الوطنيةِ الصحيحةِ، فنشأت أجيال هَزيلة في ولاءاتها، ساذجةٌ في تعبيرها الفكري والعاطفي، تفسد الوطن بمرافقه وتسعى لمخالفة نظامهِ بشناعةٍ أو بِتهورٍ..
أَجيالٌ متشدّدَةٌ تَلجأُ للتكفيرِ والتبديعِ بل وصلوا للتفجيرِ وهز الأمنِ في أوطانِهم لا يُقيمونَ حُرمَةً لعالمٍ ولا لنظامٍ ولا لجهةِ حِسبَةٍ ولا لحدودِ بلدٍ وأمنه، وهم يدّعونَ الإصلاحَ كما زعموا.
فالحب الحقيقي للوطن هو الذي يُقدس العقيدةَ ويرسخها في الأَجيالِ، والرغبة في نَشرِ الأَمْنِ والحفاظِ عليهِ واحترامِ رجالهِ ونَشرِ الأخَلاقِ الحسنةِ ومُحَارَبةِ السيئةِ، وخلو أَرضهُم من مظاهرِ الشِركِ والبِدعةِ، والحرصِ على اجتماعِ الكلمةِ ووحِدتِهَا والسَمعِ والطاعةِ بالمعروفِ..
الحبُ الحقيقي للوطن هو بِصناعةِ أَجيالٍ جادةٍ ومستقيمةٍ تعرف هدفها في الحياةِ وتسعى لأجله تتعلم بجدٍ وتعمل بطموحٍ، وتلهو بعقلٍ، وتخدم بإخلاص.
الوطنيةُ الحقةُ هي عَقِيدةٌ راسخةٌ ومُجتَمعٌ مُوحد ومتكاتف قيادةً وشعباً، والأمَنُ هو أَمنُ التوحِيدِ والإيمانِ وأَمنُ الأخلاقِ وتأمين السكن وعلاج الفقر وحفظ العِرضِ والدم (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82]، ورسوخ حُبِّ العقيدةِ يحفظ البلاد من الخطر والتنازع والمواطنة ليست بصيحاتٍ وأناشيد بل هو بالعمل لتطوره والإيمان بدينٍ قام عليه وحكمَ به..
حَبُّ الوطنِ يتجلَّى في القضاءِ المُحَكَمِ على أَسبابِ الشَرِّ والرذيلةِ وعواملها التي تُغرقُ المُجتَمعَ في أوحالِ الفسادِ، وتُخّرِبُ الأجيالَ وتُضيّعُ أهدافَهُم، وتجفيفُ منابِِع الفسادِ والفتنةِ والتغريبِ هو الكفيلُ بصُنعِ الرجالِ الحقيقيين، المحبين لربِّهم ودينِهِم، المدافعينَ عَن وطنهِم بِصدقٍ وعزيمةٍ.. مع غرسِ حب الأرضِ والفداء عنها وعن دين أهلها وأخلاقهم.
حبُّ الوطنِ بالتواصُلِ الحقيقي بينَ أفراده ونَشرِ روحِ الثقافةِ والعلمِ وإزالةِ أسبابِ التَفرِقَةِ والخِلافِ وقيامِ روحِ النَصيحةِ والتعاونِ والتكاتُفِ، فَنحنُ من دينٍ واحدٍ وبلدٍ واحدٍ ولُغَةٍ واحدةٍ لا مكانَ فيهِ للعصبيةِ القبليةِ ولا المناطقية التي تُفَرّقُ.. أو تفرقَةُ اللونِ والشكلِ أو الفَقرِ والغنى والمواطنِ والمقيم.
حبُّ الوطنِ بالمحُافَظَةِ على الآدابِ الشِرعيةِ والنُظُمِ العادِلَةِ المرعيةِ التي تسعى إلى جمعِ الكَلمةِ بين الراعي والرعيةِ، سمعًا وطاعةً بالمعروفِ، وأداءً للحقوقِ والواجباتِ كلٌ فيما لهُ وعليه..
قيام الوطن بقضاءٍ نزيهٍ عادل لا يفرّق بين أحدٍ وينجز معاملات الناس.. قيام الوطن بإيجاد مشاريع تعليمية وتنموية واجتماعية تخدم الناس..قيام الوطن بمحاربة الرشوة والفساد..
والمواطنةُ الصادقةُ تكون برعاية الحقوقِ واجتنابِ الظُلمِ، واحترامِ حقِ الغيرِ، والسعيّ الجادِ من كُلِّ مواطِنٍ مسؤولٍ أو غيرِ مسؤولٍ لتأمينِ الآخرينَ على أموالِهم وأنفسِهِم، فالوطنُ حقًا هو الإِنسانُ الذي كرمهُ اللهُ بالإِنسانيةِ.. وتَتَجَلى كذلَك في أداءِ الحقوقِ، بِدءًا من حقِ الوالدينِ والأرحامِ، وحق ولاة الأمور والعلماء، وانتهاءً بحقوقِ الجيرانِ والأصحابِ والمارة. والاستخدامُ الأمثلُ للحقوقِ والمرافقِ العامةِ التي يشترك في منَافِعهَا كُلُّ مواطنٍ ومقيم..
أما ما يُكرّسُ المحسوبيات ويَنشر الواسطةَ والرشوةَ ويستغلُّ النفوذَ، ويتساهلَ في المالِ العامِ ويتَعَدى على الأراضي ويأَخُذَها بغيرِ وجِهِ حقٍ أو بأوجهِ المكَرِ والخداعِ.. وكأَنه كلأٌ مُباحٌ أو فُرصةٌ سانحةٌ لا تُؤجل.. فهذا من الإِساءةِ العظمى للوطن.
عباد الله: ليسَ الشأنُ في الوطنيةِ الاهتمامُ بقشورِها ومظاهِرها الخارجيةِ، من تقديسٍ لصورةٍ أو شعارٍ أو عَلَمٍ مع امتهانِ أصولِها الراسخةِ، و ليس من حقِ الوطنِ يوماً واحداً ننسى بعده تعاليمنا ومعرفتنا للنظام ومحبته وتطبيقه و الولاء له ولتعاليم الدين والعقيدة..
وبعض الناس يخطئ فيسميه عيدًا شرعيًّا دينيًّا، وهذا خطأ في الدين وبدعة، فديننا ليس به إلا عيد الأضحى وعيد الفطر وعيد يوم الجمعة ..
إنّ حُبَّ بلادنا هنا منبَعُهَا من الدينِ لاسيما في أرضٍ ولد فيها وعَاشَ عليها خَاتم الأنبياءِ والمرسلينَ، ومن معه من الصحابةِ أجمعينَ نشروا فيها دينِ الله وتعاليم الإسلامِ فحينئذٍ تزداد قيمة هذهِ الأرضِ ففيها دولةٌ تُعلن الحكمَ بشرع الله وترفعُ راية لا إله إلا الله محمد رسول الله فيها الحرمانِ الشريفانِ..
أَرضٌ تملؤها المساجدُ ويُجَلجِلُ فيها الأذان تُقفل المحلات فترى الناس فيها رُكعاً سجداً لله في الصلوات تقام بها مناشط الدعوة وطلب العلم..
أرضٌ كان الخوفُ يَملؤُها والتفرقةُ القبليةُ تتنازعها فتوحدت على دينِ اللهِ وشرِعه فَشاعَ الأَمن وخَرجَ الخيرُ من أَرضها وعمَّت النعمُ..
هذا ما ينبغي أن نتذكره هنا؛ فنحمدُ الله عليه، ونحافظ عليه ونسأل الله دوام النعم.. ونشعر بمسؤوليته علينا في تعاملنا مع غيرنا من البلدان..
أَرضٌ غُرِسَ حُبُها في مواطِنيهِا ولدى المقيمينَ فيها للعملِ الذي ساهموا في بناءِ حضارتِها ودولتها مُنذُ نَشأتِها فشاركونا هذا الفضلَ فواجبٌ علينا حِفظَ حقوقهم كما أدوا أعمالهم المنوطة بهم.. وهل من اللائق أن نرى استهزاء بعض أبنائها بهم أو إيذائهم مما يشوّه ديننا وبلادنا وأخلاقنا إنهُ وطنٌ يُحبنا ونُحبهُ ونَحميهِ ونُدافِعُ عنهُ ونتكاتَفُ مع بعضنا ونتناصح فيما بيننا:
بلادٌ ألفناها على كلِّ حالةٍ | وقد يُؤلفُ الشيءُ الذي ليسَ بالحسنْ |
ونستَعذِبُ الأَرضَ التي لا هوى بِها | ولا ماؤها عَذبٌ و لكنها وطنْ |
اللهم انصر بلادنا على عدوّها وسائر بلاد المسلمين، واحمِ حوزةَ الدينِ، واجمع كلمتنا على الحق.. اللهم من أرادنا وبلاد المسلمين بِسوءٍ أو فِتنةٍ ونَشرٍ للفاحشةِ فأشغلهُ بنفسِهِ يا قويُّ يا عزيز..
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة و السلام على من لا نبي بعده وبعد..
أيها الأحبة!! إن ما تكلمنا عنه في حب الأرض ليس خاصاً بأرض واحدة فقط، بل هي في جميع بلاد المسلمين فينبغي لكل الناس في بلدان المسلمين أن يشعروا بهذا الشعور، وما تكلمنا عنه من قواعد وحفظ للبلدان والأمن في بلاد المسلمين..
إن ما نشاهده مع الأسف الشديد اليوم في عددٍ من بلاد المسلمين من فتنة وتفرق وتشرذم وتطرف وغلو وإثارةٍ للفتن والمؤامرات مما يؤثر على حياة الناس، فلا يمكن أن يقوم دين ولا أن تقوم حياة حينما يفقد الأمن؛ فينبغي لنا جميعًا من كل بلاد الدنيا أن نشعر بنعمة الأمن والتكاتف ووحدة الكلمة، وأن نحافظ على ذلك بالحق والمعروف وإقامة الدين.. وأن نحذر من أناس يريدون إقامة الفتن وإفساد الأمن في بعض بلادنا، وأن نحذر منهم وأن ننتبه لهم..
نسأل الله أن يحفظنا وسائر بلاد المسلمين من الفتن والمؤامرات.. اللهم اجمع كلمتنا على الحقِ ووحد صفنا واجمع شملنا وتول أمرنا واهدنا سُبلَ السلامِ والإيمانِ، اللهم وفق ولاةِ أمورنا لما تُحبُ وترضى، وخُذ بنواصيهم للبرِ والتقوى، وارزقهم البطانَةَ الصالحةَ والصحةَ والعافيةَ .. وجنّبهم بطانةَ السوءِ يا عزيزُ يا كريم يا غفور يا رحيم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.