القوي
كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
عقول أبنائنا في خطر بسبب المؤثرات المحيطة بهم، وخاصة وسائل العصر السحرية وعالم التكنولوجيا والتقنية، التي وللأسف الشديد لم يستغلها كثير منهم إلا في الخراب والتخريب، والفساد والإفساد، مما جعل عقولهم لا نقول فقط في خطر، وإنما في أعلى درجات الخطر وأشدها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الذي لا يُحيط بحمده حامد، ولا يُحصِي نعماءه مُحصٍ، ولا يُحيط بها راصِد، أنعمَ على خلقه فجعلهم ما بين مولودٍ ووالد، وهو الغني بذاته فلم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا ولم يكن له فيما مضى والد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أكرمُ نبيٌّ وأكرمُ عابد، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: أطفالنا هم فلذات أكبادنا، وزينة حياتنا، وهبة الله -سبحانه وتعالى- لنا، وهم زهرة الحياة الدنيا، (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) [الكهف : 46].
إن أطفالنا يعيشون اليوم في عالم مليء بالتحديات والفتن، يعجز الكبراء عن الوقوف أمامها فضلاً عن هؤلاء النشء الذين لا يميزون بين الصالح والطالح والخير والشر.
ومن هنا فإن مسئوليتنا تجاههم عظيمة، وتربيتنا لهم في هذا العصر ثقيلة وكبيرة، وأمانة الأبناء اليوم هي أعظم أمانة يتحملها الآباء والأمهات وأولياء الامور. (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب : 72].
يقول ابن القيم-رحمه الله-: "وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبتِ إنك عققتني صغيراً، فعققتك كبيراً، وأضعتنى وليداً فأضعتك شيخاً" [ تحفة المودود لابن القيم ( 139)].
إن عقول أبنائنا في خطر عظيم، وعلى شفير هاوية سحيقة، إن لم نعتنِ بهم ونقوم بواجبنا تجاههم، لأنهم يعيشون في عالم انفجر فيه الفجور، وعمّ فيه الفساد وطمّ والله المستعان.
عقول أبنائنا في خطر لأن كثيراً من الآباء تخلى عن أبنائه وغفل عنهم، وتركهم فريسة للعب واللهو والضياع، فضاعوا مع الضائعين، وتاهوا في مستنقعات الرذيلة والشر والفساد. (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ)[المدثر 38: 45].
لقد دخلوا النار واستقروا بها والسبب هو التفريط والضياع، فلا صلاة يحافظون عليها، ولا رحمة ولا شفقة في قلوبهم على عباد الله المستضعفين، وفوق هذا وذاك يلعبون مع اللاعبين، ويتيهون مع التائهين، ويقصرون في طاعة رب العالمين، ويكذبون بيوم الدين.
عقول أطفالنا في خطر لأن عقولهم سُلمت إلى أيدٍ غير أمينة عليهم، ولا مؤتمنة على القيام بهم ورعايتهم، فبعضهم سلم عقله إلى قرناء السوء، وعميان البصيرة، وأهل الضلالة والغواية الذين لا همّ لهم إلا الشهوات ومقارفة المنكرات. (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) [الفرقان 27: 29].
وبعضهم سلم عقله أو بالأصح سلم أهلُه عقلَه إلى أصحاب الأفكار المنحرفة، والمذاهب الهدامة، والمناهج المستوردة، فصار سماعاً لهم، ومتأثراً بهم، ومعجباً بضلالاتهم وانحرافاتهم، فتراه يشيد بالمتصوفة، أو يفاخر بالرافضة، أو يعجب بأهل النفاق والعلمنة.
عقول أطفالنا في خطر لأن المكر العالمي الكبار يستهدفهم، ويستميت في القضاء عليهم، ويحاول بكل ما أوتي من طاقة وقدرة أن يغيبهم عن دينهم، ويبعدهم عن الأمور الجادة من أمور دنياهم، حتى يعيشوا حياة البهائم لا بالدين ظفروا ولا على الدنيا حصلوا. يقول الله -تبارك وتعالى- مبيناً شدة مكر الكفار وقوته على المسلمين: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [الأنعام : 123]. فأخبر أن في كل قرية لم يقل مجرمين وإنما أكبر المجرمين ورؤوس الطواغيت، الذين لا هدف لهم إلا نشر الشر وغواية البشر.
ويقول -جل وعلا-: (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الرعد : 33]، ويقول: (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر : 43]، وفي آية أخرى يقول: (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد : 42]، وقال: (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا) [نوح : 22].
فهذه الآيات كلها تبين قوة المكر العالمي على هذه الأمة، وشدة الكيد عليها من قبل أعداء الله، واستهدافهم للمسلمين جميعاً، كباراً وصغاراً رجالاً ونساء بمكرهم وشرهم وفجورهم.
عقول أبنائنا في خطر بسبب المؤثرات المحيطة بهم، وخاصة وسائل العصر السحرية وعالم التكنولوجيا والتقنية، التي وللأسف الشديد لم يستغلها كثير منهم إلا في الخراب والتخريب، والفساد والإفساد، مما جعل عقولهم لا نقول فقط في خطر، وإنما في أعلى درجات الخطر وأشدها.
إن الملايين من أطفال المسلمين بأمس الحاجة إلى قنوات ومواقع إسلامية تتناسب مع أعمارهم، تعتني بهم، وتهتم بتربيتهم تربية إسلامية، وتأخذ على أيديهم نحو الخير والرشاد، والبعد عن الشر والإفساد، وليس مجرد قنوات تقتصر على الجوانب الترفيهية فقط دون الجوانب التثقيفية.
إن الأطفال العرب والمسلمين معرَّضون لأخطار الغزو الثقافي من خلال السيول والفيضانات الهائلة, التي تفيض بها الآلاف من القنوات المنحلة والمجلات الهابطة والصحافة المستغربة، ولابد من العمل على التصدي لها ومواجهتها لحماية عقول أبنائنا وبناتنا من الخطر، ولا يكون ذلك إلا بعمل المزيد من القنوات الإسلامية للناشئة، وإصدار الصحف والمجلات العربية والإسلامية التي تخاطب عقول الأطفال والصغار.
عقول أطفالنا في خطر لأن كثيراً من مفاهيم الإسلام وأصوله وقيمه غابت عنهم، أو حرفت لهم، أو جُهلوا بها عن قصد أو عن غير قصد، فصاروا لا يعرفونها، ولا يسمعون بها، أو يسمعون بها شوهاء محرفة.
عقول أطفالنا في خطر لأن مدارسنا لم تعد تقوم بدورها المطلوب في تربيتهم وتعليمهم -إلا ما رحم ربك-, وصار التعليم اليوم يعني في بعض الأحيان التجهيل أو التضييع، لأن الابن يأتي إلى المدرسة بريئاً على فطرته فيتعلم في المدرسة السباب والشتائم والأفعال السيئة، بسبب اختلاطه بالأولاد السيئين وسماعه منهم، ووجوده بينهم رغماً عنه، نظراً لوجودهم في الصف الواحد أو المدرسة الواحدة، في ظل غياب عن الرقابة تجاه هؤلاء السيئين والعابثين في أكثر المدارس والله المستعان. يقول الله -تبارك وتعالى-:(الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : 67].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب. فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ،وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: من المصائب العظيمة التي جعلت عقول أبنائنا في خطر أن بعض الآباء – هداهم الله-, قد أدخل أبناءه في مدارس لا تليق بمسلم عاقل أن يدخل أبناءه فيها، كالمدارس الأجنبية، والمعاهد المختلطة، والمدارس المشبوهة، والتي يتباهى بعض الآباء وللأسف الشديد بتعلم ابنه فيها، ويتبجحون بأن ذلك لهدف تعليم اللغات العالمية، وفتح كل المجالات أمام عقولهم، وينسون أن لهذه المدارس أطماع فكرية ودينية وثقافية من خلال دس السم في العسل.
عقول أطفالنا في خطر لأن الشارع يفسدهم، ويهدم فيهم، ويعلمهم كثيراً من فنون الشر وخبائث الأعمال، وإذا سلم الطفل من الشر في البيت فلن يسلم منه في الشارع، وإن سلم منه في الشارع فلن يسلم منه في المدرسة وهكذا.
عقول أطفالنا في خطر لأن أكثر الأمهات -وللأسف الشديد- لم تعد تهتم بتربية ابنها التربية المرجوة، وتفهم التربية بمعنى الإرضاع والإشباع والاهتمام الحسي بالطفل، وتنسى الجانب التربوي الهام في تعديل سلوكياته، وتصحيح أخطائه، وربما تجدها السبب في تعليم الابن أو البنت بعض الألفاظ النابية، والكلمات الخاطئة، والسلوكيات الشنيعة.
أيها الآباء: إن أطفالنا براعم غضّة طرية تحتاج منّا إلى الكثير والكثير من الرّعاية والعناية، وتحتاج أنْ نحنو عليها، ونقوّم أغصانها، وأنْ نحوطها بوعي العقول الراشدة، والقلوب الدافئة أمام العواصف العاتية، فهل أدركنا مسؤوليتنا وقمنا بواجبنا، أم تركنا ذلك للفضائيات الهابطة، والبرامج المغرضة, التي تحاول نزعهم هويتهم ومسخ عقيدتهم, وصرف قلوبهم وتغييبهم عن دينهم ودنياهم؟!.
إن أطفالنا يتلقون كُلّ يوم مؤثرات من البيئة المحيطة بهم، وهم بحكم سنّهم لا يميّزون بين الغثّ والسمين والصالح والطالح والخير والشر، وقد تكون هذه المؤثرات إيجابيّة وتربويّة، فتنفعهم وتعودهم على مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، وقد تكون سلبيّة، فتؤدي بهم إلى الانحراف والميل عن جادة الصواب، ولا سيّما إذا اشتدّ عوده وكبر سنه، وبلغ من العمر مالا يفيد معه الإصلاح والتأديب، كما قال الشاعر:
إنّ الغصون إذا قوّمتها اعتدلتْ | ولا يلين إذا قوّمته الخشبُ |
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- مبيناً أهمية التربية في الصغر، وتعويد الأطفال على الخير وهم صغار: "مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ" [ أحمد (6756)].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فبدأ بنفسه، وثنى بالملائكة المسبحة بقدسه، وثلث بكم -أيها المؤمنون- من جنه وإنسه، فقال عز من قائل –كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.