البحث

عبارات مقترحة:

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

الوقف

العربية

المؤلف عبد الله الواكد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المعاملات
عناصر الخطبة
  1. منزلة الوقف .
  2. تسابق الصحابة ومَن بعدهم على الوقف .
  3. أهمية الوقف .
  4. عدم اقتصاره على الفقراء .
  5. دعوة للإيقاف والاستثمار الحقيقي .

اقتباس

إن الأوقاف دعامة من الدعامات الكبرى للنهوض بالمجتمع ورعاية أفراده، تبنى بريعها المصحّات والمستشفيات، ويراعى بها أحوال الفقراء وذوي الدخول المتدنية، وتشاد بها دور وملاجئ وأربطة تحفظ اليتامى، وتؤوي الأرامل، وتقي الأحداث مصارع الضياع؛ وتنشأ مؤسسات إغاثية ترعى المنكوبين من المسلمين في كل مكان.

الخطبة الأولى:

غالب الناس اليوم لا يعرفون قيمة الوقف، فلا يعرفون إلا الوصية، لكن الوقف -يا عباد الله- من أفضل الصدقات، وأجل الأعمال، وأبر الإنفاق؛ فيا من تملك شيئاً من المال في هذه الدنيا، هل فكرت أن تنفع نفسك وتوقف شيئاً من مالك لله ينفعك في قبرك ويوم معادك؟.

إن الوقف -يا عباد الله- ضمان لحفظ المال، ودوام للانتفاع به، وتحقيق للاستفادة منه مُدداً طويلة، وآماداً بعيدة.

لقد ذكر التاريخ الإسلامي كثيراً من الأوقاف التي تبارى المحسنون من المسلمين في كل أقطارهم وعصورهم وعلى اختلاف مذاهبهم في إنشائها على جهات البر الكثيرة التي ما زال كثير منها قائماً حتى اليوم.

لقد بادر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوقف جزءٍ من أموالهم، وحبس أشياء من دورهم وعقارهم.

فها هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يستأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طرق الخير ووجوه البر قائلاً: يا رسول الله، إني أصبت مالاً بخيبر لم أُصب مالاً أنفس عندي منه. فما تأمرني؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "إن شئت حبّستَ أصلها وتصدقت بها، غير أن لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث". قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضعيف، لا جناح على مَن وَلِيَها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متمولٍ فيه. متفق عليه.

وهذا أبو طلحة -رضي الله عنه- كان أكثر الأنصار في المدينة مالاً، وكان أحب ماله إليه "بيرحاء"، مستقبل المسجد، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخلها ويشرب من ماءٍ طيب فيها.

قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: فلما نزل قوله -تعالى-: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)، قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله، إن الله -تعالى- يقول: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)، وإن أحب أموالي إليّ "بيرحاء"، وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عنده، فضعها حيث أراك الله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بخٍ بخٍ! ذلك مال رابح! وقد سمعتُ ما قلتَ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين"، فقال أبو طلحة: أفعل ذلك يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.

وأوْقَفَ أبو بكر -رضي الله عنه- رباعاً له في مكة على الفقراء والمساكين وفي سبيل الله وذوي الرحم القريب والبعيد.

وأوقف عثمان وعلي وسعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر والزبير وخالد بن الوليد -رضي الله عنهم-. وأوقفت عائشة وأم سلمة وصفية وأم حبيبة -رضي الله عنهن-.

قال الشافعي -رحمه الله-: وأكثر دور مكة وقف.

ثم سار من بعدهم الأغنياء والموسورون من المسلمين، فأوقفوا الأوقاف، وأشادوا الصروح، بنوا المساجد، وأنشؤوا المدارس، وأقاموا الأربطة؛ ولو تأملت دقيق التأمل لرأيت أن هؤلاء القادرين الأخيار، والأغنياء الأبرار، لم يدفعهم إلى التبرع بأنفس ما يجدون وأحب ما يملكون ولم يتنازلوا عن هذه الأموال الضخمة والثروات الهائلة إلا لعظم ما يرجون من ربهم، ويؤمّلون من عظيم ثواب مولاهم، ثم الشعور بالمسؤولية تجاه الجماعة والأقربين، يدفعهم كل ذلك إلى أن يرصدوا الجزيل من أموالهم ليستفيد إخوانهم أفراداً وجماعات، وجمعيات وهيئات، وأقرباء وغرباء.

أيها الناس: ربما صرف الإنسان مالاً كثيراً على الفقراء، ثم يفنى هذا المال، ثم يحتاج الفقراء مرة أخرى، أو يأتي فقراء آخرون فيبقون محرومين، فلا أحسن ولا أنفع للعامة من أن يكون شيء وقفاً للفقراء وابن السبيل يصرف عليهم من منافعه ويبقى أصله.

فالوقف هو تطويلٌ لمدة الاستفادة من المال، فقد تُهيأ السبل لجيل من الأجيال لجمع ثروة طائلة، ولكنها قد لا تتهيأ للأجيال التي بعدها؛ فبالوقف يمكن إفادة الأجيال اللاحقة بما لا يضر الأجيال السابقة.

أيها المسلمون: الوقف ليس محصوراً ولا مقصوراً على الفقراء والمساكين كما يظن البعض، ولكنه أوسع من ذلك وأشمل، فلقد كان للوقف أثر عظيم في نشر الدين وحمل رسالة الإسلام ونشاط المدارس والحركة العلمية في أقطار المسلمين وأقاليمهم، إنه يوفر الدعم المادي للمشروعات الإنمائية والأبحاث العلمية، إنه يمتد ليشمل كثيراً من الميادين والمشروعات التي تخدم في مجالات واسعة وميادين متعددة ومتجددة. وإن المساجد لم تكن لتنتشر هذا الانتشار في تاريخ الإسلام كله إلا بطريق الأوقاف. 

إن الأوقاف دعامة من الدعامات الكبرى للنهوض بالمجتمع ورعاية أفراده، تبنى بريعها المصحّات والمستشفيات، ويراعى بها أحوال الفقراء وذوي الدخول المتدنية، وتشاد بها دور وملاجئ وأربطة تحفظ اليتامى، وتؤوي الأرامل، وتقي الأحداث مصارع الضياع؛ وتنشأ مؤسسات إغاثية ترعى المنكوبين من المسلمين في كل مكان.

عن طريق الأوقاف انتشرت في العالم الإسلامي المدارس والمكتبات وحِلَق العلم والتأليف، وتحسنت بدعمها الأحوال الصحية للمسلمين، وازدهر علم الطب، وأنشئت المستشفيات، إضافة إلى دَورها في دعم الحركة التجارية والنهضة الزراعية والصناعية وتوفير البنية الأساسية من طرق وقناطر وجسور.

ناهيك عن تحقيق التكافل الاجتماعي، والترابط الأسري، وبناء المساكن للضعفاء، ومساعدة المحتاجين، وتزويج الشباب غير القادرين، ورعاية المعوقين والمقعدين والعجزة، وتجهيز لوازم التغسيل والتكفين للموتى.

قال الله -تعالى-: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) [البقرة:272].

بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية:

 
الحمد لله الذي شرع لعباده من الطاعات ما يقربهم إلى رضوانه، ويرفع منازلهم في جنانه، والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة الذي جعل حياته ومماته وماله كله في سبيله، وعلى آله وأصحابه الذين تنافسوا في الخير ونالوه، وتسابقوا إلى البر وحازوه، وعلى من اهتدى بهديهم وعمل بسنتهم إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها المسلمون، إن مال الإنسان الحقيقي هو ما قدمه لنفسه ذخراً عند ربه، كما قال -سبحانه-: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَـاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَـاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ) [الأنعام:94].

وفي الحديث الصحيح: "يقول ابن آدم: مالي مالي! وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت؟ وما سوى ذلك فذاهبٌ وتاركه للناس".

وفي الحديث الآخر: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به بعده، أو ولد صالح يدعو له".

والإنسان ينتقل من دنياه غنياً عما خلّف، فقيراً إلى ما قدّم.

ففكر جيداً يا عبد الله في هذا الباب، فوالله! إنه لباب عظيم من أبواب الخير، غفل عنه الكثيرون، فأوقِفْ يا عبد الله، يا من أعطاك الله، أوقف إما داراً صغيرةً، أو عمارةً هنا أو هناك، واجعل ريعها في أحد وجوه الخير التي سمعت، تنفعك نفعاً عظيماً بإذن الله -تعالى- إذا خلصت النيات.

واجعل على هذا الوقف شخصاً أو شخصين من أهل الخير والصلاح ممن عرفوا بالأمانة والنـزاهة يرعون شؤونها ويديرون أمورها، يأتيك أجرك وأنت في قبرك، ويدعو لك كل من استفاد منها.

وكلما كان الوقف متعدي النفع فهو أفضل، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً نشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته" رواه ابن ماجه.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده، فإن شعره وروثه وبوله في ميزان حسناته" رواه ابن ماجه.

هذا -يا عباد الله- أجر من أوقف فرساً؛ فكيف بمن أوقف أكثر من ذلك؟!.