الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | محمد بن سعد الدبل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المعاملات - الحكمة وتعليل أفعال الله |
أيها المسلمون: اعلموا أن الربا أسلوب تعاملي فاسد، بل عمل ظالم باطل جائر، فظيع شنيع، ضار بالعقيدة، مضعف، بل سالب للإيمان، ساحق للبركة، ماحق للمنفعة، لاحق لصاحبه إن يتب منه. إن شؤمه وعذابه باق في حياة الإنسان المرابي؛ لأنه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الظلم والعدوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريد له، أحل البيع، وحزم الربا، وقرر أحكام الدين، وأباح للناس التجارة، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله، أشاد به صرح التوحيد، ورفع عماده، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن أقتفى أثره، واتبع سنته.
أما بعد:
فقد قال تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)[البقرة: 278 - 279].
أيها المسلمون: اعلموا أن الربا أسلوب تعاملي فاسد، بل عمل ظالم باطل جائر، فظيع شنيع، ضار بالعقيدة، مضعف، بل سالب للإيمان، ساحق للبركة، ماحق للمنفعة، لاحق لصاحبه إن يتب منه.
إن شؤمه وعذابه باق في حياة الإنسان المرابي؛ لأنه يشغله عن ذكر الله، ويجعله دائما في غير دعة وسكينة وطمأنينة، يلاحق المال حيث ما كان، ولا يفكر في طريقة استدرار للربح، بل في زيادته بأية طريقة، رمن طريقته هذه، فقد جعل في حياته انفصاما ذهنيا؛ فهو دائما شارد البال مشتت الفكر لا يهنأ بزاد ولا يسعد بعيال.
إن شؤمه وعذابه مستمر مع آكله في الممات والقبر والحشر والنشر، ولا يأكل الربا -يا عباد الله-، ولا يتعاطاه، ويتعامل به بعد العلم بتحريمه وخطره إلا ظالم فاسق عاص لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وفي هاتين الآيتين الكريمتين: نداء من الله -تعالى- للمؤمنين، خصوصا يأمرهم من خلال هذا النداء بتقواه ومراقبته، ويحذرهم من تعاطي الربا بشتى صور وأشكاله، وينذرهم من التعامل به، والإصرار عليه، وأنهم إن لم يتقوا الله وينسوا ما بقي من الربا، فقد عرضوا أنفسهم لحرب معلنة من الله، وأي حرب تلك وبماذا تكون؟
إنها الحرب الغامرة المدمرة للربا والمرابين مهما كانوا، حتى وإن كانت البشرية كلها، فتلك الحرب -يا عباد الله- حرب على الأعصاب والقلوب، حرب على البركة والرخاء، حرب على الصحة والسعادة والطمأنينة؛ حرب يسلط الله -تعالى- فيها العصاة لمنهجه، وله على بعضهم البعض، حرب ليس وراءها إلا الخراب والدمار، والضياع والفساد للأموال والأنفس.
ولئن قال بعض ذوي العقول المريضة: إن هذا التعامل فيه مصلحة مضمونة، وربح وفير، قد لا يتحققان في البيع والشراء، لئن قالوا هذا القول، فالرد عليهم: أن الله –سبحانه- هو وحده العليم بمصلحة العباد، ولو كان الربا صالحا محضا مضمونا طيبا لما حرم الله على عباده ما هو طيب.
عباد الله: لقد قسم العلماء -رحمهم الله- الربا إلى أربعة أقسام، والكثير من الناس واقع في بعضها إن لم يكن فيها كلها.
وأول هذه الأقسام: ربا النسيئة: وهو أعظم الربا ضررا، وأشده حرمة.
وصورته: أن يكون لرجل على آخر دين مؤجل، فإذا حان الأجل ولم يكن عند المدين مال يفي به طلب من صاحب الدين أن ينسأ له في الأجل على أن يزيده في المال.
وهكذا يتكور هذا الصنيع بين الطرفين، حتى يكون الربح الربوي أضعافا مضاعفة، فيربو المال على الفقير المستدين من غير نفع يحصل له، فتكون النتيجة عظيم مصيبته، وغلبة الدين عليه، حتى يستنفد جميع موجوداته.
فما هذا التصرف -يا عباد الله-، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 280].
القسم الثاني من أقسام الريا: ربا الفضل، وهو البيع مع زيادة أحد العوضين المتجانسين على الآخر، كبيع كيلة حنطة بأقل أو أكثر من كيلة، وكبيع الذهب، والفضة بنقد من جنس الحلي أقل أو أكثر من جنسه في الميزان، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد. فمن زاد أو أستزاد، فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء".
القسم الثالث من أقسام الربا: ربا اليد، ويسمى ربا الصرف، وهو بيع الربوي بمثله بغير حلول ولا تقابض، كما يفعله بعض الصيارفة في هذا الوقت، حيث يشتري التاجر مقدارا من الجنيهات بمقدار من الريالات أو الربابي الفضية، فيتسلم الذهب، ويؤخذ الفضة أو بالعكس إلى أجل متفق عليه، ولو كان ساعة أو لحظة؛ والذي يشترط لصحة هذا البيع وخروجه من كونه عقد ربا هو الحلوى والتقابض الحقيقي في المجلس، لقول رسول -صلى الله عليه وسلم- في حديث عباده: "فإذا اختلفت هذه الأشياء فبيعت حيث شئتم إذا كان يدا بيد".
أما القسم الرابع من أقسام الربا: فهو ربا القرض، وهو كل معاملة في البيع والشراء، والمسالفة تجر نفعا للمقرض مع شرط بين الآخذ والمعطي، والكل حرام باتفاق الأمة.
وصورة ربا القرض: أن يبيع أحد الناس على آخر سلعة بألف ريال أو أكثر إلى أجل، ثم يشتري البائع السلعة نفسها قبل أن يقبض الثمن بخمسمائة ريال أو أقل، ويسلم القيمة نقدا، وهذا كله غير جائز؛ لأنه عين ربا النسيئة التي حرمت بالكتاب والسنة والإجماع، لقول رسول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الإمام أحمد: "إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاء لا يرفعه، حتى يراجعوا دينهم".
وهذه الأقسام التي مر ذكرها هي مجمل أقسام الربا، وله صور وأشكال كثيرة، مذكورة في كتب الفقه والتفسير.
وعلى المسلم أن يسأل عما لا يعرفه منها، حتى لا يقع في التعامل المحرم، فإن الحرام يذهب ويذهب صاحبه.
فاللهم الهمنا رشدنا، وثبتنا على الحق في كل أمر.
سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك، ونتوب إليه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أحل الطيبات من الرزق، ونهى عن الخبائث، وحم الربا بكل صوره وذرائعه وحيله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أفعاله وأسمائه وصفاته، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسله، أرسله بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله وسراجا منيرا.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، وتوبوا إليه واستغفروه، واعلموا أنه لا يغني عن بركة الله، ولا من رحمته شيءٌ، والعبد لا يدري ما الذي خبِّئ له في الغيب، فقد يكون أجله إلى شهر أو يوم أو ساعة أو أقل، ثم ينتقل إلى الآخرة، ويترك كل شيءٍ وراءه للوارث خيره ونفعِه وعليه حسابه وعقابه.
فلم هذا الركون إلى الدنيا، والسعي وراء المادة وجمعها، واستحلال ما حرم الله من المعاملات التي من أخطرها للربا؟
ذلك التعامل العظيم جرمه، الشديد عقابه، الأليم عذابه.
ويكفي في خطره على الفرد والمجتمع: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عده في السبع الموبقات، مبينا أن صاحبه المصر عليه بعد العلم بتحريمه معرض لحرب الله، مطرود من رحمته؛ لأن الربا -يا عباد الله- داء تفسد به القلوب، وتنزع به الرحمة والشفقة من الناس، ولا يجتمع والإسلام في هدف ولا غاية، ولا يلتقي مع التشريع الإسلامي في نظام ولا تصور، ولا يتفق وإياه في أساس ولا نتيجة.
ويكفي في خبث هذا التعامل أنه من أكبر البنود التي أصر عليها اليهود في تجاراتهم وبيعهم وشرائهم، واليهود هم أخبث خلق الله في الأرض.
أيها الإخوة المؤمنون: لقد أبدلكم الله في أسلوب التعامل المشروع ما يحفظ لكم كيانكم الاجتماعي، ويسعدكم في الدنيا والآخرة.
أحل الله لكم البيع والشراء بلا تعامل ربوي، وأباح لكم السلم، وشرع الزكاة، وجعلها أحد أركان الإسلام، لما فيها من التكافل والتعاون على البر والتقوى، فهي تطير لنفس معطيها من البخل والشح، وتزكية لنفس آخذها من الحقد والحسد، وقد رتب الشارع الحكيم أحكام الدين والتجارة، فإذا كنت -أخي المسلم- ذا مال وفير، وأردت تنميته، فهناك وسائل كثيرة للنماء السليم، وإصلاح الأموال، فسل عنها من يعرفها من العلماء.
ولا شك أنها ممكنة ميسرة، حيث تؤمن القلوب، وتصح النيات على ورود الموارد النظيفة الطاهرة، وتجنب المارد العفنة الأسنة.
وصلوا وسلموا على أكرم نبي، وأشرف هاد، وادعوا الله وحده أن يخلص أمة الإسلام من أوضار المادة التي تردت فيها ونسيت أو تناست شرعه الحنيف.
اللهم اهد ضال المسلمين، وأعزهم بإسلامهم، وأعزه بهم، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر اللهم من نصر دينك من حكام ومحكومين، ويسر اللهم لقادتنا ولولاة أمورنا ما يعينهم على حماية دينك ونشره والذب عنه، وارزقهم البطانة الصالحة.
عباد الله: اذكروا العلي العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [العنكبوت 45].