العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
لَعلَّنا فِي مَطلَعِ رَمَضَانَ وفي ثانِي أيَّامِهِ المُبارَكَةِ أنْ نُجاهِدَ أَنفُسَنا ونُحَقِّقَ تَقوى اللهِ –تَعالى- بِالتَّغَلُّبِ على أَنفُسِنا بِالإكثَارِ مِن الطَّاعاتِ، والابتِعَادِ عن أنواعِ المُنكراتِ فإنَّ نَبِيَّنا قالَ: " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"، فَهُناكَ سُرَّاقٌ لِرمَضَانَ، يَصُدُّونَ الخَلْقَ ويُضِلُّونَهم عن سَبِيلِ رَشَادِهم وهِدَايَتِهم، لم نَزَلْ نَرَاهُم عَبرَ الشَّاشَاتِ، والقَنَواتِ الهَابِطَةِ، والمُؤسِفُ أنَّ مُلَّكها أُناسٌ يُحسَبونَ من أهلِ الإسلامِ، ومن أهلِ بِلادٍ طاهِرَةٍ! مع الأسفِ أردوا تَدنيسَ مُجتَمَعِهم بِمُسلسلاتٍ ماجِنَةٍ! وعُرُوضٍ مُخزِيَةٍ، مُثِيرَةٍ لِلشَّهَواتِ مُؤجِّجَةٍ لِلفِتنَةِ. فيا أيُّها الكِرامُ الأحرارُ قاطِعُوهُم قَطَعَهمُ اللهُ، واهجُروهم أخزاهُمُ اللهُ، ومَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ وأَجْوَافَهُمْ ومَحَلاَّتِهم نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنْ دِينِنا، وأَفسَدُوا أَبنَائَنا وبَنَاتِنا...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ ذي الجُودِ والإحسانِ، أنعمَ علينا بالإيمانِ، وفَرَضَ علينا الصِّيامَ، لنيلِ الرِّضِا والرِّضوانِ، نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المَلِكُ الدَّيَّانُ، ونشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسُولُه، خَيرُ مَنْ تَعبَّدَ للهِ وَقَامَ وَصَامَ، صلَّى الله وسَلَّمَ وبارَكَ عليه وعلى آلِهِ الطَّاهرينَ وصَحَابَتِهِ الكِرامِ وَمَنْ اقتفَى أَثَرَهُم على الدَّوامِ.
أمَّا بعدُ: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، بالتقوى تَزكوا النَّفوسُ، ويَثقُلُ المِيزانُ، وَيحصُلُ القُربُ مِن الرَّحيمِ الرَّحمَنِ.
أيُّها المؤمنونَ: ما أسعدَنا بالشَّهرِ الفَضِيلِ فقد أَشرَقَتْ دُنيانا وهَبَّت رِياحُ الإيمانِ فينا. نَحنُ واللهِ أَحوَجُ مَا نَكونُ إلى شِهرِ الصِّيامِ والقِيامِ، شَهرِ التَّرتيلِ والقرآنِ، شَهرِ الرَّكُوعِ والسُّجُودِ، شَهرِ الذِّكرِ والدُّعاء، شَهرِ البُعدِ عن النَّزَعَاتِ والمَلَذَّاتِ، نعم واللهِ إنَّهُ شَهرُ تَحقِيقِ التَّقوى لِلمَلِكِ العلاَّم: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
وفي الحديث عن أبي هريرةَ أنَّ رَسُولَ اللهِ قَال: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ". وقَالَ: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ".
فَمَا أَحوَجَنَا عبادَ اللهِ إلى أنْ يَهَبَنا اللهُ من واسِعِ مَغفِرَتِهِ وَرَحمَتِهِ. فَكُلُّنا أَمَلٌ في عَفوِ الرَّحيمِ الرَّحمَنِ. وَقَفْنا وقد أَثقَلَتْنا ذُنُوبُنا وَغَلَبت عَلينا شِقْوتُنا فيا أرحمَ الرَّاحِمينَ لا تَجعلنا عن بَابِكَ مَطرُودِينَ، ولا مِن فَضلِكَ وإِحسَانِكَ مَحرُومِينَ، آمنَّا بقَولِكَ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].
وبِقَولِكَ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ: "يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً" (رواهُ التَّرمِذِيُّ).
فاستَفتِحُوا يا مُؤمِنُونَ: شَهرَكُم بِتَوبَةٍ صَادِقَةٍ نَصُوحٍ. فمَن مِنَا من لا يعرِف فضلَ الشَّهرِ وقدرَه؟ أليس هو سيِّدُ الشُّهورِ وخَيرُها؟ بلى والله. ألم يَقُلِ اللهُ تَعالى عنهُ: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185].
وفِي الصَّحِيحَينِ عن النَّبِيِّ أنَّ مَن صَامَ رمَضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر لَهُ ما تَقدَّم مِن ذَنَّبِهِ، وأنَّ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنَّبِهِ، وأنَّ مَن قَامَ لَيلةَ القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِر لَهُ ما تَقدَّمَ مِن ذَنَّبِهِ، شَهرٌ افتَرضَ اللهُ على عِبادِهِ صِيامـَهُ وجَعَلَهُ أَحَدَ أركانِ الإسلامِ فقالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
أمَّا ثَوابُ الصَّائِمِينَ فَذاكَ مَرَدُّهُ إلى أَكرَمِ الأَكرَمِينَ، في الصَّحيح أنَّ النَّبيَّ قال: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ". (رواهُ مُسلمٌ).
حقاً رَغِمَ أَنفُ مَن أَدرَكَهُ رَمَضَانُ فَلم يُغفَرْ لَهُ؛ في حَدِيثٍ حَسَنٍ أنَّ جِبْرِيلَ -عليهِ السَّلامُ- أَتَى النَّبِيَّ ، فقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: آمِينَ".
شهرُنا يا مُؤمِنُون: شَهْرُ القِيامِ والتَّرَاويحِ، فاعمُروهُ كُلَّهُ بالصَّلاةِ والدُّعاءِ وقِراءَةِ القُرآنِ فقد جَعَلَ رَسُولُ اللهِ مَغفِرَةَ الذُّنوبِ لِمَن قَامَهُ كُلَّهُ إيمَاناً واحتِسَاباً لا بعَضَهُ! فتَنَبَّهوا لِذلِكَ! فلا تُفرِّط في لَيلَةٍ من لَيَالِيهِ!
رَمَضَانُ يا مؤمنونَ: شهرُ القرآنِ فقد كان جِبريلُ عليه السَّلامُ يَلقى النَّبيَّ فيه كلَّ ليلة فيدارِسُه القرآنَ، فَرَطِّبوا ألسِنَتكم بِتِلاوتِهِ، وَزَكُّوا نُفُوسَكم بِتَدبُّرِهِ.
أيُّها المُسلِمونَ: الجودُ والإنفاقُ مُرتَبِط بِرَمَضَانَ، فقد كان نَبِيُّنا أجودَ النَّاسِ، وكانَ أجودَ ما يَكُونُ في رمضانَ فَلَرَسُولُ اللهِ أجودُ بالخيرِ من الرِّيح المُرسَلَةِ. فأطعِموا الطَّعامَ، وجُودوا على الفُقراءِ، وأغنُوهم عن المَسألَةِ، وفَطِّروا الصَّائِمينَ، وكونوا مِن المُنفِقينَ، فمن جَادَ على عِبادِ اللهِ جَادَ اللهُ عليهِ، وأخلَفَ لَهُ خيرا.
واليومَ عبادَ اللهِ: مَنْ لِشُعُوبٍ قهَرَتها الخُطوبُ وأوهَنَتها الحُرُوبُ، بعدَ الله إلاَّ أنتم فَيَأهلَ الكَرَمِ والجُودِ، جُودُوا على إخوانِكم عَبْرَ المُؤسَّسَاتِ الرَّسمِيَّةِ والهَيئاتِ الإغَاثِيَّةِ، ولن تَعدموا مَنْ تَثِقُونَ بِدِينِهِ وَأَمانَتِهِ وَمَسِيرَتِهِ وَمَنْهجِهِ: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
فاللهم أعنَّا على صيامِ رمضانَ وقيامِه إيمَانَا واحتِسَابَا، اللهمَّ باركْ لنا فيه واجعل مُستَقبَلَنا خيراً مِن ماضيهِ. أقولُ ما سَمِعتم وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله دائمِ الفَضلِ والإحسَانِ، أنعمَ علينا بِشهرِ الصِّيامِ، وجعلَهُ أحدَ أَركَانِ الإسلامِ، نشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له الكبيرُ المُتَعَالِ، ونَشهدُ أنَّ مُحمَّدا عبدُ اللهِ ورسولُه أَتْقَى الخَلْقِ فِي المَقَال والفِعَالِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبَارَكَ عليه وعلى جَميع الصَّحب والآلِ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ مَا تَعَاقَبتِ الأَيَّامُ والَّليَالي.
أَمَّا بَعدُ: فَأوصِيكُم وَنَفْسي بِتقوى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، كيفَ لا نَتَوَاصَى بالتَّقوى وما شُرِعَ الصِّيامُ إلاَّ لِتَحقِيقِهِ، أَلم يَقُلِ سُبحَانَهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
أيُّها الأخُ الكريمُ: تـَفَقـُّه المُسلِمِ في دِينهِ أَمرٌ مَطلُوبٌ وقد قالَ : "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ". (رواهُ البخاريُّ).
ولمَّا كانَ الصَّيامُ أحدَ أركانِ الإسلامِ، كانَ لِزاماً على كُلِّ مُسلِمٍ أنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَحتَاجُهُ مِن أَحكَامٍ وحِكَمٍ حتى يَعبُدَ اللهَ على عِلمٍ وَبَصِيرةٍ فَفَرقٌ بينَ مَنْ يَعبدُ اللهَ على عِلمٍ وبينَ من يَعبدُهُ عَادَةً وَتَقلِيدًا.
وإليكم جملةً من أحكامِ الصِّيامِ التي لا غنى لِلمُسلِمِ عَنها، فلو سُئلتَ عن معنى الصِّيامِ فَقُل: هو التَّعبُّدُ للهِ بِالامتِنَاعِ عن جَمِيعِ المُفَطِّراتِ مِن طُلوعِ الفَجرِ إلى غُرُوبِ الشَّمسِ.
وأنَّ مَنْ تَنَاوَلَ شَيئاً من المُفَطِّراتِ عَالِمَا عَامِداً ذَاكراً لِصومِهِ بَطَلَ صَومُهُ، أمَّا النَّاسِيَ فَلا شَيءَ عليه، وصِيامُهُ صَحِيحٌ، لِقَولِه : "مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهْوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاه". (رواهُ البخاريُّ).
وأنَّ على مَنْ يَرى صَائِماً يَأكُلُ أو يَشرَبُ في نَهَارِ رَمَضَانَ أنْ يُنَبـِّهَهُ قِياماً بِواجبِ النَّصِيحَةِ.
ثُمَّ اعلموا عبادَ اللهِ: أَنَّه يَجبُ الصِّيامُ على مَن تَوَفَّرت فيهِ شُرُوطٌ سِتَّةٌ:
أَوَّلُها أنْ يَكونَ مُسلِماً، فَلا تُقبَلُ عِبادَةٌ مِن كَافِرِ.
ثانِيها العَقلُ، فلا تُقبلُ من مَجنونٍ لِقوله : "رُفِعَ القَلَمُ عن ثَلاثَةٍ: ومِنهم عن المَجنُونِ المَغلُوبِ على عَقلِهِ حَتى يُفِيقَ".
ثَالِثُ الشُّروطِ هو البُلوغُ، فلا يَجِبُ الصِّيامُ على الصَّغِيرِ حتى يَبلُغَ، ولكنْ يَنبغِي لِوَلِيِّهِ أن يُمرِّنَهُ ويُعَوِّدَهُ عليهِ.
أَمَّا الشَّرطُ الرَّابِعُ لِوُجُوبِ الصِّيامِ فَهو القُدرَةُ على الصِّيامِ لأنَّ اللهَ -تَعالى- لا يُكلِّفُ نَفْساً إلاَّ وُسعَهَا.
الخَامِسُ: الإقِامَةُ فَالمُسافِرُ لا يَجب عليهِ الصِّيامُ وعلهِ القَضَاءُ، وإنْ صَامَ حَالَ سَفَرِهِ أَجزَأَهُ ولا شَيءَ عليه.
السَّادِسُ يَختَصُّ بالنِّساءِ وهو عَدَمُ الحَيضِ أو النِّفَاسِ، فَيحرُمُ عَليهما الصِّيامُ حالَهما وَيجِبُ عَلَيهِنَّ القَضَاءُ. عبادَ اللهِ: مَتى اجتمعت هذهِ الشُّرُوطُ وَجَبَ الصَّومُ،
قَالَ اللهُ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 183- 185].
عبادَ اللهِ: لَعلَّنا فِي مَطلَعِ رَمَضَانَ وفي ثانِي أيَّامِهِ المُبارَكَةِ أنْ نُجاهِدَ أَنفُسَنا ونُحَقِّقَ تَقوى اللهِ –تَعالى- بِالتَّغَلُّبِ على أَنفُسِنا بِالإكثَارِ مِن الطَّاعاتِ، والابتِعَادِ عن أنواعِ المُنكراتِ فإنَّ نَبِيَّنا قالَ: " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ".
فَهُناكَ سُرَّاقٌ لِرمَضَانَ، يَصُدُّونَ الخَلْقَ ويُضِلُّونَهم عن سَبِيلِ رَشَادِهم وهِدَايَتِهم، لم نَزَلْ نَرَاهُم عَبرَ الشَّاشَاتِ، والقَنَواتِ الهَابِطَةِ، والمُؤسِفُ أنَّ مُلَّكها أُناسٌ يُحسَبونَ من أهلِ الإسلامِ، ومن أهلِ بِلادٍ طاهِرَةٍ! مع الأسفِ أردوا تَدنيسَ مُجتَمَعِهم بِمُسلسلاتٍ ماجِنَةٍ! وعُرُوضٍ مُخزِيَةٍ، مُثِيرَةٍ لِلشَّهَواتِ مُؤجِّجَةٍ لِلفِتنَةِ.
فيا أيُّها الكِرامُ الأحرارُ قاطِعُوهُم قَطَعَهمُ اللهُ، واهجُروهم أخزاهُمُ اللهُ، ومَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ وأَجْوَافَهُمْ ومَحَلاَّتِهم نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنْ دِينِنا، وأَفسَدُوا أَبنَائَنا وبَنَاتِنا. وصَدَقَ اللهُ: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: 27].
اللهم وكما بلغتنا رمضان فأعنَّا على صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا. اللهم اجعلنا فيه من المقبولين ومن عتقائك من النار يا ربَّ العالمين. اللهم ارحم ضعف إخواننا في سوريا وفي العراقِ وفي فِلسطينَ وفي كل مَكَانٍ وكن لهم ناصرا ومعينا.
اللهمَّ واحقِن دِماءَ المُسلِمينَ، وهيئ لهم قادَةً صالِحينَ مُصلِحينَ، اللهمَّ مَنٍ أرادنا وأرادَ دِينَنَا وأَمنَنَا وبِلادَنا بِسوءٍ فَأشغلهُ في نَفْسِهِ واجعَل كَيدَه فِي نَحرِه. اللهم وعليكَ بالحوثيينَ والرافِضَةِ المُعتدين ومن ناصرهم. اللهم احفظ حُدُودَنا وجُنُودَنا وبلادَنا وبلادَ المُسلمينَ يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمناتِ والمُسلمين والمُسلماتِ الأحياء منهم والأموات. اللهم إنَّكَ عفوٌ تُحِبُّ العفوَ فاعفُ عنَّا. (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). عباد الله: اذكروا اللهَ العَظِيمَ يَذكُركُم، واشكُرُوهُ على عُمُومِ نِعَمِهِ يَزِدكُم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.