العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
تعرّضوا بأعمالكم الطيّبة وعزمكم الصّادق على الرُشد لنفحات برِّهِ وقُدسه, فإن له تعالى في هذه الأيام نفحات، إنَّها أيَّام وليالي إعتاق الرِّقاب وقبول المتاب، إنَّها أيَّام وليالي مضاعفة الحسنات ورِفعة الدرجات، إنَّها أيَّامٌ وليالٍ كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رغم ما هو مُحمّل به من أعباءِ الرّسالة وتبليغ الدّعوة, ينقطع فيها عن الناس, ويُفرغ نفسه لمُناجاةِ ربِّه وتلاوةِ كتابه، والْقيام بين يديه آناء الليل راكعاً وساجداً يدعو ربّه رغباً ورهباً....
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله الذي هدانا للإسلام ووفَّقنا لإدراك شهر الصّيام والقيام، أحمدُه سُبحانه، وله الحمد في البدء والختام.
وأشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، الملك القدُّوس السلام، وأشهد أن سيِّدنا ونبيّنا محمداً عبده ورسوله, صلّى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه, ورضي الله عنهم وعمَّن سار على نهجهم إلى يوم الدّين، وسلّم تسليماً كثيراً.
أمَّا بعد:
فيا عباد الله: إنَّكم اليوم تستقبلون عشر مرضان المبارك، التي حصلت فيها أوَّل انطلاقةٍ للإسلام وأوَّل مشَعِّ لنورِهِ الوضَّاء، عشر رمضان التي نزلت فيها الهداية الربَّانية وأخذ العالم العُلوي فيها يتَّصِل بالعالم الأرضي, عشر رمضان الذي أُنزِل فيه القرآن هدى وبيّنات من الهدى والفرقان, عشر شُرِّفَتْ بِلَيلَةِ الْقَدر العُظمى المُباركة, التي شَهِدَ لها الحقُّ سُبحانه بِأَنَّها خَيرٌ من ألفِ شهرٍ, وبأنَّها مباركةٌ ويفرّق فيها كلُّ أمرٍ حكيم، وتنزِلُ فيها مواكبُ الملائكة الكرام إلى الأرض, يحُفُّ بهم السلام يتنزَّل فيها أشرف الملائكة الروح الأمين، وسفير الله بينه وبين سائر المرسلين جبريل -عليه الصلاة والسلام-، يتنزَّلون فيها لكثرة ما يُنزِلُ الله فيها على عبادهِ من البركة والرّحمة والعفو والرِّضا والغُفْران، ولتُزيّن المؤمنين فيها بألوانِ الطاعاتِ وكثرة الْقربات، ينزلون فيها ليحفّوا بالمصلين ويُسلموا على المؤمنين ويشهدوا للطّائعين.
فيا أيُّها المسلمون -الرّاجون عفو الله ومغفرته ورضاه- تعرّضوا لذلك بفعل أسبابه، واتَّقوا الله وأروه تعالى من أنفسكم خيراً، أروه تعالى رجوعاً صادقاً إليه, وقلوباً خاشعة له منكسرة بين يديه, وعيوناً محشرجة بالدّموع خوفاً من عقابه ورغبة في ثوابه, وألسنة تالية لكتابه مُسبِّحة لجلاله, أروه دوماً خيراً بالإخلاص له في الأعمال والصدق في الأقوال، بتعظيم شعائره واحترام مقدّساته زمانيّة ومكانيّة، وتعرّضوا بأعمالكم الطيّبة وعزمكم الصّادق على الرُشد لنفحات برِّهِ وقُدسه, فإن له تعالى في هذه الأيام نفحات، إنَّها أيَّام وليالي إعتاق الرِّقاب وقبول المتاب، إنَّها أيَّام وليالي مضاعفة الحسنات ورِفعة الدرجات، إنَّها أيَّامٌ وليالٍ كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رغم ما هو مُحمّل به من أعباءِ الرّسالة وتبليغ الدّعوة, ينقطع فيها عن الناس, ويُفرغ نفسه لمُناجاةِ ربِّه وتلاوةِ كتابه، والْقيام بين يديه آناء الليل راكعاً وساجداً يدعو ربّه رغباً ورهباً؛ روى البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها قالت-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر, شدّ المئزر, وأحيا ليلَه, وأيقظ أهله" ورويا عنها قالت: "كان رسول الله يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفّاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده".
عباد الله: إنَّ الله سبحانه وتعالى قد تفضَّل عليكم بأنّ أبلغكم أيام رمضان المشرقة، ولياليه المباركة، وإن ذلكم لنعمة كُبرى واجبة الشكر وشكرها يتجلّى في اغتنامها، فاتَّقوا الله واغتنموها بالأعمال الصالحة, اغتنموا ما بقي فإن أحدكم لا يدري أين هو من رمضان، وأين رمضان القادم منه، وإن الله –سبحانه وتعالى- لمّا أعطى أمّة محمد -صلى الله عليه وسلم- ليلة القدر حدّدها في ليالٍ قليلةٍ، وأخفاها بين غضون تلكم الليالي، أخفاها إهابةً بكم وحثًّا لكم -أيُّها المسلمون- بأن تستمِرُّوا في طاعته وتستغرقوا في مُناجاته, ولتُكبِّروه تعالى على ما هداكم له، لتفوزوا بجزاء الشاكرين، وعظيم مثوبة الطائعين. يقول صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان وصامه إيماناً واحتساباً, غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه". ويقول: "من قامَ ليلة القدر إيماناً واحتساباً, غُفِر له ما تقدّم من ذنبه". ويقول جلّ وعلا: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر:5].
أقول قولي هذا، وأسأل الله بأسمائه الحسنى أن يجعلنا وسائر المسلمين من المقبولين, وأن يختم لنا بالصالحات والخيرات الحسان, وأن يجعلنا خير أعمارنا آخرها وخير أعمالنا خواتيمها، وأن يجعل أبرك أيامنا يومَ نَلقاه. إنَّه تعالى حسبنا ونِعم الوكيل.