المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
العربية
المؤلف | عادل العضيب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج - أركان الإيمان |
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك يقرر مبدأ مخالفة المشركين والكافرين في كل شيء؛ هذا المبدأ الذي تركه شباب المسلمين ورائهم ظهرياً، فصاروا يقلدون الكفار ويشابهونهم ويسيرون ورائهم على خطا جحر الضب، متخلّين -بانهزامية عجيبة- عن عاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم، لاهثين وراء سراب التقدم والتحضر، معرضين عن نصوص الكتاب والسنة تابعين لليهود والنصارى بأقوالهم، معظّمين لهم بأفعالهم ناسين أو متناسين أن العرب قبل الإسلام لا تاريخ ولا حضارة، وأن تمسكهم بهذا الدين هو الذي مكّنهم...
الخطبة الأولى:
المقصدُ الأعلى والهدف الأسمى من خلقِ الناس تحقيق العبودية لله، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
فالله -عز وجل- لم يخلق الخلق عبثاً ولا لعباً، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون: 115-116].
وإنما خلق الخلق ليعبُدوه، ولذا شرع لهم ألواناً من العبادات لا لتتعب الأجساد ولا لتُهدر الأوقات ولا لتنفق الأموال بلا هدف وغاية، بل لتتحقق العبودية لله، ومن ذلك الحج والذي شرعه الله لمقاصد سامية وأهدافٍ عظيمة تتجلى فيها مظاهر الإيمان بالله فمن ذلك:
أولاً: تحقيق العبودية الخالصة لله، فقد أمر الله بأداء الحج والعمرة خالصين له قال تعالى: (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) [البقرة: 197].
وتحقيق العبودية ظاهرُ في كل أعمال الحج، فالحاج ينزع ملابسه المعتادة ويلبي ويطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ويرمي الحجارة، ويذبح الهدي، ويقوم بجميع أعمال الحج في خضوع لله وتعظيم لشعائره.
ومن مظاهر الإيمان في الحج: إقامة ذكر الله؛ لأن الذكر إقامة للتوحيد، قال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج: 27- 28].
وقال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) [البقرة: 198].
والذكر في أفعال الحج جميعاً، فالطواف ذِكر لله، والسعي ذكر لله، ورمي الجمار ذكر ويوم عرفة كله ذكر، وعند المشعر الحرام ذكر لله.
وقبل كل منسك ذكر، وبعده ذكر، وفي أثناء المناسك ذكر لله، قال تعالى: (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [البقرة: 203].
ومن مظاهر الإيمان في الحج: تقديم القرابين وهو من العبادات التي اتفقت عليها الشرائع السماوية، وقد قصَّ الله علينا نبأ ابني آدم عندما قدما قرباناً لله، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27].
والحاج يقدم نفسه قربة لله في الحج، ويبذل ماله قربة لله، ويقدم في تلك البقاع الهدى الذي يذبحه معلناً عبوديته لله، مقتدياً بإمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام.
ولقد جعل الله تعظيم الهدي – التي هي من شعائر الله – علامة ودلالة على تقوى القلوب، فقال تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج: 32- 33].
وشرع الهدي في جزاء الصيد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة: 95].
وشرع الهدي في الإحصار وفي فدية الأذى، وفي التمتع، وشرع التطوع بذبح البُدن، قال تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحج: 36- 37].
وقد أهدى النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة بدنه نحر بيده الشريفة – عليه صلوات ربي وسلامه – ثلاثاً وستين بدنة، وأمر علياً بنحر الباقي.
ومن مظاهر الإيمان في الحج: مخالفة المشركين، وهذا ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الجاثية: 18]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من تشبه بقوم فهو منهم".
ودين الإسلام هو الصراط المستقيم؛ صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وأما الطريق الأخرى فهي طريق المغضوب عليهم من اليهود والضالين من النصارى وقد حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على مخالفة المشركين في أذانهم وصلواتهم وصيامهم وحجهم.
ففي الحج خالف النبي -صلى الله عليه وسلم- الكفار في مواضيع كثيرة، فقد وقف بعرفة، وكانوا لا يقفون بها؛ لأنها من الحِل، ويقولون نحن أهل الحرم فلا نقف في الحِل، ولم يخرج من عرفة إلا بعد مغيب الشمس، وأفاض من مزدلفة قبل طلوع الشمس مخالفةً للمشركين الذين لم يكونوا يفيضون إلا بعد طلوع الشمس، وكانوا يقولون: "أشرق ثبير كيما نغير" .
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك يقرر مبدأ مخالفة المشركين والكافرين في كل شيء؛ هذا المبدأ الذي تركه شباب المسلمين ورائهم ظهرياً، فصاروا يقلدون الكفار ويشابهونهم ويسيرون ورائهم على خطا جحر الضب، متخلّين -بانهزامية عجيبة- عن عاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم، لاهثين وراء سراب التقدم والتحضر، معرضين عن نصوص الكتاب والسنة تابعين لليهود والنصارى بأقوالهم، معظّمين لهم بأفعالهم ناسين أو متناسين أن العرب قبل الإسلام لا تاريخ ولا حضارة، وأن تمسكهم بهذا الدين هو الذي مكّنهم من رقاب كسرى وقيصر، وجعلهم يسُودون الدنيا ويقودونها قروناً متتابعة، وليس التشبه بفارس والروم. فهذه الأمة لن تقوم لها قائمة إلا إذا تمسكت بكتاب الله وسنه رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة: 197].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وسنة سيد المرسلين.. أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحِب رضنا ويرضى، وصلى الله وسلم على من بعثه ربه هادياً ومنيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
أما بعد: الحج عبادة عظيمة من أجّل العبادات - وقربة من أعظم القربات – فيه من المعاني العظيمة والحكم الرائعة ما يأخذ بالألباب، ويدهش العقول؛ ففي الحج تتجلى روح المساواة بين الناس، فالجميع قد طرحوا الملابس والأزياء، وظهروا في ذي واحد.
وفي الحج تتعلم كيف نتبع ولا نبتدع؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "خذوا عني مناسككم"، والحج يعوّد على جميل الطباع وكريم الأخلاق، ويمنع من سيئها (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة: 197].
والحج يعوّد على الصبر، وتحمُّل المشاق، ويعوِّد على البذل والتضحية والإيثار، والحج كسر للشهوة، وانتصار على النفس والشيطان، فالحج فرصة عظيمة لألوان من الخيرات، وموسم لكسب الحسنات وتكفير السيئات.
عباد الله هذا وصلوا وسلموا...